الفارس الملثم
طاقم الكتاب الحصريين
- البلد/ المدينة :
- barika
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 3599
- نقاط التميز :
- 7496
- التَـــسْجِيلْ :
- 01/01/2013
هذه آخر ليلة أمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه.
وأنك أماه في ملكوت الله تسْبحين وتُسبّحين ’ ذكرا وشكرا’ وفؤادك مشدود بالعلي القدير..
أنت هكذا مذ ميّزت بين التمر والجمر ’ وبين مرجل يغلي خاو إلا من حصى تتململ وتتطاحن ’ وقِدْر خبت ناره’ وساد رماده..
هذه آخر ليلة أماه. قد لا أعود من سفري ’ ولا أدري ما أنا ملاقيه فيه...؟
لكنني على يقين أن البعرة تدل على البعير..........
مكثت فيكم طويلا ’ وما رأيت منكم تذمرا ولا عويلا ’ ارتعتُ في ساحتكم وعلى أديم رمالكم’ ثم الأرض شققتها فبذرت حبات الطهر والصدق والأمان ثم سقيتها بأكرم وأطهر ماء سكبته عيناي ’ فنمت وأتت أُكلها فهبّت عليها رياح وعواصف وأعاصير فتركتها كهشيم تذروه الرياح
أماه. وأنت الآن علمت أنني على سفر’ حافي القدمين باكي الفؤاد دامع العين يصحبني قلب يتيم حزين ’ أكابد أمواج ذات ألتواءات وإعواج ’ هربا من مرج الناس وأنّى لي أن أقاوم ’ وهل يقاوم الأسير؟
أماه. لا تظنين البتة أني أخترت هذا الطريق طواعية ولا نقضا لعهد ولا تملصا من وعد’ كلاّ. لكن توجّب عليّ وفُرض ’ وأنا رجل غير قادر على صده , ومع هذا أستودع لديك قلب الأمير... كوني له أماه كما عهدتك فراشا وغطاء ووسادة ملساء من حرير’ ونِعم المهد من السرير...؟
لا تؤاخذيني أماه...؟ نصب صُبّ عليّ ’ وتعب حلّ بي وشرود عقل, وتيه بي ألمّ
فلا حقلي نما نبته ولا فراشتي عادت لتتفقد حاله’ وكنتُ ملازما متحليا بسكون وشوق ’ مستأنسا بزقزقة عصافيره’ وخرير مياه سواقيه’ وحفيف أوراق أشجاره
بل وكثيرا ما راق لي أن أنصت لنقيق ضفادع جداوله..
أماه. هذه شهور هي في حساب عمر الدنيا’ أما في تقديري أنا فهي ألآف ألآف الدهور’ ....
كل صباح وكل مساء وفي كل الليالي لم يبدو في سماء حقلي ما ينبئ بنور..؟
أماه. أشهد الحي الذي لا يموت’ أشهد الذي لا أله إلا هو ’ أشهد عالم الغيب والشهادة والنجوى والسر ’ أشهد الواحد الأحد أني ما خدمت أحدا ولا أخلصت لأحد من المقربين قدر ما خدمتك وأخلصت لك , أقر بهذا لا مدحا من باب المجاملة بل جوهر الحقيقة والصدق لأنك جديرة بكل ما ذكرت...
أماه. لو أن الأشجار كلها أقلام ولو أن البحار كلها مداد ’ لو أن الأنهار والوديان والسواقي والآبار كلها مجتمعة ما استطعت أن أكمل جميلك وحسن خصالك وطيبة شمائلك...
أماه. إني ألآن أضحيت على بعد فأوصدي الباب ولا تفتحيه إلا لمن ترضينه ؟
وإني لأرى نفسي في إزدياد وتمدد ’ وأن الظلام لي سيد.. غير أني بنور الله ثم رضاك الذي منه الطمأنينة استمد’ إن سمائي وجهها بالسحب تلبّد’ ...
أماه. إن أنت مقرة بأنني ولدك ’ فلا تحرميني من إسداء رأي أو قضاء حاجة لك ’ فهذا أقل معروف أقدمه لك. وكذا عربون ود وعنوان عهد وصندوق وعد ما أحياني الحي القيّوم.
اللهَ اسأل لك يا غالية أن يصونك ويرعاك ’ وسلام عليك ما دامت شمس تطلع وقمر ينير إلى يوم الدين.
إبراهيم تايحي
