منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


avatar

هشام هشام

طاقم الكتاب الحصريين
رقم العضوية :
15821
البلد/ المدينة :
زريبة الوادي
المُسَــاهَمَـاتْ :
189
نقاط التميز :
584
التَـــسْجِيلْ :
25/04/2011
الحكم بعد المداومة
ها هو يقف وراء قضبان الحديد في قفص الاتهام يمسك بقضيبين و يداه ترتجفان و دمعة على مشارف عينه قد تحجرت بارزة على وجهه الشاحب كأنه يجهل أحداث قصته التي لا يريد عقله تصديقها ، يتمنى أن يكون حلم ويستفيق منه . موعد قضيته حان ، فيرتعد جسمه النحيل و تتسارع نبضات فلبه .النائب يصول و يجول و يأكد على معاقبته بشدة - لا تأخذكم أي رأفة به - !. القاضي ينادي على محامي المتهم ، فينهض رجل في مقتبل العمر وسيم الوجه يرتدي جلبابه الأسود ليبدأ مرافعته ، و بصوت خافه يرسل حديثه على مسامع الحاضرين...
سيد القاضي سادتي المستشارين أيها الحضور الكرام إن قضية اليوم ليست كباقي القضايا فالمتهم فيها شاب كزهرة الربيع إكتنفت الأخلاق الحميدة قلبه ليكون محبوبا عند جميع . لكن تهب الرياح بما لا تشتهي السفن ، ليسقط من سفينته المملوءة بالأحزان في أعماق الإجرام....
في يوم من الأيام كان جالس على كرسيه الخشبي الذي أختاره في وسط الحديقة العمومية ، وقد انعكست على وجهه إنارة خافتة إنبثقت من إحدى المصابيح لترسم ملامح وجهه الكئيب و قد أسدل الليل ستاره الداكن ،ولاحت نسمات الصباح الباردة معلنان عن ميلاد يوم جديد. تساؤلات تجول في شريط ذاكرته قد مزجت بآهات الحصرة و آلام الحزن ...أكثر من عشرين سنة دراسة و لم يتحصل على عمل. زار كل المؤسسات العمومية و الخاصة الموجودة في البلدة لعله يجد أذن صائغ تنقذه من مآسي الحياة . و الحقيق لم يستطع هضمها ، وكما يقال العين بصيرة و اليد قصيرة ...زفرات عميقة تخرج من أحشاءه تذكره بكلام أبيه ( اسمع يا ولد راك وليت راجل و أنا اليوم غير قادر على تلبية رغباتكم ،لازم تعيني على هم الدنيا ماشي تزيد عليا.) هذه الكلمات و بدون إدراك تفزه واقفا ، يدور على كرسيه ليخفف من شدة وقعتها على قلبه الصغير ، تارة يطأطأ رأسه و أخرى يرفعه لسماء . و اذ بقهقهات ماجنة تكسر صمته الرهيب ، و بخطى ثقيلة يتقدم ليعرف المجهول . إنهم ثلاث أصدقاء من أيام الدراسة في الثانوية و ها هو القدر يجمعهم مرة اخرى . و بسلام حار يتعانق الأصدقاء ليطفئوا جمرة فراق السنين ويخوضوا في حديث الأحوال تتخلله نفحات من نسمات شتاء دافئة تعود أحداثها الى ذكريات الطفولة و أيام الدراسة ... و يغيب في صمته الرهيب و قد إغرورقت عيناه بدموع الأساء ثم يخرج هرطقات مؤنبا الدنيا و ما فيها تلك هي الحقيقة . نعم أتممت دراستي الجامعية منذ زمن و لكني لحد الساعة عاطل عن العمل ،من أين أشتري الدواء لأخي المريض ، من أين أشتري دمية لأختي الصغيرة مثل البنات من أين أشتري و أشتري كيف أعين أسرتي الفقيرة . آه يا زمان .. يربت أحد الأصدقاء على كتفه ، لا عليك يا صديقي ما رأيك أن تدخل معنا شريك في أعمالنا التجارية، و بكل سجاذة و إيمانا بروح الصداقة و بدون تفكير يوافق على الشراكة كأن القدر فـُتح له ، كيف لا و قد وجد ضالته وبدأ في طرحه جملة من الأسئلة.كيف و متى و أين .. تأتي جميع التوضيحات و بكل بساطة يقف على مجال عمله إنها تجارة الحقيبة. يسافر الى الخارج و يعود بالحقيبة مملوؤة بأصناف الملابس الفاخمة ليتم بيعها هكذا حدثوه الأصدقاء . ..
و بعد شهور قليلة تتحسن أحوال عائلته المادية و يزاح ظلام ذاك الإملاق ، إنها تجارة مربحة . الى أن جاء اليوم الموعود و شاهد و مشهود و يداه مكبلة بالفيود و في الجرائد خصص لها عمود ...يا ترى هل يستطيع الصمود ...يسود الصمت في صالة المحكمة كأنها تبدو فارغة و كل يسبح في أحداث هذه القصة... يواصل المحامي حديثه بعدما إلتقط أنفاسه و يشير بيده الى موكله .. بعد أداءه صلاة العشاء ها هو يقف في شرفة منزله في الطابق الثالث التي تطل على الشارع ،و زخات من المطر تتراقص بين أعينه تارة يسبح للخالق و أخرى يتأمل سكون الشارع لعله يلمح طيف أحد أصدقاءه . لقد طال موعد تسليم الحقيبة ، ثم يتجه الى الحقيبة ليعيد ترتيبها عندها كشف المستور و بان المحظور . إنها المخدرات مخبأة في طياتها بفنية يصعب الكشف عنها ، وقف مذعورا تمنى لو تتشقق الأرض و يغوص في أعماقها حتى لا يبقى له أثر، و راح يأنب نفسه ، أنا تاجر مخدرات أنا من يزرع السموم ... وإذا بطرقات الباب تشتت كائن أحواله ، إنه أحد الأصدقاء جاء ليسـتلم الحقيبة و ما ان فتح الباب حتى نشب شجار عنيف بينهما أيقظ جميع سكان العمارة ،و من غير المقصود يدفع موكلي صديقه دفعة قوية راح يتدحرج على سلم العمارة . حتى وصل جثة هامدة في آخر الدرج . و كانت آخر كلماته أنا جئت لأكون عونا لك يا صديقي العزيز. مما زاد في تعقيد القضية - أي عونا أتى به يا ترى ؟!– بعدما أنكرا الآخران أي صلة تربطهما به . قاطعان شريان الصداقة النقي .فراح ينزف بغزارة ...
سيدي القاضي سادتي المستشارين أيها الحضور الكرام هذه حكاية موكلي فانظروا و تمعنوا قبل حكمكم ...
وفي وسط القاعة تسمع أنين أمه كأنها مطعونة بمزراق في فؤاد الفؤاد وزوجها المسكين يحضنها ليخفف عنها و عنه شدة الواقعة . و شوشة تتطاير من هنا و هناك توحي بتأنيب الضمير كأن يده ملطخة في إجرام هذا الشاب . مطرقة القاضي تعلن عن الهدوء في القاعة، لقد حانت ساعة حكم القاضي معلنا .. الحكم بعد المداولة .

هشام هشام في اكتوبر 2012
 
طالبة رضى ربها

طالبة رضى ربها

عضو نشيط
رقم العضوية :
32665
البلد/ المدينة :
مستغانم
العَمَــــــــــلْ :
خريجة جامعة/
المُسَــاهَمَـاتْ :
830
نقاط التميز :
837
التَـــسْجِيلْ :
21/01/2012
لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
والله هذه المشكلة أصبحت أسوأ شيء في حياتنا اليومية
عدم وجود العمل
وحاجة الناس له لأجل احتياجاتهم اليومية
حقيقة الحكم أصعب شيء
 
avatar

النوري

عضو جديد
البلد/ المدينة :
المجرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
29
نقاط التميز :
34
التَـــسْجِيلْ :
05/08/2011
أخي وصديق العزيز هشام هشام و الله قصة رائع كأني أقرأ لأحد عمالقة الأدب العربي .دائما تأتي بالجديد و بصراحة تستحق أن تكون مشرف على القسم الأدبي لأنك خضت في جميع مجالات الكتابة شعرا و قصصا و مقامات ... و برهنة بكل قوة ..و إقر انك أنت السبب في تسجيلي الى هذا المنتدى و يوميا أدخل متصفحا لعلى أجد ما جادت به ا قريحتك لنا و لقد ألمني كثيرا إنسحاب أخي عماد فله أيضا بصمة عملاقة في مجالا الكتابة تحياتي صديقي العزيز و قل لإخينا عماد أن يعدل في قراره لأن القسم بدونكم سوف يضيع و نضيع معه ....كما لا أنسى أخي بادو و الأخت بلسم تحياتي .....
 
بلسم

بلسم

طاقم الكتاب الحصريين
رقم العضوية :
33305
البلد/ المدينة :
زريبة الوادي - بسكرة
العَمَــــــــــلْ :
معلمة
المُسَــاهَمَـاتْ :
2907
نقاط التميز :
4131
التَـــسْجِيلْ :
28/01/2012
اولا شكرا لك اخي النوري للسؤال عني
ثانيا والله وقف قلمي عاجزا للرد والكتابة امام الابداع الجميل الذي تتغلغل الى نفوسنا وحرك مشاعرنا وفعلا هو واقع مرير يعيشه الكثيرون
لايسعني استاذي الكريم الا ان اقف وقفة شكر لما جاد به قلمك
بارك الله فيك
ودمت متميز
 
avatar

هشام هشام

طاقم الكتاب الحصريين
رقم العضوية :
15821
البلد/ المدينة :
زريبة الوادي
المُسَــاهَمَـاتْ :
189
نقاط التميز :
584
التَـــسْجِيلْ :
25/04/2011
شكرا احبتي على المرور الطيب و أقول لصديقي النوري لي كلام معك في المجرة و اقول للأخت بلسم و انت أيضا لك قلم لا يستهان به عندما يسيل بأروع الكلام ...
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى