أحمد بوبيدي
طاقم المشرفين
- رقم العضوية :
- 38633
- البلد/ المدينة :
- اولاد حملة
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 7513
- نقاط التميز :
- 9326
- التَـــسْجِيلْ :
- 18/03/2012
مهما طال ليل الظلم
البهيم إلا وبعده يسطع نور العدل المبين , وهذا ماتحقق على بعض الأراضي العربية في
الأوقات الراهنة , فهاهي الشعوب الثائرة التي تجرعت - على مدى السنين الماضية -
الظلم والذل والهوان قد وصل الأمر بها إلى الانفجار في المظاهرات الشعبية التي خرجت
تطالب بحقوقها وحريتها المشروعة , وماكان أحد يتصور أن هذه الأنظمة الطاغية التي
ظلت تحكم شعوبها بالاستبداد والقهر تسقط بهذه السرعة - كما رأينا في تونس ومصر
وقريباً في سوريا بإذن الله تعالى - وبذلك أيقن المتربصون من الغرب الكافر
وأذنابهم المتخاذلون أن الشعوب إذا أرادت العدل والعزة والكرامة فلا شيء يقف
أمامها - بإذن الله تعالى - لذا تسابق هؤلاء المتربصون وأذنابهم - كعادتهم - في
محاولة التزلف لهذه الشعوب الثائرة بصورة جديدة وبأي طريقة تحقق مصالحهم.
والمتابع
للأحداث المتسارعة العجيبة على بعض الأراضي العربية يستبشر بتتابع سقوط الأنظمة
الظالمة الطاغوتية التي لم تعتبر بغيرها , وهذه النهاية الطبيعية لكل ظالم مهما
تجبر وعلا في الأرض ؛ لأن الله - تبارك وتعالى - حرَّم الظلم على نفسه وجعله
محرماً بين عباده , ولنا عبرة وعظة في نهاية الظالمين من الأمم والشعوب السابقة
الذين أهلكهم الله - سبحانه وتعالى - بقوته وجبروته وعظمته , كيف لا ؟ وقد قال -
تبارك وتعالى - : ((فكُلًّا
أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ
مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ
مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))
, وهكذا تكون نهاية الظلمة والطغاة وأعوانهم والراكنين إليهم على مر الأزمان
والدهور , ويعجبني كثيراً قول الإمام الحسن البصري - رحمه الله تعالى - : (خصلتان
من العبد إذا صلحتا صلح ما سواهما : الركون إلى الظلمة , والطغيان في النعمة قال
الله - عزوجل - : (( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ)) , وقال الله - عزوجل -
: ((ولا
تظغوا فيه فيحل عليكم غضبي)).
ومن تأمل نهاية الظالمين وما جرى عليهم من العذاب والهلاك - قديماً وحديثاً
- يتعجب من هؤلاء الظلمة الطغاة الذين لايهدأ لهم بال حتى يروا دماء الأبرياء من
المؤمنين تنـزف على أيدي زبانيتهم المجرمين (( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ
يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) , ومع كل هذا الظلم
والطغيان نجدهم قد أطلقوا لأنفسهم ولأعوانهم العنان , ووقعوا في مستنقعات الشهوات
والشبهات , وتجاوزوا الحدود وانتهكوا المحرمات , وجاهروا بالمعاصي والمنكرات ,
وداهن علماء السوء في شرعنة أفعال هؤلاء الطواغيت وما فعلوا ذلك إظهاراً للحق وإنما
جرياً وراء حطام هذه الدنيا الفانية ! أين هم من قول سفيان الثوري - رحمه الله
تعالى - عندما سأله رجل فقال : (إني أخيط ثياب السلطان . هل أنا من أعوان الظلمة ؟
فقال سفيان : بل أنت من الظلمة أنفسهم ، ولكن أعوان الظلمة من يبيع لك الإبرة
والخيوط).
ولا جرم أن
الظلم وخيم العاقبة , شديد النكاية , يمزق أهله كل ممزق , ويبيدهم شر إبادة ,
ويخرب الديار , ويقصم الأعمار , ويجعل أهله إلى دمار , فكم قُصِم به من أمم ,
وفُرِّقت به من جماعات , وخرب به من حصون , وأفني به من أجيال , وسقطت به من دول
وحكومات , قال - تبارك وتعالى - : ((وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين
)) , والذين يظلمون الناس بغير حق , ويعذبون
العباد , ويظنون أن الملك والسلطة التي في أيديهم والمال الذي في خزائنهم والقوة
التي في أجسادهم هي حصون تمنعهم من الله - تبارك وتعالى - ؛ ألا فليعلموا أن بطش
الله شديد , وليتذكروا قول
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم
يفلته ثم قرأ : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ
إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ))
, ولما حُبس جعفر بن يحيى بن خالد
البرمكي هو وأبوه , قال لأبيه : (يا أبت , بعد الأمر والنهي أصارنا الدهر القيود ،
ولبس الصوف , والحبس. فقال: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله
عنها).
وختاماً ... فمن روائع سيرة
الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - أنه سأل رجاء بن حيوة -
رحمه الله تعالى - عن حال رعيته مع العمال فقال : (رأيت الظالم مقهوراً , والمظلوم
منصوراً , والفقير مبروراً , فقال: الحمد الله الذي وهب لي من العدل ما تطمئن إليه
قلوب رعيتي).