imi16
عضو جديد
- البلد/ المدينة :
- ورقلة
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 21
- نقاط التميز :
- 31
- التَـــسْجِيلْ :
- 03/04/2011
الحمدُ للهِ ربِّ
العالمينَ،والصَّلاة والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ،وعلى آلهِ وأصحابهِ،
ومنِ اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ:
فهذهِ الآيةُ نزلتْ في أبي
جهلٍ لما رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّى عندَ الكعبةِ؛ فقالَ لصناديد
قريش" هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ
نَعَمْ. فَقَالَ-وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى-: لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ
لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِى التُّرَابِ-قَالَ
-فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّى زَعَمَ لِيَطَأَ
عَلَى رَقَبَتِهِ - قَالَ - فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى
عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِى بِيَدَيْهِ - قَالَ - فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ
بَيْنِى وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- ((لَوْ دَنَا مِنِّى لاَخْتَطَفَتْهُ
الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا)). قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ
نَدْرِى فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ أَوْ شَىْءٌ بَلَغَهُ {كَلاَّ إِنَّ
الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} إلى آخر السورة.
وقد رواه أحمد بن حنبل، ومسلم،
والنسائي، وابن أبي حاتم، من حديث معتمر بن سليمان بهِ" ["تفسير ابن
كثير":(8/437)].
مِنْ خلالِ هذه القِّصةِ أطلقُ القُّرآنُ هذا التَّعبير
المعجِزَ: "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى"، بِلغةٍ استنكاريةٍ تعجبيَّةٍ من فعلِ
أبي جهلٍ!!، ولكنْ هي في الحقيقةِ سُنَّةٌ في أعداءِ الدِّينِ كُلِّهم لا يَرْضَونَ
من المسلمينَ حتى مُجرَّدَ العباداتِ المحضةِ التي تُخالف ما عليه دينهم من الكفرِ،
وإنْ كانتِ القوانينُ قد تسمحُ للمسلمينَ بممارسةِ العباداتِ، فإنَّ هذا الأمرَ لا
يَعْنِي بالضَّرورةِ رضا الكُفَّارِ عنْ عباداتِ المسلمين وإظهارِها، وَمِمَّا
َيدُلُّ على هذا الأمرِ أدلةٌ منَ القرآنِ، ومنَ الواقعِ المشاهدِ:
أمَّا
القرآنُ،فيقول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى
حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ
مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة:120].
يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه
الله-في تفسير هذه الآية-: "ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا، بل
لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلامِ،
واتباعهم" ["أحكام القرآن":(2/93)].
ويقولُ سُبحانَه عنْ ما يجولُ في نفوسِ
الكُفَّارِ تجاهَ المسلمينَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ
أَنفُسِهِم...} [البقرة:109].
وَأمَّا الواقعُ المشاهدُ: فجميعُ العالمِ -
اليومَ- يُشاهدُ صباحَ مساءَ التَّحَيُّزَ الغربيَّ (الكافرَ)، وأقولُ (الكافرَ)؛
حتَّى يُعْلمَ أنَّ هذهِ الأحداثَ ليسَ دافعُها اقتصادِيَّاً أو سياسِيَّاً،
فتتابعُ الدُّولِ الغربيةِ بَدأَ منْ فرنسا على سبيلِ المثالِ بمنعِ المسلماتِ منَ
ارتداءِ الحجابِ في المدارس، وتتابعَ بعضُ الدُّولِ الغربيةِ مثلَ: ألمانيا
وهولندا، فأينَ الحُرِّياتُ التي يزعمونَ؟! وأينَ القوانينُ التي يزعمُ بعضُ
المسلمينَ أنَّ الغربَ بِموجبها، قد كفل لهم بَها حقوقَهم؟!، وفي المقابلِ نَجِدُ
أنَّ جميعَ أصحابِ الدِّياناتِ الباطلةِ في الغربِ لا يتعرضونَ لأدنى مُضايقةٍ ، لا
في لباسِهم ولا في شعائِرهم، فما الدَّافعُ إذاً لمنعِ الحجابِ؟! الجوابُ
معروف.
وخُذْ مثالاً آخرَ على تحيزِ الكفارِ ضد المسلمينَ، ألا وهو: ما
يحدثُ لهم منَ اعتقالاتٍ عشوائيةٍ في أمريكا؛ وغوانتاموا؛ بدعوى الإرهابِ، معْ أنَّ
كثيراً منهم شَهِدَ لهم حتَّى اليهودُ بأنَّهم مسالمونَ، وأنَّه لمْ تثبتْ عليهم
أيُّ أنشطةٍ إرهابيةٍ، وما حادثةُ الأخِ الفاضلِ (حميدان التركي) عنَّا ببعيدٍ،
وكذلك الإهاناتُ المتكرِّرةُ الحاقدةُ على القرآنِ وعلى نَبِيِّ الإسلامِ، ما
الدَّافعُ لها؟ ألم تتسربْ عبرَ وسائلِ الإعلامِ، ما صرَّحَ بهِ المحقِّقونَ في
(غوانتاموا) منَ الحقدِ على الإسلامِ وعلى أهلهِ، وعلى القرآنِ والحجابِ
والصَّلاةِ، وإيذاءِ السُّجناءِ بألوانِ الإيذاءِ منْ حيثُ تشغيلُ آلاتِ الموسيقى
على مسامعهم، وتعريضُهم لفتنةِ النِّساءِ... في سلسلةٍ لا تنتهي من الأذى -ولا حولَ
ولا قوَّة إلا باللهِ-.
فهذهِ الأدلةُ لتذكيرِ بعضِ الأخيار الَّذينَ
يتصدَّوْنَ للفتيا أو دعوة الناس، مِمَّنْ قد يظنونَ أنَّهم حينما يُقدِّمون شيئاً
من التنازلاتِ في أمورِ الشَّرعِ، أو يتوسَّعونَ، ويتكلَّفونَ في بابِ التَّيسيرِ
في الفتوى؛ أَنَّهُ سوفَ يُفسحُ لهم المجالُ، أو يرضى عنَّهم الغربُ، أو أنْ
يُوصموا بالاعتدالِ ويُبْعِدوا عنْ أنفسِهم شبهةَ التَّشَدُّدِ، كما يُرَوِّجُ
الغربُ لذلكَ في حقِّ كُلِّ متمسكٍ بالشَّرعِ، ولايقبلُ المساومةَ
عليهِ.
والأهمُ منْ ذلكَ كُلِّه، فإنَّ هؤلاءَ اتبعوا طريقةً مُحدثةً
مخالفةً للنُّصوصِ الشَّرعيةِ؛ فإنَّ التَّيسيرَ لا يكون بِمصادمةِ النُّصوصِ،
والأخذِ بكلامِ العلماءِ دونَ النَّظرِ في النُّصوصِ الشَّرعيةِ؛ فإنَّ هذا منهجٌ
منحرفٌ مخالفٌ لما كان عليه السَّلفُ، وللمنهجِ العلميِّ الَّذي يُقِرُّ بهِ هؤلاءِ
الأخيارُ.
وَلعلي أسوقُ المثالَ الآتي؛ ليتضحَ المقالُ:
- هذا شيخٌ
ذاعٌ صيتُه، ولهُ شعبيةٌ واسعةٌ، وبالأخصِّ عندَ الجالياتِ المسلمةِ المقيمةِ في
الغربِ، وهذا الشيخُ وُجِّهتْ لهُ انتقاداتٌ واسعةٌ حولَ تساهلِه في الفتاوى
ومصادمتها لكثيرٍ منَ النُّصوصِ الشَّرعيةِ، وكانَ غَالبُ تبريرِ الشيخِ الفاضلِ
لهذه الفتاوى هو أنَّ ديننا دينُ تسامحٍ، وفيهِ فُسْحَةٌ، وهذا الشَّيخُ لهُ موقفٌ
مشرِّفٌ، وفتوى صريحةٌ حولَ وجوبِ قتالِ المعتدينَ من اليهودِ على فلسطينَ، وأنَّ
جهادَهم واجبٌ؛ لأنَّ الأدلةَ الشَّرعيةَ واضحةٌ في وجوبِ مُدافعةِ الكُفَّارِ
المحتلينَ لبلادِ المسلمينَ، ولإجماعِ العلماءِ في القديمِ والحديثِ على ذلكَ، بلْ
أجمعتِ الدَّساتيرُ الأرضيةُ، والقوانينُ الوضعيةُ على أنَّهُ حَقٌّ مشروعٌ لكُلِّ
شعبٍ يُعتدى عليه أنْ يُدافعَ عنْ بلدِه.
ماذا كانَ الموقفُ الغربيُّ منْ
هذا الشيخِ الَّذِي كانوا يصمونه بالاعتدالِ والوسطيةِ، ويُفسحُ له المجالُ في
بلادِهم؟، لقد مُنِعَ منْ دخولِ بلادِهم، وأصرُّوا على أنْ لا يَدْخُلَ إليه،
وشَهَّروا بهِ في الإعلامِ، وَهنا حَضَرتِ السُّنَّةُ الرَّبانيةُ، والقاعدةُ
الإلهيةُ الَّتي غابتْ عنِ الشيخِ الفاضلِ، ومثلُهُ كثيرٌ: (أرأيتَ الذين يَنْهَى
عبداً إذا صَلَّى!!).
- وهناكَ مثالٌ آخرٌ لشيخٍ فاضلٍ له حضورٌ إعلاميٌّ
ودعويٌّ، وكانَ له موقفٌ غريبٌ هُوَ، ومجموعةٌ من المشايخِ الفضلاءِ الَّذين
يُحسنونَ الظنَّ بالغربِ الكافرِ، وتغيبُ عنهم هذه السُّنَّةُ الرَّبانيةُ... أقولُ
كانَ لهم موقفٌ لا يليقُ من مقاطعةِ الشَّركات الدنماركيةِ؛ لأجلِ الرُّسوماتِ التي
أساءتْ إلى نَبِيِّ الإسلامِ (مُحَمدٍّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، وتعجَّبَ
النَّاسُ منْ موقفِهم!!، حيثُ أرسلوا رسالةً بيَّنُوا فيها تسامُحَهم الغريبَ،
واعتدالَهم المريبَ، ونتيجةً لذلكَ مَدَحَهم الغربُ!!، ولكنْ هَيْهَاتَ هَيْهاتَ؛
فالعرسُ والفرحةُ لم تَدُمْ لهؤلاءِ؛ فإذا بالشَّيخِ الفاضلِ تُوَجَّهُ له دعوةٌ
لحضورِ مؤتمرٍ سلمِيٍّ، وليسَ لإدارةِ الحربِ على الغربِ، وفي دولةٍ مجاورةٍ
للدنمارك، وكانتِ المفاجأةُ له ولغيرهِ، أنَّهُ مُنِعَ من دخولِ الدَّولةِ التي
تُحِبُّ المتسامحينَ والمعتدلينَ على حدِّ زعمهم، ولكنْ مَرَّة أُخرى غابَ عنهم
قولُ أحكمِ الحاكمينِ: "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى!!".
وهُنا لابُدَّ
منْ نصيحةٍ لكل مسلمٍ يؤمنُ باللهِ وبكتابِه وبنبيهِ (مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه
وسلم)، بأنَّه عبدٌ لله أولاً و آخراً، وأنَّه لا عِزَّ لَه، ولا للأُمَّةِ إلَّا
بالتَّمسُّكِ بهدي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وبما جَاءَ في كتابِ
رَبِّنا، ولو عارضَ ذلكم المصالحَ المتوهمةَ، ويجبُ أنْ يُقَدِّمَ رضا اللهِ،
وتعظيمَ نصوصِ الوحيينِ أولاً، ثُمَّ يَنْظُرَ في هذه المصالحِ، فإنْ لم تتعارضْ،
أوْ تتصادمْ، مع الشَّرعِ، ومعَ النُّصوصِ الواضحةِ الصَّريحةِ، فلا مانِعَ منَ
النَّظرِ فيها، فإنَّ دينَنَا قائِمٌ على جلبِ المصالحِ، ودفعِ
المفاسدِ.
فلا تَظُنَّنَ أَيُّها المسلمُ بأنَّ إخفاءَ معالمِ دينك
الظَّاهرةِ، وسُنَّةِ نَبِيِّكَ، سوفَ تُغَيِّرُ نظرةَ الغربِ لكَ، أو أَنَّ
إخفاءَكَ لشَعائرِ الدِّينِ، وأصولِه الكُلِّيَّةِ، كالولاءِ، والبراءِ، والجهادِ،
سيجعلُ الغربَ يقبلُ خطابَنَا؛ فهم يَدْرسونَ ديننا، وسوفَ يَعُدُّون هذا نوعاً منَ
التَّذَاكي غيرِ المقبولِ أخلاقياً عندهم.
وقلْ لي باللهِ عليكَ، ماذا
سيكونُ موقفُك إذا واجَهَكَ غيرُ المسلمِ بهذه المسلَّماتِ؟! فماذا عساك أنْ
تقولَ؟!
إذاً؛ فلابُدَّ أنْ نكونَ على اعتزازٍ بشعائرِ ديننا، وأنْ لا نستحي
من إظهارِها، وتقريرِها؛ فإنَّ الواقعَ يُبرهنُ على أنَّ غيرَ المسلميَن يقتنعونَ،
وينجذبونَ، ويعجبونَ بالشَّخصِ الثَّابتِ على مبادئِه، الصَّريحِ في طرحِه، معَ
اللَّباقةِ والحكمةِ والإحسانِ إلى الخلقِ، وهُو في ذلكَ كُلِّه على يقينٍ بما
قَرَّرهُ القرآنُ، ولا تغيبُ عَنْه طرفةَ عينٍْ: "أرأيتَ الَّذِي ينهى عبداً إذا
صَلَّى!!".
الكاتب : الشيخ ناصر الحنيني
العالمينَ،والصَّلاة والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ،وعلى آلهِ وأصحابهِ،
ومنِ اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ:
فهذهِ الآيةُ نزلتْ في أبي
جهلٍ لما رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّى عندَ الكعبةِ؛ فقالَ لصناديد
قريش" هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ
نَعَمْ. فَقَالَ-وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى-: لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ
لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِى التُّرَابِ-قَالَ
-فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّى زَعَمَ لِيَطَأَ
عَلَى رَقَبَتِهِ - قَالَ - فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى
عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِى بِيَدَيْهِ - قَالَ - فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ
بَيْنِى وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- ((لَوْ دَنَا مِنِّى لاَخْتَطَفَتْهُ
الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا)). قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ
نَدْرِى فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ أَوْ شَىْءٌ بَلَغَهُ {كَلاَّ إِنَّ
الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} إلى آخر السورة.
وقد رواه أحمد بن حنبل، ومسلم،
والنسائي، وابن أبي حاتم، من حديث معتمر بن سليمان بهِ" ["تفسير ابن
كثير":(8/437)].
مِنْ خلالِ هذه القِّصةِ أطلقُ القُّرآنُ هذا التَّعبير
المعجِزَ: "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى"، بِلغةٍ استنكاريةٍ تعجبيَّةٍ من فعلِ
أبي جهلٍ!!، ولكنْ هي في الحقيقةِ سُنَّةٌ في أعداءِ الدِّينِ كُلِّهم لا يَرْضَونَ
من المسلمينَ حتى مُجرَّدَ العباداتِ المحضةِ التي تُخالف ما عليه دينهم من الكفرِ،
وإنْ كانتِ القوانينُ قد تسمحُ للمسلمينَ بممارسةِ العباداتِ، فإنَّ هذا الأمرَ لا
يَعْنِي بالضَّرورةِ رضا الكُفَّارِ عنْ عباداتِ المسلمين وإظهارِها، وَمِمَّا
َيدُلُّ على هذا الأمرِ أدلةٌ منَ القرآنِ، ومنَ الواقعِ المشاهدِ:
أمَّا
القرآنُ،فيقول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى
حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ
مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة:120].
يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه
الله-في تفسير هذه الآية-: "ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا، بل
لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلامِ،
واتباعهم" ["أحكام القرآن":(2/93)].
ويقولُ سُبحانَه عنْ ما يجولُ في نفوسِ
الكُفَّارِ تجاهَ المسلمينَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ
أَنفُسِهِم...} [البقرة:109].
وَأمَّا الواقعُ المشاهدُ: فجميعُ العالمِ -
اليومَ- يُشاهدُ صباحَ مساءَ التَّحَيُّزَ الغربيَّ (الكافرَ)، وأقولُ (الكافرَ)؛
حتَّى يُعْلمَ أنَّ هذهِ الأحداثَ ليسَ دافعُها اقتصادِيَّاً أو سياسِيَّاً،
فتتابعُ الدُّولِ الغربيةِ بَدأَ منْ فرنسا على سبيلِ المثالِ بمنعِ المسلماتِ منَ
ارتداءِ الحجابِ في المدارس، وتتابعَ بعضُ الدُّولِ الغربيةِ مثلَ: ألمانيا
وهولندا، فأينَ الحُرِّياتُ التي يزعمونَ؟! وأينَ القوانينُ التي يزعمُ بعضُ
المسلمينَ أنَّ الغربَ بِموجبها، قد كفل لهم بَها حقوقَهم؟!، وفي المقابلِ نَجِدُ
أنَّ جميعَ أصحابِ الدِّياناتِ الباطلةِ في الغربِ لا يتعرضونَ لأدنى مُضايقةٍ ، لا
في لباسِهم ولا في شعائِرهم، فما الدَّافعُ إذاً لمنعِ الحجابِ؟! الجوابُ
معروف.
وخُذْ مثالاً آخرَ على تحيزِ الكفارِ ضد المسلمينَ، ألا وهو: ما
يحدثُ لهم منَ اعتقالاتٍ عشوائيةٍ في أمريكا؛ وغوانتاموا؛ بدعوى الإرهابِ، معْ أنَّ
كثيراً منهم شَهِدَ لهم حتَّى اليهودُ بأنَّهم مسالمونَ، وأنَّه لمْ تثبتْ عليهم
أيُّ أنشطةٍ إرهابيةٍ، وما حادثةُ الأخِ الفاضلِ (حميدان التركي) عنَّا ببعيدٍ،
وكذلك الإهاناتُ المتكرِّرةُ الحاقدةُ على القرآنِ وعلى نَبِيِّ الإسلامِ، ما
الدَّافعُ لها؟ ألم تتسربْ عبرَ وسائلِ الإعلامِ، ما صرَّحَ بهِ المحقِّقونَ في
(غوانتاموا) منَ الحقدِ على الإسلامِ وعلى أهلهِ، وعلى القرآنِ والحجابِ
والصَّلاةِ، وإيذاءِ السُّجناءِ بألوانِ الإيذاءِ منْ حيثُ تشغيلُ آلاتِ الموسيقى
على مسامعهم، وتعريضُهم لفتنةِ النِّساءِ... في سلسلةٍ لا تنتهي من الأذى -ولا حولَ
ولا قوَّة إلا باللهِ-.
فهذهِ الأدلةُ لتذكيرِ بعضِ الأخيار الَّذينَ
يتصدَّوْنَ للفتيا أو دعوة الناس، مِمَّنْ قد يظنونَ أنَّهم حينما يُقدِّمون شيئاً
من التنازلاتِ في أمورِ الشَّرعِ، أو يتوسَّعونَ، ويتكلَّفونَ في بابِ التَّيسيرِ
في الفتوى؛ أَنَّهُ سوفَ يُفسحُ لهم المجالُ، أو يرضى عنَّهم الغربُ، أو أنْ
يُوصموا بالاعتدالِ ويُبْعِدوا عنْ أنفسِهم شبهةَ التَّشَدُّدِ، كما يُرَوِّجُ
الغربُ لذلكَ في حقِّ كُلِّ متمسكٍ بالشَّرعِ، ولايقبلُ المساومةَ
عليهِ.
والأهمُ منْ ذلكَ كُلِّه، فإنَّ هؤلاءَ اتبعوا طريقةً مُحدثةً
مخالفةً للنُّصوصِ الشَّرعيةِ؛ فإنَّ التَّيسيرَ لا يكون بِمصادمةِ النُّصوصِ،
والأخذِ بكلامِ العلماءِ دونَ النَّظرِ في النُّصوصِ الشَّرعيةِ؛ فإنَّ هذا منهجٌ
منحرفٌ مخالفٌ لما كان عليه السَّلفُ، وللمنهجِ العلميِّ الَّذي يُقِرُّ بهِ هؤلاءِ
الأخيارُ.
وَلعلي أسوقُ المثالَ الآتي؛ ليتضحَ المقالُ:
- هذا شيخٌ
ذاعٌ صيتُه، ولهُ شعبيةٌ واسعةٌ، وبالأخصِّ عندَ الجالياتِ المسلمةِ المقيمةِ في
الغربِ، وهذا الشيخُ وُجِّهتْ لهُ انتقاداتٌ واسعةٌ حولَ تساهلِه في الفتاوى
ومصادمتها لكثيرٍ منَ النُّصوصِ الشَّرعيةِ، وكانَ غَالبُ تبريرِ الشيخِ الفاضلِ
لهذه الفتاوى هو أنَّ ديننا دينُ تسامحٍ، وفيهِ فُسْحَةٌ، وهذا الشَّيخُ لهُ موقفٌ
مشرِّفٌ، وفتوى صريحةٌ حولَ وجوبِ قتالِ المعتدينَ من اليهودِ على فلسطينَ، وأنَّ
جهادَهم واجبٌ؛ لأنَّ الأدلةَ الشَّرعيةَ واضحةٌ في وجوبِ مُدافعةِ الكُفَّارِ
المحتلينَ لبلادِ المسلمينَ، ولإجماعِ العلماءِ في القديمِ والحديثِ على ذلكَ، بلْ
أجمعتِ الدَّساتيرُ الأرضيةُ، والقوانينُ الوضعيةُ على أنَّهُ حَقٌّ مشروعٌ لكُلِّ
شعبٍ يُعتدى عليه أنْ يُدافعَ عنْ بلدِه.
ماذا كانَ الموقفُ الغربيُّ منْ
هذا الشيخِ الَّذِي كانوا يصمونه بالاعتدالِ والوسطيةِ، ويُفسحُ له المجالُ في
بلادِهم؟، لقد مُنِعَ منْ دخولِ بلادِهم، وأصرُّوا على أنْ لا يَدْخُلَ إليه،
وشَهَّروا بهِ في الإعلامِ، وَهنا حَضَرتِ السُّنَّةُ الرَّبانيةُ، والقاعدةُ
الإلهيةُ الَّتي غابتْ عنِ الشيخِ الفاضلِ، ومثلُهُ كثيرٌ: (أرأيتَ الذين يَنْهَى
عبداً إذا صَلَّى!!).
- وهناكَ مثالٌ آخرٌ لشيخٍ فاضلٍ له حضورٌ إعلاميٌّ
ودعويٌّ، وكانَ له موقفٌ غريبٌ هُوَ، ومجموعةٌ من المشايخِ الفضلاءِ الَّذين
يُحسنونَ الظنَّ بالغربِ الكافرِ، وتغيبُ عنهم هذه السُّنَّةُ الرَّبانيةُ... أقولُ
كانَ لهم موقفٌ لا يليقُ من مقاطعةِ الشَّركات الدنماركيةِ؛ لأجلِ الرُّسوماتِ التي
أساءتْ إلى نَبِيِّ الإسلامِ (مُحَمدٍّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، وتعجَّبَ
النَّاسُ منْ موقفِهم!!، حيثُ أرسلوا رسالةً بيَّنُوا فيها تسامُحَهم الغريبَ،
واعتدالَهم المريبَ، ونتيجةً لذلكَ مَدَحَهم الغربُ!!، ولكنْ هَيْهَاتَ هَيْهاتَ؛
فالعرسُ والفرحةُ لم تَدُمْ لهؤلاءِ؛ فإذا بالشَّيخِ الفاضلِ تُوَجَّهُ له دعوةٌ
لحضورِ مؤتمرٍ سلمِيٍّ، وليسَ لإدارةِ الحربِ على الغربِ، وفي دولةٍ مجاورةٍ
للدنمارك، وكانتِ المفاجأةُ له ولغيرهِ، أنَّهُ مُنِعَ من دخولِ الدَّولةِ التي
تُحِبُّ المتسامحينَ والمعتدلينَ على حدِّ زعمهم، ولكنْ مَرَّة أُخرى غابَ عنهم
قولُ أحكمِ الحاكمينِ: "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى!!".
وهُنا لابُدَّ
منْ نصيحةٍ لكل مسلمٍ يؤمنُ باللهِ وبكتابِه وبنبيهِ (مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه
وسلم)، بأنَّه عبدٌ لله أولاً و آخراً، وأنَّه لا عِزَّ لَه، ولا للأُمَّةِ إلَّا
بالتَّمسُّكِ بهدي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وبما جَاءَ في كتابِ
رَبِّنا، ولو عارضَ ذلكم المصالحَ المتوهمةَ، ويجبُ أنْ يُقَدِّمَ رضا اللهِ،
وتعظيمَ نصوصِ الوحيينِ أولاً، ثُمَّ يَنْظُرَ في هذه المصالحِ، فإنْ لم تتعارضْ،
أوْ تتصادمْ، مع الشَّرعِ، ومعَ النُّصوصِ الواضحةِ الصَّريحةِ، فلا مانِعَ منَ
النَّظرِ فيها، فإنَّ دينَنَا قائِمٌ على جلبِ المصالحِ، ودفعِ
المفاسدِ.
فلا تَظُنَّنَ أَيُّها المسلمُ بأنَّ إخفاءَ معالمِ دينك
الظَّاهرةِ، وسُنَّةِ نَبِيِّكَ، سوفَ تُغَيِّرُ نظرةَ الغربِ لكَ، أو أَنَّ
إخفاءَكَ لشَعائرِ الدِّينِ، وأصولِه الكُلِّيَّةِ، كالولاءِ، والبراءِ، والجهادِ،
سيجعلُ الغربَ يقبلُ خطابَنَا؛ فهم يَدْرسونَ ديننا، وسوفَ يَعُدُّون هذا نوعاً منَ
التَّذَاكي غيرِ المقبولِ أخلاقياً عندهم.
وقلْ لي باللهِ عليكَ، ماذا
سيكونُ موقفُك إذا واجَهَكَ غيرُ المسلمِ بهذه المسلَّماتِ؟! فماذا عساك أنْ
تقولَ؟!
إذاً؛ فلابُدَّ أنْ نكونَ على اعتزازٍ بشعائرِ ديننا، وأنْ لا نستحي
من إظهارِها، وتقريرِها؛ فإنَّ الواقعَ يُبرهنُ على أنَّ غيرَ المسلميَن يقتنعونَ،
وينجذبونَ، ويعجبونَ بالشَّخصِ الثَّابتِ على مبادئِه، الصَّريحِ في طرحِه، معَ
اللَّباقةِ والحكمةِ والإحسانِ إلى الخلقِ، وهُو في ذلكَ كُلِّه على يقينٍ بما
قَرَّرهُ القرآنُ، ولا تغيبُ عَنْه طرفةَ عينٍْ: "أرأيتَ الَّذِي ينهى عبداً إذا
صَلَّى!!".
الكاتب : الشيخ ناصر الحنيني