منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


د.بوترعة بلال

د.بوترعة بلال

عضو متميز
رقم العضوية :
4072
البلد/ المدينة :
وادي العرب
المُسَــاهَمَـاتْ :
2087
نقاط التميز :
2645
التَـــسْجِيلْ :
21/10/2010
واقع دور المرأة في التنمية المجتمعية
رؤية في الموروث الثقافي (الديني - الاجتماعي)
أ. بلال بوترعه
تمهيد:
لقد كانت ولازالت قضايا المرأة تشهد نقاشا وجدالا كبيرين على الصعيد العالمي والوطني حتى صار موضوع المرأة بكل تفرعاته وتشعباته محل إهتمام جل المفكرين والعلماء والفلاسفة ورجال الدين وبرزت في هذا المجال العديد من المتناقضات على مر التاريخ في ما تعلق بحقوق المرأة وواجباتها في معترك الحياة الإجتماعية بدءا بأسرتها و إنتهاءا بمجتمعها.
لم تكن المرأة العربية بمعزل عن هذا النقاش والسجال،فقد أعقب صدور تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول سنة 2002 والذي سلط الضوء على مسائلا ثلاث هي المعرفة-الحرية- نهوض المرأة وهي بمثابة نواقض ثلاث كانت تفتقر إليها البلدان العربية من أجل تحقيق تنمية إنسانية داخل مجتمعاتنا العربية ،فعقب صدور هذا التقرير برزت على الساحة سجالات ونقاشات كبيرة بين مختلف العلماء والمفكرين والفقهاء وقد عرفت هذه النقاشات اتفاقا أحيانا واختلافا أحايين أخرى،خصوصا وأن هذا التقرير قد صرح بمكامن الوجع الدفينة التي كانت ولا زالت المرض الذي ينخر جسد مجتمعاتنا العربية،ولن أنقاد في مقالتي هذه مع تلك السجالات والاختلافات بقدر ما أردت تسليط الضوء على بعضا من العقبات التي تواجه المرأة في سبيل تحقيق التنمية داخل مجتمعها.
وبقدر أهمية هذه المسائل الثلاث التي ركز عليها تقرير التنمية الإنسانية (المعرفة- الحرية- نهوض المرأة)،فأنني لا أقلل من أهمية المعرفة والحرية إذا ما ركزت على مسألة نهوض المرأة وذلك لاعتبارين:
الأول: كون مسألة المعرفة والحريات ذات صلة بسياسات وإستراتيجيات يمكن تغييرها بقرارات وتحديد مصيرها.
الثاني: ما آلت إليه وضعية المرأة ومكانتها المتدنية في مجتمعاتنا العربية،هذه الوضعية والمكانة التي ترتبط أشد الارتباط بالعوامل والبني الثقافية والإجتماعية المعقدة والمتشابكة في سياق الحياة الإجتماعية،وأمام هذا التعقيد والتشابك نجد أنفسنا أمام حاجة ملحة لتسليط الضوء على مثل هكذا موضوعات مصطحبين معنا في الآن ذاته الكثير من الجهد والوقت قصد محاولة فكفكة سياقات هذا التعقيد والتشابك ولمحاولة الولوج ليس فقط في فضاءات المسكوت عنه فيما يتعلق بالمرأة بل وحتى المضمر أيضا.
وبظهور التقرير الرابع للتنمية الإنسانية العربية الذي خصص لنهوض المرأة العربية والذي تضمن استحالة تحقيق نهضة عربية منشودة دون إزالة كافة العوائق التي تحول دون إسهام المرأة الكامل في التنمية ، ومنذ صدور هذا التقرير بدأت تعرف قضايا المرأة وحقوقها نوعا من الازدهار والانتعاش وظهر ما يمكن تسميته بالتلازم السببي بين مسألة نهوض المرأة وبين بناء وإيجاد تنمية إنسانية في المجتمعات العربية وذلك بإزالة كافة أشكال التمييز وإتاحة الفرص للجميع وتحقيق الرفاه داخل المجتمع.
الإشكالية:
لقد أعطى الإسلام المرأة مكانة راقية ومحترمة داخل أسرتها ومجتمعها،وكرمها أيما تكريم وتمكنت المرأة بعد سطوع شمس الإسلام من استعادة الكثير من حقوقها التي كانت مهضومة في عصور الظلام،فقد كرم الإسلام المرأة بنتا وزوجتا وأما وحدد لها أدوراها التي تتناسب وقدرتها الجسدية والفكرية ومكانتها الإجتماعية،ولعا أبرز الحقوق التي نالتها المرأة في رحاب الإسلام حق الحياة،فقد كانت البنت في الجاهلية غير مرغوب فيها وكانت بمثابة العار (عار السبي) وهذا ما أقرته الآيات الكريمة:{وإذا الموءودة سئلت(8) بأي ذنب قتلت(9)} ،فلقد حرم الإسلام قتل الأنثى وأعطاها حقها في الحياة مثلها مثل الذكر.
والسؤال الذي يجدر بنا طرحه بناء على ما ذكرنا آنفا هل توقف وأد الأنثى فعلا؟ وبقدر ما تتضح غرابة السؤال فإن الإجابة عليه وببساطة لا،فالوأد مازال مستمرا حتى الآن وبدرجات متفاوته والمتمثل في وأد العقل والفكر والإبداع،فالأنثى لم تعد توأد جسديا كما كان عليه الأمر في عصور الظلام خشية العار والفقر،وباتت تعاني من وأد جديد تمثل في وأد مقدراتها العقلية والفكرية في كل جوانب الحياة قصد تحويلها إلى كائن ذي بعد واحد بعد ضمور أبعاده الأخرى عبر سيرورة تاريخية طويلة،ورغم عمليات التحديث والتغيير التي عرفتها مجتمعاتنا العربية خصوصا في ما تعلق بتعليم المرأة وبلوغها درجات عليا من التعليم فالبرغم من كل هذا لم تستطع المرأة أن تفك تلك القيود وأن تتجاوز تلك العقبات وبقيت بعيدة ومنغلقة على مشاكلها ومشاكل مجتمعها،وأختزل دورها في إطار أسرتها لا أكثر.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ستظل المرأة تتخبط وتعاني داخل سجون تلك المنظومة من القيم والعادات والأفكار المتوارثة والتفسيرات الفقهية المتشددة والتي ظهرت وترعرعت في مجتمعات العبودية التي سادت حقبة طويلة من الزمان والتي لا زال تأثيرها الثقافي يمارس فعله كموروث ثقافي حتى يومنا هذا؟
تحديد بعض المفاهيم:
1. التـراث: ليس للمجتمع – أي مجتمع- ثقافة واحدة تسود على مر العصور فهناك مجموعة من الجوانب التي تتفرع وتنتج عن تتابع الثقافات هذه الجوانب تتشابك وتتراكم مع حياة المجتمع مشكلة ما يعرف بالتراث.
والتراث هو ذلك الرصيد التاريخي لأي أمة أو مجتمع،وإذا ما اعتبرنا التاريخ بوصفه الماضي(بكل أحداثه ومراحله) متوقفا في اللحظة الراهنة فإن التراث هو ذلك الماضي مستمرا في اللحظة الراهنة وفاعلا فيها ويكون الموروث هو التراث في حالة التشخيص والتعيين مجسدا في كافة حقول الثقافة والمجتمع .
2. المـرأة: سمات أساسية تحدد ذلك الكائن الإنساني الذي يتمتع بصفات بيولوجية معينة تعين جنسه ومنها وظائف محددة كالحمل والإنجاب،صفات تصنع إختلافات معينة بينها وبين الجنس الآخر الرجل،لكن لا يترتب عليها أي أفضلية لأحدهما على الآخر وهذا هو الثابت الوحيد في كيانها .
المرأة والموروث الثقافي (الديني والإجتماعي):
لم تعرف مكانة المرأة في موروثنا الثقافي العربي استقرارا وثباتا فقد كانت المرأة تحتل مكانة مرتفعة ومبجلة أحيانا وأحيانا كان يتم الحط من قيمتها ومكانتها،فهي من ناحية كانت أكثر عناصر المجتمع عرضة للتبخيس في قيمتها على جميع الصعد(الجنس،الجسد،الفكر،الإنتاج،المكانة) ومن ناحية أخرى كانت توضع في مكانة الإحترام المفرط إلى حد مثالي بعيد حيث أعلاه شأن الأمومة وإغداق الصفات الإيجابية عليها كالطيبة والمحبة والحنان والتضحية والإيثار و الوفاء.
إن نوسان مكانة المرأة غير المفهوم وغير المنطقي بين قمة الهرم بوصفها(أم،مركز الشرف،الكائن الثمين،معلمة الأجيال) وقاعدته بوصفها(العورة،رمز العيب،الجاهلة،الجسد،الشيطان) يشكل عقبة تسمح بإستنباط نقائضي لدونية المكانة وفي الوقت نفسه لعلوها.
لقد كانت ولا زالت المرأة في مجتمعنا العربي تعاني من قيود التبعية التي فرضت عليها نتاج أفكار وعادات متعجرفة ومتسلطة لبست في أحيان كثيرة ثوب الدين فلم يعد للمرأة تبعا لذلك حرية أو إرادة أو كيان،فالمرأة العربية كانت بمثابة ملك خاص للذكور داخل أسرتها أو حتى مجتمعها من الولادة حتى الموت،فالبنت كانت ولا زالت خاضعة للهيمنة الذكورية ومن ثم فهي تحت سلطة الأب ثم الأخ ثم الزوج، وأهميتها ودورها يكون في ما أريد لها أن تكون لا في ما أرادت هي أن تكون، ويتجلى التناقض الصارخ في أنها ورغم كل هذا التسلط الذكوري الأسري والمجتمعي تشكل في الوقت نفسه المرجعية العليا التي يعتمد عليها الزوج والأبناء وباقي أفراد الأسرة.
حقيقة ولكي نتمكن من تفسير وتحليل دقيق وشامل لمكانة المرأة في مجتمعنا العربي فإننا مطالبون بوضع النقاط على الحروف وسنكون مخطئين إذا اعتقدنا أن مكانة المرأة(الأنثى) في موروثنا الثقافي سواء مكانتها المرتفعة أو المتدنية التي عرفتها عبر مر التاريخ يمكن تفسيرها وإرجاعها إلى العوامل الثقافية(الدينية،الإجتماعية) وإلى طبيعتها السيكولوجية فحسب،فمكانة المرأة في موروثنا الثقافي تأثرت بالعديد من العوامل الأخرى كالنظام السائد في المجتمع وطبيعة البنى الإجتماعية وتوزيع العمل ومدى مشاركتها في عمليات الإنتاج.
إضافة إلى ذلك فإن تحديد الأدوار (تقسيم العمل) في العائلة شبيه بنظام تحديد الأدوار وتقسيم العمل في المجتمع ككل،ومن ثم فإن ميكانيزمات السيطرة والهيمنة داخل مجتمع الأسرة تكتسب قوتها ومشروعيتها من أنظمة المجتمع ومؤسساته هذه الميكانيزمات التسلطية تسوغ عادة وتبرر بمعتقدات وموروثات خاطئة فرضت نفسها داخل المجتمع،وأصبحت بحكم سيرورتها مدة طويلة من الزمان بمثابة القاعدة والقانون الصحيح وهي التي يجب أن تكون في الواقع وأي خروج عن هذه القاعدة يعتبر جريمة إجتماعية ومن ثم فقد نتج عن هذه الميكانيزمات والمعتقدات أيديولوجية متكاملة تبرر التسلط وتقول بحتمية عدم المساواة مرجعين ذلك إلى التفاوت الطبيعي في المواهب والطموحات فالطبقات المستغلة تتهم المستغلة بالكسل والجهل والغوغائية،بنفس الطريقة التي يبرر فيها الذكر(ممثلا بالمجتمع) سيطرته على الأنثى بإتهامها بقصور العقل،الكيد،المكر،الثرثرة.
الموروث الديني ومكانة المرأة:
لا ريب أن الإسلام أحدث ثورة كبيرة في المفاهيم و التشريعات الخاصة بالمرأة فقد أستلم واقعا إنسانيا تاريخيا مثقلا بكافة أنواع الظلم والاضطهاد للمرأة ولعل أبرز معالمه اعتبار المرأة ناقصة الإنسانية وأساس الخطيئة وقرينة الشيطان المنتج للشر والانحراف،ولم تنج العديد من المدارس الفلسفية والمذاهب الدينية من أسر هذه النظرة الخاطئة في كثير من الأحايين فقد استقبلت المرأة في الجاهليات القديمة بتهجم واجتيحت حقوقها بلا اكتراث .
لقد جاء الإسلام بتغيرات كبيرة وجوهرية في الحياة العامة للمجتمع،في كل نظمه الاجتماعية وتظهر تلك التغيرات بصورة واضحة في الحياة الاجتماعية،وبالذات ما تعلق منها بشؤون وقضايا المرأة ووضعها الإنساني،فقد أعتبرها الإسلام كالرجل في الإنسانية في مكانتها الاجتماعية في المجتمع،وكذلك حقها في التعليم وحقها في العمل في الحدود التي رسمها لها ذلك النظام الاجتماعي المقدس الذي يؤثر في المجتمع وفي نظمه وظواهره،كما يحدد وينظم سلوكيات أفراده ويضبط تصرفاتهم .
فالإسلام أعطى المرأة اعتبارا اجتماعيا وإنسانيا مميزا عن بقية الحضارات و الثقافات الأخرى،وجعلها تتبوأ مكانها الحقيقي في المجتمع كإنسان له مكانته ودوره في الحياة ولتكون عنصرا فعالا ومشاركا في قضايا المجتمع المختلفة،كما أعطى الإسلام المرأة حقها في الحياة الذي جعله حقا لكل البشر،فألغى كل التصرفات والأعمال التي كان يمارسها الرجال في الجاهلية ضد المرأة،فحارب التشاؤم والتطير بها،والحزن لولادتها،كما ألغى وأدها وأعتبره أمرا شنيعا كبيرا يرتكبه الأب ضد البنت،مصداقا لقوله تعالى:<< وإذا الموءودة سئلت،بأي ذنب قتلت>> التكوير الآية8-9
وقوله تعالى:<<ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم،إن قتلهم كان خطئا كبيرا>> .
لقد جاء القرآن الكريم بحقوق عظيمة شرعها للمرأة لم يسبق إليها في دستور شريعة أو دستور دين من قبل،وكرم المرأة بأن رفعها من المهانة إلى الكرامة ورفع عنها لعنة الخطيئة الأبدية التي كانت سائدة في الشرائع السابقة المحرفة والتي أسس عليها العديد من الفلاسفة والغربيين نظرتهم إلى المرأة وذلك في أكثر من آية .
أما عن الأدوار التي يمكن للمرأة أن تؤديها، فالإسلام حرص على أن يؤدي كل فرد دوره في النظام الاجتماعي وذلك كل حسب جنسه وقدرته،فالإسلام لا ينظر إلى الرجل والمرأة على أن كل منهما بديل عن الآخر،وإنما يرى أنهما يكملان بعضهما البعض،وهذا مراعاة لمبدأ توزيع العمل الذي اقتضيته الحكمة الإلهية،حيث تعوض المرأة جوانب لنقص في الرجل،ويوفر الرجل في المقابل ما تفتقر إليه المرأة .
وخلاصة القول أن الإسلام أولى للمرأة حقوقا متنوعة كانت مفتقدة لها في عهود ماضية،وذلك بصفتها كيانا إنسانيا بدرجة أولى،وبصفتها أحد جناحي الإنسانية بدرجة ثانية ، فالمرأة شريكة الرجل في الحياة بل هي نصف المجتمع الإنساني.
ورغم هذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الشريعة الإسلامية،إلا أنها لم تسلم من بعض العوائق الدينية والتفسيرات الخاطئة لبعض المسائل الدينية ذات الصلة بالمرأة،فالشرائع السماوية لم تكن هي أول عهد البشرية بالأديان فقد سبقتها العديد من الديانات الوثنية التي تعمقت أفكارها في نفوس البشر طيلة القرون الماضية التي سبقت ظهور الأديان السماوية مما أدى إلى تكوين شعور جمعي وأعراف لها من القوة ما استطاعت به أن تترك أثرا من تراثها الفكري على الوافد إليها من الشرائع السماوية وقد تمثل هذا الأثر في بعض التفسيرات والشروح التي قدمها بعض الفقهاء خلال فترات تاريخية متعاقبة بعد ظهور الإسلام وذلك لسرعة انتشار الإسلام وإقبال الفارسيين واليونانيين والهنود والترك على الإيمان به،ولدى هؤلاء رواسب عديدة أثرت على بعض من أرائهم وتفسيراتهم الفقهية،إضافة إلى السرعة الكاسحة لإنتشار الإسلام وقصر مدة الدعوة النبوية خصوصا وأن إسلام كثير من العرب كان في السنوات الثلاث الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يستوعبوا قيم ومبادئ الإسلام حق الإستعاب .
بعض المقولات التي أشتهرت عن المرأة:
• شاوروهن وخالفوهن
• خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة
• عودوا النساء (لا) فإنها ضعيفة إن أطعتها أهلكتك
• طاعة النساء ندامة
• هلكت الرجال حين أطاعت النساء
وإذا ما وضعنا هذه المقولات في ميزان الشريعة على ضوء الكتاب والسنة فنجد العكس تماما فقد كرم الإسلام المرأة وأعلى شأنها،كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم رفع من قيمة المرأة وبجلها وراح يعلم الصحابة القيم النبيلة والأخلاق السمحة في التعامل مع النساء،وإذا رجعنا إلى الواقع نجد أن عمر رضي الله عنه كان يقدم الشفاء بنت عبد الله في الرأي ويرضاها،وإنه أستشار النساء في كم تصبر المرأة على فراق زوجها،وأنه ترك كبار الصحابة واقفين وراح يستمع إلى حديث خولة بنت ثعلبة.
أيضا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد أستشار السيدة أم سلمه في صلح الحديبية ووجد في مشورتها البركة،كذلك أستشار السيدة خديجة رضي الله عنها حين جاءه الوحي أول مرة وأشارت إليه بالذهاب إلى ورقة بن نوفل،ذلك ما أشارت به ملكة سبأ على قومها بالإسلام وقادتهم إليه مما سجله لها القرآن الكريم في سورة النمل.
إضافة إلى ما ذكرنا سابقا فهناك العديد من المقولات التي قللت من قيمة المرأة ودورها داخل الأسرة والمجتمع والتي رد عليها القرآن والسنة نذكر منها :
• اتقوا شرار النساء وكونوا مع خيارهن على حذر
• أعدى عدوك زوجتك التي تضاجعك
• ثلاث لا يركن إليها:الدنيا والسلطان والمرأة
• ثلاث إن أكرمتهن أهانوك:أولهم المرأة
• لا تسكتونهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسورة النور
• أجيعوا النساء جوعا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح
• لولا النساء لعبد الله حقا حقا
وكيف تتسق هذه الأحاديث مع وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم المتكررة بالزوجات وإحسان عشرتهن وهو الذي قال:(خياركم خيركم لنسائه) (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)،فكل هذه المقولات لا أصل لها والإسلام منها براء وللأسف لقد تم تداول أمثال هذه الأقوال وغيرها على أنها أحاديث صحيحة وقد كان لها دورها المؤثر في تحديد مكانة المرأة في المجتمع والنظرة إليها،ومع مرور الزمن أستقرت هذه المقولات المشوهة في وجدان المجتمع الذي تصرف على أساسها،بل أن المرأة ذاتها استكانت إلى هذه الصورة وقبلت المكانة التي رسمها لها المجتمع على ضوء هذه المقولات والتفسيرات الخاطئة .
الموروث الإجتماعي ومكانة المرأة:
كان ينظر للمرأة في المجتمع العربي قديما نظرة دونية و إحتقار، فلم تكن تتمتع بكامل حقوقها التي يتمتع بها أي إنسان على الأقل،فاتضحت الإساءة إلى الأنثى في المجتمعات العربية القديمة والتمييز بينها وبين الذكر منذ أول يوم تخرج فيه إلى الحياة ومن الطريقة التي تستقبل بها في العديد من الأسر العربية خاصة في المناطق الريفية والصحراوية النائية ذات المستويات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية المتدنية.
فقد كانت الأسرة العربية القديمة تستقبل ولادة الذكر بالأفراح والغناء،بينما تستقبل الأنثى بالحزن والصمت، فالأنثى مولود غير مرغوب فيه في حالات كثيرة،إذ لا يستحب إنجاب الإناث إلا بعد إنجاب عدد من الذكور ، ومن ثم فقد كان الإحتفال بميلاد الذكر يتم في مراسم كبيرة وتنحر له الذبائح أما ولادة الأنثى فقد كان بمثابة المصيبة التي تقع على العائلة،بل ربما يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد الطلاق والزواج من زوجة أخرى على أمل ولادة ذكر،الذي كان يعتقد في العرف العربي القديم أنه يحمل اسم العائلة ويحافظ على وجودها.
فالعوامل التي كانت تحدد مكانة المرأة في المجتمعات العربية القديمة هي قدرتها على إنجاب الذكور لكونهم يحملون إسم العائلة من جهة،وهم إستمرار لها ولميراثها من جهة أخرى،ولذا فإن المرأة التي تنجب ذكورا تحفل بمكانة كبيرة داخل هذه المجتمعات.
لقد اتسمت العائلة العربية التقليدية بأنها عائلة أبوية السلطة فقد أحتل الأب فيها مركز السلطة والمسؤولية ،وكل أفراد البيت بما فيهم المرأة هم خاضعون لسلطته وعلى إعتبار أنه مكلف بإعالة الأسرة وضمان إحتياجاتها والمدافع عنها،ومن ثم فقد اكتسب هذه المكانة من خلال دوره الهام في إعالة أسرته،في حين أن دور المرأة في البنية التقليدية للأسرة العربية كان يقتصر على القيام بالمهمات المنزلية من إنجاب وطهي ورعاية وتربية للأطفال .
النموذج المطلوب للمرأة:
إن الصورة التي يعكسها موروثنا الثقافي للمرأة يبين الجهود المبذولة عبر مر التاريخ لإيجاد وتكوين نمط معين من النساء يتم قولبته وفقا لاحتياجات ومواصفات النظام الأبوي في السياق الإجتماعي والاقتصادي على صعيد المجتمع،فعلى المستوى الإجتماعي فإن المرأة العربية محاطة بمجموعة كبيرة من الأساطير التي سلبتها كيانها الإنساني وهذا ما عكسته العديد من الأمثال الشعبية الرائجة.
وغالبا ما توصف المرأة بصفات الضعف والهوان واعتبارها بمثابة الكائن القاصر التابع الذي يحتاج دوما إلى وصي،ومن ثم تعتبر عاجزة ولا تملك سوى الدعاء والتوسل والرجاء أو الشتم وصب اللعنات( وهي هنا تختزل إلى لسان)،وفي مقابل عقلانية الرجل وشجاعته وحياته الموجهة إلى الخارج،يختزن الموروث الثقافي للمرأة العاطفة والانفعال وحياتها الموجهة دوما إلى الداخل(البيت،الأسرة،الجسد) وفي مقابل قوته وسيطرته نجد رضوخها واستسلامها،وفي مقابل كبريائه واعتداده بنفسه نجد ذلها والعيب الملازم لوجودها والعار الذي يلاحقها كظلها وبمقدار ما لا يكون مباحا له إظهار إنفعالاته،يترك لها ذلك ويطلب منها التعبير عن تلك الإنفعالات،وبمقدار ما يتعرض لتهديد من الخارج أو استغلال أو فقدان للهيبة فإنه يمارس ذلك الإستغلال وتلك الهيبة داخل المنزل كتعويض لما يفقده خارج المنزل.
إن صورة كل منهما على هذا النحو في الموروث الثقافي على إختلاف مستوياته وتجلياته ليست هي صورة كل منهما كما هو في الواقع أي كما هو كائن،بل هي بمثابة أسطورة تؤسس لما يجب أن يكون،هذه الأسطورة التي تربعت على قواعد متينة شيدتها ودعمتها تلك الأنماط التربوية التي عمقت هذا الإظطهاد وكرسته،والتي حددت أدوار كل من الصبي والبنت للقيام بأدوارهما في المستقبل بدون أي مقاومة،وأي خروج على هذا النظام المطلوب( الأسطورة) يقابل بأشد العقوبات الإجتماعية وطبعا المقصود هنا المرأة والتي لا يجب أن تخرج على سياق ما يريده المجتمع(المتمثل في سلطة الذكر) .



أيــن السبيــل ...؟
بعد ما ذكرنا آنفا ما السبيل في تجاوز هذه الوضعية بكل تفاصيلها المعقدة والمتداخلة والتي تقف بمثابة العقبة التي تعيق المرأة في أن تدلو بدلوها في إطار تنمية مجتمعها تنمية حقيقية وشاملة؟ وهل يجوز إعتبار أن تخلفنا عن ركب الحداثة والتقدم مرده إلى تمسك مجتمعنا العربي بموروثه الثقافي بكل تجلياته؟ وينسحب هذا الكلام على مكانة المرأة وموقعها في هذه المجتمعات.
أمام هذا الإلتباس والحيرة نجد أنفسنا أمام سبل ثلاث تفرض نفسها وبقوة عساها أن تضع حدا لهذا الإلتباس وتفك هذا التعقيد:
السبيـل الأول: ويدعو أصحاب هذا الإتجاه إلى قيام ثورة ضد موروثنا الثقافي على إعتبار أنه السبب الرئيس في تخلفنا وتراجع وتدهور مكانة المرأة داخل المجتمع ومن ثم فهم يرون ضرورة إحداث قطيعة مع هذا الموروث ولا غرابة في مثل هكذا رأي كون أصحابه ينظرون إلى موروثنا نظرة إستشراقية ترى أن المجتمع العربي مجتمع محافظ ومنطوي على نفسه يميل إلى الإستقرار وعدم التغيير ويهمل الإبداع والتطور وليس غريبا أن نجد مثل هذه الآراء والتي صدرت من أشخاص متأثرين بالنمط الغربي هذا الأخير الذي أحدث قطيعة مع تراثه الثقافي (أو مع مرحلة معينة منه)،قصد بلوغ أرقى درجات التحديث والتغيير،عموما فإن أصحاب هذا الرأي يرون بضرورة الإنسلاخ عن موروثنا وقيمنا وتقاليدنا وأعرافنا حتى نتمكن من تطوير وترقية مجتمعنا،هذا النمط من الحلول يمكن أن نسميه إنتحارا ثقافيا.
السبيـل الثاني: يدعو أصحاب هذا الإتجاه إلى ضرورة التمسك والتعلق بالتراث والتقاليد الماضية و إعتبار أن هذه المرحلة هي المرحلة الذهبية في حياة المجتمع العربي،ويرى أصحاب هذا الإتجاه أن التطور والتحديث يتمثل في التمسك بالماضي،بل بالعودة إليه لأن التراجع وتخلف مجتمعنا سببه تخلينا عن موروثنا ومن ثم فهم يدعون إلى المبدأ دوام التراث منطلقين من مقولة(الأخلاف لم يتركوا شيئا للأسلاف).
لقد نسي أصحاب هذا الإتجاه أو تناسوا أن عجلة الزمن لا تعود إلى الوراء ثم أن التراث الذي يتحدث عنه هؤلاء هو تراث تلك العصور التي سيطرت عليها التفسيرات الكيفية الفقهية في كثير من الأحيان والتي يتمسك بحرفية النص أو تؤوله تأويلا يتفق مع العقلية الذكورية والنظام الأبوي.
السبيـل الثالث: ويرى أصحاب هذا الإتجاه أن الوسطية بين الحلين الأول والثاني هو الحل المناسب والسبيل القويم للنهوض بالمرأة وبالمجتمع وتحقيق التقدم والرقي ويدعوا أصحاب هذا الرأي إلى ضرورة إعادة النظر في علاقتنا مع موروثنا الثقافي وعدم التخلي عنه في الوقت ذاته لأن هذا التخلي والانسلاخ عن موروثنا يعتبر انسلاخ عن الواقع،ومن ثم فالمشكلة ليست في الموروث يعينه بقدر ما تكمن المشكلة في نمط العلاقة معه وذلك بضرورة إعادة النظر في بعض قضايا هذا الموروث وتعديلها،شرط أن يكون هذا التعديل يحترم البيئة الفكرية القافية لمجتمعنا ويحفظ خصوصيته وشرط أن لا يتعارض ومبادئ شريعتنا السمحاء والتي كرمت المرأة أفضل تكريم،وبدون ذلك فإننا سنسقط في فخ التقليد الأعمى للغرب.

أخوكم بـــــــــــــــلال







ll
 
د.بوترعة بلال

د.بوترعة بلال

عضو متميز
رقم العضوية :
4072
البلد/ المدينة :
وادي العرب
المُسَــاهَمَـاتْ :
2087
نقاط التميز :
2645
التَـــسْجِيلْ :
21/10/2010
:أثبت وجودك: :أثبت وجودك:
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى