منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


المتفائلة

المتفائلة

طاقم المشرفين
رقم العضوية :
25848
البلد/ المدينة :
الجزائر.ولاية يشار
المُسَــاهَمَـاتْ :
1656
نقاط التميز :
2236
التَـــسْجِيلْ :
19/10/2011
السلام عليكم ورحمة الله




معيار اختيار الزوج




الأسرةُ المسلمة من أفضلِ ما حرص الإسلام على وجودِها ورعايتها والحفاظ عليها؛ لأنَّ المجتمعَ المسلم ما هو إلا جماعُ هذه الأسرةِ، وبناؤه مرهون بوجودِها القوي السليم، المؤدي إلى قوةِ البنيان الاجتماعي وتقدمه.
 
وإذا كان اختيارُ الزوجة الصالحة ضروريًّا وهامًّا؛ لأنها المدرسة الأولى للنشء، فإَّن اختيارَ الزوج لا يقلُّ عن ذلك في الأهميةِ؛ لأنَّ الزوجَ هو ربُّ الأسرة، وهو القدوة للزوجة وللأبناء معًا، وهو قائدُ السفينة في بحر الحياة المتلاطم الأمواج.
 
وأهمُّ معيار لاختيار الزوجِ هو أن يكون متمسكًا بكتابِ الله، عاملاً بسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكفئًا لزوجتِه؛ علميًّا، وصحيًّا، وبدنيًّا، وفكريًّا، وماديًّا، وحول هذا المعيار يحدِّثنا الأستاذُ حسن حسن منصور:
إنَّ اختيارَ الزوج لا يقلُّ أهمية عن اختيارِ الزوجة؛ لأنه على أساس كل من هذين الاختيارين تنشأ نواةٌ جديدة في المجتمعِ، وهي الأسرة، ونظرًا لأهميةِ هذه النواة؛ فقد أولى الإسلامُ الحنيف جلَّ عنايتِه في وضعِ المعيار القويم، الذي يتمُّ بناءً عليه اختيار كل من الزَّوْجين، ومعيار اختيار الزوج معروفٌ لدى فقهاءِ الشريعة الإسلامية، بشرطِ الكفاءة بين الزوجين، وهو شرطٌ لصحةِ الزواج.
 
ولبيان هذا المعيار، فإنه يجدرُ تحديد مفهومِ هذا المعيار، والأساس الذي يقومُ عليه، وأهمية هذا المعيار، وصاحب الحق فيه، والوقت الذي يعتدُّ فيه بهذا المعيارِ، وأخيرًا ثمرة هذا المعيار، وذلك على التفصيل الآتي:
أولاً: تحديد مفهوم معيار اختيار الزوج:
إنَّ معيار اختيار الزوج هو المقياسُ الذي يلتزم به ولي أمر الزوجة في انتقاء الزوجِ؛ بحيث يتم عرضُ المُتقدمِ للزواج على هذا المقياس، فإذا كان الرجلُ طالبُ الزواجِ مطابقًا في جميع صفاته لهذا المقياسِ، كان أهلاً للزواجِ، وإن لم يكن كذلك، فمن الخيرِ عدمُ الإجابةِ إلى طلبه في الزواج.
 
وهذا المعيارُ أو المقياس ما هو إلا ميزان توضَعُ فيه مقوماتُ شخصيةِ طالبِ الزَّواج، وعلى حسب رجحان إحدى كفتي هذا الميزانِ يكونُ اختيارُ الزوج قبولاً أو رفضًا، وأفضل موازين الاختيار تلك التي وضعها الإسلامُ؛ دين الله خالق الإنسانِ، والعلام بما توسوسُ به نفسُه؛ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، وميزانُ اختيارِ الزوج كما وضعه الإسلامُ وعرَّفه الفقهاءُ المجتهدون هو: (شرط الكفاءة).
 
والكفاءةُ في اللغةِ تعني المساواة والمماثلة، فيقال: كافأ فلانٌ فلانًا؛ أي: ماثله وساواه وصار نظيرًا له، وفي اصطلاحِ الفقهاء: الكفاءة هي: مساواة الرجلِ للمرأة في أمورٍ مخصوصة؛ بحيث لا تُعيَّرُ الزوجةُ ولا أولياؤها بزوجِها.
 
ثانيًا: الأساس الذي يقوم عليه هذا المعيار:
إذا كان الناسُ كما خلقهم الله على قدمِ المساواة في الحقوقِ الطبيعية، فإنهم ومن المنظورِ الإسلامي البحت - بلا شكٍّ - على درجةٍ من التفاوت في مكتسباتِ الحياة؛ فمثلاً الناس في العلمِ ليسوا سواءً؛ فقد قال الله - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وهم كذلك ليسوا سواءً في كسبِ النفس في شتى مناحي الحياة؛ فهناك من كسب النفس ما يرفع درجةَ الإنسانِ على أخيه الإنسان؛ كما أشار إلى ذلك قوله - تعالى -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
 
ومن هذا المنطلقِ، فإنَّ معيار اختيار الزوج لا يكون على أساسِ المساواة في الحقوقِ الطبيعية؛ كالحق في الحياةِ والحرية والانتقال وغيرها، ولكن على أساسِ المساواة في الحقوقِ المكتسبة؛ كالعلمِ والتدين والأخلاق والرزق وغيرِ ذلك، وبالتالي فإنَّ الكفاءةَ بين الزوجين لا تردُ على المساواةِ الأولى، ولكن تنصب على المساواةِ الثانية؛ إذ إنَّ المساواةَ الأولى مفترضةٌ من بابِ أولى بالنسبة للمساواةِ الثانية؛ لأنَّه يُفترض في كلٍّ من الزوجين التمتعُ بالحقوقِ الطبيعية على قدمِ المساواة، والمرجع في هذا الأساس الذي يقومُ عليه معيارُ اختيار الزوجِ هو معايرةُ الزوجةِ وأهلها إذا لم يكن الزوجُ على ذات درجةِ الكفاءة معها، بأن كان أقل منها في الحقوقِ المكتسبة؛ كأن يكون أقلَّ منها تدينًا، أو أقل منها علمًا، أو غير ذلك.
 
ثالثًا: مضمون هذا المعيار:
أجمع الفقهاءُ المجتهدون على أنَّ معيارَ اختيار الزوج أو الكفاءة يتمثَّلُ في الدينِ؛ بمعنى التدين والتقوى، بل إنَّ بعضَهم كالإمام مالك والأمام أحمد اعتبرا التدينَ هو المعيار الوحيد لاختيار الزوجِ، واعتبره البعض الآخر كالإمامين أبي حنيفة والشافعي المعيارَ الأول لاختيارِ الزوج، ثم تأتي بعده معاييرُ أخرى؛ كالنسب والحرفة والمال وغيرها، والحكمةُ من هذا المعيارِ الأول لاختيارِ الزوج؛ هي أنَّ التقوى والصلاح من أعظمِ المفاخر، وأنَّ الصالحين الأتقياء يعيرون بمصاهرةِ الفُسَّاق.
 
وفي بيانِ هذا المعيارِ يقول الإمامُ ابن رشدٍ في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد": "ولم يختلف المالكيةُ في أنَّ البكرَ إذا زوَّجها الأبُ من شارب الخمر - وبالجملةِ من فاسق - لها أن تمنعَ نفسَها من النِّكاحِ، وينظر الحاكمُ في ذلك، فيفرِّق بينهما، وكذلك إذا زوَّجها ممن مالُه حرام، أو من هو كثيرُ الحلف بالطلاق".
 
وقد استدلَّ الفقهاءُ على هذا المعيار بآيةٍ كريمة وبحديثٍ شريف؛ أما الآية، فهي قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
 
وأمَّا الحديثُ الشريف، فهو ما رواه الإمامُ الترمذي في سننِه بإسنادٍ حسن عن أبي حاتم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أتاكم مَن ترضَوْن دينَه وخلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرضِ وفسادٌ كبير))، قالوا: يا رسولَ الله، وإن كان فيه؟! قال: ((إذا جاءكم من ترضون دينَه وخلقَه، فأنكحوه - ثلاثَ مرات)).
 
رابعًا: أهمية هذا المعيار:
إنَّ أهميةَ اختيار الزوج على أساسِ التدين تأتي من منطلق أنه يرتكزُ على مقوماتٍ ثابتة لا تتغير مع عوارض الحياة، فالتدينُ بمعنى التقوى والصلاح والأخلاق - من الأمورِ التي إذا تحلَّى بها الإنسانُ فإنها تظلُّ ملازمةً له مدى الحياة مهما طرأ عليه من عادياتِ الدهر، على العكس من الأمورِ الأخرى؛ كالمال مثلاً، الذي هو عرضةٌ دائمًا للتغيرِ من الزيادةِ إلى النقص، وربما إلى المحق بالمرة، بل إنَّ التدين والأخلاق هما سياجُ حمايةِ الإنسان من تقلباتِ الزمن التي تلحقُ بالأمورِ الأخرى، فإذا ما أُصيب الإنسانُ بالكسادِ في ماله، فإنَّ التدينَ خيرُ معينٍ له على التغلب على مثل هذه المحنة، ورحم الله أميرَ الشعراء أحمد شوقي عندما قال:
إِذَا الْإِيمَانُ ضَاعَ فَلاَ أَمَانٌ 
وَلاَ دُنْيَا لِمَنْ لَمْ يُحْيِ دِينَا 
 
وقد يقول قائل: وما هي حدودُ الدينِ والخلق كمعيارٍ لاختيار الزوج؟ ونبادر إلى القول بأنَّ ميزان الاعتدالِ هو الذي يبيِّن هذه الحدود، وذلك من خلالِ قوله - سبحانه -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]؛ أي: لا إفراطَ ولا تفريطَ في التديُّن، فلا نقولُ مثلاً يجب أن يكونَ الزوج زاهدًا منقطعًا للعبادةِ، أو أنه يسيرُ على طريقِ أحد أقطابِ التصوف الإسلامي، ولكن لا يجبُ أن يكونَ مفرِّطًا في أركانِ الإسلام الخمسة، أو غير حافظ لحدودِ الله في الحلال والحرام، كأن يكون متجرئًا على حرماتِ الله بارتكابِ أية معصية توجِبُ عقاب الله ولو أفلت منه في الدنيا.
 
وأهميةُ هذا المعيار تفرضُ على أولياء الزوجة مهمةَ البحث والتحري عن مدى توافرِ التدين والصلاح والخلق في الزوجِ، وألا يعزموا عقدةَ النِّكاحِ حتى يتأكَّدَ لهم توافر هذا المعيار شرطًا لصحةِ الزواج، وأسموه بشرطِ الكفاءة، ورتبوا على تخلفِه بطلان عقد الزواج، والفرقة بين الزوجين بقضاء القاضي، كما هو العملُ الجاري بالراجحِ من المذهب الحنفي.
 
وفي إظهارِ هذا المعيار وما له من أهميةٍ، تجدرُ الإشارةُ إلى ما أورده الأستاذُ إبراهيم الجمل على ضوءِ أقوال الفقهاء المجتهدين، وذلك في كتابِه "فقه المرأة المسلمة": "ومما لا شكَّ فيه أنه عندما يتقدم إنسان لخطبةِ فتاة، فإنَّ أول ما يسترعي نظرَهم مكانته الاجتماعية والمالية، وفي وقتِنا الحاضر يفضِّلُ الكثيرُ منهم الماليةَ على العلميةِ، ويعتبرونها مكانة اجتماعية، وقد أخطؤوا في ذلك! فلا يصحُّ بحالٍ زواج مثقفة بجاهل على الإطلاقِ"، ويقول: "وأحذِّرُ أولياءَ الأمورِ والمسلمات من جرَّاء ذلك، فكيف تعيشُ امرأة مثقفة مع زوجٍ جاهل؟! لا ولن يتقابلا على الإطلاق! صحيح أنه يمكن زواجُ مثقفٍ من جاهلةٍ على أن يعلمَها شيئًا فشيئًا، ووسائل التعليم في زمانِنا متوافرة وميسرة، ولكن كيف تعلمه هي وهو يعلمُ أنَّ له القوامة عليها؟!"، وينتهي إلى القول: "فعليكِ أيتها المسلمةُ بقبولِ الزوجِ المتدين المستقيم، فلن تُظلمي معه أبدًا".
 
خامسًا: صاحب الحق في التمسك بهذا المعيار:
أخذًا من حديث الإمام الترمذي: ((إذا جاءكم من ترضَوْن دينَه وخلقه، فأنكحوه))؛ قال الفقهاءُ: إنَّ شرطَ الكفاءة حقٌّ للمرأةِ ولأوليائها، كل منهم على حدة، فلو أسقطت المرأةُ حقَّها في هذا الشرطِ، فلا يسقط حق أوليائها، وبالعكس، وكلمة (ترضون) الواردة في هذا الحديثِ تعني أنَّ اختيارَ الزوجِ لا ينفردُ به شخصٌ واحد، بل هو حق لكلِّ قريب تناله المعايرة بالزوجِ غير الكفء للمرأة، وفي توضيحِ هذا المعنى نذكر ما قاله صاحب "الروضة الندية" وأورده الشيخُ السيد سابق في كتابه "فقه السنة"، فيقول:
"إنَّ الأولياءَ هم قرابة المرأة؛ الأدنى فالأدنى، الذين تلحقُهم الغضاضةُ إذا تزوجت بغيرِ كفء وكان المزوج لها غيرهم، ولا ريبَ أنَّ بعضَ القرابة أولى من بعض، وهذه الأولويةُ ليست باعتبارِ استحقاق نصيبٍ من المال واستحقاق التصرف فيه حتى يكون كالميراث أو كولاية الصغير، بل باعتبارِ أمرٍ آخر، وهو ما يجده القريبُ من الغضاضةِ التي هي العار اللاصق به، وهذا لا يختصُّ بالعصبات، بل يوجدُ في غيرهم، ولا شك أنَّ بعضَ القرابة أدخلُ في هذا الأمرِ من بعضٍ، فالآباءُ وأبناء المرأة أولى من غيرِهم، ثم الإخوةُ لأبوين، ثم الإخوةُ لأبٍ، ثم الإخوةُ لأم، ثم أولادُ البنين وأولاد البنات، ثم أولادُ الإخوة وأولاد الأخوات، ثم الأعمامُ والأخوال، ثم هكذا من بعد هؤلاء، ومن زعم الاختصاصَ بالبعضِ دون البعض فليأتِ بحجةٍ، وإن لم يكن بيدِه إلا مجرد أقوال غير ذلك فعليه بالدليل أو النقل.
 
وقد قال الإمامُ الشافعي - رضي الله تعالى عنه -: "لا ينعقدُ نكاحُ امرأةٍ إلا بعبارةِ الولي القريب، فإن لم يكن فبعبارةِ الولي البعيد، فإن لم يكن فبعبارةِ السلطان"؛ أي: نائبه، وهو القاضي.
 
سادسًا: وقت اعتبار هذا المعيار:
أجمع الفقهاءُ على أنَّ شرطَ كفاءة الزوج للزوجة، أو معيار اختيار الزوج يجبُ أن يكونَ وقت إنشاءِ عقد الزواج؛ أي: منذ اللحظةِ الأولى للتفكيرِ في الزواج، كما وصفه الرَّسولُ الكريم - صلى الله عليه وسلم - مرضي الدِّين والخلق؛ وبالتالي فلا عبرةَ بعدمِ توافر هذا الشرط قبل التقدمِ للزواج، وأيضًا لا ضررَ إذا افتقد الزوجُ هذا الشرطَ بعد إتمام الزواجِ؛ محافظةً على استقرارِ الحياة الزوجية، وإن كان مثل هذا الشرطِ من الصَّعبِ تغيره بعد أن أصبحَ صفةً متأصِّلة في النفس، وحتى إذا كان الوازعُ الديني أو الخلقي قد أصابه الضعفُ في بعضِ مراحل الحياة المستقبلة، فإنه يسهلُ رد صاحبه إلى جادَّةِ الصواب، بما لديه من ماضٍ عريق في التقوى والصلاح، ولكن من أين لنا بردِّ جماحِ النفس التي اعتادت التردِّي في الغوايةِ الشيطانية؟
 
وعلى كلِّ من بيده عقدُ النكاح أن يرعى اللهَ في المرأةِ التي طلب رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - أن نتقيَ الله فيها؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((اتقوا الله في الضعيفَيْن: اليتيم، والمرأة))، ورعاية الله في المرأةِ بالتأنِّي وتحكيم العقلِ في اختيارِ الرجل الذي يتأبد في علاقته معها، وأن يترضى فيه دينَه وخلقه أولاً وقبل كل شيء، وأن يكون ذلك قبل التعجلِ والشروع في إبرامِ عقد الزواج، أو حتى مجرد الخطبة؛ لأنَّ العجلةَ في هذا الأمرِ بالذَّاتِ لها نتائجُ غير محمودة العواقب، وأهمها الحسرة والنَّدامة في وقتٍ لا تجدي فيه الحسرةُ والندم.
 
سابعًا: ثمرة الأخذ بمعيار اختيار الزوج:
حتى تكون ثمرة الأخذ بهذا المعيارِ متكاملة؛ نحاولُ الإجابةَ عن السؤال الآتي: لماذا اشترطَ الإسلامُ في الزوجِ أن يكون مرضيَّ الدِّينِ والخلق حتى يكون كفءَ الزوجة؟
 
وفي الإجابةِ على هذا السؤال ذكر الفقهاء الاعتباراتِ الآتية:
1- قال الله - تعالى -: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، ومقتضى قوامة الشخصِ على الآخر ألا يكون أدنى حالاً منه، بل ينبغي أن يكونَ على الأقلِّ مماثلاً لها، والزوجةُ تُعتبر تابعةً لزوجها، وفي الزواج نوعٌ من المذلَّةِ للزوجة كما أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((النِّكاحُ رقٌّ، فلينظر أحدكم أين يضعُ كريمتَه))، ومن المستهجنِ عادة أن يكونَ الرفيعُ تابعًا للوضيع.
 
2- جرى عرفُ النَّاسِ على أنَّ الزوجِ لا يعير إذا كانت زوجتُه دونه في المكانةِ الاجتماعية، بل هو يرفعُ شأنَها، ويعلي قدرَها، وكما قيل في الأمثالِ العامية: زوجةُ الأمير أميرةٌ ولو كانت حقيرة، وعلى العكس فإنَّ الزوجةَ وأولياءها يعيرون ممن دونها في المنزلةِ، ولا ترفع هي زوجها إلى منزلتها.
 
3- إذا تضرَّرَ الزوجُ من زوجتِه، فإن له أن يتخلَّصَ منها بالطلاقِ في أي وقتٍ، ولكن ليس للزوجةِ الحق في التخلصِ من زوجها بسهولة، الأمر الذي يجعلُ حياتَها مع زوجٍ غير كفء لها قطعة من العذاب.
 
إنَّ الأخذَ بمعيار الدين والخلق في اختيارِ الزوج له عظيمُ الثمار في شتى أوجه الحياة، نذكر منها الآتي:
(أ) من النَّاحيةِ الفقهية والقانونية نحصلُ على عقدِ زواج صحيح إذا توافرت فيه الأركانُ والشروط الأخرى؛ لأنَّ شرط الكفاءة - كما سبق القول - من شروطِ صحة الزواج.
 
(ب) ومن الناحيةِ الاجتماعية العامة يتقي المجتمعُ الفتنةَ والفساد الكبير الذي يحيقُ به من جرَّاءِ عدم إعمال هذا المعيار في اختيار الزوج، وذلك بصريحِ نصِّ الحديث الشريف: ((إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير))، وليس هناك على المجتمعاتِ أشد فتكًا من الفتنة والفساد.
 
(ج) ثم من الناحيةِ الزوجية العائلية، فإنَّ مَن اختار الزوجَ على أساس الدين والخلق ضمنَ للزوجةِ وَفْقًا للسير المعتاد لمجرياتِ الأمور في الحياة الدنيا - أنها تظفر بمعيشةٍ هادئة مستقرة، لا يعكِّرُ صفوَها الخوفُ من تقلبِ أغيار الزمان، وليعلم كلُّ إنسانٍ أنه طالما وَضَع معيار شرع الله أمامه عند اختيارِ الزوج، فممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الله - تعالى - سيرعى الحياةَ الزوجية ويحفظها من أي خللٍ قد تتعرض له، فإنَّ مَن جعل الله وليَّه، فالله يتولاه، ومن تولى غير الله وكله الله لهذا الغير، وكما ورد في الأثر: "ما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغيرِ الله انقطع وانفصل".
 
وليس بخافٍ أنَّ اختيارَ الزوج وَفْقًا لمعيارِ شرع الله لا يحرم صاحبه من الثوابِ الجزيل من الله؛ في الآخرةِ يوم يقوم النَّاسُ لربِّ العالمين؛ جزاءَ ما قدَّم من حسنِ الاختيار، وتجنيب الأمة ويلات الفتنة والفساد الكبير الذي يلحقها نتيجة سوء اختيار الأزواج.
 
والله وحده نسأل أن يبصِّرَنا بأمورِ ديننا الحنيف؛ ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب: 4].
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


عدل سابقا من قبل المتفائلة في السبت 9 أبريل - 23:08 عدل 2 مرات
 
تقييم المساهمة: 100% (1)
إقتباسرد
ابو الحارث الاثري

ابو الحارث الاثري

طاقم المتميزين
رقم العضوية :
22906
البلد/ المدينة :
الجزائر وهران
المُسَــاهَمَـاتْ :
26158
نقاط التميز :
24766
التَـــسْجِيلْ :
12/08/2011
معيار اختيار الزوج 618817773
 
المتفائلة

المتفائلة

طاقم المشرفين
رقم العضوية :
25848
البلد/ المدينة :
الجزائر.ولاية يشار
المُسَــاهَمَـاتْ :
1656
نقاط التميز :
2236
التَـــسْجِيلْ :
19/10/2011
أج ــمل وأرق باقات ورودى


لردك الجميل ومرورك العطر


تــ ح ــياتيـ لكــ


كل الود والتقدير


دمت برضى من الرح ــمن


لك خالص احترامي
 
ابو الحارث الاثري

ابو الحارث الاثري

طاقم المتميزين
رقم العضوية :
22906
البلد/ المدينة :
الجزائر وهران
المُسَــاهَمَـاتْ :
26158
نقاط التميز :
24766
التَـــسْجِيلْ :
12/08/2011
اسعدني مرورك المتفائل والجميل وستبقين قلم يكتب ويتفائل
بارك الله فيك
**************
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى