salim
طاقم المتميزين
- رقم العضوية :
- 531
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 2244
- نقاط التميز :
- 2838
- التَـــسْجِيلْ :
- 07/04/2010
شيخ يختبر تلميذه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته
أراد الشيخ أن يختبر تلميذه بعد أن قضى فترة بصحبته يعلمه
ويرشده ، ويعرض عليه طرق التربية وفنون التعامل مع الناس ، فقال :
يابني
؛ ما تقول في إنسان أخطأ حين أساء إلى غيره ، أيُعاقب وحده أم يُجمَل معه
في العقوبة غيرُه لقرابته منه ، أو لانتسابه إلى أهله وعشيرته ، أو لجنسه
ووطنه ؟.
قال التلميذ : بل يُعاقب المسيء وحده ، ومن الظلم معاقبة غيره
بسببه ، فالله تعالى يقول:
" ولا تزر وازرة وزر أخرى " .
قال الشيخ :
أحسنت
، فما تقول لرجل أراد أن يشكرك لجميلٍ صنعتـَه له ، فأخطأ دون أن يشعر ،
أتعود لمعاقبته أم تنبهه؟.
قال التلميذ :
قد أنبهه إن لزم الأمر ،
وأتركه متجاوزاً عنه ، إذ ْ جانبه الصواب حين أراد شكري ، وقد يكون خطؤه
قولاً ، وقد يكون عملاً ، فعليّ تصحيح عمله ، والتجاوز عن قوله.
قال
الشيخ :
أحسنت أيضاً – يا ولدي – فما تقول في إنسان أخطأ عن عمد في
الإساءة إليك ؟
قال التلميذ :
أعاقبه إن قدِرت ، وأكيل له الصاع
صاعين ، ولا أبالي ، فهو يستحق ذلك .
قال الشيخ :
أيدك الله ، يا بني
، فما تقول أخيراً في رجل كان ظاهره غيرَ باطنه . نفع الناس بقوله ، وضرّ
نفسَه ، إذ ْ كان فعلُه غيرَ قوله.
قال التلميذ :
على نفسها جنت
براقش ، فهو كنافح المسك على غيره ونافخ الكير على نفسه.
قال الشيخ :
حفظك
الله - يا بني – وزادك علماً وحُسْنَ عمل ، إني بك لفخور ، ولك داعٍ ، وبك
مؤملٌ الخير الكثير.
:قال التلميذ
أفلا تذكر لي – يا سيدي – أمثلة
على ما امتحنْتني فيه ؟. كي أستفيد أمثلة تضيء لي دربي ؟
قال الشيخ :
بلى
.. فلكل سؤال حادثة رواها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، فكانت
الضياءَ الذي سلكوا على هداه طريقهم . والمنهج الذي اتخذوه ، فأوصلهم إلى
الهدف الصحيح .
أما مثال السؤال الأول :
فقد قص علينا الحبيب المصطفى
صلى الله عليه وسلم أن نبياً من الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً نزل تحت
شجرة ، فما استقر جالساً حتى قرصته نملة ، فاستشاط غضباً ، وقام من فوره ،
فأمر أتباعه أن يرفعوا مجلسه ، ففعلوا ، فنظر إلى أسفل الشجرة ، فرأى
النمل يسير بانتظام ، يحمل قوته إلى بيته أسفل الشجرة ، ويعمل بدأَب ونشاط ،
صاعداً نازلاً ، مغرّباً ومشرّقاً ، ولعل نملة تأذ ّت حين جلس فوقها النبي
، فقرصته خوف أن يطحنها ، فلم يتمالك نفسه أن أمر أتباعه أن يُضرموا النار
في بيت النمل ، ففعلوا ، فأحرق النمل ، وقضى على آلاف منه .
فأوحى الله
تعالى إليه معاتباً ومعلماً : " فهلاّ نملةً واحدة " رأيتَها تحتك ،
فقتلتَها قصاصاً ؟! ما ذنب ما قتلته حرقاً ، إنه ظلم بيّن ، وتصرّف لا
ينبغي أن يكون.
صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق
باب إذا وقع الذباب في
إناء أحدكم
قال التلميذ :
هلاّ أوضحت أكثر يا سيدي وبيّنتَ من
العبَر والعظات ما يفيد ؟.
قال الشيخ :
هذا واجب العلماء نحو
تلاميذهم وعامّة المسلمين يا ولدي .
فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم في هذه القصة :
1- أن العقوبة لمن اعتدى وأثم ، أما البريء فلا
يُؤخذ بجريرة غيره .
2- وأن النمل – كغيره من المخلوقات – أمم أمثالُنا ،
تسبّح الله وتحمده . فيجب الحفاظ – ما أمكن – عليه .
3- أنه لا يعذِّب
بالنار إلا رب النار ، هذا في شريعتنا – معشر المسلمين – ويعاقَب المسيء
فقط.
قال التلميذ :
جزاك الله – يا شيخي – خيراً ونفعنا بعلمك ,....
قال
الشيخ : إن مدحتَني بما ليس فيّ قصمت ظهري ...
ثم قال الشيخ :
أما
مثال السؤال الثاني :
فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى
يفرح بعودة المسيء إلى رحاب عفوه ، وتوبته عن المعاصي كثيراً ، ومثـّل له
بفرح الرجل الذي أضاع راحلته في الصحراء ،وعليها ماؤه وزاده ، فلما أيس من
الحياة أعاد الله إليه راحلته ، فأخطأ الرجل حين أراد شكرالله تعالى.
قال
التلميذ :
وكيف ذاك يا سيدي ؟
قال الشيخ :
سافر رجل وحده في
صحراء مترامية الأطراف – والسفر الفذ ّ( الفرد) ليس حميداً ، وقد وصف
الرسول صلى الله عليه وسلم المسافر وحده ، فقال : هو شيطان – سافر حاملاً
على بعيره ما يحتاجه من ماء وزاد ، اخترقها يريد الوصول إلى مبتغاه في
الطرف الآخر منها ، جدّ السير فيها ، حتى إذا أدركتـْه القالة ( القيلولة )
ربط راحلته إلى ظل شجرة ونام ، وكان نومه طويلاً عميقاً ، لم يصحُ منه إلا
وقد انفلتت الراحلة ، وغابت عنه ، فقام مشدوها فزعاً ، يبحث عنها هنا
وهناك ، فلم يجدها .. انطلق إلى أعلى كثيب شرقاً ونظر إلى البعيد ، فلم
يجدها ، وانطلق إلى كثيب في الغرب يرجو أن يعثر عليها ، فخاب ظنه . هرول في
كل الاتجاهات عله يعثر عليها أو على أثرها ، فعاد بخفي حنين .
عاد إلى
الشجرة كليلاً مرهقاً ، خسر راحلته ، وخسر معها زاده وماءه ، ، وأيقن
بالهلاك ، فارتمى مكدوداً حزيناً ينتظر الموت ، ويندب حظه ... وأخذه النوم
مرة أخرى .
لما أفاق ، وجد راحلته ، فوق رأسه ، فلم يصدّق حتى أخذ
بلجامها ، وتحسسه مرات ومرات ، فلما تيقن أنه نجا من الموت عطشاً وجوعاً
وعادتْ إليه روحه ، وأخذه الفرح كل مأخذ قال من شدة فرحه يشكر ربه سبحانه :
" اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ؛ أخطأ من شدة الفرح " .
إن الله تعالى
أشد سروراً ، وأكثر فرحاً بتوبة عبده وعودته إليه - إلى التقوى والرشاد -
من هذا الرجل بعودة راحلته إليه...
رياض الصالحين ، باب التوبة
قال
التلميذ :
سبحان الله ، لا إله إلا الله ؛ ما أكرم خالقنا ، وما أعظم
عفوه ...
تبت إليك يارب ، فاقبلني في عبادك الصالحين
ثم التفت إلى
شيخه ، فرأى عينيه تدمعان وشفتيه تلهجان بذكر الله رب العالمين ... فانتظر
قليلاً حتى هدأ الشيخ ...
ثم نظر الشيخ إليه ، فقال :
أما السؤال
الثالث :
فمثاله ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :
إن امرأة
تحجّر قلبُها ، فكأنه قـُدّ من صخر ، وغادرتـْه الرحمة ، فأمسى كهفاً
مظلماً ، لا يعرف للخير سبيلاً ولا للمعاني النبيلة طعماً ، طرقتْ بابَه
الشفقةُ ، فصُدّتْ عنه ، ، وعشعشت فيه الكراهية ونمَتْ .. لعل هرة أكثرَتْ
الدخول عليها ، فطردَتـْها ! ثم طردَتها ، والحيوان أعجم لا تدفعه سوى
غريزته ، تستقطبه الرحمة فيُقدِم ، ويمنعه الأذى فيهرب . والهرة أَلوفٌ –
من الطوّافات – تدخل البيوت دون استئذان ، فإن رأتْ ترحيباً من أهل الدار
أقامت ، وإن رأت إعراضاً ولّتْ . أمّا أنْ تمسكها هذه المرأة القاسية ،
فتربطها وتمنع عنها الماء والطعام ، وتسمع مواءها ، فلا تكترث ، وأنينها
فلا تهتم ، حتى تذبل وتذوي ، فتموت صبراً ، فهذه غاية القسوة ، ونهاية في
الظلم .
كان أولى بها أنْ تتركها في أرض الله تأكل من هوامها وحشراتها ،
تتصيّدها هنا وهناك ، ، ولن تعدم في أرض الله الواسعة ما يقيم أَوَدَها ،
ويكفيها مؤونتها .
إن الإسلام العظيم نبّه - فضلاً عن حقوق الإنسان في
العيش الكريم والحرية – إلى الرفق بالحيوان ، فلا يحمـّله ما لايُطيق ، ولا
يشتدّ عليه بالضرب ، ومن لم يكن كذلك فليس له من الإنسانية نصيب .
وقد
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة في النار تخدشها هرة ، فقال : ما
شأن هذه ؟
قالوا : حبسَتها حتى ماتت جوعاً ، لا أطعمتـْها ، ولا
أرسلَتـْها تأكل من خَشاش الأرض حتى ماتت ..والبون واسع بين مَن نزل في
البئر ، فسقى الكلبَ ، فغفر الله تعالى له ، وبين هذه المرأة ، نعوذ بالله
من مصير كمصيرها .
1- صحيح البخاري
كتاب بدء الخلق ،
باب إذا وقع
الذباب في إناء أحدكم
2- صحيح مسلم
كتاب الكسوف
باب ما عرض على
الرسول في صلاة الكسوف
وقال الشيخ :
أما السؤال الرابع :
فمثاله
ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم مصوراً الذي يأكل الدنيا بعلمه ، ولا
يعرف لله وقاراً ، ولا للآخرة سبيلاً .
قال التلميذ :
فما عاقبة هذا
العالم – يا سيدي - ؟
قال الشيخ :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
يُجاء
بالرجل يوم القيامة ، فيُلقى في نار جهنم ، ويَلقى من العذاب ما يَلقى ،
فتندلق أمعاء بطنه في النار ، ويحترق أديمُه وأحشاؤه ، إنه ملأها في الدنيا
ما لذّ وطاب من الحرام ، حين أظهر للناس التقوى ، فغشّهم ، وأبطن الهوى ،
وتمادى في الضلالة ، ففضحه الله على هذه الصورة ، يراه الناس يدور بأقتابه (
أمعائه) في النار ، كما يدور الحمار برحاه ، فيدنون منه ، ويتعجبون .
من
يراه على هذه الصورة – وكانوا يعرفون فيه الصلاح والتقوى في الدنيا ، فقد
كان سَمْتُه سمتَ العلماء ، ومظهره مظهر الأتقياء ، وكان منظره في الدنيا
يدل على الاتزان والوقار ، فما باله الآن هكذا؟!! - يجتمعون عليه ويسألونه
متعجبين : لئن صرنا في النار الآن لقد كنا في الدنيا نعمل بعمل أهلها
فاسقين فاسدين ، فما بالك اليوم بيننا في النار ؟! كنت تأمرنا بالمعروف ،
وتنهانا عن المنكر ! تحضنا على الصدق والأمانة ، ونبذ الفساد والخيانة ،
وكنت تأمرنا بصون اللسان ، وغض البصر ، وحفظ الفرج ، وحُسن الطويّة !! كنت
تنهانا عن الغيبة والنميمة والفواحش ، وتنهانا عن أكل حقوق الناس وتنفـّرنا
من ذلك !! فما شأنك ؟ وما الذي قذفك بيننا؟!
وهناك – والعياذ بالله من
هذا المصير الأسود والفضيحة الكبيرة – حيث لا يستطيع الإنسان أن يُخفي
حقيقته ، أو يُدلّس على الناس ، هناك في النار حيث المستور مكشوف ، والباطن
معروف ، ولا مجال للإنكار ، والتزيي بزي الأبرار ، يقول واصفاً حقيقة حاله
في الدنيا بكلمات مختصرة اللفظ ، واضحة المعنى " كنت آمركم بالمعروف ولا
آتيه ، وأنهاكم عن المنكر ، وآتيه " ...
إن النار مصير مَن يُدعى إلى
مكارم الأخلاق ، فيرفضها ، ويغرق في المفاسد .. وهي – النار - أَولى بمن
يدّعي الصلاح ظاهراً ، ويأكل الدنيا بالدين باطناً .. لقد أساء إلى نفسه ،
وخسر ذاته .
وإن حسرته على ما فرّط أشد من حسرة أولئك ، ولا سيّما حين
يعلم أنّ مَنْ أخذ بنصيحته نجا ، وفاز بالجنة ونعيمها ، وفاز برضا الله
ورحمته ... وهو .. هو في نارٍ تلظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى ..
ويرفع
الشيخ وتلميذه أيديَهما ، يدعُوانِ:
اللهم اجعل سرّنا كعلانيتنا ،
وارزقنا التقوى ، والصدق في القول والعمل ، ونجّنا برحمتك من النار ... يا
عزيز ياغفار .
صحيح البخاري
باب بدء الخلق ،
باب صفة النار وأنها
مخلوقة
..............منقول للفائدة