منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


assile

assile

عضو جديد
البلد/ المدينة :
بلد الجود والكرم
المُسَــاهَمَـاتْ :
37
نقاط التميز :
54
التَـــسْجِيلْ :
22/07/2011
محاضرات مقياس دراسات الجمهور
اتصال و علاقات عامة
الـــجـــــزء الثاني
د.علي قسايسية

تطور مقاربات الجمهور
لقد تبين من خلال عرض بعض الجوانب النظرية و المفاهيمية المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام و الدراسات الخاصة به أن الباحثين المهتمين بهذا الميدان لا يتعاملون مع أنموذج واحد أو مقاربة واحدة للاتصال الجماهيري ولكنهم يعالجون شيئا أكثر بقليل من مجموعة من التطلعات البديلة.
إن الدراسات الإعلامية لم تتوصل بعد إلى اعتماد أدبيات موحدة فهناك مثلا مصطلحات من مثل "دراسات الاتصال الجماهيري" ، "علوم الإعلام و الاتصال" مجودة في الأدبيات الغربية و قد يعود تنوع مصطلحات الإعلام و الاتصال إلى عدم التوصل بعد إلى صياغة نظريات تعيد بلورة مبدأ تداخل العلوم الذي تم التخلي عنه منذ انفصال العلوم الأخرى عن الفلسفة واعتماد فلسفة التخصص و النماذج المتبعة في البحث العلمي الإعلامي و واقعه حتى في الدول المتقدمة لم تتوصل بعد إلى صياغة "كيان نظري متكامل لعلم الاتصال" باعتباره أحد العلوم المستقبلية غير أن هذا الأمر لم يوجد له مثيل في الدول الانتقالية و في مقدمتها الدول العربية و الراجح أن هناك عديد من المحاولات النادرة التي قام بها بعض الباحثين العرب في ميدان الدراسات الإعلامية لم تنشر على نطاق واسع لأسباب عدة لعل أن في مقدمتها أن الحقائق المتعلقة بالواقع الاجتماعي و لو أنها نسبية و لا تنتمي للعلوم الصحيحة الأمر الذي يلغي الحرية العلمية المتمثلة في حرية الفكر و حرية البحث العلمي و التعبير عن النتائج و النشر.
و من هنا يبقى المصدر الوحيد للدراسات النظرية و الإمبريقية ذات المصداقية و الدلالة العلمية هو المجتمعات المتطورة التي جعلت من العلم و المعرفة و التكنولوجيات الروافد الأساسية و الآمنة لنهضتها و استمرارها في النهوض و التطور الدائم في الزمن و المكان .
لكن عند محاولة توظيف هذه المعارف العلمية فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية و الاجتماعية تطرح أمام الباحثين تحديات ابستيمولوجية كبرى من نوع آخر ، و تواجه محاولات تأصيل و توظيف مناهج بحث نشأت في بيئات ثقافية و اجتماعية و نفسية معينة من أجل تحقيق أهداف مغايرة و تعدد النماذج و النظريات و المقاربات و الأساليب المنهجية مكن من تراكم تراث نظري و منهجي متطور تطورا تصاعديا.
خلفية التاريخ الطبيعي لأبحاث التأثير :
تجدر الإثارة في هذا التذكير التاريخي إلى هذا التقسيم الذي يبدو مساير للتسلسل الزمني إذ هو محاولة قراءة التطور الذي مهدته أبحاث الجمهور عبر مختلف المراحل التاريخية انطلاقا من وقائع الوضع الراهن و تدخلت عوامل محيطية لعبت دورا بارزا في رسم معالم مميزة لتاريخ نظريات التأثير وهيكلة فعل التلقي و تفكيك البيئة الاجتماعية بتصور نموذج اتصالي جزئي لجمهور مجزأ ومحاولة تخطي الوجود المادي للجمهور و تبني السلوك المعبر عن هذا الوجود اللامادي في العالم الإلكتروني إذ يعتبر هذا الجمهور له قدرة التواجد في كل مكان وفي نفس الزمان .
ومن أبرز تلك العوامل المساعدة، مصالح الحكومات والمشرعين واحتياجات الصناعات ونشاطات الجماعات الضاغطة واهتمامات مروجي الدعاية السياسية والتجارية وتنامي دور الرأي العام في الحياة السياسية و الاجتماعية و موطنة العلوم الاجتماعية التي تضفي نوعا من الطابع العلمي يخرجها قليلا من الدائرة الإيديولوجية .
وقبل القيام بتصنيف تراث أبحاث الجمهور من المفيد إبراز أهم المحطات في هذا التاريخ الطبيعي لأبحاث الجمهور:
1.ما قبل التحريات العلمية:
تمتد هذه المرحلة من بداية القرن العشرين إلى أواخر الثلاثينات منه ويمكن أن يطلق عليها مرحلة ما قبل التحريات أو التحقيقات العلمية حيث كانت المحاولات التي تتناول العلاقة بين ما تبثه وسائل الإعلام والجمهور المتلقي عبارة عن انطباعات أراء ونظريات ذاتية أكثر منها استنتاجات لتحليل وقائع موضوعية .
في هذه المرحلة كانت النضرة لوسائل الإعلام أنها مصدر لقوى خفية خارقة تعمل على صقل الرأي و الاعتقادات وفقا لإرادة أولئك الذين يملكون سلطة الرقابة على هذه الوسائل و توجبه نشاطاتها نحو مواضيع معينة ويمتلكون قوة الـتأثير و لم تكن هذه الأفكار قائمة على أساس تحريات علمية بل مجرد أراء مستوحاة من الملاحظة الشعبية التي تكتسبها الصحافة و الوسائط الجديدة و ما زاد في ترسيخ فكرة التأثير تدعيم المعلن و الحكومات الإمبراطورية في أوربا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. خاصة النطاق الواسع الذي شهده الراديو و التلفزيون إذ أن أول نوع من التآلف مع هذه الوسائل تتضمنه "نظرية المعنى العام" التي تشير إلى الأفكار التي يكونها عامة الناس حول موضوع معين و المستمدة أساسا من التجربة المباشرة و الاستعمال الشخصي لهذه الوسائل و الانطباعات التي تولدها هذه التجربة و يثير هذا الاستعمال، و قد أثارت مؤشرات فضاء الاتصال و الإعلام الجديد فضول الباحثين المهتمين بمتابعة ظواهر الحياة الاجتماعية و ملاحظة التغيرات المتتالية وخاصة التأثيرات الحاصلة في سلوك الناس فجاءت البدايات الأولى للتحريات الموضوعية في مجال البحث الإعلامي تحاول توظيف خلاصات التأملات النظرية و التجارب المنهجية التي كانت قد توصلت إليها مختلف فروع المعرفة الاجتماعية و النفسية لا سيما السوسيولوجيا العامة والسيكولوجية الفردية والاجتماعية في تفسير الظواهر الجديدة و العلاقات القائمة و الممكن قيامها بين مختلف التغيرات التي أسندت لوسائل الإعلام.
فقد تميزت الدراسات الإعلامية منذ انطلاقتها الأولى بالتوجه السوسيولوجي و السيكولوجي الاجتماعي بالدرجة الأولى،هذا التوجه الذي يلازمها عبر تاريخها الطبيعي .
و الأحداث الكبرى التي شهدتها تلك المرحلة الأولى عجلت إيجاد مناهج وتقنيات جديدة لفهم و تفسير مكانة دور وسائل الإعلام أسست لبروز اتجاه امبريقي سيسمح بتجاوز قصور انطباعات المعرفة العلمية و الأفكار التأملية و النمطية النظرية على تفسير الظاهرة الاتصالية الجديدة .
2.مرحلة التحريات العلمية :
ظهر في سياق الاعتقادات و التفكير مع بداية العشرية الرابعة من القرن الماضي نوع جديد من التحريات أسس لدخول البحث العلمي في مجال الجمهور استنادا إلى منهج المسح و التجربة الخبرية ويعتمد على خلاصات علم النفس الاجتماعي و الرياضيات و الإحصاء و السير ينقيا.
وقد أجريت دراسات امبريقية متفرقة على تأثير أنواع من المحتوى خاصة الأفلام وبرامج الحملات الانتخابية و الإشهارية وهذا ما قام به "لازارسفالد" حول دور الصحافة في الحملة الانتخابية لرئاسيات 1940 وتأثير الفيلم السينمائي على الجنود الأمريكيين.
وقد أسندت تلك الدراسات ابتداء من دراسة "لازارسفالد" و "كاتز" دورا متواضعا لوسائل الإعلام في إحداث التأثيرات المتوقعة أو غير المنتظرة وغير المرغوب فيها لخصت في دراسة حول أبحاث الجمهور للباحث "جوزاف كلابر" سنة 1962 وفيه العبارة "إن وسائل الاتصال لا تعمل عادة كسبب ضروري وكاف للتأثير في الجمهور ولكن بالأحرى تعمل ضمن جملة من عوامل التبليغ الوسيطة المترابطة ".
ولم يكن سهلا أن تتغير الآراء خارج المجتمع العلمي الاجتماعي وكان من الصعب أيضا قبول هذه الأفكار الجديدة (إن وسائل الإعلام يحدث في كل الظروف نفس التأثيرات البالغة) بالنسبة لأولئك الذين تعودوا على تصميم الحملات الإشهارية و الدعائية على أساس الأفكار السابقة ومحترفي الإعلام الذين كانوا يؤمنون بالقوى السحرية لوسائل مهنتهم وقد سلم العديد من الباحثين ابتداء من الستينات بممارسة وسائل الإعلام لنوع من التأثير يحدث غالبا على المدى البعيد وقد اتسع هذا التفكير بانتشار التلفزيون كوسيلة تكنولوجية منزلية وحيدة وهي تعتبر ميزة القرن الماضي إلى أن ظهر الحاسوب الشبكات العالمية " الانترنت " في عملية تفاعلية متمايزة لم يسبق لها مثيل في تاريخ دراسات تأثير تكنولوجيات الاتصال الحديثة و أدخلت أبعاد جديدة التعرض التزامني و اللاتزامني وأنماط السلوك الاتصالي وقد استمرت هذه المرحلة من التنظير إلى أن جاء"Morley" و تكلم حول الجيل الثالث من دراسات التلقي إلى جانب "دانيال ميلر" و "دون سلايتز" تتعلق بالمقاربة الاثنوغرافية لتحليل استعمال الانترنت في بيئات سوسيوثقافية مختلفة.
وقد طرح التساؤلات حول كيف أن ثقافة معينة تحاول أن تستمر في "منزلها" في المحيط الاتصالي السريع التحول (غير المستقر) و كيف يمكن لهذه الثقافة أن تكيف وتدمج هذا الوسيط في خصوصياتها المحلية و تطوعه لخدمة عملية التعولم و معرفة الآثار (التأثيرات المتبادلة )بين تلك العناصر المدمجة واستمر التفكير في وجود "تأثير " و "تأثير قوي " الذي يطبع بين رسائل الإعلام و الجمهور وخاصة درجة التعرض لها وقياس التغيير (نوع التغيير ) أو نقل نوع التنوع أي تغير المواقف و الآراء و الأفكار.
3.ما بعد التحريات العلمية :
بعد عرض حول دراسات تأثير وسائل الإعلام في الجمهور ولكن الأجدر قوله أن وسائل الإعلام لا تتوفر في ذاتها على قوة تأثير ولكن يتوقف الأمر على اعتقاد الناس في قدرتها على التغيير مجرى الأحداث و الأفكار و الاتجاهات و كان كاري (1978) قد حاول تفسير إشكالية التأثير و درجاته و اللاتأثير و حدوده بتغيير الاعتقاد في قدرة وسائل الإعلام .
فقد ناد الاعتقاد في قدرة وسائل الإعلام الجماهيري على التأثير البالغ في فترة الثلاثينيات تحت ظل ضغوطات نفسية و تيارات السياسية وفرت أجواء الحرب و خلقت الأرضية خصبة لإنتاج بعض أنواع التأثير فحين نهاية الستينيات وبداية السبعينيات شهدت توترات دولية نتيجة الحروب العربية الإسرائيلية (1967/1973) و أزمتي البترول سنتي (1973- 1985) و زيادة الصراع الأيديولوجي (إ.س / و.م.أ) إضافة إلى سقوط جدار برلين (1989) و غيرها من الأزمات التي عرضت البنيات الاجتماعية للاهتزازات و جعلتها أكثر حساسية لوسائل الاتصال الجماهيري خاصة و أن هذه الوسائل تكاد تحتكر الحقائق و الأراء حول الوقائع لا سيما القنوات التلفزيونية الفضائية الآنية و المواقع الالكترونية المتخصصة على الانترنت .
غير أن بعض الباحثين يعتقدون أن الأمر لا يتعلق بقدرة وسائل الاعلام على التأثير بقدر ما يتعلق باجتماع أسباب قد تكون مصادفة زمنية جعلت وسائل الاعلام تبدو بتلك القوة في مرحلة تاريخية معينة.
مما يزيد في تلك الفتراضية لوسائل الاعلام الجماهيري أن الحكومات و أصحاب الماليستعملون وسائل الاعلام في محاولة التأثير على الناس و مراقبة و توجيه سلوكهم هذا يعني أن وسائل الاعلام يمكن أن تكون في ظروف تاريخية ،نفسية ،اجتماعية ،اقتصادية ذات قوة بالغة بالنظر الى الاستجابات الفورية أو المتوسطة التي يبديها الناس ازاء الدعوات الهادفة الى تغيير المواقف و الآراء في اتجاه يخدم مصالح هذه الأطراف




محاضرات مقياس دراسات الجمهور




اتصال و علاقات عامة
الـــجـــــزء الثالث
د.علي قسايسية

تطور مقاربات الجمهور
في هذا الصدد، يمكن تمييز التوجهات الحديثة الكبرى لأبحاث الجمهور التي تبلورت منذ السبعينيات ضمن نوعين من التيارات البحثية، النوع الأول الذي يمكن أن نطلق عليه: أنموذج التأثير ، الذي أحدث قطيعة مع الأنموذج السائدة منذ الأربعينيات، حيث تخلى عن تحليل التأثير قصير المدى ، حجر الزاوية في نظرية لازارسفيلد ليهتم بالتأثير الإدراكي (COGNITIVE)على المدى البعيد لمجموع أنظمة وسائل الإعلام (مؤسسات اجتماعية)، خاصة الأبحاث المتعلقة بتكوين الرأي العام.
وظهر النوع الثاني الذي يمكن أن نسميه أنموذج التلقي، في بداية الثمانينات ليهتم بالكيفية التي "يؤول بها الملتقى الرسائل الإعلامية" أي التركيز على عملية التلقي في حد ذاتها باعتبارها ممارسة لها أسسها اجتماعيا وثقافيا ، وباعتبارها عملية بناء اجتماعي للمعاني التي يضيفها المتلقي على الرسائل الإعلامية
1.أنــــــمــوذج الـــتأثــيــر:Effect paradigms
ويشمل هذا الصنف عموما، مجموعة النظريات والمقاربات التي تناولت التأثير البالغ والمباشر والتأثير المحدود الفوري الطويل المدى ثم المزيد من التأثير.
وهي تهتم بالتغير أو التحول الذي قد يلاحظ في سلوكيات الجمهور ومواقفه وحالاته الانفعالية الذهنية الإدراكية والمعرفية أثناء وبعد التعرض لوسائل الإعلام وعلاقة هذا التغيير مقارنة بالوضع السابق للتعرض.
وتوصف هذه النماذج بكونها تشاؤمية لنظرتها السلبية لقدرة الجمهور على مقاومة القوة الخارقة لوسائل الإعلام التي تحدث تأثيرا في اتجاه خطي شاقولي.
ونشير هنا إلى نموذج القوى البالغة لوسائل الإعلام (power ful media) ، ونموذج الوخز الإبري (hypodermie paradigm) والقذيفة السحرية .
وفي المرحلة اللاحقة ظهرت نظرية أقل تشاؤما مثل تأثير وسائل الإعلام غير المباشر عبر قادة الرأي أو التدفق الإعلامي عبر خطوتين والتدفق عبر خطوة واحدة ثمة التدفق عبر خطوات متعددة ، ثم العودة إلى مزيد من التأثير المعمم على عدد متزايد من الناس مع تزايد الأزمات، والتوترات وتزايد تحكم وسائل الاتصال الحديثة في النشر الآتي للمعلومات عبر وسائل أقل تكلفة وأقل جهدا وسهلة الولوج إليها وأكثر قابلية للاستعمال، إذ تعتبر أسرع تكيفا مع حاجيات الناس المتمايزة وأكثر جاذبية وفي متناول جماعة من الناس غير محدودة عدديا .
فبالرغم من اتساع اعتقاد أن هذا الصنف له قدرة في إحداث تأثير إلا أنه فقد العديد من النماذج خاصة الأنموذجين التقليدين الأولين: القوى الخفية والقذيفة السحرية، الذين سادا في البدايات في محاولات تفسير إقبال الناس على مشاهدة الفيلم الجذاب أو قراءة القصة المشوقة .
كما كاد يختفي أنموذج الإعلام اللانهائي الذي يزعم أن لوسائل الإعلام دور كبير وفعال في حث الناس وتهيئتهم للانطلاقة (tamauff) الإنمانية لمجتمعاتهم ، وانتقالها من الحالة التقليدية إلى الحداثة.
وهناك نماذج لم يعد لها أهمية مثل أنموذج الامبربالية الثقافية ، والغزو الثقافي الذي ازدهر خلال العقدين السادس والسابع من القرن الماضي ، وهناك نماذج أخرى تتجدد تبعا للمستحدثات التكنولوجية وتلح على البقاء والاستمرار لارتباطها بتيارات الإيديولوجية مثل : نموذج الاستعمال والإشباع (use and grati ficatior) ونموذج تحديد مواضيع الاهتمام ونموذج لولب الصمت.
2.أنموذج التلقي: Reception paradigms
يقصد بها النظرية العامة والنظرات الفرعية والمقاربات التي حولت محور الدراسة من محتوى الرسالة وعلاقاته بالتأثير الذي قد يحدث في سلوك الجمهور أي علاقة الرسالة بالتأثير الناجم عن محاولة الإجابة عن التساؤل الأولي ماذا تفعل وسائل الإعلام في الجمهور.
في نموذج لازويل التركيز على مصير الرسالة بعدما يتلقاها الجمهور الانتقائي القوي والفعال الذي أعيد له الاعتبار نتيجة تغيير إستراتيجية البحث إلى ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟.
وأحدثت هذه المقاربة إشكالية جديدة بأنموذج الاستعمال والإشباع لـ: كاتز وأنموذج التفاعل والتأويلات لـ: مورلي نقل نوعية في أبحاث الجمهور إذ أصبح التركيز على العلاقة بين الرسالة والمتلقي .
وتعتبر هذه النظرية امتدادا لنظرية التأثير والتقبل الألمانية التي ظهرت في أوساط الستينيات من القرن الماضي موازاة مع التيارات الماركيسية والواقعية الجدلية والمناهج البيوغرافية التي تركز اهتماماتها على المبدع حياته ظروفه أو القائم بالاتصال أو المرسل .
كما جاءت موازية للتيارات النقدية التقليدية التي كان ينصب اهتمامها على المعنى وكذا التيارات البنيوية دون مراعاة القارئ.
وترى نظرية التلقي أن أهم شيء في عملية التواصل الأدبي هي تلك المشاركة الفعالة بين المشارك والقارئ أي الفهم الحقيقي للأدب ينطلق من وضع القارئ في مكانه الحقيقي وإعادة الاعتبار له باعتباره هو المرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه لأن المؤلف ما هو إلا قارئ للأعمال السابقة.
ويركز المنظرون الإعلاميون على الدور الذي يلعبه الجمهور في فك رموز الرسائل وإضفاء معاني عليها أي المعنى الذي يقصده القائم بالاتصال .
وتعتبر نظرية التلقي واحدة من أبرز النظريات المعاصرة التي أعادت الاعتبار لفعل التلقي كأساس لعملية تواصلية من المرسل والمستقبل إذ تهتم بتفسير آليات فهم النصوص والصور الإعلامية فالمعنى يولد لدى المشاهد والنص .
ويرى أصحاب هذه النظرية أن العوامل السياقية لها تأثير أكثر من العوامل النصية على الطريقة التي يشاهد بها المتلقي الفلم أو البرنامج التلفزيوني.
يعتقد الباحث مخلوف بوكروح أن الفضاء الأكثر ملائمة لدراسة عملية تلقي الرسالة هو المسرح إذ فيه تتجلى استجابة الجمهور بصورة مباشرة .
يحلل الباحثون الثقافيون الثقافة الجماهيرية على أنها تعبير عن العلاقات بين الأفراد والطبقات الاجتماعية في السياق الاجتماعي والسياسي الخاص بالمجتمعات الرأسمالية وينظرون لوسائل الإعلام كجزء لا يتجزأ من نظام التفاعلات الرمزية.
يساهم في انتاج فضاء رمزي أكثر مما هي أدوات في خدمة طبقة مهيمنة، وهنا يلتقي منظور الدراسات الثقافية مع منظور الاستعمال والإشباع في القول " أنّ الناس هم الذين يفعلون شيئا بوسائل الإعلام وليس العكس".
ولفهم تأويل مشاهدة معين لمنتوج تلفزيوني ما، يلجأ الباحثون لمنظور أكثر نفعية حيث يستعملون بكثافة المناهج الأنثوغرافية لجمع المعطيات: الاستجوابات العميقة والملاحظة المباشرة والملاحظة بالمشاركة.
ويرجع الفضل في تطوير المنهج الأنثروبولولجي في دراسات الاتصال الجماهيري عامة، و دراسات الجمهور بصفة خاصة إلى تيار الأبحاث المتعلقة بالأسر والتكنولوجيات الحديثة المتولدة عن الاستعمال العائلي التنامي للمبتكرات التكنولوجية الجديدة (التلفزيون، مسجل، قارئ الفيديو، الحاسوب)، إذ يركز على تحليل البرامج الإعلامية العامة والمجالات السياسية. وقد طرحت تساؤلات في هذا السياق حول الحصص المسماة الاتصال السياسي الموجه لجمهور عريض غير منسجم قبل أن تشمل جميع الأنواع المسماة شعبية(رياضية، منوعات، أوبرات...).كما طرحت القضايا المتعلقة بالعينة التمثيلية مثل النوع (ذكر. أنثى) و الانتماء الطبقي. وكان هدف هذا التيار الوصول إلى مؤشرات تأويل الجمهور للرسائل الإعلامية انطلاقا من متغيرات النوع والانتماء الطبقي الاجتماعي.
إذ أظهرت هذه الدراسة درجات التعقيد وأنماط فك الرموز واستحالة فهم القراءات الممكنة انطلاقا من الانتماء الطبقي الاجتماعي وحده.
وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات منها:
إهمالها لإمكانية التقاطع بين مدونات المتلقين من مختلف الطبقات الاجتماعية
إهمال التفاعل الاجتماعي بين الأبحاث المتعلقة بالثقافة الشعبية المركزة أكثر بالترفيه والتسلية فمن هنا فإن مختلف القياسات مفهوم معنى لم تكن لتسير عملية التنظيم للعلاقة بين النص والجمهور وتوضيح مضامينها .
لقد بدأ الاهتمام ينصب حول الاستعمالات الأثرية في منتصف الثمانينات حيث كان قد تم الاعتراف للمتلقي بدور فعّال في بناء معاني الرسائل الإعلامية و بأهمية السيّاقة الذي تتم فيه عملية التلقى حيث استبدل مفهوم " فك الترميز" بمفهوم " سياق " وتحول مركز الاهتمام إلى عملية "المشاهدة" وفهم هذا النشاط بحد ذاته.
وقد اهتم مورلي في هذه الدراسة التي استعمل فيها المنهج الأنثوغرافي بالتفاعلات بين مختلف أفراد العائلة أمام الشاشة الصغيرة و قد اهتم بالاختلافات بين عائلة ما و أخرى وبين أفراد العائلة الواحدة من جهة ثانية مركزا على علاقة السلطة بين الجنسين و بين البالغين و القصر دون إهمال إطار التحليل وبنية الجمهور من منظور الانتماء الطبقي والتربية الإيديولوجية التي تحدد السياق الإجتماعي و الثقافي الذي تحلل فيه تركيبة الجمهور و واقعه وأنماط تفاعله.
تميز التطور الأولي لأنموذج التلقي بانتقال اهتمامات البحث من قضايا الإيديولوجية و تحليل الرسائل المتلفزة من خلال التساؤلات حول البنية الطبقية وعملية فك الرموز إلى التمايز في ممارسة المشاهدة من منظور النوع داخل العائلة.
وهكذا أثارت مسألة فضول العديد من الباحثين الذين اهتموا كل حسب الأنموذج الذي ينطلق منه وحسب طبيعة أهداف البحث لمختلف جوانب عملية التلقي سواء تعلق بالمتلقي أو بالنص أو بطبيعة العلاقة بينهما أو بالتأويل (فك الرموز).
3.مؤشرات أنموذج جديد:
تستمد المفاهيم الجديدة المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام وسلوكياته وأبحاثه ومقوماتها أساسا من الأدبيات التي أوجدتها تيارات ما بعد الحداثة ابتداء من القرن العشرين، ومن الأجواء التي خلقتها تكنولوجيات الإعلام والاتصال المستجدة في المحيط الاتصالي المتحرك.
إن مفهوم ما بعد الحداثة(post-modernitsm) تكثف استعماله منذ العقد الثامن للقرن العشرين، للدلالة على تشكيلة واسعة من التغيير في أنماط التفكير، مشيرا على العموم إلى التيارات النقدية للحقائق المطلقة والهويات ، في الفلسفة ،الفن الموسيقي ، الهندسة المعمارية ، الأدب ،الشعر، التاريخ في هذه المجالات بالذات مواقف إيديولوجية أكثر من كونه يعبر عن حقبة زمنية في تاريخ الحضارة الإنسانية ، كما يشير إلى البعد التكنولوجي .
قد شاع استعمال مصطلح ما بعد الحداثة بعد دخوله ، أولا المجال الفلسفي سنة 1979 جون فرانسوا ليوطار ، الذي نشر "شرط ما بعد الحداثة".
وقد تتجلى أفكار ما بعد الحداثة في جوانب التلقي المختلفة وفي نشر المستحدثات.ومن خلال دراسة ابستمولوجية للباحث "جاب نيكولا يزن" والنقاشات التي كانت قد حامت من قبل حول العناصر الأكثر تداولا في أبحاث الجمهور على يد كل من مورلي ، كاران ، فيسك و سلاتير ، وغيرهم .
1.مفهوم السياق المنزلي (domestic context)
تعتبر الاتجاهات المشاهدة التلفزيونية كنشاط يومي معقد يجرى في السياق المنزلي ويمارس أساسا ضمن العائلة فالتلفزة تستقبل في سياق بالغ التعقيد والقوة غير أن الطابع السياقي للتلقي يطرح تساؤلات مؤرقة حول الكيفية التي تستعمل بها التلفزة في المنزل وحول سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة باختيار القنوات التلفزيونية والبرامج التي تشاهد في هذا الوسط الأسري
تسعى أبحاث التلقي الحديثة من خلال محاولة الإجابة على مثل هذه الإشكاليات وينبغي أن يأخذ نموذج الاتصال المنزلي بعين الاعتبار أوجه التشابه والتمايز بين الأسر وفهم مكانة هذه الفروق والتماثل في فضاء الثقافة والمجتمع الواسع لأخذ قضايا الانتماء الطبقي الاثني والابديولوجي والسلطة والجوانب المادية لعالم الحياة اليومية ..لم يبقى مفهوم الجمهور العددي أي الذين يتابعون البرامج والحصص وما أصبح ينظر إلى المتلقي كعضو ديناميكي ممارس لنشاط اتصالي راتب في الحياة اليومية للأسرة (الجماعة).
كما يركز تحليل السياق المنزلي على بحث الكيفية التي يتم بها إدماج التكنولوجيات حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من الديناميكية الداخلية و تنظيم الفضاء المنزلي.
2.مفهوم التكنولوجيات المنزلية: (domestic technologies)
على الرغم من الاستعمالات التكنولوجية المنزلية قد انطلقت منذ حوالي ربع قرن من الزمن و رغم التطور الهائل في هذه التكنولوجيات فان فهم مكانة التلفزيون في المجتمع المعاصر لا زالت تشكل قضية هامة ضمن إطار الأبحاث الحديثة إذ تنظر إلى هذه الأبحاث كوسيلة إعلام منزلية أساسا فالتلفزيون يعتبر على الصعيدين المنزلي و الوطني الخاص و العمومي عاملا فاعلا في ثقافة الاستهلاك و في الثقافة التقنية و بهذا تصبح دلالة التلفزيون و كل التكنولوجيات المنزلية تضم في نفس الوقت دلالات النصوص و دلالات التكنولوجيات و ينبغي أن تفهم كخصائص مستحدثة لممارسات الجمهور و من هنا تصبح تكنولوجيات الإعلام و الاتصال نظاما تقنيا و ماديا و اجتماعيا و ثقافيا يشمل قواعد واستعمالات و علاقات.


3.الديناميكية العائلية: (family dynamisme)
أدخل هذا المفهوم تعديلا هاما على مفهوم الجمهور بعدما كان مجرد فرد مشاهد أصبح عضوا في الجماعة المشاهدة أي المشاهدة الجماعية بدلا من الفردية (الديناميكية العائلية).
و يعتقد "ميك أندروود" أن مراجعة الإجراءات المنهجية لدراسات الجمهور حولت فهمنا و بالتالي نظرتنا للجمهور الذي اعتبرته الدراسات و الأبحاث الأولية مجرد أفراد متأثرين بالقوة البالغة للرسائل الإعلامية قارئين للنصوص و مؤولين للصور التي تخلقها و توزعها وسائل الإعلام. و هذا ما مكن "جيمس كارن" 1997 من كتابة تاريخ دراسات التلقي و يعيب على "مورلي" و "فيسك" و "سارطو" إفراطهم في الاعتماد على مذهب "المراجعة" الجديدة .
إن طرح إشكالية الديناميكية العائلية بهذه الكيفية يسمح بوضع إطار للتفكير في دراسة العلاقات الاجتماعية من خلال استعمال التكنولوجيات المنزلية الحديثة يتم في إطار العلاقات الاجتماعية و مختلف الديناميكيات الداخلية للأسرة مع اختلاف السن ، النوع، الجنس و اختلاف التأويلات و الدلالات و الرموز التي تحملها الرسائل الإعلامية و الاستجابة لمضامينها.
إذن، تمكن دراسة الديناميكية العائلية من تحليل المشاهدة و الاستعمال الفردي في إطار العلاقات العائلية خلال التفاعلات التي تحدث داخلها و هذا ما يحدد العوامل الحاسمة في ممارسة المشاهدة ، السلطة ، المسؤولية.
جيل ثالث من دراسات التلقي:
شهدت دراسات الجمهور تطورا أسماه "مورلي" الجيل الثالث من دراسات التلقي في سياق إعادة التفكير في جمهور وسائل الإعلام.
إن هذا الجيل الجديد الذي لم ترتسم معالمه النهائية بعد و لكن يمكن ملامسته من خلال العديد من الظواهر و المفاهيم المرتبطة بها.
فعلى الصعيد التكنولوجي اتسع انتشار الواب و تغلغله في جميع نواحي الحياة و اجتياح العولمة الإعلامية و تعميم أنظمة الاتصال الرقمية التي غيرت جذريا علاقات التبعية بين المرسل و المتلقي.
و على الصعيد الاقتصادي أعاد نهوض البلدان "النمور الآسيوية" في نهاية القرن الماضي و النمو الاقتصادي المذهل إمكانية محافظة شعوبها لثقافاتها و حضاراتها و مسايرة الدول المحتكرة للاقتصاد.
أما الأحداث السياسية الأكثر انعكاسا على عملية إعادة التفكير في أنماط التفاعلات الممكنة بين التدفق الإعلامي المعولم و المتلقين من مختلف الانتماءات الثقافية و العرقية و الاثنية و كذا الحرب على الإرهاب التي طرحت التخلي على المبادئ التي وجدت بعد ح ع 2 مثل حقوق الإنسان بما فيها حق الإعلام و حق الاختلاف.
لقد أصبحت بعض مظاهر هذا الجيل الثالث من دراسات التلقي الذي يرتكز على منظور المنهج الاثنوغرافي واضحة و لكنها غير دقيقة تحتاج إلى أبحاث واسعة و بفضل تطور أبحاث الجمهور اكتسب منظور جديد من جهة و انعكاسات تكنولوجيات الاتصال و الإعلام عنصر الوجود اللامادي و اللامحدودية في الزمن و المكان للجمهور و الذي يطلق عليه " ما بعد الجمهور".
إن الرقمية لم تمنح حرية الاختيار المطلق للمتلقي و حسب و لكنها قضت على العديد من القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية على الجمهور من قبل عرض نسخ من خدماتها عبر مواقع الانترنت و قبل إنشاء وسائل إعلام جماهيرية الكترونية e-media.
سيوفر نظام الاتصال الرقمي بعد تعميمه و جمهرته في عمليات الاتصال المحلية و الإقليمية و الدولية و خاصة تلفزيونات الانترنت و توسع شبكتها سيوفر لجمهور المتلقين خيارات عديدة و منها القدرة على التجوال بين الزوايا المختلفة و الأزمنة المختلفة لتلقي تفاصيل الحدث أو العمل الدرامي مثل الرجوع إلى لقطة معينة و الرجوع إلى الخلف و التقدم للأمام و وغيرها مما يدل على سيادة المتلقي في اتخاذ القرارات.
و قد أضافت هذه الحرية في الاختيار التي يكتسبها الجمهور باستمرار الجمهور سمات أخرى مثل سمة التفاعلية و اللاتزامنية
.


________________________________________
محاضرات مقياس دراسات الجمهور
اتصال و علاقات عامة
الجزء الرابع والأخير
د.علي قسايسية

الاتجاه الامبريقي في دراسات الجمهور:
رأينا أن النظريات والنماذج المتعلقة بالجمهور تتسم بنوع من التباين في أطروحاتها وأحيانا بتناقض في نتائجها. وقد يرجع ذلك إلى درجة العلمية التي بلغتها العلوم الاجتماعية في محاولتها الاقتراب من مستوى اليقين والثبات في العلوم الطبيعية. إذ ساعدت محاولات تطبيق مناهج العلوم التجريبية على العلوم الاجتماعية وتوسيعها إلى علوم الإعلام والاتصال، على ظهور نوع من الدراسات الميدانية، يطلق عليه عادة "الأبحاث الأمبريقية" (Empirical Researches) تعتمد على المعطيات الواقعية أكثر من اعتمادها على النظريات التي تبقى مع ذلك تقود خطوات البحث الأمبريقي وتؤطر أساليبه. ويستخدم البحث الأمبريقي منهجا معينا ذا قواعد معينة تؤدي إلى نتائج معينة.
ويمكن اختبار صحة المنهج المستخدم والنتائج المتوصل إليها بحيث إذا استخدم باحثون آخرون نفس المنهج في سياقات اجتماعية وثقافية متشابهة، وجب الوصول إلى نفس النتائج، و إلا هناك خطأ ما ينبغي البحث عنه وتصحيحه. فإذا توصل باحث على سبيل المثال إلى أن "س" من جمهور حصة "آخر كلمة"(48) التلفزيونية في الجزائر هم من فئة الشباب الأقل من "ص" سنة، باستعمال أسلوب الاستمارة، وجب أن يتوصل باحث آخر في نفس الظروف إلى نتائج تقارب قيم "س" العددية في البحث الأول.
فالبحث الأمبريقي يمكن التحقق من نتائجه ومدى مطابقتها للواقع، ويمكن للبحث الأمبريقي بهذه الصفة أن يختبر صحة أو خطأ فرضية أو تحليل نظري، مثل ما فعل لازارسفالد وآخرون بشأن نظرية التأثير البالغ والشامل لوسائل الإعلام على المتلقين، حيث أثبتت نتائج البحث الميداني الذي أجراه هذا الفريق على دور ومكانة وسائل الإعلام في الحملة الانتخابية الرئاسية، بطلان نظرية "الوخز الإبري" أو " القذيفة السحرية" التي تمارسها وسائل الإعلام على أفراد "المجتمع الجماهيري"، وفقا للافتراضات السابقة لهذه الدراسة.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت للدراسات الأمبريقية والتشكيك في قيمتها العلمية، فإنها تتميز بما يلي:
1-الموضوعية، أي الابتعاد عن الذاتية بقدر التقرب من الواقع موضوع الدراسة.
2- إمكانية التحقق من النتائج، أي إمكانية إعادة الدراسة للتأكد من صحة أو خطأ النتائج المتوصل إليها.
3- استخدام أسلوب أو منهجية بحث مناسبة للقضية، موضوع البحث الأمبريقي.
وللاستفادة علميا من نتائج الأبحاث الأمبريقية، يوصي الاختصاصيون بضرورة مراجعة جملة من الاعتبارات منها، 1) الاستمرار مع النتائج السابقة، أي أن الباحث مطالب بالإطلاع على نتائج الأبحاث السابقة التي أجريت حول موضوع بحثه، و2) الانسجام بين محتوى الفرضيات والنتائج المتوصل إليها، و3) احترام صارم للأمانة العلمية وأخلاقيات البحث لتفادي التلاعبات السياسية التي غالبا ما تحاول توجيه نتائج الدراسة، وبخاصة في ميدان سبر الآراء(49).
ويمكن حصر أهم جوانب الدراسة الأمبريقية فيما يلي:
أولاً- الأبحاث الأمبريقية التي يشار إليها في الأدبيات الأنجلوسكسونية عادة بأبحاث الجمهور(Audience Research)، ترتكز بالأساس على العمل الميداني (fieldwork)، أي جمع المعطيات والبيانات والمعلومات المتعلقة بحجم الجمهور وبنيته الديموغرافية والمهنية والسوسيو-ثقافية وأنماط التفاعل مع الرسائل الإعلامية.
وبتأثير من نفس العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت إلى ازدهار دراسات الجمهور النظرية، وتطور الأبحاث الميدانية في اتجاه تبسيطي مضر أحيانا بالنزاهة والجدية والصرامة العلمية. ولكن هذا الاتجاه التبسيطي يبدو مجديا اقتصاديا وسياسيا، حيث ازدهرت اقتصاديات أبحاث الجمهور، خاصة سبر الآراء والدراسات التسويقية حتى أصبحت مجالا واسعا للتنافس بين أطراف عديدة منها الحكام والسياسيين والمعلنين والتجار ومكاتب الدراسات ومصنعي أجهزة القياس الإليكترونية. كما تتسابق صناعات تقنيات سبر الآراء على تطوير الآلات الأوتوماتيكية والإليكترونية (Audiomètre, People Meter) تحولت من القياس الكمي الذي يقتصر على متابعة حالة أجهزة الاستقبال الإذاعي والتلفزيوني ونسخ سحب الجرائد والمجلات ومقاعد دور السينما والمسارح، إلى قفزة نوعية تحصي وتفرز الأشخاص الذين يشاهدون ويستمعون ويقرءون ويتفرجون على عرض درامي أو يبحرون افتراضيا عبر المواقع الإليكترونية. تتم عمليات الإحصاء والفرز والتصنيف بسرعة فائقة بفضل المعلوماتية التي تـطور يوميا أدوات الإحصاء وبرمجيات المعالجة الإليكترونية والتحكم عن بعد والبريد الإليكتروني وأنظمة الرسائل القصيرة للهاتف الرقمي والتيليماتيك وغيرها من التقنيات المتطورة بسرعة مذهلة تصعب متابعتها ورصد انعكاسات بنفس السرعة.
ثانياً- أساليب الأبحاث الأمبريقية الشائعة هي أخذ عينة تمثيلية للجمهور المراد بحثه وقياس حجمه وكيفية تشكيله وأنماط استجاباته للرسائل الإعلامية، إلى جانب قياس فئات العينة: السن، والجنس، والمستوى التعليمي، والوضع الاجتماعي أو مستوى الدخل، والمهنة، والدور الاجتماعي، ومكان الإقامة. تأخذ بعين الاعتبار الخصائص السيكولوجية والسوسيولوجية والسياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يجري فيها التفاعل بين الجمهور والرسائل الإعلامية. وهناك ثلاثة أساليب تستعمل على نطاق واسع في دراسة جمهور أي وسيلة إعلامية:
1- أسلوب البحث التجريبي (Experimental)، ويستعمل خاصة في عملية الكشف عن الخصائص السيكولوجية والاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وتأثير السياقات المتنوعة في استجابة الجمهور للرسائل الإعلامية.
2-أسلوب المسح (Survey Method)، ويقوم أساسا على الاستجوابات والاستمارات لتحديد فئات الجمهور على أساس الجنس والسن ومستوى التعليم والوظيفة والمواقف والآراء...
3-أسلوب دراسة الحالة (Case Study)، ويستخدم الملاحظة ومتابعة الحالة المدروسة لفترة زمنية معينة، والمقابلة الجماعية أو الفردية والوثائق. وهو أسلوب لبحث ظاهرة معينة في فضاء معين، لكن نتائجها غير قابلة للتعميم.
ثالثاً - مؤسسات أبحاث الجمهور: ظهرت أبحاث الجمهور الميدانية مع ظهور وسائل الإعلام الإليكترونية (الإذاعة في العشرينيات والتلفزيون في الخمسينيات) في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تلتها فرنسا بعد إدخال الإشهار التجاري في التلفزيون سنة 1968. ولم تعرف هذه الأبحاث أية انطلاقة جدية في الجزائر بعد أكثر من أربعة عقود من الاستقلال، كما هو الشأن في البلدان المشابهة لها في الظروف الديموغرافية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية. وقد يرجع ذلك إلى جملة من العوامل منها على وجه الخصوص:
1-انعدام المعطيات الإحصائية الدقيقة أو عدم نشرها،
2-حداثة التعددية السياسية والإعلامية، أي غياب مبررات التنافس التجاري والسياسي على المواطن كزبون وكناخب،
3-غياب مؤسسات البحث العلمي وتقاليد التحقيقات والتحريات الاجتماعية.
4-غياب تقاليد التعامل مع المحققين، وأحياناً الخوف منهم والتشكيك في نوايهم
5-إخفاء الحقيقة نتيجة الريب والخوف، وأحينا اللجوء للكذب لتضليل المحققين
غير أن إقبال الجزائر على الاندماج في الاقتصاد المعولم وتعدد وسائل الإعلام الإليكترونية التي يتعرض لها الجمهور الجزائري، أصبح يشكل مؤشرات جديرة بالاعتبار عند الحديث عن مستقبل أبحاث الجمهور في الجزائر.
أبحاث الجمهور في الجزائر
ورغم ذلك فهناك محاولات ذات أهمية قام بها جيل جديد من الباحثين في قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر خلال العقد الأخير (1995-2006) تمثلت خاصة في مناقشة 144 أطروحة ماجيستر ودكتوراه دولة في مختلف مجالات الدراسات الإعلامية، منها 30 دراسة تعالج بصفة مباشرة أو غير مباشرة مختلف مظاهر الجمهور قام بها أساتذة و/أو طلبة في إطار واجبات بيداغوجية بهدف الحصول على درجة علمية أو ترقية مهنية، يمكن أن تشكل منطلقات لأبحاث الجمهور في سياق الآفاق التي تميز التوجه الاجتماعي-السياسي العام(50).
مؤسسات البحث في مجال الجمهور
وعموما، هناك ثلاثة أنواع من المؤسسات التي تقوم بأبحاث الجمهور لأهداف تجارية و/أو سياسية و/أو علمية.
1-وسائل الإعلام: تنجز المؤسسات الإعلامية دوريا أبحاثا لمعرفة جمهورها في محاولة لتلبية رغباته وإشباع حاجاته للإعلام والتثقيف والتسلية والترفية، والتي تختلف من جمهور إلى آخر، وخاصة لزيادة مبيعاتها ومدا خيلها من الإشهار الذي يشكل عموما النسبة الأعظم في تمويل وسائل الإعلام التجارية. وتتوفر المؤسسات الإعلامية الجدية الكبرى والصغرى على دوائر وأحيانا مراكز متخصصة، مهمتها متابعة التغيرات التي تطرأ على حجم الجمهور وحاجاته ومواقفه من نشاطات المؤسسة. وتكاد لا تخلو أية مؤسسة جدية من مصلحة تهتم بمتابعة حالة الجمهور متابعة دورية منتظمة لا تتجاوز أسبوعا بالنسبة لمجموع البرامج ويوميا بالنسبة لبعض الأنواع من البرامج.
2- مكاتب دراسات، تنجز دراسات مسحية عند الطلب لجهات تجارية في المجتمعات التنافسية، حيث تشكل هذه الدراسات سوقا اقتصادية وإعلامية مزدهرة،
 
د.بوترعة بلال

د.بوترعة بلال

عضو متميز
رقم العضوية :
4072
البلد/ المدينة :
وادي العرب
المُسَــاهَمَـاتْ :
2087
نقاط التميز :
2645
التَـــسْجِيلْ :
21/10/2010
بارك الله فيك على الموضوع أختي
ننتظر المزيد من ابداعاتك
 
le prince hamada boiting

le prince hamada boiting

عضو جديد
البلد/ المدينة :
باتنة
المُسَــاهَمَـاتْ :
34
نقاط التميز :
69
التَـــسْجِيلْ :
04/10/2011
بارك الله فيك ونتمنى المزيد من النجاحات
 
assile

assile

عضو جديد
البلد/ المدينة :
بلد الجود والكرم
المُسَــاهَمَـاتْ :
37
نقاط التميز :
54
التَـــسْجِيلْ :
22/07/2011
وفيكم البركة ...امين يا رب
ولكم ايضا
 
avatar

خديجة امة الرحمن

عضو جديد
البلد/ المدينة :
algeria/setif
المُسَــاهَمَـاتْ :
5
نقاط التميز :
6
التَـــسْجِيلْ :
22/03/2012
بارك الله فيكم
وجزاكم كل خير
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى