منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أمل الحياة

أمل الحياة

طاقم المشرفين
رقم العضوية :
14420
البلد/ المدينة :
بسكرة
العَمَــــــــــلْ :
طالبة جامعية/sience de matier
المُسَــاهَمَـاتْ :
2275
نقاط التميز :
2651
التَـــسْجِيلْ :
04/04/2011
الآمل(مرتج مرتقب‏)
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الأمل في الدنيا مهلكة، والأمل في الآخرة رحمة، يقول الله عزوجل:
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

(سورة القصص)
شتَّان بين مَنْ يعِده اللهُ وعدًا حسنًا، وبين من ينطبق عليه قول الله عزوجل:


﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

(سورة الأنعام)
الأمل في الدنيا مهلكة، والإنسان يفكر أن يعيش عمرًا مديدًا، وأن يبني بيوتًا، وأن يمتِّع نفَسه بمباهِج الحياة، وأن يكون كزيد أو عُبيد، وأن يشتري مركبة و أن يؤسس عملاً، وأن يعيش في مكان جميل، الأمل في الدنيا مهلك، ولكن الأمل نفسه إذا كان في الآخرة فهو مسعد، لأن الأمل في الآخرة يمتص كل متاعب الدنيا، أراد إنسانٌ أن يجري مداخلة في موضوع ذكرته، كلمة مداخلة كلمة حيادية، قلت: المؤمن سعيد، قال لي: لا واللهِ ليس سعيدا، هو مثل الناس تماما، يصيبه ما يصيبهم و يقلقه ما يقلقهم، ويتعبه ما يتعبهم، خرجت من مداخلته بمثل، قلت له: تصور إنسانًا عنده ثمانيةُ أولاد، و له دخل محدود جدا، أربعة آلاف، و بيته بالأجرة، و عنده دعوى إخلاء، كيف يعيش هذا الإنسان ؟ هذا الدخل ماذا يفعل به ؟ لو أن لهذا الإنسان عمًّا لا ينجب أولادا، يملك خمسمائة مليون مات في حادث فجأة، هذه الثروة الطائلة لهذا الابن الأخ الفقير، بحكم القوانين والأنظمة وبراءة الذمة لا يستطيع أن يأخذ من إرث عمه قرشا واحدا قبل سنة، لماذا هو في هذه السنة من أسعد الناس، مع أنه لم يتمكَّن أن يأخذ قرشا واحدا، ولا أن ينال لقمة طيبة، ولا أن يرتدي ثوبًا جميلاً، الذي أسعده هو الأمل، كلما رأى بيتا جميلا يقول: هذا سأشتريه، و كلما رأى مركبة فارهة قال: هذه سأقتنيها دخل في الأمل، فالأمل مسعد، قال تعالى:


﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾


(سورة القصص)
ما الذي يسعد المؤمن ؟ وما الذي يمتص كل هموم المؤمن ؟ وعد الله له بالجنة، والجنة وعدٌ حقٌّ من قِبل الحقِّ، فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلبِ بشرٍ، لا همّ ولا حزن، و لا ولد عاق، ولا زوجة سيئة، و لا مغصّ ولا التهاب ولا ورم خبيث، ولا دسام قلب ولا شريان قلب مسدود، ولا قسطرة ولا أزمة، ولا أزمة نقود، هناك جنة عرضها السماوات والأرض، لهم ما يشاءون فيها، الدنيا دار عمل، قال تعالى:


﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
(سورة الانشقاق)
أما الآخرة فدارُ جزاءٍ، الدنيا دارُ تكليف، والآخرة دارُ تشريف، الدنيا دارُ عمل، والآخرةُ دارُ أملٍ، الدنيا دار التزام، والآخرة دار جزاء، فالأمل منزلة يتمتع بها المؤمنون، ولكن الأمل عند المؤمنين في الآخرة، بينما أهل الدنيا يتأملون في الدنيا، هذا الذي استلقى على ظهره وفوقه قِدر عسل، وقال: سوف أبيع هذا العسل، وسوف أشتري غنما، والغنم يتوالد، وسأغدو إنسانا غنيا وسوف أتزوج، وأنجب أولادًا، وإذا عصاني ولدٌ ربَّيته، فرفع عصاه وضرب فانكسرت القدر وسالت فوقه، هكذا أهل الدنيا يأتيهم ملك الموت في أحرج الأوقات.

هناك قصة رمزية تقول: إنسان كان ضائق النفس أراد أن ينتحر، من شدة فقرِه ويأسه من الحياة، جاءه ملك الموت فقال له: أنا أدلك على حرفة تغتني بها، اعمل طبيبا، قال له: ماذا أفعل ؟ قال له: إن رأيتني أقف إلى رأس المريض فإياك أن تعالجه، لأنه سيموت قطعا، اهرب، وإن وجدتني أمام رجلي المريض فعالجه، فلا بد من أن يشفى، أي شيء تعطيه إياه سيُشفى به، قال الشاعر:

إِنَّ الطَّبِيبَ لَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ بِـــهِ إِنْ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الآجَالِ تَأْخِيرُ

حَتَّى إِذَا مَا انْتَهَتْ أَيَّامُ رِحْلَتِـهِ حَارَ الطَّبِيبُ وَخَانَتْهُ الْعَقَاقِيــرُ

فهذا نفّذ وصية ملك الموت واشترى محفظة، ووضع فيها سوائل ملونة، فإذا دعي إلى مريض، إن رأى ملك الموت عند رأسهم يعود راجعا، إن رآه عند قدميه يعالجه، هذه النقطتان قبل الطعام، هذه بعد الطعام، يتفنن في وصفاته، لأن المريض سوف يُشفى، ذاع صيتُه، وتألق نجمُه وزاد دخلُه، و عاش في بحبوحة، وإذا بِبِنْتِ الملِك تَمرضُ، فاستُدْعِي هذا الطبيب الألمعي المشهور الذي ما مِنْ إنسان عالجه إلا وشُفي على يديه، لأنه على اتفاق مع ملك الموت، فهذا الملك لشدة تُّعلقه بابنته قال: من يعالجْ لي ابنتي ويشفِها أجعلْه وليًّا للعهد، دخل على هذه البنت المريضة، فإذا ملَكُ الموت عند قدميها، فكاد يختل توازنه من شدة الفرح، عالجها كما هي العادة وشُفيت شفاءً تامًّا والملِك نفّذ وعده وجعله ولي العهد، وصار ملكا، ويومَ عرسه وزواجه وتسلمه منصب ولي العهد جاءه ملك الموت، تفضَّل، قال له: الآن، قال: الآن، قال له: لو أنك أخذتني وقتها لكان أيسر لي فأهلُ الدنيا يصعدون و يصعدون، و يصعدون، وهم في أعلى نقطة يسقطون، هذا هو الأمل في الدنيا، قد تعتني ببيتك، ويوم الانتهاء من كسوته يأتيك الأجل، يوم نيله الدكتوراه يأتيه الأجل، يوم زواجه يأتيه الأجل، يوم رواج تجارته يأتيه الأجل، فمن كان أملُه في الدنيا فهو هالك،
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ))
(رواه البخاري)
كنت أدرس في ثانوية، و نشأ عندي ساعة فراغ، فدخلت على مدير الثانوية أجلس عنده هذه الساعة وكان صديقي، شكا لي همه وضجره، و قال: أنا سأسافر إلى بلاد شمال إفريقيا لأدرِّس هناك خمس سنوات، كان هناك نظام اسمه نظام الإعارة، يبدو أنه هيّأ موافقة، وقال لي: لن آتي في أيام الصيف إلى بلدي، أمضي صيفية في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، أربع بلاد، أريد أن أشاهد معالمها ؛ ريفها، متاحفها، طبيعة الحياة فيها، بعد خمس سنوات أعود إلى بلدي وأقدِّم طلبا للتقاعد، وآتي بمبلغ لا بأس به أفتح به محلاً تجاريًّا أبيع فيه التحف، عندئذ يكبر أولادي ويتسلمون العمل مكاني، وآتي بعد الظهر ساعة أسمر فيها مع أصدقائي، وتابع الحديث، والساعة انتهت، وقد حدثني فيها عن عشرين سنة قادمة، فودَّعته و ذهبت إلى درسي، ثم ذهبت إلى بيتي ظهرا، وعندي عمل في مركز المدينة مساء، ذهبت إلى هذا العمل و أردت أن أذهب إلي بيتي مشيا، نظرت إلى أحد الأعمدة، أعوذ بالله، نعيه في اليوم نفسه، واللهِ الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه رأيتُ نعيَه هذا هو الأمل المهلك، فالإنسان يحلم و يأتيه مَلَكُ الموت فيلغي كل آماله، وكل شطحاته و تصوراته الأمل في الدنيا مهلك،
 
رومايسة

رومايسة

عضو نشيط
رقم العضوية :
19788
البلد/ المدينة :
الجزائر
المُسَــاهَمَـاتْ :
894
نقاط التميز :
1161
التَـــسْجِيلْ :
30/06/2011
شكرا لك على الموضوع الرائع
 
رومايسة

رومايسة

عضو نشيط
رقم العضوية :
19788
البلد/ المدينة :
الجزائر
المُسَــاهَمَـاتْ :
894
نقاط التميز :
1161
التَـــسْجِيلْ :
30/06/2011
شكرا لك على الموضوع الرائع
 
أمل الحياة

أمل الحياة

طاقم المشرفين
رقم العضوية :
14420
البلد/ المدينة :
بسكرة
العَمَــــــــــلْ :
طالبة جامعية/sience de matier
المُسَــاهَمَـاتْ :
2275
نقاط التميز :
2651
التَـــسْجِيلْ :
04/04/2011
لا شكر على واجب اختاه الفاضلة

تحياتي
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى