منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
علي بن الحسين بن علي
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، زين العابدين ومنار القانتين كان عابدا وفيا وجوادا حفيًا، وأمه أم ولد اسمها غزالة، وهو علي الأصغر بن الحسين، وأما علي الأكبر بن حسين فقتل مع أبيه بنهر كربلاء وليس له عقب، ويكنى بأبي الحسين، وكان علي بن حسين مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وكان مريضًا نائمًا على فراشه فلما قتل الحسين عليه السلام قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله أنقتل فتى حدثًا مريضًا لم يقاتل، وهو من الطبقة الثانية من التابعين، ولد ومات بالمدينة المنورة.


هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، زين العابدين ومنار القانتين كان عابدا وفيا وجوادا حفيًا، وأمه أم ولد اسمها غزالة، وهو علي الأصغر بن الحسين، وأما علي الأكبر بن حسين فقتل مع أبيه بنهر كربلاء وليس له عقب، ويكنى بأبي الحسين، وكان علي بن حسين مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وكان مريضًا نائمًا على فراشه فلما قتل الحسين عليه السلام قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله أنقتل فتى حدثًا مريضًا لم يقاتل، وهو من الطبقة الثانية من التابعين، ولد ومات بالمدينة المنورة.

موقفه مع ابن زياد، ويزيد ابن معاوية:
جاء عمر بن سعد فقال: لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض، قال علي بن الحسين فغيبني رجل منهم وأكرم نزلي واختصني وجعل يبكي كلما خرج ودخل حتى كنت أقول: إن يكن عند أحد من الناس خير ووفاء فعند هذا؛ إلى أن نادى منادي بن زياد ألا من وجد علي بن حسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم، فدخل والله علي وهو يبكي وجعل يربط يدي إلى عنقي وهو يقول: أخاف؛ فأخرجني والله إليهم مربوطا حتى دفعني إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها، فأخذت وأدخلت على بن زياد فقال: ما اسمك فقلت: علي بن حسين قال: أو لم يقتل الله عليًا، قلت: كان لي أخ يقال له: علي أكبر مني قتله الناس قال: بل الله قتله قلت: الله يتوفى الأنفس حين موتها؛ فأمر بقتله فصاحت زينب بنت علي: يا بن زياد، حسبك من دمائنا، أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه؛ فتركه، ولما دخلت على يزيد بن معاوية بمن بقي من أهلي؛ قام رجل من أهل الشام فقال: إن سباءهم لنا حلال، فقلت: كذبت ولؤمت ما ذاك لك، إلا أن تخرج من ملتنا وتأتي بغير ديننا، فأطرق يزيد مليًا ثم قال للشامي: اجلس، وقال لي: إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت، وإن أحببت أن أردك إلى بلادك وأصِلُكَ قال: بل تردني إلى بلادي فرده إلى بلاده ووصله.

موقفه مع هشام بن عبد الملك:
روي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه وأخيه الوليد فطاف بالبيت؛ فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذا أقبل علي بن الحسين فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالاً له وهيبة واحترامًا وهو في بزة حسنة وشكل مليح، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه استنقاصًا به واحتقارًا؛ لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضرًا: أنا أعرفه فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول:
هذا الذي تَعرِف البطحاءُ وطأتَه ... والبَيْتُ يَعْرِفه والحِلُّ والحرمُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلِّهم ... هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهله ... بجدِّه أنبياءُ الله قد خُتِموا
وليس قولُك مَن هذا بضائرِه ... العُرْبُ تعرِف مَنْ أنكرتَ والعجم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارِم هذا ينتهي الكرمُ
يُغْضِي حياءً ويُغْضى من مهابته ... فما يُكَلَّمُ إلا حين يَبْتسِم
بكَفّه خيزْرانٌ رِيحُها عَبِقٌ ... من كفّ أروعَ في عِرْنينه شمم
يكاد يُمسكه عِرْفانَ راحته ... رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم
الله شرَّفه قِدْماً وعَظمه ... جَرَى بذاك له في لوحِه القلم
أيُّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأَوَّلِيَّة هذا أولَهُ نِعَمُ
مَنْ يشكرِ الله يشكرْ أَوّليَّة ذا ... فالدِّين من بيت هذا ناله الأمم
يَنْمِي إلى ذِروة الدين التي قَصُرت ... عنها الأكفُّ وعن إدراكها القَدَمُ
مَنْ جَدُّه دان فَضْلُ الأنبياء له ... وفَضْلُ أمَّته دانت له الأمم
مُشتقَّةٌ من رسول الله نبَعتُه ... طابت مغارسُه والخِيمُ والشِّيَمُ
ينشقُّ ثَوبُ الدجى عن نُور غُرَّته ... كالشمس تنجابُ عن إشراقها الظُلَم
مِنْ معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهمُ ... كُفْرٌ وقُرْبُهُم مَنْجىً ومُعْتَصَم
مُقَدَّمٌ بعد ذكر الله ذِكرُهُم ... في كلِّ بدْء ومختومٌ به الكَلِم
إن عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمتَهم ... أو قيل مَنْ خيرُ أهل الأرض قيلَ همُ
لا يستطيع جوادٌ كنهَ جودهمُ ... ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كرموا
يُسْتَدفَع الشّرُّ والبلوى بحبِّهمُ ... ويستربُّ به الإِحْسانُ والنِّعَم

قال فغضب هشام من ذلك وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة، فلما بلغ ذلك علي بن الحسين بعث إلى الفرزدق باثنى عشر ألف درهم فلم يقبلها وقال: إنما قلت ما قلت لله عز وجل ونصرة للحق وقيامًا بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذريته، ولست أعتاض عن ذلك بشيء، فأرسل إليه علي بن الحسين يقول: قد علم الله صدق نيتك في ذلك وأقسمت عليك بالله لتقبلنها فتقبلها منه ثم جعل يهجو هشاما وكان مما قال فيه:

أتَحِبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يَهْوى مُنِيبُها
يقلِّبُ رأساً لم يكن رأس سيِّد ... وعيناً له حولاء بادٍ عيوبُها

من ملامح شخصيته:
تواضعه:
عُرف عن علي بن الحسين تواضعه الجم، ولا عجب في ذلك فجده سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن كما أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها، ولقد جاءه نفر فأثنوا عليه فقال: ما أكذبكم وما أجرأكم على الله، نحن من صالحي قومنا وبحسبنا أن نكون من صالحي قومنا.

عفوه وصفحه عن الآخرين:
كان علي بن الحسين كجده محمد صلى الله عليه وسلم حليمًا عفوًا يصفح عمن أساء إليه، ولقد جاء إليه رجل فقال له: إن فلانا قد آذاك، ووقع فيك قال: فانطلق بنا إليه، فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه، فلما أتاه قال: يا هذا، إن كان ما قلت في حقًا فغفر الله لي، وإن كان ما قلت في باطلاً فغفر الله لك.
وكان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين بعض الأمر فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين وهو مع أصحابه في المسجد فما ترك شيئًا إلا قاله له، وعلي ساكت فانصرف حسن، فلما كان في الليل أتاه في منزله فقرع عليه بابه فخرج إليه فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقًا فيما قلت لي غفر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك، السلام عليكم وولى، فاتبعه حسن فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له، ثم قال: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه، فقال علي: وأنت في حل مما قلت لي.

وخرج يوما من المسجد فسبه رجل؛ فانتدب الناس إليه فقال: دعوه ثم أقبل عليه فقال: ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل فألقى إليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول: إنك من أولاد الأنبياء.

وقال عبد الرزاق سكبت جارية لعلي بن الحسين عليه ماء ليتوضأ فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت الجارية إن الله يقول والكاظمين الغيظ فقال قد كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس فقال عفا الله عنك فقالت والله يحب المحسنين قال أنت حرة لوجه الله تعالى..!

ونال منه رجل يوما فجعل يتغافل عنه يريه أنه لم يسمعه فقال له الرجل إياك أعني فقال له علي وعنك أغضي.

بذله النصيحة:
كان علي بن الحسين ناصحًا لأصحابه مقومًا ما يراه خطأً في سلوكهم، ومما يروى عنه في ذلك ما حدث بينه وبين ابن شهاب الزهري وقد أصاب دمًا خطأ، فخرج وترك أهله وضرب فسطاطا وقال: لا يظلني سقف بيت، فمر به علي بن حسين فقال: يا بن شهاب، قنوطك أشد من ذنبك، فاتق الله واستغفره، وابعث إلى أهله بالدية وارجع إلى أهلك. فكان الزهري يقول: علي بن حسين أعظم الناس علي منة.

ومات لرجل ولد مسرف على نفسه فجزع عليه من أجل إسرافه فقال له علي بن الحسين: إن من وراء ابنك خلالاً ثلاثًا شهادة أن لا إله إلا الله، وشفاعة رسول الله، ورحمة الله عز وجل.

وقال لابنه ناصحًا: يا بني لا تصحب فاسقًا فإنه بيعك بأكلة وأقل منها يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا بخيلاً فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، ولا كذابًا فإنه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب، ولا أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا قاطع رحم فإنه ملعون في كتاب الله قال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ".

وقال لابنه أيضًا: يا بني اصبر على النوائب، ولا تتعرض للحقوق، ولا تخيب أخالك إلا في الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته لك.

ورعه وخشيته وعبادته:
كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فقيل له ما لك فقال ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي. وكان الزهري يقول: ما رأيت قرشيًا أورع منه ولا أفضل.

ولما حج أراد أن يلبي فارتعد وقال: أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك فيقال لي: لا لبيك فشجعوه على التلبية فلما لبى غشي عليه حتى سقط عن الراحلة، وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة.

وذكروا أنه احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلي فلما انصرف قالوا له مالك لم تنصرف فقال إني اشتغلت عن هذه النار بالنار الأخرى وكان إذا توضأ يصفر لونه فإذا قام إلى الصلاة ارتعد من الفرق فقيل له في ذلك فقال ألا تدرون بين يدي من أقوم ولمن أناجي.

كثرة صدقاته:
وكان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمه يوم القيامة. وقال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون، ومن يعطيهم؟ فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به، ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل، وقيل: إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات. ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة ابن زيد يعوده فبكى ابن أسامة فقال له: ما يبكيك؟ قال: علي دين قال: وكم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، وفي رواية سبعة عشر ألف دينار فقال: هي علي.

علمه وحبه للعلم:
قال الزهري: كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين وما رأيت أفقه منه وكان قليل الحديث وكان من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى مروان وابنه عبد الملك وكان يسمى زين العابدين.

وفي روايته للحديث يقول أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده.

وكان علي بن الحسين إذا دخل المسجد تخطى الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم، فقال له نافع بن جبير بن مطعم: غفر الله لك أنت سيد الناس تأتي تخطي حلق أهل العلم وقريش حتى تجلس مع هذا العبد الأسود فقال له علي بن الحسين: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع، وإن العلم يطلب حيث كان.

من كلماته:
وقال علي بن الحسين: سادة الناس في الدنيا الأسخياء الأتقياء، وفي الآخرة أهل الدين وأهل الفضل والعلم والأتقياء، لأن العلماء ورثة الأنبياء.

وقال أيضًا: إني لأستحي من الله عز وجل أن أرى الأخ من إخواني فأسأل الله له الجنة وابخل عليه بالدنيا.

وكان يقول: الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته. وقال: فقد الأحبة غربة.

وكان يقول: إن قومًا عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرون عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وآخرون عبدوه محبة وشكرًا فتلك عبادة الأحرار الأخيار.

وكان يقول: لا يقول رجل في رجل من الخير مالا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، وما أصطحب اثنان على معصية إلا أوشك أن يفترقا على غير طاعة.

وكان يقول إذا مرت عليه جنازة:

نراع إذا الجنائز قابلتن * ونلهو حين نمضي ذاهبات

كروعة ثلة لمغار سبع * فلما غاب عادت راتعات

وفاته:
اختلف أهل التاريخ في السنة التي توفي فيها علي بن الحسين زين العابدين، فالمشهور عن الجمهور أنه توفي في هذه السنة أعني سنة أربع وتسعين في أولها عن ثمان وخمسين سنة، وصلى عليه بالبقيع ودفن به. وقيل: مات علي ين الحسين وسعيد بن المسيب وعروة وأبو بكر بن عبد الرحمن سنة أربع وتسعين وقال بعضهم توفي سنة ثنتين أو ثلاث وتسعين وأغرب المدائني في قوله إنه توفي سنة تسع وتسعين والله أعلم.


المصادر:
البداية والنهاية - حلية الأولياء..
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
عكرمة مولى ابن عباس

هو عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية، أحد التابعين والمفسرين المكثرين والعلماء الربانيين والرحالين الجوالين، صنفه ابن سعد في الطبقه الثانية من التابعين. ومات ابن عباس وهو عبد فاشتراه خالد بن يزيد ابن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار فبلغ ذلك عكرمة فأتى عليا فقال بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه.

عاش عكرمة بين مكة والمدينة ولم يثبت أنه تركهما إلا إلى خرسان، وقال ابن كثير: طاف عكرمة البلاد ودخل إفريقية واليمن والشام والعراق وخراسان وبث علمه هنالك.

الصحابة الذين تعلم على أيديهم:





هو عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية، أحد التابعين والمفسرين المكثرين والعلماء الربانيين والرحالين الجوالين، صنفه ابن سعد في الطبقه الثانية من التابعين. ومات ابن عباس وهو عبد فاشتراه خالد بن يزيد ابن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار فبلغ ذلك عكرمة فأتى عليا فقال بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه.

عاش عكرمة بين مكة والمدينة ولم يثبت أنه تركهما إلا إلى خرسان، وقال ابن كثير: طاف عكرمة البلاد ودخل إفريقية واليمن والشام والعراق وخراسان وبث علمه هنالك.

الصحابة الذين تعلم على أيديهم:


كانت فرصة عكرمة كبيرة في العلم، فكان مولى عبد الله بن عباس حبر الأمة وهذه الفرصة أتاحت له التعلم حتى صار من علماء التابعين، وكان عكرمة يقول: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسنن، ورغم أنه كان مولى ابن عباس إلا أنه لم يكتف بالتعلم على يديه؛ بل تعلم على يد كثير من الصحابة ونهل من علمهم فقد روى عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة ونهل من علم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وكان سفيان الثوري يقول: خذوا المناسك عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة، وقال أيضًا: خذوا التفسير عن أربعة سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك.

أهم ملامح شخصيته:


العلم:


بلغ عكرمة مولى ابن عباس في العلم درجة كبيرة، وعده قتادة من أعلم التابعين فعنه قال: أعلم التابعين أربعة:كان عطاء أعلمهم بالمناسك وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام".

ومما يدل على غزارة علمه ما رواه معمر عن أيوب قال: كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة إلى أفق من الآفاق. فإني لفي سوق البصرة إذا رجل على حمار.. فقيل لي: عكرمة!! فاجتمع الناس إليه، فقمت إليه فما قدرت على شيء أسأله، ذهبت مني المسائل فقمت إلى جنب حماره فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ. وقال ابن كثير: وكان أحد أوعية العلم وقد أفتى في حياة مولاه ابن عباس.

سرعة البديهة:


عن أيوب سمعت رجلا قال لعكرمة فلان قذفني في النوم قال: اضِرب ظله ثمانين.

تفنيد شبه:


1ـ رميه بالكذب.

2ـ الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج.

3ـ القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء.

احتج به البخاري وأصحاب السنن، وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير؛ وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه، وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة: منهم أبو جعفر بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وأبو عبد الله بن منده، وأبو حاتم بن حبان، وأبو عمر بن عبد البر، وغيرهم. فأما أقوال من ضعفه فمدارها على ثلاثة أشياء: على رميه بالكذب، وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج، وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء، فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن به فيه. فأما البدعة: فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه، وأما قبول الجوائز: فلا يقدح أيضا إلا عند أهل التشديد وجمهور أهل العلم على الجواز كما صنف في ذلك بن عبد البر، ولقد أثني عليه علماء عصره فقال محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم: كنت جالسًا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة أذكرك الله هل سمعت ابن عباس يقول ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه فإنه لم يكذب علي؟ فقال أبو أمامة: نعم، وهذا إسناد صحيح. وقال يزيد النحوي عن عكرمة: قال لي ابن عباس انطلق فافت الناس. وحكى البخاري عن عمرو بن دينار قال: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة فجعلت كأني أتباطأ فانتزعها من يدي وقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس هذا أعلم الناس. وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. وقال حبيب بن أبي ثابت: مر عكرمة بعطاء وسعيد بن جبير فحدثهم، فلما قام قلت لهما تنكران مما حدث شيئا قالا: لا. وقال أيوب: حدثني فلان قال: كنت جالسًا إلى عكرمة وسعيد بن جبير وطاووس وأظنه قال: وعطاء في نفر فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ وكأن على رؤوسهم الطير. فما خالفه أحد منهم إلا أن سعيدًا خالفه في مسألة واحدة، قال أيوب: أرى ابن عباس كان يقول القولين جميعًا. وقال حبيب أيضًا: اجتمع عندي خمسة طاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان على عكرمة المسائل فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: نزلت آية كذا في كذا ونزلت آية كذا في كذا. وقال ابن عيينة كان عكرمة إذا تكلم في المغازي فسمعه إنسان قال: كأنه مشرف عليهم يراهم.

وفاته:


مات عكرمة بالمدينة سنة خمس ومائة وهو ابن ثمانين سنة. وكان موته هو وكثير عزة - وهو من شعراء ذلك العصر- في يوم واحد فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس.

المصادر:


فتح الباري - الثقات لابن حبان - صفة الصفوة - البداية والنهاية..
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011

قتادة بن دعامة السدوسي
هو قتادة بن دعامة السدوسي يكنى أبا الخطاب بصري تابعي ثقة، ولد سنة ستين من الهجرة، وكان ضرير البصر، وكان يتهم بقدر وكان لا يدعو إليه ولا يتكلم فيه.
عده ألأصحاب الطبقات من الطبقة : الرابعة: طبقة والتي تلي الوسطى من التابعين، وروى له: البخاري - مسلم- أبو داود-الترمذي-النسائي-ابن ماجه




من روى عنهم وتعلم على أيديهم:
تعلم قتادة عن بعض الصحابة كأنس بن مالك وعبد الله بن سرجس، وحنظلة الكاتب، وأبى الطفيل في آخرين. وكان يرسل الحديث عن الشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي وأبى قلابة ولم يسمع منهم


وقال ابن كثير في البداية والنهاية: روى عن أنس بن مالك وجماعة من التابعين، منهم سعيد بن المسيب والبصري وأبو العالية وزرارة بن أوفى وعطاء ومجاهد ومحمد بن سيرين ومسروق وأبو مجلز وغيرهم.


من ملامح شخصيته:


كثرة قراءته للقرآن:


كان له مع القرآن حال فيروى أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة.


حفظه للحديث:


وإن كان قتادة ضريرًا إلا أنه كان قوي الذاكرة جيد الحفظ فعن مطر قال: كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافًا، قال: وكان إذا سمع الحديث يأخذه العويل والزويل حتى يحفظه. وكان غالب القطان يقول: من سره أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا فلينظر إلى قتادة.


ولما قدم قتادة على سعيد بن المسيب فجعل يسأله أيامًا وأكثر فقال له سعيد: كل ما سألتني عنه تحفظه قال: نعم، سألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وسألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وقال فيه الحسن كذا، حتى رد عليه أحاديث كثيرة، فقال سعيد: ما كنت أظن أن الله خلق مثلك.


وعن معمر قال رأيت قتادة قال لسعيد بن أبي عروبة أمسك على المصحف فقرأ البقرة فلم يخط حرفا فقال يا أبا النضر لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة(10)


علمه بأنساب العرب:


كان قَتادة بن دعامة السَّدوسي عالماً بالعرب وبأنسابها وأيامها ولم يأتنا عن أحد من علم العرب أصح من شيء أتانا عن قتادة، وكان الرجلان من بني مرْوان يختلفان في الشعر فيرسلان راكباً فيُنيخ ببابه فيسأله عنه ثم يشخص. وكان أبو بكر الهذلي يَروي هذا العلم عن قَتادة.
وعن سعيد بن عبيد عن أبي عوانة قال: شهدت عامرَ بن عبد الملك يسأل قَتادة عن أيام العرب وأنسابها وأحاديثها فاستحسنته، فعدت إليه فجعلت أسأله عن ذلك فقال: مالك ولهذا دَعْ هذا العلم لعامر وعُدْ إلى شأنك.


من كلماته:


كان قتادة يقوا: من يتق الله يكن الله معه، ومن يكن الله عز وجل معه، فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل.


وقال: باب من العلم يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح الناس أفضل من عبادة حول كامل.


وقال قتادة: لو كان يكتفي من العلم بشيء، لاكتفى موسى عليه السلام بما عنده ولكنه طلب الزيادة.


وفاته:


مات بواسط سنة سبع عشرة ومائة وهو بن ست وخمسين سنة.


المصادر:


1-الثقات للعجلي - تاريخ خليفة بن خياط - رواة التهذيبيين - البداية والنهاية - صفة الصفوة - مسند ابن الجعد - الجرح والتعديل - تهذيب التهذيب - التاريخ الكبير - المزهر في علوم اللغة - الطبقات الكبرى - مشاهير علماء الأمصار - المحدث الفاصل
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011

سعيد بن المسيب

1- سعيد بن المسيب فقيه الفقهاء وعالم العلماء كيف لا وقد تلقى العلم من كبار الصحابه رضى الله عنهم كابن عمر وزيد بن ثابت وسعد ابن ابى وقاص وابن عباس ..وازواج النبى صلى الله عليه وسلم وعائشة وام سلمه وسمع من عثمان وعلى وصهيب رضى الله عنهم اجمعين.......

ولد بعد سنتين من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

كان قريبا من ابى هريرة وروى عنه الكثير وتزوج ابنته





قال ابن حرملة
(ما كان إنسان يجترئ على سعيد بن المسيب يسأله عن شئ حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير)

وعن مالك ان رجلا جاء إلى سعيد بن المسيب وهو مريض فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس وحدثه فقال له الرجل وددت انك لم تتعن فقال إنى كرهت ان احدثك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع..

وعن برد مولى سعيد ابن المسيب قال: ما نودى للصلاة منذ أربعين سنه إلا وسعيد فى المسجد...

وعن عبد المنعم بن ادريس عن ابيه قال صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العتمه خمسين سنه

وعن عبدالله بن محمد قال قال سعيد بن المسيب : ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل ولا أهانت انفسها بمثل معصية الله وكفى بالمؤمن نصرة من الله عز وجل أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله .....



وقال ابن عمر رضى الله عنه (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن المسيب لسر به)

وهكذا وضع الله لابن المسيب القبول فى الارض وتوالت نعم الله عليه فهانت الدنيا فى عينه فارتفعت همته رحمه الله ....

توفى سعيد بن المسيب سنة اربع وتسعين من الهجرة وهذا العام كان شديدا على الناس مات فيه كثير من الفقهاء حتى سماه الناس (سنة الفقهاء) لكثرة من مات فيها من الفقهاء
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
محمد بن سيرين


نسبه


محمد بن سيرين يكنى أبا بكر، وقال ابن عائشة كان سيرين والده من أهل جرجرايا وكان يعمل قدور النحاس فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد. وكان مولى أنس بن مالك كاتبه أنس، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال هذه مكاتبة سيرين عندنا هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفا وعلى غلامين يعملان عليه.




وعن بكار بن محمد قال حدثني أبي أن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي ابن كعب يدعو وهم يؤمنون.


إذا رأوه ذكروا الله


اشتهر بتفسير الأحلام وكان في تأويله للرؤى يأمر بتقوى الله ويبشر الناس أن من رأي ربه في المنام دخل الجنة، إنه التابعي الجليل محمد بن سيرين الذي كان مثالا يحتذي في الورع والزهد والعبادة، مما جعل الناس في زمانه إذا رأوه كبروا، ويقول أحد معاصريه كان محمد بن سيرين قد أعطى هديا وسمتا وخشوعا فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله.


فضله ومناقبه


كان بن سيرين من أعلام التابعين، وإماما من أئمة الزهد والورع، قال ابن عون كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقى شيئا أو يحذر شيئا.


وقال جرير بن حازم سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلا فقال ما رأيت الرجل الأسود ثم قال أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل.


قال مورق العجلى: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال أبو قلابة اصرفوه حيث شئتم فلتجدنه أشدكم ورعا وأملككم لنفسه، وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين يركب مثل حد السنان.


قال أبو عوانة رأيت محمد بن سيرين يمر في السوق فيكبر الناس.


قال ابن سيرين إذا أراد الله عز وجل بعبده خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه.


وعن الأشعث قال كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان.


وأوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين فقيل له في ذلك وكان محبوسا فقال أنا محبوس قالوا قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك قال فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.


عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت يونس بن عبيد يقول أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما.


قالت حفصة بنت سيرين كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعا لها.


وعن ابن عون قال دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال ما شأن محمد يشتكى شيئا فقالوا لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.


قال ابن سيرين ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره.


وعن ابن عون قال أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه فقال له كيف تركت أهل مصرك قال تركتهم والظلم فيهم فاش.


قال ابن عون كان محمد يرى أنها شهادة يسأل عنها فكره أن يكتمها.


تفسيره للرؤى


عرف بن سيرين بتفسير الرؤى والأحلام وله كتاب مشهور في ذلك و كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا قال اتق الله عز وجل في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام.


ومن عجائب تفسيره للأحلام:


عن يوسف الصباغ عن ابن سيرين قال من رأى ربه تعالى في المنام دخل الجنة.


عن خالد بن دينار قال كنت عند ابن سيرين فأتاه رجل فقال يا أبا بكر رأيت في المنام كأني أشرب من بلبلة لها مثقبان فوجدت أحدهما عذبا والآخر ملحا قال ابن سيرين اتق الله لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها.


عن أبي قلابة أن رجلا قال لابن سيرين رأيت كأني أبول دما قال تأتي امرأتك وهي حائض قال نعم قال اتق الله ولا تعد.


عن أبي جعفر عن ابن سيرين أن رجلا رأى في المنام كأن في حجره صبيا يصيح فقص رؤياه على ابن سيرين فقال اتق الله ولا تضرب العود.


عن حبيب أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية فقصت على ابن سيرين فقال ابن سيرين اللبن فطرة والحية عدو وليست من الفطرة في شيء هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء.
رأى الحجاج بن يوسف في منامه رؤيا كأن حوراوين أتتاه فأخذ إحداهما وفاتته الأخرى فكتب بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك هنيئا يا أبا محمد فبلغ ذلك ابن سيرين فقال أخطأت هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الأخرى قال فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى.


رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته قال يموت الحسن البصري وأموت بعده هو أشرف مني.


قال رجل لابن سيرين إني رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته.


وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أحرث أرضا لا تنبت قال أنت رجل تعزل عن امرأتك.


قال رجل لابن سيرين رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهو لا ينقى قال أنت رجل مصارم لأخيك.
-وقال رجل لابن سيرين رأيت كأني أطير بين السماء والأرض قال أنت رجل تكثر المنى.

جاء رجل إلى ابن سيرين فقال إني رأيت كأني على رأسي تاجا من ذهب فقال له ابن سيرين اتق الله فإن أباك في أرض غربة وقد ذهب بصره وهو يريد أن تأتيه قال فما راده الرجل الكلام حتى أدخل يده في حجزته فأخرج كتابا من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه في أرض غربة ويأمر بالإتيان إليه.


مواقف من حياته


عن ابن عون قال كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلا بسيئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم وقال طوق بن وهب دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت فقال كأني أراك شاكيا قلت أجل قال اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه ثم قال اذهب إلى فلان فإنه أطب منه ثم قال أستغفر الله أراني قد اغتبته.


و كان محمد بن سيرين إذا مشى معه رجل قام وقال ألك حاجة فإن كان له حاجة قضاها فإن عاد يمشى معه قام فقال له ألك حاجة.


عن هشام عن ابن سيرين أنه اشترى بيعا فأشرف فيه على ثمانين ألفا فعرض في قلبه منه شيء فتركه قال هشام والله ما هو بربا، وعن السرى بن يحيى قال لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا في شيء دخله، قال سرى فسمعت سليمان التيمي يقول لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء.


وكان ابن سيرين إذا دعي إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول اسقوني شربة سويق فيقال له يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو العرس تشرب سويقا فيقول إني أكره أن أحمل حد جوعي على طعام الناس.


عن ابن شوذب قال كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما وكان اليوم الذي يفطر فيه يتغذى ولا يتعشى ثم يتسحر ويصبح صائما.


وروي عن موسى بن المغيرة قال رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله عز وجل فقال له رجل يا أبا بكر في هذه الساعة قال إنها ساعة غفلة.


وعن جعفر بن مرزوق قال بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي قال فدخلوا عليه فقال لابن سيرين يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا قال رأيت ظلما فاشيا قال فغمزه ابن أخيه بمنكبه فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين إنك لست تُسأل إنما أُسأل أنا فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف وإلى ابن سيرين بثلاثة آلاف وإلى الشعبي بألفين فأما ابن سيرين فلم يأخذها


وعن جعفر بن أبي الصلت قال قلت لمحمد بن سيرين ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة قال فقال لي يا أبا عبدالله أو يا هذا إنما أعطاني على خير كان يظنه بي ولئن كنت كما ظن بي فما ينبغي لي أن أقبل وإن لم أكن كما ظن فبالحري أن لا يجوز لي أن أقبل.


عبادته


عن عبيد الله بن السري قال: قال ابن سيرين إني لأعرف الذنب الذي حمل به على الدين ما هو قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى.


عن عاصم الأحول قال كان عامة كلام ابن سيرين سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم عن هشام بن حسان قال ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلى.


عن أنس بن سيرين قال كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار.


وعن هشام قال كان ابن سيرين يحيى الليل في رمضان.


عن دهير قال كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته.


قال مهدى كنا نجلس إلى محمد فيحدثنا ونحدثه ويكثر إلينا ونكثر إليه فإذا ذكر الموت تغير لونه واصفر وأنكرناه وكأنه ليس بالذي كان.


وفاته


وتوفى في سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم وهو ابن نيف وثمانين سنة
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
أويس بن عامر بن جزء بن مالك

هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك...المرادي ثم القرني الزاهد المشهور. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها، ومن أفضل التابعين، على خلاف، قال أحمد: هو سعيد بن المسيب، وقيل: هو أويس القرني، وقيل: الحسن والصواب: أويس لما في صحيح مسلم: أن خير التابعين رجل يقال له: "أويس"وبعضهم قال: الأعلم ابن المسيب، والأزهد والعابد: أويس.
عاش في اليمن، وانتقل إلى الكوفة، وكان مع سيدنا علي في صفين وبها لقي الله شهيدًا.


روى عن عمر وعلي، وتعلم على يد كثير من الصحابة ونهل من علمهم حتى صار من أئمة التابعين زهدًا وورعًا، ولقد تعلم منه خلق كثير، تعلموا منه بره بأمه، وتواضعه لربه رغم ما ورد في فضله من أحاديث، ورغم ما ذكره به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وروى عنه بشير بن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة وقال كان ثقة وذكره البخاري فقال في إسناده نظر وقال ابن عدي ليس له رواية لكن كان مالك ينكر وجوده إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا تسع أحدا أن يشك فيه.





مكانة أويس القرني:



لأويس القرني مكانة عظيمة يعرفها الصحابة رضوان الله عليهم لما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابًا من فضائل أويس القرني رضي الله عنه، وروى مسلم بسنده عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؛ فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت قليل المتاع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسًا فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي قال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال: لقيت عمر قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير وكسوته بردة فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة.
ونَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ: فقال: أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ.


عبادته:


لكل من يريد الوصول إلى الله عز وجل طريقًا يلتمس فيه القرب من الله، وما يميزه عن غيره، فالبعض اتخذ قيام الليلة وسيلة القرب إلى الله، والبعض الآخر اتخذ الاستغفار بالأسحار الطريق الذي ينتهي به إلى حب الله، والبعض اتخذ التفكر وسيلة القرب من الله، ولم يكن أويس القرني كعامة الناس يحيا ولا يفكر إلا في طعامه وشرابه؛ لكنه فهم حقيقة هذه الدنيا، وأدان نفسه وعمل لما بعد الموت، وكان يغلب على أويس القرني التفكر في مخلوقات الله لتنتهي به إلى حب خالقها، ولما قدم هرم بن حيان الكوفة سأل عن أويس فقيل له: هو يألف موضعًا من الفرات يقال له: العريض بين الجسر والعاقل ومن صفته كذا فمضى هرم حتى وقف عليه فإذا هو جالس ينظر إلى الماء ويفكر وكانت عبادة أويس الفكرة.
انعكست عبادة أويس القرني على سلوكه، مما أثر إيجابًا في الآخرين، فقد كان التأثير بسلوكه أكثر منه بقوله، فهو المتواضع لربه، البار بأمه، ومع ذلك فكان دائم النصح والتوجيه للآخرين، قائمًا بالحق رغم معادة الآخرين له ورميه بعظائم الأمور إلا أن ذلك لم يمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومما يروى في هذا الصدد أن رجلاً من "مراد" جاءه وقال له: السلام عليكم قال: وعليكم قال: كيف أنت يا أويس؟ قال: بخير نحمد الله قال: كيف الزمان عليكم؟ قال: ما تسأل رجلا إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي، يا أخا مراد، إن الموت لم يُبق لمؤمن فرحًا يا أخا مراد، إن معرفة المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة وذهبًا، يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يُبق له صديقًا والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءً ويجدون على ذلك من الفساق أعوانًا حتى والله لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم لله بالحق..


بذل النصيحة:


ولما طلب منه هرم بن حيان أن يوصيه قال له: قرأ عليه آيات من آخر حم الدخان من قوله: "إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين" حتى ختمها ثم قال له: يا هرم، احذر ليلة صبيحتها القيامة ولا تفارق الجماعة فتفارق دينك ما زاده عليه..
وكان يخاطب أهل الكوفة قائلاً لهم: يا أهل الكوفة توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم.


عفوه وصفحه عن الآخرين:


عاش أويس القرني بين الناس وهم يرمونه بالحجر فلا يجدون منه إلا أطيب الثمر، وكان يد الأذى تناله إلا أنه كان دائمًا ما يعفو ويصفح، وكان يجالسهم ويحدثهم رغم ما يصيبه من أذى ألسنتهم ويقول أسير بن جابر: كان محدث يتحدث بالكوفة فإذا فرغ من حديثه تفرقوا ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدًا يتكلم بكلامه فأحببته؛ ففقدته فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه؛ ذاك أويس القرني قلت: أو تعرف منزله قال: نعم فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي فقلت: يا أخي ما حبسك عنا فقال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه قال: لا تفعل فإنهم يؤذونني قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم فقالو: من ترى خدع عن برده هذا فجاء فوضعه وقال: قد ترى فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل قد آذيتموه الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة وأخذتهم بلساني..


وفاته:



خرج أويس القرني مع سيدنا علي كرم الله وجهه في موقعة صفين، وتمنى الشهادة ودعا الله قائلاً: اللهم ارزقني شهادة توجب لي الحياة والرزق. وقاتل بين يدي سيدنا علي حتى استشهد فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، وكان ذلك سنة 37 هـ في وقعة صفين.


مصادر الدراسة:


أسد الغابة - الثقات للعجلي - الإصابة في تمييز الصحابة - الطبقات الكبرى - تاريخ دمشق - مسند الإمام أحمد - صحيح مسلم - مشاهير علماء الأمصار - لسان الميزان..
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب

هو سالم بن عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الإمام الزاهد، الحافظ، مفتي المدينة، أبو عمر، وأبو عبد الله، ولد في خلافة عثمان رضي الله عنه. وأمه أم ولد.
وكان سعيد بن المسيب يقول: أشبه ولد عمر به عبد الله، وأشبه ولد عبد الله به سالم. وهو من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم.
وحدّث عن: أبيه، وعائشة، وأبي هريرة رضي الله عنه، وحدث عن غيرهم، وروى عنه: ابنه أبو بكر، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، والزهري، وعبيد الله بن عمر.





من أهم ملامح شخصيته:



عفته وزهده وإيثاره الآخرة على الدنيا:


عُرِفَ في زمانه بزهده وورعه، وقال عنه الإمام مالك: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه.
ولقد دخل هشام بن عبد الملك في حجه الكعبة؛ فإذا هو بسالم بن عبد الله فقال له: سالم سلني حاجة، فقال: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره، فلما خرج سالم خرج هشام في أثره؛ فقال له: الآن قد خرجت من بيت الله فسلني حاجة، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة، قال: من حوائج الدنيا فقال سالم: إني ما سألت الدنيا من يملكها؛ فكيف أسألها من لا يملكها،
وكان سالم خشن العيش يلبس الصوف الخشن، وكان يعالج بيده أرضًا له وغيرها من الأعمال ولا يقبل من الخلفاء وكان متواضعا وكان شديد الأدمة وله من الزهد والروع شيء كثير.
وفي يوم عرفه نظر إليه هشام بن عبد الملك فرآه في ثوبين متجردًا فرأى كدنة حسنة فقال: يا أبا عمر، ما طعامك؟ قال: الخبز والزيت، فقال هشام: كيف تستطيع الخبز والزيت قال أخمره فإذا اشتهيته أكلته قال: فوعك سالم ذلك اليوم فلم يزل موعوكًا حتى قدم المدينة.
وبلغ من زهده أنه لم يكن ليجمع شيئًا إلا للدار الآخرة، وكان ما في بيته من أساس لا يساوي شيًا فقد آثر أن يُجهز داره في الآخرة، ودخل عليه ميمون بن مهران فقوم كل شيء في بيته فما وجده يساوي مائة درهم، ودخل عليه مرة أخرى فما وجدت ما يسوى ثمن طيلسان.



علمه:


أما عن علمه فكان يُعد من علماء أهل المدينة، لذا كان مرجع أهل المدينة في الفتوى، وقال علي بن الحسن العسقلاني عن عبد الله بن المبارك: كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد بن ثابت. قال: وكانوا إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميعًا فنظروا فيها؛ ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم فينظرون فيها فيصدرون. وكان مجلسه ومجلس القاسم بن محمد في مسجد رسول الله r واحدًا تجاه خوخة عمر بين القبر والمنبر.



خوفه من التعدي على حدود الله:


وكان وقَّافًا عن حدود الله ومن ذلك ما يرويه عطاء بن السائب: أن الحجاج دفع إلى سالم بن عبد الله سيفًا وأمره بقتل رجل فقال سالم للرجل: أمسلم أنت؟ قال: نعم امض لما أُمرت به، قال: فصليت اليوم صلاة الصبح؟ قال: نعم قال: فرجع إلى الحجاج فرمى إليه بالسيف، وقال: إنه ذكر أنه مسلم وأنه قد صلى صلاة الصبح اليوم، وإن رسول الله r قال: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله قال الحجاج: لسنا نقتله على صلاة الصبح، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان قال سالم: ها هنا من هو أولى بعثمان مني
فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال: ما صنع سالم؟ قالوا صنع كذا وكذا فقال بن عمر: مكيس مكيس.



نصحه لله ولرسوله:




وكان سالم بن عبد الله ناصحًا له ولرسوله وللأئمة المسلمين، ولما آلت الخلافة إلى


عمر بن عبد العزيز كتب إليه يقول: يا عمر، فإنه قد ولى الخلافة والملك قبلك أقوام


فماتوا على ما قد رأيت، ولقوا الله فرادى بعد الجموع والحفدة والحشم، وعالجوا نزع


الموت الذي كانوا منه يفرون، فانفقأت عينهم التي كانت لا تفتأ تنظر لذاتها، واندفنت


رقابهم غير موسدين بعد لين الوسائد وتظاهر الفرش والمرافق والسرر والخدم،


وانشقت بطونهم التي كانت لا تشبع من كل نوع ولوث من الأموال والأطعمة، وصاروا


جيفا بعد طيب الروائح العطرة حتى لو كانوا إلى جانب مسكين ممن كانوا يحقرونه وهم


أحياء لتأذي بهم ولنفر منهم بعد إنفاق الأموال على أغراضهم من الطيب والثياب


الفاخرة اللينة، كانوا ينفقون الأموال إسرافًا في أغراضهم وأهوائهم ويقترون في حق


الله وأمره فإن استطعت أن تلقاهم يوم القيامة وهم محبوسون مرتهنون بما عليهم وأنت


غير محبوس ولا مرتهن بشيء فافعل واستعن بالله ولا قوة إلا بالله سبحانه...


وما ملك عما قليل بسالم * ولو كثرت أحراسة ومواكبه


ومن كان ذا باب شديد وحاجب * فعما قليل يهجر الباب حاجبه


وما كان غير الموت حتى تفرقت * إلى غيره أعوانه وحبائبه


فأصبح مسرورًا به كل حاسد * وأسلمه أصحابه وحبائبه


وطلب منه عمر بن عبد العزيز حينما تولى الخلافة سنة 99هـ أن يكتب له سيرة جده عمر بن الخطاب ليهتدي الناس بهداه، فكتب إليه سالم إن عمر كان في غير زمانك ومع غير رجالك، وإنك إن عملت في زمانك ورجالك بمثل ما عمل به عمر في زمانه ورجاله، كنت مثل عمر وأفضل.



وفاته رحمه الله :




لم يزل سالم بن عبد الله بن عمر ناصحًا لله ولرسوله، معلمًا لغيره ما تعلمه من علم، عاملاً بما يعلم؛ حتى وافته المنية سنة ست ومائة في آخر ذي الحجة وكان هشام بن عبد الملك يومئذ بالمدينة، وكان حج بالناس تلك السنة ثم قدم المدينة فوافق موت سالم بن عبد الله فصلى عليه، ورأى كثرة قال أخبرنا محمد بن عمر عن أفلح وخالد بن القاسم قالا صلى هشام بن عبد الملك على سالم بن عبد الله بالبقيع لكثرة الناس فلما رأى هشام كثرة الناس بالبقيع فقال لإبراهيم بن هشام المخزومي: اضرب على الناس بعث أربعة آلاف فسمي عام الأربعة آلاف قال فكان الناس إذا دخلوا الصائفة خرج أربعة آلاف من المدينة إلى السواحل فكانوا هناك إلى انصراف الناس وخروجهم من الصائفة. ويعلم من حياته أنه ولد ومات في المدينة المنورة




المصادر:


البداية والنهاية - الطبقات الكبرى - تهذيب الكمال
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011


]right]سيرة التابعي الجليل طاووس بن كيسان رحمه الله


هو طاووس بن كيسان اليماني الهمداني، كنيته أبو عبد الرحمن أمه من أبناء فارس، وأبوه من النمر بن قاسط مولى بحير الحميري. وقال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الألقاب: إن اسمه ذكوان، وطاووس لقبه، وإنما لقب به لأنه كان طاووس القراء والمشهور أنه اسمه، عده أصحاب الطبقات من الطبقة الأولى من التابعين من أهل اليمن.
الصحابة الذين تعلم على أيديهم:




تعلم طاووس رضي الله عنه من ثلة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فروى عن بن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وقال ابن عينية: قلت لعبيد الله بن يزيد: مع من تدخل على ابن عباس قال: مع عطاء وأصحابه قلت: وطاووس قال: كان ذلك يدخل مع الخواص. وسمع أبا هريرة رضي الله عنه، وكان طاووس يقول: جالست ما بين الخمسين إلى السبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


موقفه مع هشام بن عبد الملك:

وحكي أن هشام بن عبد الملك قدم حاجًا إلى بيت الله الحرام، فلما دخل الحرم قال: إيتوني برجل من الصحابة فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا، قال: فمن التابعين، فأتي بطاووس اليماني فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم بإمرة المؤمنين ولم يكنه، وجلس إلى جانبه بغير إذنه، وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب من ذلك غضبًا شديدًا حتى هم بقتله، فقيل: يا أمير المؤمنين أنت في حرم الله وحرم رسوله لا يمكن ذلك، فقال له: يا طاووس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما صنعت؟ فاشتد غضبه وغيظه، وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: يا هشام كيف أنت؟ قال: أما خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب علي، وأما ما قلت: لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل المؤمنين راضين بإمرتك فخفت أن أكون كاذبًا، وأما ما قلت لم تكنني فإن الله عز وجل سمى أنبياءه قال: يا داود يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه فقال: (تبت يدا أبي لهب وتب)، وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام. فقال له: عظني قال: إني سمعت أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال، تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ثم قام وخرج.


أثره في الآخرين:

قالت امرأة ماجنة: ما بقي أحد إلا فتنته ما خلا طاووس، فإني تعرضت له فقال: إذا كان وقت كذا فتعالي فجئت ذلك الوقت فذهب بي إلى المسجد الحرام، فقال: اضطجعي فقلت: هاهنا! فقال: الذي يرانا هنا يرانا هناك.

وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا قط مثل طاووس، لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه طاووس: إن أردت أن يكون عملك خيرًا كله فاستعمل أهل الخير فقال عمر: كفى بها موعظة..


من ملامح شخصيته:


عبادته:

كان من عباد أهل اليمن ومن فقهائهم ومن سادات التابعين، وعن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال: صلى وهب بن منبه وطاووس اليماني الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة، وكان طاووس يصلي في غداة باردة مغيمة فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف وأيوب وهو ساجد في موكبه فأمر بساج وطيلسان مرتفع فطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم نظر فإذا الساج عليه فانتفض ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله.

ولم يترك صلاته وعبادته حتى في مرض موته، ويروي عبد الواحد بن زياد عن ليث قال رأيت طاووسا في مرضه الذي مات فيه يصلي على فراشه قائمًا ويسجد عليه.

وكان يعجب ممن يغفل عن السحر وينام في وقت يتنزل الله فيه إلى السماء الدنيا، لينادي على عباده، فيقول داود بن إبراهيم: إن الأسد حبس ليلة الناس في طريق الحج فدق الناس بعضهم بعضا فلما كان السحر ذهب عنهم فنزلوا وناموا وقام طاووس يصلي فقال له رجل ألا تنام قال : هل ينام أحد السحر!


خوفه وخشيته:

وعن عبد الله بن بشر أن طاووسًا اليماني كان له طريقان إلى المسجد طريقًا في السوق وطريق آخر، فكان يأخذ في هذا يومًا وفي هذا يومًا، فإذا مر في طريق السوق فرأى تلك الرأس المشوية لم ينعس تلك الليلة.


إخلاصه:

يقول سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله إلا عطاء وطاووس ومجاهد.

وقال مجاهد لطاووس: رأيتك يا أبا عبد الرحمن تصلي في الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم على بابها يقول لك: اكشف قناعك وبين قراءتك فقال: اسكت لا يسمع هذا منك أحد.


علمه:

كان طاووس فقيهًا جليل القدر نبيه الذكر، وأصبح سيدًا لأهل اليمن بعلمه فعن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قال: قلت: من مكة قال: ومن خلفت يسودها وأهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي قال: فبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية قال: إن الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا، قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالى قال: فبم سادهم؟ قلت: بما ساد به عطاء.


زهده:

زهد طاووس فيما عند الناس فأقبل الناس على علمه، وهكذا العالم أما إذا أقبل على أموالهم هان عليهم وزهدوا في علمه، وكان طاووس من الزاهدين ولم يهن نفسه يومًا بقبول مالاً من احد حتى من الأمير، وقيل: أن محمد بن يوسف أو أيوب بن يحيى بعث إلى طاووس بسبعمائة دينار وقال للرسول: إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك، فخرج بها حتى قدم على طاووس الجند فقال: يا أبا عبد الرحمن نفقة بعث بها الأمير إليك، فقال: مالي بها من حاجة، فأراده على أخذها بكل طريق فأبى أن يقبلها، فغفل طاووس فرمى بها الرجل من كوة في البيت، ثم ذهب راجعًا إلى الأمير وقال: قد أخذها فمكثوا حينًا ثم بلغهم عن طاووس ما يكرهون أو شيء يكرهونه، فقالوا: ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعثه إليك الأمير رده إلينا فقال: ما قبضت منه شيئًا، فرجع الرسول إليهم فأخبرهم فعرفوا أنه صادق، فقالوا: انظروا الذي ذهب بها إليه فأرسلوه إليه فجاءه فقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن قال: هل قبضت منه شيئًا؟ قال: لا قال: فقام إلى المكان الذي رمى به فيه فوجدها كما هي، وقد بنت عليها العنكبوت فأخذها فذهب بها إليهم.


ما قيل عنه:

قال عنه ابن عباس إني لأظن طاووسا من أهل الجنة.


من كلماته:

ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه.


نصحه للآخرين:

قال عطاء: جاءني طاووس فقال لي: يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وعليك بطلب حوائجك إلى من بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة طلبك أن تدعوه ووعدك الإجابة.

وقال عبد الله بن طاووس: قال لي أبي: يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجُهال فتنسب إليهم، وإن لم تكن منهم واعلم أن لكل شيء غاية وغاية المرء حسن عقله.

وفاته:

عن سيف بن سليمان قال: مات طاووس بمكة قبل يوم التروية بيوم، وكان هشام بن عبد الملك قد حج تلك السنة وهو خليفة سنة ست ومائة، فصلى على طاووس وكان له يوم مات بضع وتسعون سنة.

المصادر:

الثقات لابن حبان - وفيات الأعيان - حلية الأولياء - صفة الصفوة - الطبقات - تاريخ الإسلام – الجرح والتعديل - الوافي في الوفيات - فتح المجيد - مشاهير علماء الأمصار - مناهل العرفان..
[/right]
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
صلة بن أشيم صلة بن أشيم

الزاهد ، العابد ، القدوة أبو الصهباء العدوي البصري ، زوج العالمة معاذة العدوية .

ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس .

حدث عنه : أهله معاذة ، والحسن ، وحميد بن هلال ، وثابت البناني ، وغيرهم .

ابن المبارك في " الزهد " : عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : بلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : يكون في أمتي رجل يقال له : صلة ، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا .

هذا حديث معضل .




جعفر بن سليمان : عن يزيد الرشك ، عن معاذة ، قالت : كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفا .

وقالت معاذة : كان أصحابه - تعني : صلة- إذا التقوا ، عانق بعضهم بعضا .

وقال ثابت : جاء رجل إلى صلة ينعي أخيه ، فقال له : ادن فكل ، فقد نعي إلي أخي منذ حين ، قال تعالى : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ .

وقال حماد بن سلمة : أخبرنا ثابت : أن صلة كان في الغزو ، ومعه ابنه ، فقال : أي بني ! تقدم ، فقاتل حتى أحتسبك ، فحمل ، فقاتل ، حتى قتل ، ثم تقدم صلة ، فقتل ، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة ، فقالت : مرحبا إن كنتن جئتن لتهئنني ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك ، فارجعن .

جرير بن حازم : عن حميد بن هلال ، عن صلة ، قال : خرجنا في قرية وأنا على دابتي في زمان فيوض الماء ، فأنا أسير على مسناة فسرت يوما لا أجد ما آكل ، فلقيني علج يحمل على عاتقه شيئا ، فقلت : ضعه ، فإذا هو خبز . قلت : أطعمني . فقال : إن شئت ولكن فيه شحم خنزير ، فتركته . ثم لقيت آخر ، فقلت : أطعمني . قال : هو زادي لأيام . فإن نقصته ، أجعتني . فتركته . فوالله إني لأسير ، إذ سمعت خلفي وجبة كوجبة الطير ، فالتفت ، فإذا هو شيء ملفوف في سب أبيض ، فنزلت إليه ، فإذا دوخلة من رطب في زمان ليس في الأرض رطبة ، فأكلت منه ، ثم لففت ما بقي ، وركبت الفرس ، وحملت معي نواهن .

قال جرير بن حازم : فحدثني أوفى بن دلهم قال : رأيت ذلك السب مع امرأته فيه مصحف ، ثم فقد بعد .

وروى نحوه عوف ، عن أبي السليل ، عن صلة .

فهذه كرامة ثابتة

ابن المبارك : حدثنا مسلم بن سعيد ، أخبرنا حماد بن جعفر بن زيد ، أن أباه أخبره ، قال : خرجنا في غزاة إلى كابل ، وفي الجيش صلة ، فنزلوا ، فقلت : لأرمقن عمله ; فصلى ، ثم اضطجع ، فالتمس غفلة الناس ، ثم وثب ، فدخل غيضة ، فدخلت ، فتوضأ وصلى ، ثم جاء أسد حتى دنا منه ، فصعدت شجرة ، أفتراه التفت إليه حتى سجد ؟ فقلت : الآن يفترسه فلا شيء ، فجلس ، ثم سلم . فقال : يا سبع ! اطلب الرزق بمكان آخر . فولى وإن له زئيرا أقول ; تصدع منه الجبل ، فلما كان عند الصبح ، جلس ، فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها ، ثم قال : اللهم اني أسألك أن تجيرني من النار ، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة .

ابن المبارك : عن السري بن يحيى ، حدثنا العلاء بن هلال ، أن رجلا قال لصلة : يا أبا الصهباء ! رأيت أني أعطيت شهدة ، وأعطيت شهدتين ، فقال : تستشهد وأنا وابني ، فلما كان يوم يزيد بن زياد ; لقيتهم الترك بسجستان ، فانهزموا . وقال صلة : يا بني ارجع إلى أمك . قال : يا أبه ; تريد الخير لنفسك ، وتأمرني بالرجوع ! قال : فتقدم ، فتقدم ، فقاتل حتى أصيب ، فرمى صلة عن جسده ، وكان راميا ، حتى تفرقوا عنه ، وأقبل حتى قام عليه ، فدعا له ، ثم قاتل حتى قتل .

قلت : وكانت هذه الملحمة سنة اثنتين وستين -رحمهما الله تعالى.
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
سلمة بن دينار المعروف بأبي حازم الأعرج

في السنة السابعة والتسعين للهجرة شدَّ الخليفة سليمان بن عبد الملك الرحال إلى الديار المقدَّسة
ملبياً نداء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، ومضت ركائبه تحثُّ الخُطى من دمشق عاصمة الأمويين

إلى المدينة المنوَّرة التي وصلها وجلس فيها لاستقبال علمائها ، وأعيانها ، وعَلِيَّةِ قومها

ولمَّا فرغ سليمان بن عبد الملك من استقبال المُرَحِّبين به قال لبعض جلسائه:

" إنَّ النفوس لتصدأ كما تصدأ المعادن إذا لم تجد من يذكِّرها الفينة بعد الفينة ، ويجلو عنها صدأها "

فقالوا : " نعم يا أمير المؤمنين "

فقال : " أما في المدينة رجلٌ أدرك طائفةً من صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُذَكِّرنا ؟ هل في هذه المدينة المنوَّرة رجل أدرك أصحاب رسول الله يذكِّرنا ؟




.. قالوا : "بلى يا أمير المؤمنين "

ـ لو قالوا : نعم أي لا يوجد ـ "أليس في المدينة رجلٌ أدرك أصحاب رسول الله ؟ " .. إذا قالوا : نعم أي ليس في المدينة أحد ، نعم تفيد إثبات النفي ، لكن بلى تفيد نفي النفي ، ونفي النفي إثبات ، دقيقةٌ جداً ، في القرآن الكريم :


[align=left]( سورة الأعراف : من آية " 172 " ) [/align]

لو أنهم قالوا : نعم, لكفروا ، لو أنهم قالوا نعم أي لست ربنا ، دقيقة جداً اللُغة.

فقال : " أليس في المدينة رجلٌ أدرك في المدينة رجلٌ أدرك طائفةَ من أصحاب رسول الله يذكِّرنا ؟ "

فقالوا : " بلى يا أمير المؤمنين ، ها هنا أبو حازمٍ الأعرج "

فقال : " ومن أبو حازم الأعرج ؟ "

فقالوا : "عالِم المدينة ، وإمامها ، وأحد التابعين الذين أدركوا عدداً من الصحابة الكرام "

فقال : "ادعوه لنا وتلطَّفوا في دعوته " .

فذهبوا إليه ، ودعوه ، تلطَّفوا في دعوته ، فلمَّا أتاه ، رحَّب به ، وأدنى مجلسه
وقال له معاتباً : " ما هذا الجفاء يا أبا حازم ؟ "

أي لم تأت للتسليم علي .. ما هذا الجفاء يا أبا حازم ؟ ..

فقال : " وأي جفاءٍ رأيت مني يا أمير المؤمنين ؟ "

فقال : "زارني وجوه الناس ولم تزرنِي "

فقال: " يا أمير المؤمنين إنَّما يكون الجفاء بعد المعرفة ، وأنت ما عرفتني قبل اليوم ، ولا أنا رأيتك ، فأي جفاءٍ وقع مني "
كلامٌ واضحٌ كالشمس

عندئذٍ قال الخليفة لجُلسائه : " والله أصاب الشيخ في اعتذاره ، وأخطأ الخليفة في عِتابه "

ثمَّ التفت إلى أبي حازم ، وقال : " إنَّ في النفس شؤوناً أحببت أن أُفضي بها إليك يا أبا حازم "

فقال : " هاتها يا أمير المؤمنين والله المستعان " .

إذا سألك واحد سؤالا فاستعن بالله ، إذا شعرت أنه بإمكانك أن تجيبه عن سؤاله وأنت واثقٌ من علمك ، فهذا هو الجهل بعينه ، لأن الله عزَّ وجل يقول :


[align=left]( سورة الإسراء ) [/align]

إذا سألك واحد سؤالا فعوِّد نفسك هذه الطريقة ، استعن بالله بقلبك ، يا رب أعني على أن أجيبه ، لا تخزني أمامه ، علِّمني أن أجيبه .

فقال : " هاتها يا أمير المؤمنين والله المستعان "

فقال الخليفة : " يا أبا حازم لِمَ نكره الموت ؟ "

سؤال : ما من الناس واحد إلا ويكره الموت ، فإذا شعر أن في جسمه بعض العِلَل الخطرة ترتعد فرائصه ، هكذا حال معظم الناس
فقال : " يا أبا حازم لمَ نكره الموت ؟ " .

فقال أبو حازم : " لأنكم عمَّرتم الدنيا ، وخرَّبتم الآخرة "

فهو جوابٌ واضحٌ كالشمس ، عمَّرتم الدنيا ، زخرفتموها ، بنيتم البيوت الفخمة ، فرشتموها بالأثاث الوثير ، جعلتم أعمالكم فيها أبَّهة وعظمة ، كوَّنتم مكاناً اجتماعياً ، ودخلاً كبيراً ، فوالله الموت صعب جداً .

فقال : " صدقت ، ولكن يا أبا حازم ما لنا عند الله غداً ؟ ما مكاننا ؟ ما موقعنا ؟ ما رُتْبَتُنا ؟ ".

فقال : " اعرض عملك على كتاب الله عزَّ وجل تجد جواب ذلك " .

قال : " وأين أجد في كتاب الله تعالى ؟ "

قال : تجده في قوله تعالى:



[align=left]( سورة الانفطار )[/align]

كلامٌ واضحٌ كالشمس ..



إذا كنت باراً فأنت في نعيم بعد الموت ..




فقال : " يا أبا حازم إذاً فأين رحمة الله ؟ " .

فقال أبو حازم : " إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين "

هل أنت محسن حتَّى تَنَالَكَ رحمة الله؟ إنها قريبةٌ من المحسنين .

فقال : " يا أبا حازم ليت شعري كيف القدوم على الله تعالى ؟ " .

فقال أبو حازم : " أمَّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله "

تصوَّر إنسانًا يدرس في بلد أجنبي ، وله أهل في بحبوبة كبيرة ، ويحبّونه حُبَّاً جمَّاً ، وعلموا أنه سيأتي بعد أسبوعين ، فيصبح البيت كلُّه عيد ، تصنع له أمُّه أَلَذَّ الأكلات ، تُهَيَّؤ له غرفةٌ فيها ما لَذَّ وطاب .. أما المحسن فكالغائب يعود إلى أهله .. كلامٌ بليغ ،

فقال : " وأما المسيء فكالعبد الآبق يُساق إلى مولاه "

العبد الهارب، أُلقي القبض عليه ، واقتادوه إلى مولاه ليلقى جزاء عمله ، لذلك قال الله تعالى :


[align=left]( سورة القصص ) [/align]
أُلقي القبض عليه ، وسيق مخفوراً إلى التحقيق ، المُتَّقون يأتون يوم القيامة وفداً ..

[align=left]( سورة مريم ) [/align]
المُجْرِم يُساق سوقاً لأنه متهم ، فبكى الخليفة حتَّى علا نحيبه ، واشتدَّ بكاؤه
ثم قال : " يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ؟ " .

فقال : " تدعون عنكم الصَلَف ، وتتحلَّوْنَ بالمروءة " .

فقال الخليفة : " وهذا المال ، ما السبيل إلى تقوى الله فيه ؟ " .

فقال أبو حازم : " إذا أخذتموه بحقِّه ، ووضعتموه في أهله ، وقسَّمتموه بالسويَّة ، وعدلتم فيه بين الرعيَّة " .

فقال الخليفة : " يا أبا حازم أخبرني عن أفضل الناس " .

فقال : " أهل المروءة والتُقى " .

فقال : " وما أعدل القول ؟ " .

قال : " كلمة حقٍ يقولها المرء عند من يخافه ، وعند من يرجوه " .

قال : " ما أسرع الدعاء إجابةً ؟ " .

قال : " دعاء المحسن للمحسنين " .

قال : " ما أفضل الصدقة ؟ " .

قال: " جُهْدُ المُقِل ـ المقل هو قليل المال ـ يضعه في يد البائس من غير أن يتبعه مَنَّاً ولا أذى" .

فقال : " من أكيس الناس ؟ ـ من أعقل الناس ؟ ، " .

قال : " رجلٌ ظَفِرَ بطاعة الله تعالى ، فعمل بها ، ثمَّ دلَّ الناس عليها "
ظَفِرَ ، أي ظفرَ بها أولاً ، ودلَّ الناس عليها ثانياً .

فقال : " فمن أحمق الناس ؟ " .

قال : "رجلٌ انساق مع هوى صاحبه ، وصاحبه ظالمٌ ، فباع آخرته بدنيا غيره " .

فقال الخليفة : " هل لك أن تصحبنا يا أبا حازم فتصيب منَّا ، ونصيب منك ؟ "
أي تستفيد من مالنا ، ونستفيد من علمك .

فقال : " كلا يا أمير المؤمنين "
هذه كلا لها معنى دقيق في اللغة ، ليس معناها لا ؛ بل كلا أداة ردع .

قال: " ولِمَ ؟ " .

قال : " أخشى أن أركن إليكم قليلاً فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات " .

قال : " ارفع إلينا حاجتك يا أبا حازم " ، فسكت ولم يجب .

فأعاد عليه قوله : " ارفع إلينا حاجتك يا أبا حازم نقضها لك مهما كانت " .

فقال : " حاجتي أن تنقذني من النار ، وأن تدخلني الجنَّة " .

فقال : " هذا ليس من شأني " .

فقال : " إذاً ليس لي إليكَ حاجة "
إذا كان هذا ليس من شأنك إذاً ليس لي إليكَ حاجة .

فقال : " ادع لي يا أبا حازم " .

فقال : " اللهمَّ إن كان عبدك سليمان من أوليائك فَيَسِّره إلى خَيْرَي الدنيا والآخرة ، وإن كان من أعدائك فأصلحه ، واهده إلى ما تحبُّ وترضى " .

فقال رجل : " بئس ما قلت منذ دخلت على أمير المؤمنين ، فلقد جعلت خليفة المسلمين من أعداء الله ، وآذيته " .

قال أبو حازم : " بل بئس ما قلت أنت ، فلقد أخذ الله على العلماء الميثاق بأن يقولوا كلمة الحق فقال :

[align=left]( سورة آل عمران: من آية " 187 " ) [/align]

ثمَّ التفت إلى الخليفة وقال : " يا أمير المؤمنين إن الذين مَضَوْا قبلنا من الأمم الخالية ظلوا في خيرٍ وعافية ما دام أمراؤهم يأتون علماءهم رغبةً فيما عندهم ، ثمَّ وجِدَ قومٌ من أراذل الناس تعلَّموا العلم ، وأتوا به الأمراء يريدون أن ينالوا به شيئاً من عَرَض الدنيا ، فاستغنت الأمراء عن العلماء ، فتعسوا ، ونكسوا ، وسقطوا من عين الله عزَّ وجل ، ولو أن العلماء زهدوا فيما عند الأمراء لرغب الأمراء في علمهم ، ولكن رغبوا فيما عند الأمراء فزهدوا في علمهم ، وهانوا عليهم " .

فقال الخليفة : " صدقت ، زدني من موعظتك يا أبا حازم ، فما رأيت أحداً الحكمة أقرب إلى فمه منك " .

فقال : " إن كنت من أهل الاستجابة فقد قلت لك ما فيه الكفاية ، وإن لم تكن من أهلها فما ينبغي لي أن أرمي عن قوسٍ ليس لها وتر " .

فقال الخليفة : " عزمت عليك أن توصيني يا أبا حازم " ، أوصني .

فقال : " نعم سوف أوصيك ، وأوجز
عَظِّم ربَّك ، ونَزِّهه أن يراك حيثُ نهاك ، وأن يفتقدك حيث أمرك "
ثمَّ سلَّم وانصرف .

فقال الخليفة : "جزاك الله خيراً من عالمٍ ناصح " .

وما كاد أبو حازم يبلغ بيته حتَّى وجد أن أمير المؤمنين قد بعث إليه بصرَّةٍ مُلئت دنانير ، وكتب إليه يقول : " أنفقها ، ولك مثلها كثيرٌ عندي "، فردَّها ، وكتب إليه يقول : " يا أمير المؤمنين أعوذ بالله أن يكون سؤالك إيَّاي هزلاً ، وردي عليك باطلاً ، فوالله ما أرضى ذلك لكَ فكيف أرضاه لنفسي ؟!
يا أمير المؤمنين إن كانت هذه الدنانير لقاء حديثي الذي حدَّثتك به ، فالميتة ، ولحم الخنزير في حال الاضطرار أَحَلُّ منها ، وإن كانت حقَّاً لي من بيت مال المسلمين فهل سَوَّيت بيني وبين الناس جميعاً في هذا الحق؟ " .

هذا أحد التابعين الأكارم ، واسمه أبو حازم ، اسمه الأصلي سلمة بن دينار .
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
عامر بن شرحبيل الشَعبي

كان واسع العلم ، عظيم الحلم ، وإنه من الإسلام بمكان .

أيها الإخوة ... ننطلق في هذه السيَر من قول النبي عليه الصلاة والسلام :

خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ *

(متفق عليه عن أبي هريرة )

كلام النبي لا ينطق عن الهوى ، فأصحابه من القرن الأول ، والتابعون ، وتابعوا التابعين ، هؤلاء خِيرةُ خلق الله عزَّ وجل ، لذلك فالاقتداء بهديهم ، وبسيرتهم ، والوقوف عند بطولاتهم ، وشمائلهم جزءٌ من الدين ، أي إنك إذا رأيتَ ديناً نظرياً فعُدْ إلى الكتاب والسُنَّة ، وإنْ أردتَ ديناً عملياً فتقدَّم بقراءة سير الصحابة والتابعين .



فلستِّ سنواتٍ خَلَتْ مِن خلافة الفاروق رضوان الله عليه ، وُلِد للمسلمين مولودٌ نحيل الجسم ، ضئيل الجِرم .

من حكمة الله عزَّ وجل أن الأبطال متفاوتون في أجسامهم ، ترى بطلاً ضخماً عملاقاً ، وترى بطلاً نحيلاً رقيقاً ، وترى بطلاً وسيم الطلعة ، وترى بطلاً غير وسيم الطلعة ، ترى رجلاً مربوعاً ، وآخر قصيراً ، ورجلاً أبيض ، وآخر غير أبيض ، فالبطولة لا علاقة لها بالشكل إطلاقاً ، هذه حقيقة ، أنت كرجل كل قيمتك تنبع من مبادئك ، وعلمك ، وأخلاقك .

لذلك يُروى عن بعض التابعين أنه كان قصير القامة ، أسمر اللون ، مائل الذقن ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ، ليس شيءٌ من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب - هكذا يصفه الواصفون - وكان مع ذلك سيد قومه ، إنْ غضِبَ غضِب لغضبته مائة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب .

فالإنسان يحقِّق أعلى درجات البطولة في أي شكلٍ كان ، وقد قال الشاعر :

***

جمال الجسمِ مع قُبْحِ النفُوسِ كقنْديلٍ على قَبرٍ المَجُوس

***

لكن الإنسان إذا آتاه الله عزَّ وجل شكلاً مقبولاً فهذا من نعمه عزَّ وجل ، فالنبي علَّمنا إذا نظر في المرآة يقول :

" اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي "*

( من مسند أحمد : عن " ابن مسعود " )

لماذا كان هذا التابعي نحيل الجسم ، ضئيل الجرم ؟ قيل : لأن أخاه زاحمه على رحم أمه، فلم يَدَعْ له مجالاً للنمو ، إذاً هو شقيق ـ أي توأم ـ لكنه لم يستطع بعد ذلك أن يزاحمه ، لا هو ولا غيره في مجالات العلم ، والحلم ، والحفظ ، والفهم ، والعبقريَّة .

بصراحة أيها الإخوة أقلُّ شيء عندك شكلك ، وأقلّ شيء تملكه العمُرُ الزمني ، لأنّ العمر لا يقاس بمدَّته ، بل يقاس بأعماله البطولية ، والإنسان لا يقاس بشكله ، بل يقاس بإيمانه وخُلُقه .

مرة أحد الصحابة يبدو أنه وقف في مَهَبِّ رياح شديد فرفعت ثوبَه ، فبدت دقَّة ساقيه ، فتبسَّم الصحابة الكرام ، فقال عليه الصلاة والسلام :

" مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ "*

( من مسند أحمد : عن " أبي مسعود " )

فالإنسان إذا كان نحيفَ البُنية ، قصيرَ القامة ، أسمرَ اللون ، هذه أشياء لا تقدِّم ولا تؤخِّر، ولا يُعنى بها إلا النساء ، لذلك فمجتمع الرجال مجتمعٌ الإيمان والعمل .

بالمناسبة : من هو حِبُّ رسول الله ؟ إنّه سيدنا أسامة ، كان أسود اللون ، أفطسَ الأنف ، عيَّنه قائد جيش ، وهو في السابعة عشر من عمره ، على جيشٍ فيه أبو بكرٍ ، وعمر ، وعثمان، وعلي ، أرأيت الإسلام ؟ هذا الدين.

ذلكم هو عامر بن شرحبيل الحِمْيَرِيّ المعروف بالشعبي ، نابغة المسلمين في عصره .

وفائدة القراءة عن التابعين وسيرهم أنّ هذه الأسماء ترِدُ كثيراً في كتب الدين ، وفي كتب الحديث ، وفي كتب السيرة ، وفي كتب الفقه ، وهذه الأسماء كلُّها أعلام .

وُلد الشعبي في الكوفة ، وفيها نشأ ، لكن المدينة المنورة كانت مهوى فؤاده ، ومطمح نفسه، كان يؤمُّها من حينٍ لآخر ليلقى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وليأخذ عنهم ، كما كان الصحابة الكرام يؤمّون الكوفة ليتخذوها منطلقاً للجهاد في سبيل الله ، أو داراً لإقامتهم ، إذاً كان طلاب العلم يقدمون على المدينة ليلتقوا بأصحاب رسول الله رضوان الله عليهم ، وأصحاب النبي رضوان الله عليهم ينطلقون إلى الكوفة ، ليجعلوها قاعدةً لانطلاقهم لفتوح الهند والصين ، إذاً هؤلاء تعلَّموا ، فعليهم أن يجاهدوا ، وأولئك عليهم أن يتعلَّموا .

أُتيح لهذا التابعي الجليل أن يلقى نحواً من خمسمائةٍ من الصحابة الكرام ، وأن يروي عند عددٍ كبير من جلتهم .

الحقيقة ـ ولا أبالغ ـ ليس في الأرض متعةٌ أعظم من أن تجلس إلى عالم تُذاكره في العلم، لأن العلم حياة الإنسان ، والعلم حياة القلب ، وهو الذي يناسب شأن الإنسان ، وغير العلم يناسب ما دون الإنسان .

يروي هذا التابعي عن عددٍ كبير من أصحاب النبي ، من أمثال علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقَّاص ، وزيد بن ثابت ، وعبادة بن الصامت ، وأُبيّ ، وأبِي موسى الأشعري ، وأبي سعيد الخدري ، والنعمان بن البشير ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبَّاس ، وعدي بن حاتم، وأبي هريرة ، وعائشة أم المؤمنين ، وغيرهم ، وغيرهم .

أما عائشة فكما قال الله عزَّ وجل :



( سورة الأحزاب : من آية " 53 " )

وقد كان الشعبي فتىً متوقِّد الذكاء ، يقظَ الفؤاد ، مرهفَ الذهن ، دقيقَ الفهم ، آيةً في قوة الحافظة والذاكرة ، ولي هنا وقفة :

إنّ الله عزَّ وجل يعطي إنساناً هذه القدرات العقليَّة العالية ، ويحرم منها آخرين ، فقد يقول قائل : ما ذنب الذي حُرم هذه القدرات ؟ هناك إجابات كثيرة ، منها أنّ الإنسان يُعطَى من القدرات على قدر مطالبه ، فكلَّما ارتفعت مطالبُه ، واتسعت ، وسمت ، وكبُر حجمها قدَّر الله له من الملكات والقُدرات ما يوازي هذه المطالب العالية .

نحن في مجتمع البشر ، إذا كلَّفتَ الإنسان بمهمة كبيرة ، تعطيه صلاحيات كبيرة ، وإذا كلَّفته بعقد صفقةٍ لإطعام الجيش تعطيه اعتمادًا بمائة مليون ، فكلَّما كلَّفته بعملٍ كبير أعطيتَه إمكانات كبيرة ، فأحد الأجوبة أن هذه القدرات الفائقة التي يتمتع بها هؤلاء العلماء الأعلام ، في رأيٍ من الآراء أنها نتيجة مطالبهم العالية التي علِم الله بها .

وعندنا شيءٌ آخر ، وهو أن هذا الذكاء ، وقوة الحافظة ، وحدّة الذهن ، والإدراك العميق ، وقوّة التفكير هذا حظٌّ من حظوظ الدنيا ، والإنسان يُمتَحَن به ، فإمّا أن يرقى به ، وإمّا أن يهوي، فالجهاز الذي يرفعك هو نفسه الذي يهوي بك ، الآن الطائرة مِيزةٌ كبيرة ، لأنها تنتقل بسرعة عالية ، لكن لو أنها تعطَّلت في الجو لم يكن ثمّة حلٌ وسطٌ ، ولا وقت للنزول ، ولا لمخاطبة الركاب بالذهاب إلى بيوتهم ، حتى يتسنّى إصلاح الطائرة ، لا يوجد هذا ، فميزة تحليقها في الجو، ونقل الركاب بوقـت قصيـر جداً ، في مقابلها سيئة إذا أصابها عطب ، ويُنشَر الخبر البسيط : لقد مات جميع ركَّابها ، وبتعبير آخر : وقد لقي جميع الركاب حتفهم ، أما السيارة فتتعطَّل ، وسرعتها أبطأ ، لكن لو تعطَّلت لوُجِد لها حلّ آخر .

أردت من هذا المثل أن الإنسان إذا أُوتي الذكاء ، والقدرات الفائقة ، هذه ترقى به ولا شك، لكن لو أنه استخدمها على خلاف ما أراد الله عزَّ وجل لَهَوَتْ به ، فالقدرات العالية كما أنها ترقى فإنها تُهلك ، فمثلاً : يكون الشخصُ يسير بسيارة ، وأغلب الظن أنْ لا مشلكة ، فلو سار بسرعة مائة وعشرين ، ثمّ سها سهوة ، ماذا يحدث ؟ أحياناً الإنسان يعطس وهو يقود السيارة ، هذه العطسة فيها تغميض العينين ثانية واحدة ، فيشعر بالخطر ، لأنه يسير بسرعة كبيرة ، فكلَّما أسرعت يجب أن تكون أكثر يقظةً ونباهةً ، وكلُّ شيء فيه ميزة في مقابلها مغرم ، وكل مغنمٍ يقابله مغرم ، فالذي أوتي حظاً من الذكاء هذا امتُحِن بالذكاء ، لكن فيما لو لم يؤمن بالله عزَّ وجل، لكان هذا الذكاء وبالاً عليه .

إذن كان الشعبي متوقد الذكاء ، يقظ الفؤاد ، مرهف الذهن ، دقيق الفهم ، آيةً في قوة الحافظة والذاكرة ، وقد روي عنه أنه قال : " ما كتبت سوداء في بيضاء قط " . ماذا يعني هذا الكلام ؟ أنه لشدة حافظته ، لاتقاد ذهنه ، لقوة ذاكرته ما احتاج أن يكتب كلمةً سوداء على ورقةٍ بيضاء .

قد يقول أحدكم : ما هذه الذاكرة ؟ أنا أجيبكم : لو أنك تهتم بموضوعٍ ما ، لوفِّقت إلى ذاكرةٍ كهذه الذاكرة ، فأحياناً تدخل على بائع قطع تبديل ، يكون عنده عشرة آلاف نوع ، أي سؤال تطرحه عليه يقول لك : يوجد ، أو بقي منها قطعة واحدة ، اصعدْ يا ابني على الرفِّ الثالث ، على اليمين هناك واحدة فأحضِرْهَا . معنى هذا أنّ ذاكرته محلّ ، لأنه مهتم ، ولأن في ذلك ربح له .

فالذاكرة قانونُها الاهتمامُ ، حينما تهتم بالشيء تحفظه ، لذلك يشكو الإنسانُ ضعفَ ذاكرته في موضوعات لا يهتم لها ، ويعتدّ بذاكرته التي لا تخطئ في الموضوعات التي يهتم بها ، فأكاد أقول لكم : إن الاهتمام الشديد هو الذي يجعل الإنسان يحفظ .

فمن شدّة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلَّم بكتاب الله ، كان إذا نزل عليه يحفظه لأول مرة، مرة واحدة .. وقد قال تعالى :



( سورة الأعلى )

فما معنى " إلا ما شاء الله " ؟ أي إلا ما شاء الله لك أن تنساه ، ولكن لماذا أنساه الله ؟ لحكمةٍ بالغة ، كي يشرِّع .

مرَّة عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهر ركعتين ، كما روى ذلك البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ - أي لا قصرت ولا نسيت ، فهذا الصحابي جريء - فقَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ *

( متفق عليه)

لو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم ينس قط ، فكيف سَيَسُنُّ لنا سجود السهو ؟ هذا معنى قول الله عزَّ وجل :



( سورة الأعلى )

قال الشعبي : ما كتبت سوداء في بيضاء قط ، ولا حدثني رجلٌ بحديثٍ إلا حفظته، ولا سمعت من امرئٍ كلاماً ثم أحببت أن يعيده علي " ، إنها قوة ذاكرة عجيبة .

وقد كان الفتى مولعاً بالعلم ، أيهما أصح مولَعاً أم مولَّعاً ؟ مولَع ، إياكم أن تقولوا مولَّع ، المولَّع في اللغة العربية هو الثور الأحمر ، الصواب مولَع ، قل : أنا مولعٌ بكذا ، ولا تقل : مولَّعٌ بكذا .

وقد كان الفتى مولعاً بالعلم مشغوفاً بالمعرفة ، يبذل في سبيلهما النفس والنفيس ، ويستسهل من أجلهما المصاعب ، إذ كان يقول : " لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ، فحفظ كلمةً واحدةً تنفعه فيما يستقبل من عمره ، لرأيت أن سفره لم يضع " .

الآن أكثركم بارك الله بكم يأتي من أماكن متعددة ، طبعاً هناك إخوان بيتهم إلى جانب المسجد ، وإخوان أبعد بالمهاجرين ، بالشيخ محي الدين ، بالعدوي ، آخرون يأتون من الغوطة ، ومن دوما ، بل من محلات بعيدة ، فيقول الشعبي : " لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ، فحفظ كلمةً واحدةً تنفعه فيما يستقبل من عمره ، لرأيت أن سفره لم يضع " .

كلمة واحدة تتعلَّمها ، تنفعك في حياتك ، هذا الجهد الكبير الذي بذلته من أجلها لم يضع سُدًى ، وأشرف عملٍ تفعله أن تطلب العلم ، لأنك بالعلم تصل إلى الله ، وبالعلم تصل إلى طاعته، وبالعلم تصل إلى القرب منه ، وبالعلم توفَّق في أمورك الدنيويَّة ، وبالعلم تسعد في بيتك، وبالعلم تسعد في عملك ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .

تأكد أنه ما مِن عملٍ أشرف عند الله عزَّ وجل من أن تطلب العلم ..

" إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ *

( من سنن الترمذي : عن " قيس بن كثير " )

" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ " *

( مسلم عن أبي هريرة )

" إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمَّرها فطوبى لعبدٍ تطهر في بيته ثم زارني، وحُقَّ على المزور أن يكرم الزائرِ " .

ومرَّة ثانية وثالثة أقول لكم : كما أنه ينبغي أن تؤدي زكاة مالك ينبغي أن تؤدي زكاة وقتك ، وزكاة المال تعني أن تنفق جزءاً منه في سبيل الله ، وزكاة الوقت تعني أن تنفق جزءاً منه في طلب العلم ، وحينما تؤدي زكاة وقتك يحفظ لك اللهُ عزَّ وجل وقتك ، كما حفظ لك مالك.

أحياناً يكون الإنسان يجمِّع محركًا ، وينسى شيئًا يجب أن يضعه في أول الأمر ، وقد قضى أربع ساعات ، ثم يقول لك : القشرة نسيناها ، فيرجع ليفُكَّه من أول ، فاللهُ عزَّ وجل قادر أن يتلف لك عشرين ساعة من دون مبرر ، فأحياناً تتوهَّم شيئًا فتجري تحاليل ، واختبارات ، ويظهر لك في الأخير أن لا شيء معك ، دفعت أموالاً ، وبذلت جهدًا ، وتعطَّلت ، وانتظرت .

وأحياناً يتعطَّل شيء بآلة عندك ، فتبعث لتحضره من بلد آخر فيأتيك ناقصًا ، فلا تشتغل ، واعلَمْ أن الله عزَّ وجل قادر على أن يضيّع لك عشرات الساعات ، بل مئات الساعات بلا طائل، في موضوعات سخيفة جداً، ولا حول لك ولا قوة ، لذلك كما أنه ينبغي أن تؤدي زكاة مالك ، ينبغـي أن تؤدي زكاة وقتك ، كما أن زكاة المال تحفظ المال من الضياع والإتلاف ، فإنّ زكاة الوقت تحفظ وقتك من الهدر .

إنّ الإنسان الموفَّق يقوم في وقت قصير بأعمال كبيرة جداً ، يقول لك : لقد بارك الله له في وقته ، فتجده موفَّقًا في كل أموره ، وأعماله دائماً هادفة ، ليس عنده محاولات فاشلة ، ولا إحباط، ولا بعثرة ، ولا ضياع في الوقت ، مثلما قال بعض الصالحين : " هم في مساجدهم ، واللهُ في حوائجهم " .

يجب أن تعرف أن في بالقرآن آية واحدة لا يوجد غيرها ، هذه الآية تؤكِّد أنه ما من عملٍ على وجه الأرض يمكن أن يحقَّق إلا بتوفيق الله ، فإنْ لم يوفِّقْ لم يقع الشيء ، فإنّ الله يمكنه أنْ يشغلك ببضاعة معينة - بزرة - عشرة أشهر ، أو عشرين شهرًا ؛ شراء ، وبيع ، وشحن ، ومطالبة بالمبالغ ، وبالتحقيق وجدتَ خسارة مائتي ألف ، فيمكن أنْ تضيع أوقات طويلة ولا تجد معها ربحًا ، فالله عزَّ وجل بيده كل شيء ، إنّه مالك المُلك ، فعلى المؤمن أنْ يؤدي زكاة ماله كما أنّه عليه أنْ يؤدي زكاة وقته بطلب العلم .

قال : " لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ، فحفظ كلمةً واحدة تنفعه فيما يستقبل من عمره ، لرأيت أن سفره لم يضع ".

قالوا : " ما ضاعت عَبرةٌ كانت لصاحبها عِبرة " . الحياة كلها دروس ، والإنسان كما قال النبي الكريم : " أُمرت أن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً " .

وقد بلغ من علمه أنه كان يقول : " أقل شيءٍ تعلَّمته الشعرُ ، ولو شئت لأنشدتكم منه شهراً دون أن أعيد شيئاً مما أنشدته " ، ينشد الشعر شهرًا كاملاً دون أن يعيد شيئاً مما أنشده ، وهذا أقل شيءٍ تعلَّمه !!.

قال لي أحدهم : لو كنا مع رسول الله والله لكان أحسن ، قلت له : اشكر الله بأن جعلك في آخر الزمان ، إذا الواحد منا اجتهاده ضعيف أو وسط ، و لوضعوه في شعبة الكسالى لكان الأول فيهم ، ولو وضعوه مع الأوائل لكان آخرهم ، فهؤلاء الصحابة الكرام قدَّموا شيئًا لا يصدِّقه العقل.

وكانت تعقد للشعبي حلقةٌ في جامع الكوفة ، فيلتفُّ الناسُ حوله زمراً زمرا ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أحياءٌ ، يروحون ويغدون بين أظهر الناس .

بل إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه سمعه ذات مرةٍ يقصُّ على الناس أخبار المغازي ، بخفاياها ودقائقها ، وما أدراك ما عبد الله بن عمر !! صحابيٌ جليل عاش مع النبي عليه الصلاة والسلام ، جلسَ مرةً إلى درس يلقيه هذا التابعي الجليل الشعبي عن مغازي رسول الله ، فأصغى السمع ، وأرهف سمعه ، وقال : " لقد شهدتُ بنفسي بعض ما يقصُّه بعيني ، وسمعته بأذني ، ومع ذلك فهو أروى منـي لما شهدت " ، لم يشهد الشعبي هذه الوقائع ، ولكن سيدنا عبد الله شهدها ، ومع ذلك قال :" هذا التابعي أروى مني لما شهدتُ بعيني ، وسمعت بأذني " .

وشواهد سعة علم الشعبي وحضور ذهنه غزيرةٌ وفيرة ، والحقيقة هناك آية قرآنية تقول :



( سورة فاطر : من آية " 1 " )

أحياناً ربنا عزَّ وجل يُري من آياته الدالة على عظمته ، فيعطي إنسانًا قوة ذاكرة تفوق حدَّ الخيال ، ويعطي إنسانًا آخر أحياناً قوة عضليَّة ، يَحمِل لك بها أربعمائة كيلو ، وهناك بعض الإخوة يحمل صندوق حديد أربعمائة كيلو ، ويصعد به الدرج ، وإنسان آخر يقول لك : حملت كيلو تفاح فانتابني ألمُ الظهر ..


( سورة فاطر : من آية " 1 " )

لكن بالمناسبة ، إذا افتخر الإنسان بقدرات آتاه الله إيَّاها ، وكانت هذه القدرات غير علمية، فأيّ حيوان يفوق بقدراته الإنسانَ ، وإذا قال الإنسان : أنا عندي دقة بالبصر ، فالصقر يرى ثمانية أضعاف الإنسان ، وإذا قال : أنا شمي مرهف ، فإنّ بعض الكلاب تشمّ مليون ضعف ، فما في صفة ماديَّة في الإنسان - ولحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل - إلا وفي المخلوقات ما يفوقه في هذه الصفة ، إلا أنّ الإنسان ميّزه الله عزَّ وجل بالعلم والعقل .

استمعوا لهذه القصة ...

روى الشعبي عن نفسه فقال : " أتاني رجلان يتفاخران ؛ أحدهما من بني عامر ، والآخر من بني أسد ، وقد غلب العامريُّ صاحبَه ، وعلا عليه ، وأخذه من ثوبه ، وجعل يجرُّه نحوي جرًّا ، والأسدي مخذولٌ أمامه ، ويقول له : دعني دعني ، وهو يقول له : واللهِ لا أدَعُك حتى يحكم الشعبي لي عليك ، فالتفتُّ إلى العامري وقلت له : دع صاحبك حتى أحكم بينكما ".

والظاهر من القصة أنهما كانا في منافسة ملاسنة ، مفاخرة بين رجل عامري ، ورجل من بني أسد ، فقال هذا التابعي الجليل : " دع صاحبك حتى أحكم بينكما ، ثم نظرت إلى الأسدي وقلت : ما لي أراك تتخاذل له ؟ لقد كانت لكم مفاخر ست لم تكن لأحدٍ من العرب ، أولها أنه كانت منكم امرأةٌ خطبها سيد الخلق محمد بن عبد الله ، فزوَّجه الله إيَّاها من فوق سبع سماوات ، وكان السفير بينهما جبريل عليه السلام ، إنها أم المؤمنين زينب بنت جحش ـ هذه خطبها النبي ، والسفير كان بهذه الخطبة جبريل ـ فكانت هذه المأثُرة لقومك ولم تكن لأحدٍ من العرب . قال : والثانية أنه كان منكم رجلٌ من أهل الجنة، يمشي على الأرض هو عكاشة بن محصِن ـ عكاشة من بني أسد ـ هذه لكم الثانية ، والثالثة ..... والرابعة أن أول مغنمٍ قسم في الإسلام كان مغنمه ، والخامسة أن أول من بايع بيعة الرضوان كان منكم ، فقد جاء صاحبكم أبو سنان بن وهبٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " يا رسول الله ابسط يدك أبايعك . قال : " على ماذا ؟ ، قال : على ما في نفسك ، قال : وما في نفسي ؟ قال فتحٌ أو شهادة ، قال: نعم ، فبايعه فجعل الناس يبايعون على بيعة أبي سنان " .

( من كنز العمال )

و السادسة أن قومك بني أسد كانوا سُبُعَ المهاجرين يوم بدر ، فبهت العامري وسكت " ، و لا ريب أن الشعبي أراد أن ينتصر للضعيف المغلوب على القوي الغالب ، وهذه حالات نادة ذكرها الشعبي لهذين المتخاصمين ، فإذا بالمنتصر يصغر ، وإذا بالضعيف يكبُر.

بعضهم قال :"ولو كان العامري هو المخذول لذكر له من مآثر قومه ما لم يحط به خُبْرَ" .

وعنده أخبار أيضاً دقيقة جداً عن بني عامر ، لكنه أراد أن ينتصر لهذا الضعيف .

ولمَّا آلت الخلافة إلى عبد الملك بن مرون كتب إلى الحجَّاج عامله على العراق : " أن ابعث إليَّ رجلاً يصلح للدين والدنيا ، أتخذه نديماً أو جليساً " ، فبعث إليه بالشعبي فجعله من خاصَّته ، وأخذ يفزع إلى علمه في المُعضلات .

والحقيقة أنّ الإنسان إذا وُفِّق أنْ يستشير أولي العلم ، فهذه نعمة كبيرة ، لكن السؤال مفتاح العلم ، ومن استشار الرجال استعار عقولهم .

أنت يمكن أنْ تأخـذ خبرات خمسين سنة متراكمة بسؤال واحد ، فعوِّد نفسك أن تستشير ، فإنّ الله عزَّ وجل وصف المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم ، وأمر النبي المعصوم الذي يوحى إليه أن يشاور أصحابه ، فقال تعالى :



( سورة آل عمران : من آية " 159 " )

ولا يوجد إنسان موفَّق إلا يستشير ، وأحياناً يكون على الإنسان ضغط ، والضغط يعمي ويصم ، ولو أنك استشرتَ إنسانًا ليس عليه هذا الضغط لأعطاك الرأي السديد ، والرؤية الصحيحة ، والفكر الثاقب ، والسلوك الحكيم ، فعوِّد نفسك أن تستشير ، ولو أن الذي تستشيره - فيما يبدو لك - هو دونك ، لكنه قد يتفوَّق في هذه النقطة ، ولذلك أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار"

الاستشارة - دققوا - لأولي الخبرة من المؤمنين ، والاستخارة لله عزَّ وجل ، فعوِّد نفسك أن تستخير الله ، وأن تستشير أولي الخبرة من المسلمين ، والسؤال مفتاح العلم ، وإنك بالاستشارة تستعير عقول الرجال .

فأخذ هذا الخليفة يفزع إلى علمه في المعضلات ، ويعوِّل على رأيه في الملمَّات ، ويبعثه سفيراً بينه وبيـن الملوك ، فقد أرسله مرةً في مهمةٍ إلى جستنيان ملك الروم ، فلما وفد عليه ، واستمع إليه أُخذ بذكائه ، ودهش من دهائه ، وأُعجِب بسعة اطلاعه ، وقوة بيانه ، فاستبقاه عنده أياماً كثيرة على غير عادته مع السفراء ، فلما ألحَّ عليه بأن يأذن له بالعودة إلى دمشق سأله الملك الرومي : " أمن أهل بيت الملك أنت ؟ . قال : " لا ، إنما أنا رجلٌ من جملة المسلمين " ، فلما أذن له بالرحيل قال له : " إذا رجعت إلى صاحبك ـ يعني عبد الملك بن مروان ـ وأبلغته جميع ما يريد معرفته ، فادفع إليه هذه الرُقعة " ، أعطاه كتابًا مختومًا .

فلما عاد الشعبي إلى دمشق بادر إلى لقاء عبد الملك ، وأفضى إليه بكل ما رآه وسمعه ، وأجابه عن جميع ما سأل عنه ، ولما نهض لينصرف قال : " يا أمير المؤمنين إن ملك الروم حمَّلني لك هذه الرُقعة " ، ودفعها إليه وانصرف ، فلما قرأها عبد الملك قال لغلمانه : " ردوه عليَّ " ، فردوه ، فقال له : " أعلمت ما في هذه الرقعة ؟ " ، قال : " لا يا أمير المؤمنين " فقال عبد الملك : " لقد كتب إليَّ ملك الروم يقول : عجبت للعرب كيف ملَّكت عليها رجلاً غير هذا الفتى !! " ، فبادره الشعبي قائلاً : " إنما قال هذا لأنه لم يرك ، ولو رآك يا أمير المؤمنين لما قاله " . فخلَّص نفسَه بهذه الحيلة ، فقال عبد الملك : " أفتدري لمَ كتب إلي ملك الروم هذا ؟ " ، قال له : " لا " ، قال عبد الملك : " إنما كتب إليَّ بذلك لأنه حسدني عليك ، فأراد أن يغريني بقتلك والتخلُّص منك " .

عجبت كيف تولي العرب رجلاً غير هذا الفتى ، أي : تخلَّصْ منه ، إنه أذكى منك ، وأقوى منك ، فبلغ ذلك ملك الروم فقال : " لله أبوه ، واللهِ ما أردت غير ذلك " .

الحقيقة أنّ الإنسان إذا وفَّقه اللهُ فإنه يوفِّقه لاتخاذ أعوان مخلصين ، أصحاب فطانة ، أذكياء ، يحسنون التصرُّف ، فأحياناً تكون الآفة من الأعوان ، والنبي دعا بالبطانة الصالحة التي تدلُّ على الخير ، وتعين عليه ، واستعاذ بالله من بطانة السوء التي تدلّ على الشر ، وتعين عليه، والإنسان إذا اتّخذ صديقًا ، أو اتخذ معينًا ، إنْ كان مدير معمل ، مدير دائرة ، مدير مستشفى ، مدير مدرسة ، فيتخذ إنسانًا أخلاقه عالية ، وذكيًا حصيفًا ، وإلا فالمعين السيئ يدمِّره .

لقد بلغ الشعبي في العلم منزلةً جعلته رابع ثلاثةٍ في عصره ، فقد كان الزهري يقول : "العلماء أربعة ؛ سعيد بن المسيِّب في المدينة ، وعامر الشعبي في الكوفة ، والحسن البصري في البصرة ، ومكحولٌ في الشام " ، لكن الشعبي كان بتواضعه يخجل إذا ألبَسه أحد لقب العالِم ، فقد خاطبه أحدهم قائلاً : " أجبني أيها الفقيه العالِم " ، قال : "ويحك لا تُطْرِنَا بما ليس فينا ، الفقيهُ من تورَّع عن محارم الله ، والعالِمُ من خشيَ الله ، وأين نحن من ذلك " .

كان في الشام عالِم من العلماء ، وهو الشيخ بدر الدين الحسني ، هذا علَّم العلماء كلهم ، وكان هذا العالم الجليل إذا غضب تغضب له كل البلاد ، مرَّة سأله واحد فضولي فقال له : سيدي لفَّتك ليست بيضاء ، أي لماذا لا تضع لفَّة بيضاء يا سيدي ؟ فقال له : " يا ابني هؤلاء الذين يضعون اللفة البيضاء علماء " ، وسأله مرة واحد : ما مذهبك ؟ فقال له : " يا بني العوام لا مذهبَ لهم ، العوام يقلدون تقليدًا ، وليس لهم مذهب " ، لقد كان متواضعًا ، حتى إنه لم يُصَلِّ بالناس أبداً ، ولا سمح لأحد أن يقبِّل يده ، ولو وزنته بالعلم لكان سيد العلماء .

كان مرَّة يمشي في الغوطة مع إخوانه ـ هكذا سمعت ـ فجاء شخص أرعن ، أحمق ، عدواني المزاج ، والأرض طين ، يركب بغلاً - أي بغل على بغل - ويبلِّل الناس بهذا الطين ، وهم يقولون : على مهلك ، على مهلك ، أبداً لم يستجب ، حتى بلَّل الشيخ ، فهؤلاء المريدين مؤدبون جداً ، ولكن أحدَهم لم يتحمَّل الوضع ، فأوجعه ضربًا حتى كاد يهلكه ، فإذا سكتَ الشيخ فثمة مشكلة ، وإن تكلَّم فمشكلة ، فقال كلمة رائعة وذكية جداً ، قال : " ما أفلح قومٌ لا سفيه لهم"، أي : هذا العمل سفاهة ، لكنه ضروري ، أحياناً تجد سفيهًا ، لكنه لسفيه آخر دواء ، قال : " ما أفلح قومٌ لا سفيه لهم ".

على كلٍ من التواضع ألاّ يقول : أنا عالم ، نصيحة ، قل : أنا طالب علم ، والله أسمعها من كبار العلماء ، أنا طالب علم ، ويظلُّ المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علِم فقد جهل .

في اللحظة التي تتوهَّم أنك عالِم فأنت جاهل ، فإذا تكلم الإنسانُ عن نفسه فليقل : أنا طالب علم ، أرجو من الله التوفيق .

قيل لأحدهم : يا سيدي هذا الحديث الذي ذكرته موضوع ، فقال له : لمجرَّد أني قلته فهو صحيح ، هناك جبابرة في العلم .

مرَّة سأله شخص عن مسألة فأجاب ، فقال : " قال فيها عمر بن الخطاب كذا ، وقال فيها علي بن أبي طالب كذا " ، فقال له السائل : "وأنت ماذا تقول يا أبا عمرو ؟ ـ ما قولك أنت ؟ ـ فابتسم في استحياء ، وقال : " وما تصنع بقولي بعد أن سمعت مقالة عمر وعلي ؟! من أنا حتى يعتدَّ برأيي ؟! .

وسيدنا الشافعي له كلمة رائعة أنه : "إذا وجدتم الحديث الصحيح يخالف قولي فاضربوا بقولي عُرض الحائط " ، لو فرضنا أنّ للشافعي رأيًا ، وعثرت على حديثٍ صحيح خلاف كلام الشافعي ، فالشافعي نفسه قال لك : اضرب بكلامي عرض الحائط " ، ولا تعبأ به ، وكن مع الحديث الشريف ، مَن أنا أمام الحديث ؟ العالِم متواضع ، وانتهى الأمر .

كان الشعبي يكره المراء ، ويتصاون عن الخوض فيما لا يعنيه ، فقدْ كلَّمه أحد أصحابه ذات يومٍ فقال : يا أبا عمرو ، فقال : لبيك ، قال : " ماذا تقول فيما يتكلَّم فيه الناس من أمر هذين الرجلين ، قال : أي الرجلين تعني ؟ قال : عثمان وعلي ، قال :" إني والله لفي غنىً عن أن أجيء يوم القيامة خصيماً لعثمان بن عفَّان ، أو لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما جميعاً"، مَن أنا حتى أكون حكمًا بينهما ؟ أنا غني عن أن أكون خصمًا لأحد هذين الصحابيين الكبيرين ، والنبي قال :

" إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا ... " .

( من الجامع الصغير : عن ابن مسعود )

أي إذا اختلف طبيبان جراحا قلب ، وهناك ممرض صغير قاعد ، فسألته : ما قولك ، الحق مع مَن ؟ فماذا فهِمَه هذا الممرِّض من هذا الخلاف بين جراحي قلب ؟ وإذا اختلف مثلاً ركنان في الجيش ، فسألنا مجنَّدًّا غرّا : ما قولك ، الحق مع من ؟ ما هذا الكلام ؟ إنه كلام ليس له معنى إطلاقاً ، صحابيان جليلان اختلفا ، فلا مانع ، ونحن لا دخل لنا .

ولقد جمع الشعبي إلى العلم الحلم ، فقد روي أن رجلاً شتمه أقبح الشتم ، وأسمعه أقذع الكلام ، فلم يزِدْ عن أن قال له : " إن كنت صادقاً فيما تقول فغفر اللهُ لي ، وإن كنت غير صادق فغفر اللهُ لك " ، انتهى الأمر .

لم يكن الشعبي على جلالة قدره ، وجذالة فضله يأنف أن يأخذ المعرفة ، أو يتلقَّى الحكمة مِن أهونِ الناس شأناً ، فلقد دَأَبَ أعرابيٌ على حضور مجالسه ، غير أنه كان يلوذ بالصمت دائماً، فقال له الشعبي مرةً : " ألا تتكلَّم ؟ ، فقال : " أسكت فأسلم ، وأسمع فأعلم ، وإن حظ المرء من أذنه يعود عليه ، أما حظه من لسانه فيعود على غيره " ، فظل الشعبي يردِّد كلمة الأعرابي ما امتدَّت به الحياة ، والمؤمن الصادق ، لا يأنف أن يأخذ الحكمة مِن أي إنسان .

أوتي الشعبي من بلاغة الكلام ، وحسن التصرُّف ما لم يؤتَهُ إلا القلةُ النادرة من الفصحاء، فقد كلَّم مرةً أمير العراقَيْن عمرَ بن هبيرة الفزاري في جماعةٍ حبسهم ، فقال :"أيها الأمير إن كنت حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم ، وإن كنت حبستهم بالحق فالعفو يسعه "

هناك آية قرآنيَّة تحل ألف مشكلة ... قال تعالى :


( سورة النحل : من آية " 90 " )

فإذا لم تتوافق القضيَّة على العدل فإنَّ الإحسان يسعها ، وإذا كان معك الحق وأنت منصف، لكن الشخص يحتاج لإحسانك ، فلا تبخل به عليه .

وعلى الرغم من مروءة الشعبي ، وعلو منزلته في الدين والعلم ، فقد كان عذب الروح ، حلو المفاكهة ، لا يفوِّت الطُرفة إذا لاحت له ، والإنسان ..

" روحوا القلوب ساعةً بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلَّت عميت " .

( من الجامع الصغير )

دخل عليه رجل وهو جالسٌ مع امرأته فقال : أيكما الشعبي ؟ فقال : هذه .

مرة قال لي أحدهم : أي يوم تخطبون يا أستاذ الجمعة ؟ قلت له : يوم الأحد ، قال : ما هذا الأحد ، هل هناك خطبة يوم الأحد ؟ تسألني متى أخطب ؟ سؤال ليس له معنى ، طبعاً أخطب الجمعة .

سأله مرة واحد : مَن تكون زوجة إبليس ؟ قال له : واللهِ هذا عرسٌ ما شهدته .

مرة قال : "والله ما حللتُ حبوتي إلى شيءٍ مما ينظر إليه الناس ، ولا ضربتُ غلاماً لي قط ، وما مات ذو قرابةٍ لي وعليه دينٌ إلا قضيته عنه " .

إخواننا الكرام ؛ الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين ؛ شهادته ، أدى ماله ، أدى نفسه ، أثمن ما يملك إلا الدَّين ، عَنْ الحَارِثِ بْنِ رِبْعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ - ولو كان شهيدًا - فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا قَالَ أَبُو قَتَادَةَ هُوَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ قَالَ بِالْوَفَاءِ فَصَلَّى عَلَيْهِ*

( من سنن الترمذي )

لأن الله عزَّ وجل يغفر ما كان بينه وبين العبد ، لكن ما كان بين العباد فلا بد من الأداء ، لأنّ حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة ، وحقوق الله مبنيةٌ على المسامحة .

عُمِّر الشعبي حتى نيَّف على الثمانين ، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ*

( من سنن الترمذي)

فلما لبَّى نداء ربه ، ونُعِيَ إلى الحسن البصري قال : " يرحمه الله فقد كان واسعَ العلم ، عظيمَ الحلم ، وإنه من الإسلام بمكان " ، هذا كلام الحسن البصري عندما نعاه .

* * *

والحمد لله رب العالمين
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى