منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


avatar

الربيع27

عضو مساهم
البلد/ المدينة :
الجزائر
العَمَــــــــــلْ :
محاماة
المُسَــاهَمَـاتْ :
173
نقاط التميز :
243
التَـــسْجِيلْ :
19/03/2015

لماذا اختار المغاربة رواية ورش للقرآن الكريم؟

سناء القويطي

 

أجمع العلماء على أن القرآن الكريم نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات متعددة متواترة، ووضع العلماء لذلك علماً لضبط تلك الروايات اصطلحوا عليه بعلم القراءات القرآنية. يفسر الباحثون نشوء القراءات القرآنية باتجاهين رئيسيين، أول هذه الاتجاهات يقول بأن السبب يرجع إلى اختلاف طبيعة الكتابة التي كتب بها المصحف العثماني، إذ كتب مجردا عن الشكل والنقط والإعجام، الأمر الذي فتح الباب واسعا للاختلاف حول النطق بأحد الحروف المتشابهة. وقد نتج عن هذا الأمر قراءات متنوعة للوقوف على حقيقة التلفظ بتلك الألفاظ المكتوبة، وذلك اجتهادا منهم للوقوف على الوجه الصحيح للرواية. في حين يعزو الاتجاه الثاني ظهور هذه القراءات المتعددة إلى التوصل بالرواية المسندة القطعية المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية القراءة القرآنية إلى النطق بآيات القرآن الكريم كما نزلت ونطقها الرسول عليه السلام. إذ إن القراءات نشأت عبر تتبع مختلف الطرق المؤدية بأسانيدها المختلفة حتى تتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإذا كان الأمر كذلك، فالقراءات متواترة وليس اجتهادية.




خريطة الروايات


وتنتشر في العالم الإسلامي عدد من الروايات، فرواية ورش عن نافع هي الرواية المنتشرة في دول المغرب العربي (الجزائر والمغرب وموريتانيا)، وفي غرب إفريقيا (السنغال والنيجر ومالي ونيجيريا وغيرها) وإلى حد ما في بعض المناطق في مصر وليبيا وتشاد وجنوب وغرب تونس. وقد كانت هذه الرواية منتشرة في القرون الأولى في مصر، ومنها انتشرت إلى تلك البلدان.

أما رواية حفص الدوري عن أبي عمرو البصري فهي الرواية الأكثر ذيوعا في الصومال، والسودان، وتشاد، ونيجيريا، وأواسط إفريقية بصفة عامة.

وتنتشر رواية حفص عن عاصم، في جميع دول المشرق وفي شبه الجزيرة العربية ومصر. وقد كانت هذه الرواية محدودة الانتشار في البداية حتى نشرها الأتراك في أواخر العهد العثماني، والحنفية يفضلون رواية عاصم لأن أبا حنيفة كوفي أخذ عن عاصم. أما رواية قالون عن نافع فهي شائعة في ليبيا وتعتبر القراءة الرسمية في هذا البلد وفي أكثر مناطق تونس.



كيف انتشرت رواية ورش في المغرب؟


تنسب هذه القراءة إلى عثمان بن سعيد المصري (ت 297 ه) الذي لقبه أستاذه نافع بالمدينة المنورة باسم ورش لشدة بياضه. وقد كان الإمام ورش مقرئا في مصر، ثم رحل إلى المدينة المنورة ليقرأ على يد أستاذه نافع المدني (ت169 ه) الذي أخذ بدوره القرآن عن سبعين تابعيا، وقد شهد الإمام مالك بن أنس لإمامين من أئمة القراء بالمدينة المنورة في عهده بالقراءات وزكاهما وهما الإمام نافع والإمام أبو جعفر. وقد قال مالك عن قراءة نافع: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال نعم، وعندما سئل الإمام مالك عن حكم الجهر بالبسملة أثناء الصلاة قال: سلوا نافعا فكل علم يسأل عنه أهله، ونافع إمام الناس في القراءة.

لما تلقى الإمام ورش القراءة عن نافع في المدينة المنورة رجع إلى مصر وانتهت إليه رئاسة الإقراء بها، إذ تلقى عنه عندما كان بالمدينة وعندما ارتحل إلى مصر تتلمذ على يده الكثيرون وانتشرت قراءته في باقي الأقطار.

وقد اختار المغاربة تلاوة القرآن الكريم برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق منذ دخولها إلى بلاد المغرب على أيدي الرواد الأولين إلى يومنا هذا، كاختيارهم لمذهب الإمام مالك الفقهي، وكأن المغاربة باختيارهم هذا قد جمعوا بين أتباع عالم المدينة المنورة وفقيهها، ومقرئها وإمامها نافع، مقرئ المسجد النبوي.


وترجع بعض الدراسات إلى أسباب اختيار المغاربة لقراءة ورش تسهيل الهمز الذي تتميز به قراءة نافع عن غيرها من القراءات، فقد روي عن الإمام مالك أنه كان يكره القراءة بالنبر (أي بتحقيق الهمز)، باعتبار ما جاء في السيرة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لغته الهمز (أي لم يكن يظهر الهمز في الكلمات المهموزة مثل: مومن، ياجوج وماجوج، الذيب،

وهذا ما يؤكده الدكتور عبد الهادي حميتو، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، في حديثه لالتجديد، إذ يعزو الأسباب التي جعلت المغاربة يفضلون القراءة برواية ورش، بكونها تلتقي في أصولها مع مقتضيات مذهب مالك، وهو المذهب الرسمي للمملكة إلى جانب رغبة المغاربة في الاستقلال في قراءتهم ومذهبهم، مشيرا إلى أن العالم الأندلسي غازي بن قيس الأندلسي (ت 199ه/814م) يعد من من بين من أسهموا في إدخال قراءة نافع إلى المغرب، وكان بن قيس قد رحل من قرطبة في الأندلس إلى المدينة المنورة فأخذ القراءة عن الإمام نافع ونشرها عند عودته بالمغرب والأندلس في السنة 100 للهجرة، ويضيف حميتو بأن المغاربة في رحلاتهم إلى الحج كانوا يمرون بالمدينة المنورة ويحرصون على تلقي القراءة برواية نافع الذي كان إمام المدينة في القراءة إلى جانب الإمام مالك؛ الذي أخذ عنه المغاربة مذهبهم، وبعد وفاة نافع قصد أهل المغرب ورش من أجل تلقي القراءة. وقد كانت رواية حفص في ذلك الوقت محدودة في العراق.


وهكذا فبعد أن كثرت أعداد تلاميذ الإمام ورش الذين انتشروا في مختلف المناطق، ظهرت مدرسة المغرب والأندلس في القراءات. وقد أنتج تلاميذ هذه المدرسة عددا من المؤلفات والكتب في مجال القراءة وعلومها، وهو ما أسهم في استمرار هذه القراءة جيلا بعد آخر، ومن علماء هذه المدرسة المشهورين مكي بن أبي طالب بن حموش، وأبي عمرو الداني وابن فره الشاطبي. وبعد ذلك أصبحت قراءة نافع برواية ورش إحدى الروايات التي تواتر بها النقل في بلاد المغرب جيلا بعد جيل، إذ أصبح لها عند أهل إفريقيا والأندلس مكانة وشأنا على الرغم من انفتاح البلاد على سائر القراءات والروايات.

ويوضح الدكتور حميتو جملة من الخصائص التي تمتاز بها رواية ورش، ومن هذه الخصائص أخذه بترقيق الراء بعد الكسرة اللازمة والياء الساكنة مثل نصارى ومراءا، والتخفيف في الهمز بإبدال الألف، فلا نقول يأكل بل ياكل، ثم تفخيم اللامات إذا كانت مفتوحة صلاة ، ثم النقل مثل من آمن قد افلح، إذ تحذف الهمزة وتبقى حركتها.


الروايات في المغرب

ويضيف الدكتور حميتو أن الدولة في المغرب تؤكد على الهوية حين اختارت المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ورواية نافع من طريق ورش، وذلك حتى لا تختلط الأمور ويبقى الطابع المحلي للبلاد ظاهرا وتبقى محافظة على تميزها في تاريخها، مشيرا إلى أن المغرب بذلك ليس متعصبا لمذهب أو رواية معينة، بل يريد أن يحافظ على شخصيته المستقلة حتى لا تذوب مثل أقطار أخرى، وهذه الخصوصية هي السبب في التمسك برواية ورش إلى الآن. وحول وجود مصاحف برواية حفص بالمغرب قال حميتو إن المملكة السعودية توزعها في مختلف دول العالم الإسلامي، كما أن الحجاج المغاربة عندما يذهبون إلى الحج يعودون وهم يحملون معهم هدايا هي عبارة عن مصاحف برواية حفص، أضف إلى ذلك أن مئات الطلبة المغاربة درسوا العلوم الإسلامية وعلم القراءات في السعودية وعادوا إلى المغرب .

لكن هل يعني ذلك أن العلاقة بين القراءات القرآنية هي علاقة صراع؟

الدكتور حميتو ينفي وجود أي علاقة صراع بين الروايات الموجودة حاليا أو مفاضلة بينها، بل يشدد على أنه لا ينبغي أن يكون في الأصل أي صراع، لكن ينبغي أن تكون هناك أولويات، إذ يفترض معرفة وإتقان رواية البلد أولا، ولا ضير من تعلم باقي الروايات، لكن المشكل الحقيقي -يضيف- أن بعض من يتصدر للقراءة لا يتقن لا رواية ورش ولا رواية حفص. لكن إذا كان القارئ يتقن القراءة برواية حفص أو برواية ورش فهذا لا يعني بأي حال أنه يفضل الواحدة على الأخرى، بل يعني أنه يتقن هذه ولا يتقن تلك.

 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى