منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عماد الدين علاق

عماد الدين علاق

طاقم الكتاب الحصريين
رقم العضوية :
39830
البلد/ المدينة :
زريبة الوادي
المُسَــاهَمَـاتْ :
2299
نقاط التميز :
3257
التَـــسْجِيلْ :
29/03/2012
الجزء 5

عادت نورا إلى البيت مع إخوتها، كان الجميع في حالة صدمة، لا أحد صدّق المصيبة التي حلت بهم،
كل واحد منهم يسأل نفسه: كيف حدث هذا لنا؟!! لما سكن الموت بيتنا فجأة ؟!!
لما نحن؟! أيّ لعنة نزلت على عائلتنا؟!!
اقترب أحد الإخوة من نورا، أمسكها من يدها اليمنى المصابة، ورغم علاجها في المستشفى وتضميدها إيّاها،
إلاّ أنّها ما زالت توجعها، ومع ذلك لم تبدي الألم، ابتلعته رغما عنها، حتى لا تبدي ضعفا أمامهم.
أمسكها بقوة وصرخ قائلا: أنت وراء ما حصل! مات والدنا بسببك! أراد ضربها، تدخل سالم فمنعه،
أبعده عنها قائلا: ألا يكفي ما حدث؟!إنّ نورا لا علاقة لها بموت والدنا، أنت تعلم أنّه أصيب بنوبة حين رأى أخونا الصغير ميتا،
بسبب تناول جرعة كبيرة من المخدرات، والدنا رحمه الله لم يصدق أن أحد أولاده يفعل شيئا كهذا!
تمتم سالم آآآه ربما لأنّ واالدنا لم يعره الاهتمام الذي يستحقه، كان أخونا فتىً صغيرا، يحتاج للرعاية و الحنان، لكن للأسف، لم يجدها من والدنا ولا من منّا،
فصار في طريق الضياع، و لم نعلم بإدمانه المخدر، إلاّ حين ودّع الحياة.
شعر الأخ بالضيق من تمتمات سالم ..
_ سالم! دعك من الحديث عن أخونا الصغير و والدنا، لقد ماتا!
حديثنا الآن ،عنّا وعن أختك! قلّ لي يا سالم لما تدافع عنها؟!! لما تراها بريئة؟!
آه .. نسيت أنك وراء زواجها بصديقك المجرم علي!
قاطعه سالم بصوت نحيب قائلا: لا علاقة لي بزواج نورا من علي، بل والدي هو الذي عرض عليه ذلك!
تدخلت نورا قائلة: أحقا ما تقول يا سالم؟!!
_ بلى أختي
صمت قليلا وأخذ تنهيدة ....
_كل ما حدث كان قدرا، وما علينا سوى الصبر .
صرخ الأخ: يا المحترم! قل لنا أين أمضت أختك الليلة ؟؟! أين ذهبت و إلى أين؟!! لما هي مصابة بجرح في يدها ؟
_ ليس هذا وقت الكلام عما حدث ليلة أمس، أظن أن الوقت مبكر جدا لهذا السؤال، الآن علينا التّجهيز لجنازة والدنا وأخينا!
_ عليها إخبارنا بالحقيقة الآن، وإلاّ ...
أخذت نورا نفساً وشهقت ...
_ وإلاّ ماذا ؟؟! إيّاك و تهديدي! أنا الآن ليس لديّ ما أخسره، فقدت كل شيء!
لا تلمني على ما حدث لوالدي، رحمة الله عليه.
صرخ الأخ غاضبا: كيف تجرئين على رفع صوتك علي؟!!
ردت بلهجة تحدي: منذ اليوم، سأرفع صوتي، و سأصرخ وأصرخ حتى أفقد القدرة على الصراخ، أو ينقطع صوتي!!
لم يعد هناك ما يخيفني! وأنت يا أخي حرّ في ما تفعل وأنا ح ..!!
لأنني وحدي من تحمّل أمرًا حدث بالأمس و ....
قاطعها سالم _ أخبريهم بما أخبرتني في المستشفى!!
_ أأخبرهم بما كان؟؟!!
أ سيصدقونني ؟؟!!
_ مهما قلت فلا شيء سيتغير، فهروبك جلب العار والخزي للأسرة!
وكل ما تستحقينه هو العقاب الشديد ..!
_ لقد مررت بليلة رعب، والآن لا يرعبني ولا يخيفني شيء! أرجوكم! أتركوني أرتاح، فأنا متعبة، ومقهورة،
و أشعر أنني فقدت كل جميل في حياتي! حتى الحلم فقدته، وضاع ...
_ قولي أين مضيت الليلة يا بلهاء؟!! اعترفي بالحقيقة!!
أغمضت عينيها لبرهة، أرادت قول الحقيقة....
أن تصرخ:
خطفوني، حاولوا اغتصابي، لكنني قاومت، تحولت فجأة إلى لبؤة شرسة، رغم أنّي لم أكن سوى بلهاء ساذجة!
هاجمت الذئاب وانتصرت عليهم! واكتشفت أنّ هذا القصر سجن رجال! و الشارع سجن أشباه رجال!!
وهروبي كان فرارا من قبر مظلم ! إلى مقبرة الظلام والضلال!
وهي تحاور نفسها، هزها صوت داخلي: أتخبرينهم بما حدث؟!! ماذا سيفعلون بك؟!!
أ يقتلونك؟!!
آآآ .. أو يسجنونك في القبو حتى الموت! أو يعذبونك، اعتقادا منهم أنك شريكة في جريمة اختطافك!
سيقولون ركبت السيارة بملء إرادتك، لن يصدقوا أنّ الخاطفين أجبروك على ركوبها!
و لن يصدقوا أنّك تحولت إلى لبؤة ونجوت منهم، في نظرهم أنت قطة مدلّلة!
لا تستطيع مقاومة الفئران وهزمهم، وتخاف من الحشرات والظلام!
استرسلت وهي تحاكي نفسها...
صرخ الأخ _ اعترفي يا بلهاء، أين ذهبت ليلة أمس؟!! هيّا قولي مع من قضيت ليلتك؟!!
لقد سئمنا منك ومن أفعالك الغبية!
فتحت عيناها مع صرخته، قطع صوته أنفاسها، اهتزت نبضات قلبها، تسلّل الخوف من جديد إلى أعماقها، وشعرت بخنجر غرز في وجدانها!
لتستفيق على واقعها المرير، لا شيء تغير! القصر هو القصر، الإخوة ورثوا عن أبيهم طباعه الصعبة!
تنفست بعمق، تحدّت الخضوع بجرأة لم تعهدها من قبل! رغم الوجع الذي قطع شريانها، وروحها المتناثرة في الهواء، على تربة الموتى!
ناورت الصدق بكذبة خرقاء! ونطقت بصوت خافت: ليلة أمس _ قضيتها أتمشى في شوارع المدينة، إلى أن سقطت في حفرة عميقة،
بقيت هناك مدة طويلة، تعدّ بعمري الذي انتهى، و ماضي البائس، وتحدد مستقبلي الآتي! وهذه تجربة مريرة لا تنسى،
بينما أنا داخل تلك الحفرة المظلمة، مرّ رجل كريم،أرسله الله لإنقاذي، وهذا كل شيء!!
امتلأت مقلتيها بالدموع ، وقالت بصوت نحيب: إخوتي هذا كل ما حصل! لا أهتم إن صدقتموني أم لا، فأنا صادقة في ما أقول!!
حرك سالم رأسه _ و ما علينا إلاّ تصديقك!! رمق أخويه بنظرة ثاقبة، ثمّ ألقى بنظره اتجاه نورا وتمتم: أنا مثلك يا نورا !
تائه في دروب الحياة، بين ما حدث لوالدي وأخي المدلل، رحمهما الله، و فعلتك الغبية!
أخذ نفسا وشهق، ثم ردد قائلا: أخواي _ أرجوكما لا تلوموها ولا تلوموني! لقد ضيعنا أنفسنا بأيدينا،
وما علينا الآن سوى لمّ الشّمل، كي لا تتفرق عائلتنا.
دخل الإخوة في صمت مطبق، أفكار والدهم القبلية، جعلتهم يعيشون بعيدا عن دروب النور والإيمان! و كانوا يحيون حسب مزاجه وتقاليد الأجداد.
وهؤلاء لا يعرفون عنهم، سوى أنهم فلاحين، يزورون الضريح الشريف عبد القادر، كل جمعة لطلب الرحمة والشفاء والتبرك ب تربته!
وذاك الولي الصالح، يزوره الآلاف من الزوار من كل أنحاء العالم!
وعبد القادر جدهم الأول _ قضى حياته في عبادة الله وحده، وهم يقضون حياتهم في ممارسة طقوس شيطانية على قبره!!
وضع سالم يده على جبينه وتمتم قائلا:علينا أن نتغير، علينا أن نتبع طريق الرشاد، كفانا جهلا ..!
اشتعل أحد الأخوين غضبا....
_ ويحك يا أخي الكبير!! أين مروءتك ورجولتك؟!!
أختك خرجت من البيت ليلا دون علمنا، وارتكبت جريمة أخلاقية! وأنت تعيّرنا بأصلنا!!
أهذا ما لديك؟!! لما تقول هذا؟! ألا تخجل من نفسك؟!!
غمغم سالم بكلمات...
_ إتباعنا طريق الضريح، و عشنا على خرافاته...!
صاح الأخ غاضبا:
_ أتتجرأ على جدنا الأول؟!! أمرك غريب يا رجل العائلة !! لم أتوقع أن تتغير! أنت قدوتنا بعد والدي!!
_ بعد الذي حدث، حتى الحجر يتغير، فما بالك نحن البشر!
ضرب سالم بكفه على كتف أخوه وقال:
_ ذلك الوليّ الصالح، الله أعلم كيف حاله بالقبر! و والدنا رحمه الله، دائما ما يذهب إليه،
يذبح الأضاحي هناك، ليبارك لنا في أعمالنا وحياتنا! ولكي يحمينا من عيون الحاسدين، لنحيا حياة الشرفاء!!
و الآن أخبراني: أجدنا الولي عبد القادر، منع عنّا نزول المصائب؟!!
أحمى والدنا من الموت ؟!! أحمى أخونا من الإدمان؟!!
و أخونا الصغير تبين أنه مدمن، دون علم والدنا ولا نحن..
وأختنا تزوجت من علي ومراد ...!!
عضّ على شفتيه وتمتم قائلا:
_ الولي الصالح إنسان ضعيف مثلنا لا حول له ولا قوة! وأنت يا أخي كفّ عن هذا...
دخل الإخوة في جدال حول القبيلة، و جدهم الولي الصالح عبد القادر، و تحول الحوار، على هروب نورا إلى صراع قبلي وفكري!
وعن المكان الذي يجب عليهم دفن الأب والأخ، وبعد صراع، اتفقا على دفنهما بالأرض المجاورة للضريح! الذي يبعد عن المدينة نصف ساعة.
أمعنت نورا النظر إلى أخويها اللذان يشتعلان نارا! و حدقت بسالم، الذي بدا في حالة سيئة، كانت تقاسيم وجهه، توحي بحزن دفين، وإحساس بالضعف والوهن.
فهو الأخ الكبير،الذي يتحمّل مساوئ العائلة!
قاطعت حديثهم قائلة: سأذهب لتغيير ملابسي، استعددا لاستقبال المعزين! تركتهم و اتجهت إلى غرفتها.
وهي تردد أبي مات، أخي مات، يا لها من مصيبة، إنّ لله وإنّ إليه راجعون!
أقام الإخوة جنازة لأبوهم وأخوهم الصغير، لم يحضر من معارفهم سوى القليل، بحكم أنّ الأب كان كتوما،عابس الوجه، ولا يحسن التفاهم مع الآخرين!
لذا فهم يشعرون بالنفور منه، لحدّ نعتهم إيّاه بالعالم الجاهل!!
مرت أيام على جنازة الأب والأخ الصغير، دخلت نورا غرفة والدها، جلست على سريره تبكي، تمنت لو أنّ والدها ما زال حيا،
أ مسكت صورته وصارت تقبلها وتقول: آه يا أبتاه! تمنّيت لو كنت مختلفا! مثل جارنا الحاج محمود، له أربع بنات، و يعاملهنّ بحب وعاطفة،
سمح لهنّ بإكمال الدراسة، وهنّ يتحدثن على والدهنّ بفخر! كأنه بطل قومي! وأنت ...
يآ للأسف كنت قاسيا! لا تحمل في قلبك ذرة رحمة اتجاهي! واتجاه أمّي ...
آه على أمّاه المسكينة! لطالما ناديتها بالبهيمة ..! والقبيحة..!
كنت دائما تعبس في وجهها، وتنتقد تصرفاتها، وتسخر منها، وتنعتها بالمتهورة التي لا تحسن فعل شيء!
عذرا يآ أبتي! أنا كنت بحاجة للقليل القليل من الحب الأبوي! وأنت لم تعطني غير الكلمات الجارحة واللآمبالاة ...
عشنا حسب مزاجك المتعكر و ثقافة قبيلتك! فكانت حياتي مرهونة بين جاهلية قديمة، ينتمي إليها فكركَ!
وجاهلية حديثة، انتمى إليها فكري! قضيت عمري بينهما.
وضعت الصورة من يدها، استلقت على السرير، صارت تتقلب كسمكة، تشوى على نار هادئة! راحت بفكرها بعيدا، وهي تهمس لنفسها: ماذا بعد؟
أيّ سجن آخر ينتظرني؟!! أيّ تعاسة سأعيش بعد الآن؟! أمسكت يدها اليمنى المجروحة بيدها اليسرى،
تنهدت قائلة: متى سأشفى من جراح الروح؟!! إن كان جرح صغير في يدي ما زال ينزف؟!
أخذت نفسا عميقا، وهمست لنفسها، آه لو كنت مثل حسناء ابنة الحاج محمود!
تخرجت من الجامعة، صارت طبيبة، تعالج المرضى، والكل يتحدث عن أخلاقها وأدبها، ومعاملتها الحسنة للمرضى، حتى أنت يا والدي..!
آه منك يا والدي! كنت تقول عنها فتاة صالحة! أمّا أنا ففي نظرك إن خرجت من القصر، وذهبت إلى الثانوية وبعدها إلى الجامعة، سأرتكب كل الأخطاء!
وسأتجاوز كل المحرمات! وسأمشي في طريق الضلال ...!
آآآآآآه يا والدي! تمنيت لو كنت مثلها! يا حسرتاه! كنت تقول لي: إنّي أشبه أمّي....
غبية، ساذجة، وإن تجاوزت السياج الحديدي وحدي، سيتمّ اصطيادي بسهولة!
فتمنيت شيئا واحدا في حياتي كلها، رجلا مختلفا عنك، حبا، عشقا، جنونا! وزواجا لأحيى بعيدا عن القصر!
فحصلت عليه في لحظات، لأفقد كل شيء في لحظات، وأصبح لا شيء في لحظات! وانتهى حلمي وأملي في لحظات!
وفقدت احساسي بالحياة، ولم أعد أرى لحياتي عنوانا غير الموت، لأرتاح من لحظات الألم والتشتت التي اخترقت عقلي.
أمسكت الصورة من جديد في يدها، وقالت وهي تحدثها:أ تعلم يا والدي!
تلك الليلة، تجاوزت المحرمات! هربت من القصر، عبرت السياج الحديدي بثبات، ودون خوف! لأجد نفسي في سجن آخر!
أكثر رعبا و أقسى من سجنك!
قامت من السرير، وضعت الصورة من يدها، وصارت تبكي وتئنّ ألمًا، جلست فوق الأرض على ركبتيها، وضعت يديها على البلاط،
انهمرت الدموع من مقلتيها، امتزجت باللعاب، الذي يتدلّى من شفتيها! وصارت تقول أريد أن أتحرر! أريد حريتي، أحتاج لغسيل داخلي!
أريد أن أفقد الذاكرة لأتخلص من عذابي..!!
استمرت نورا في الحديث مع نفسها، سمعت سالم يناديها: نورا.. نورا ...
فتح باب الغرفة ودخل، اقترب منها، وجلس قبالتها على البلاط، تحاشى النظر في عينيها، فقد بدت بائسة، وجهها شاحب،
عيناها تتلألآن بالدموع.
قال لها وهو يحاول مواساتها: ،كفّي عن هذا يا أختي!! كل شيء سيتغير!
قامت من الأرض واقتربت من الحائط، أمسكت ثوبها بأناملها، نظرت إليه نظرة خاطفة ..
_ ما الذي سيتغير؟!!
إن كان الحريق اشتعل وأحرق أوردتي، و روحي و مخيلتي و ذاتي وفكري تلوث!! والوجع صار رفيقي.
مسحت وجنتيها بثوبها، وقالت وهي تئنّ : تحولت إلى بقايا امرأة! إنسانة انشطرت إلى شظايا!
داخلها غصة كتعويذة! والحسرة منقوشة على شغاف قلبها.
ضمها سالم إلى صدره،
_ وعدا منّي، أن أساعدك على تخطي عقبة الضياع!
ارتفع صوتها بالبكاء، أمسكت بسالم من كتفه وعانقته بقوة للحظات، ثمّ ابتعدت واتكأت برأسها على الحائط،
_ صرت يا أخي أرى الحياة متاهة ! تحطمت كل آمالي التي نسجت خيوطها في مخيلتي!
قيودكم ما زالت تأسرني و تسكن أعماقي! آه لو أدري كيف أحرر روحي من تلك القيود! لم يعد شيء يلهمني،
أحيا في دوامة الاحتضار، منفية من دروب الأمل، قيدتني أنواعا من الأغلال والسلاسل!
صمتت لبرهة نظرت إلى سالم، قرأت في عينيه كلمات وجملا غريبة، وهمست لنفسها:
أبحث داخل ذاكرتي عن حلم لأحيى من أجله فلا أجد سوى السراب، لم تعد عصافير الحديقة تطربني،
طارت بعيدا وغردت أنشودة الموت والآه!! وأنا بقيت هنا وحدي أحاول لمّ بقايا امرأة مهزومة! مطعونة ألف طعنة من مصيرها المشؤوم!
سمع سالم همسها فقال: أوصل بك الحال إلى هذا الحدّ؟!!
أنسيت من أنت؟! أين إيمانك؟! أكفرت بالله!!
أما علمت أنّ رحمة الله، وسعت كل شيء!
_ أنا مؤمنة بالله، وأدرك أنّ رحمة الله وسعت كل شيء، ولكن...
_ أنا وعدتك بمساعدتك، و سأغير من نفسي! فلما تفعلين هذا بنفسك؟!!
_ لا أفعل شيئا، غير أنّي أحيى على سكرات وجع!
رددت في نفسها: تحولت إلى أنثى من رماد! و جسر عبوري الوحيد إلى عالم جميل، كان علي! الآن انقطع ولم يعد له وجود!
ما حدث بعده، هو اختناق الروح داخل أحشائي! والأنين صار سمفونية تعزف على أوتار قلبي الحزين.
أمسك سالم يدها..
_ عليك أن تتجاوزي هذه الحالة أختي وإلاّ أصبت بالجنون!
ابتسمت وقالت بلهجة ساخرة..
_ جنون!! أيّ جنون يا أخي؟!!
لقد أصبت بالهذيان! وغدوت ريحا وسحابة سوداء تبحث عن أرض تحط عليها خبايا الوجع.
_ كفاك ألمًا و عذابا!
_ تخيل.. أصبحت مهووسة بالمستحيل، أبحث عن نفسي داخل نفسي لعلي أجدها! أو أجد بعضا منها!
وأحاول اللإتحاف، ببقايا امرأة منكسرة!
_ أنا وأنت، علينا أن نتّحد، لنتجاوز هذه المحنة!
_ لما أنا وأنت؟!!
_ لأنّ أخوينا سافرا قبل قليل إلى خارج البلاد.
_ أسافرا دون توديعي؟!!
_ أنت تعلمين أنهما لا يريدان رؤيتك! ما زالا غاضبان منك!
_ لم أفعل شيئا لهما، لا أدري لما يكرهاني؟! إنّهما أسوء منك، أنت يا سالم تشبه أمّي...!
رسم على شفتيه ابتسامة صفراء، و قال:
_ ورثت من أمّي القليل، وعن والدي الكثير...!
قاطعته بصوت خافت:
_ آسفة يا سالم! لم أقصد أن أجرحك، مع أنّكم جرحتموني كثيرا!
تجاهل كلماتها، طأطأ رأسه قائلا:
_أ تدرين أنّنا سنترك القصر؟!! وسنذهب للإقامة في شقة صغيرة استأجرتها اليوم!
رسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة وقالت:
_كيف لي أن أدري؟!!لطالما كنت آخر من يعلم، فكل ما تفعلون، أنا لا أدري عنه إلاّ ما تخبرانه به!
_ عذرا يا أختي، كما قلت لك،كل شيء سيتغير، فما حدث كان درسا لن أنساه، لن أكمل السير في هذا الطريق!
،سأبدأ من جديد، سأحرر عقلي من كل القيود البالية التي ورثتها من والدي! ووالدي ورثها من والده وقبيلته!
وأنت يا نورا! عليك أن تحاولي تغيير نظرتك للحياة، ابدئي من جديد ...
_ سأحاول ... لكن قل لي لما علينا ترك القصر ؟!!
_ لأنّ القصر صار ملكا لعائلة مراد، لأنّنا لا نستطيع دفع الديون المتراكمة علينا...
وأنت يا أختي، للأسف لم ترثي شيئا! فقد تبين أنّ عقد زواجك بمراد باطل! لأنّ شهادة وفاة علي، التي أحضرها ذاك السافل، كانت مزيفة..
_ لا يفاجئني الأمر
_ أظنّ أنّ مراد، كان يعلم بأنّ علي مازال حيّا
قالت متعجبة:
_ كيف؟!!
_ كتب وصية قبل مقتله بيوم، تخيلي يحيرني الأمر ! وعلي المسكين، أنا أشفق على حاله، تورط مع ذاك السافل حتى النخاع!
_ لما تشفق عليه؟! هو الذي اختار طريقه،
_ لأنّه صديقي الوحيد
_ صديقك لم يجبره أحدا على ارتكاب تلك الجريمة البشعة، والآن عليه دفع الثمن!
_ لقد زرته بالأمس، حالته سيئة، لما لا تذهبين معي لزيارته؟! إنّه نادم على ما فعل...
تمتمت قائلة:
_ نادم!! على ماذا؟!
أو أذهب لزيارته بعد الذي فعل؟!!
لا لا ..لا ..لا أريد رؤيته، بل أريد منك أن تطلب منه تطليقي، فلا شيء يربطني به!
_ أهذا ما تتمنين؟!!
_ بلى...
_ سأخبره حين أزوره في المرة القادمة... والآن علينا لمّ حاجياتنا كي نخلي القصر غدا إن شاء الله.
_ بهذه السرعة؟!
_ أجل فما بيدي حيلة.
قضت نورا ليلتها الأخيرة في القصر صاحية تلمّ حاجياتها.
وفي صباح اليوم التالي، قامت بجولة في القصر لتوديع سجنها! غادرت بعد ما ودعت كل زاوية فيه،
عانقت حيطان غرفتها التي شاركتها همومها وآهاتها، لمّت بعض الذكريات الجميلة ممّا عاشته هناك،
لملمتها وأسكنتها داخلها حتى لا تضيع، حملت حقائبها، وخرجت من باب القصر، تمشي بخطىً متثاقلة،
كأنّها تساق إلى عالم مجهول، لا تعرف عنه شيئا، أغلقت الباب بيدها، و أغلقت معها فصلا من حياتها،
و خرجت من الباب الآخر للسياج الحديدي، مودعةً سجنا على شكل قصر! على أمل أن يكون آخر سجن تعيش فيه!
ركبت السيارة، جنبا إلى جنب سالم، وانتقلت للبيت الجديد، الذي يبعد عن المنطقة التي عاشت فيها حياتها،
ما يقارب ساعة.

يتبع .........
 
نور الحكمة

نور الحكمة

طاقم الإشراف العام
رقم العضوية :
1879
البلد/ المدينة :
التفكير الراقي
العَمَــــــــــلْ :
المساعدة لجميع الناس
المُسَــاهَمَـاتْ :
9346
نقاط التميز :
11190
التَـــسْجِيلْ :
26/09/2010
جزء مؤثر و رائع حقا .....إستمتعت بقراءته شكرا
 
avatar

lourinça problems

عضو جديد
رقم العضوية :
58476
البلد/ المدينة :
biskra
العَمَــــــــــلْ :
الدراسة
المُسَــاهَمَـاتْ :
17
نقاط التميز :
18
التَـــسْجِيلْ :
03/09/2012
خويابليييييييييييييييز مطولش هكدا اختصر لينا في الكلام نصوا معاود ومعندو حتى قيمة ومديرش يتبع كرهنا ..........
 
عماد الدين علاق

عماد الدين علاق

طاقم الكتاب الحصريين
رقم العضوية :
39830
البلد/ المدينة :
زريبة الوادي
المُسَــاهَمَـاتْ :
2299
نقاط التميز :
3257
التَـــسْجِيلْ :
29/03/2012
شكرا على المرور الجميل نورتي صفحتي دمت ودام عطائك لنا
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى