منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


melissa

melissa

طاقم المشرفين
رقم العضوية :
12924
البلد/ المدينة :
jijel
العَمَــــــــــلْ :
طالبة جامعية
المُسَــاهَمَـاتْ :
6768
نقاط التميز :
6286
التَـــسْجِيلْ :
27/02/2011
الدليل على شمول المسؤولية
للرجل والمرأة والراعي والرعية



عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته»؛ متفق عليه.
فليُعدَّ كلُّ واحد من هؤلاءِ جوابًا صحيحًا لهذه الأسئلةِ، عن طريق محاسبة نفسه لأداء هذه الأمانةِ الملقاة على عاتقه.





مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الإسلام يوجب على المسلم أن يحبَّ لإخوانه المسلمين من الخير ما يحبُّه لنفسه، وأن يَكره لهم من الشر ما يكره لنفسه؛ وبناءً على ما أوجبه الله من التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف - الذي أمر الله به ورسوله - والنهي عن المنكر - الذي نهى الله عنه ورسوله - بناءً على ذلك؛ جمعتُ هذه التوجيهات للمرأة المسلمة حول الحجاب والسفور، والتبرج والاختلاط، وغير ذلك مما تحتاج إليه المرأةُ المسلمة، وهي مستمدَّة من كتاب الله - تعالى - وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومما كتبه العلماء المحققون، وأسأل الله - تعالى - أن ينفع بها من قرأها أو سمعها، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عبدالله بن جار الله الجار الله

التبرج

تعريفه: هو أن تُظْهِر المرأةُ للرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، ما يوجب عليها الشرعُ أن تستره من زينتها ومحاسنها؛ فالتبرج إظهارُ المرأة زينتَها ومحاسنها للرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها؛ فهو التكشف وإظهار الزينة من المرأة والمفاتن، كحليِّها، وذراعيها، وساقيها، وصدرها، وعنقها، ووجهِها.
قال الشيخ أبو الأعلى المودودي:
وكلمة التبرج إذا استعملتْ للمرأة كان لها ثلاثة معانٍ:
1- أن تبدي للأجانب جمالَ وجهها، ومفاتنَ جسدها.
2- أن تبدي لهم محاسن ملابسها وحليها.
3- أن تبدي لهم نفسها بمِشْيتها، وتمايلها، وتبخترها[1].
حكم التبرج:
التبرج محرَّم في كتاب الله وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - وإجماعِ المسلمين؛ فالمرأةُ كلها عورة، لا يصح أن يرى الذين ليسوا من محارمها شيئًا من جسدها، ولا شعرها، ولا حليها، ولا لباسها الباطن.
وما تفعله أكثرُ نساء هذا الزمان من التهتك والتبرج، وإظهارِ الزينة والذهب، ما هو إلا مجاهرةٌ بالعصيان، وتشبهٌ بالنساء الكافرات، وإثارةٌ للفتنة.
وذلك أن خروج المرأة وقد كشفتْ رأسَها، أو عنقها، أو نحرها، أو ذراعيها، أو ساقيها - من أعظم المنكرات المخالفة للشرع المطهَّر.
وكذلك خروجها بالثياب المُظْهِرة للمفاتن، أو الشفافة التي لا تستر ما تحتها، فهذا ونحوه كلُّه من التبرج الذي حرَّمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم[2].
ومن أعظم الذنوب، وأضرِّ الفتن: ما تفعله أكثرُ نساء هذا الزمان، من خروجهن من بيوتهن فاتناتٍ مفتونات، على حال من التبرج بالزينة والطيب، وإظهارِ المفاتن، ومخالطةِ الرجال - تُسخط اللهَ، وتوجب غضبَه، وحلولَ نقمته.
الأدلة على تحريم التبرج:
جاءتِ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - وهما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي - جاءت بالنهي عن التبرج وتحريمه، والوعيد الشديد عليه؛ لما يترتَّبُ عليه من المفاسد؛ فمنها:
1- قول الله - تعالى -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]؛ أي: الْزمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة؛ لأنه أسلمُ وأحفظ لكُنَّ.
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن المرأة عورة، فإذا خرجَتِ، استشرفها الشيطان»؛ رواه البزار والترمذي[3].
ويلاحظ في هذه الآية: أن الخِطاب موجَّهٌ لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، والحقيقة أن الخطاب موجَّه إلى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ولنساء المسلمين عامة؛ ذلك أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - هنَّ أمهاتُ المؤمنين، وهن القدوة الحسنة لغيرهن، والنموذج الطيب لنساء المؤمنين جميعًا في كل زمان ومكان.
ويدلُّ على ذلك عمومُ الأحكام المذكورة قبل هذه الآية وبعدها، من عدم الخضوع بالقول للرجال، والأمرِ لهنَّ بالقول المعروف الذي لا مطمع فيه للرجال، والنهيِ عن تبرج الجاهلية الأولى، وهو إظهار الزينة والمحاسن، والأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله؛ فإن هذه الأوامر أحكامٌ عامة لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن.
قال القرطبي: معنى هذه الآية: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}: الأمر بلزوم البيوت، وإن كان الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد دخل غيرُهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يعمُّ جميعَ النساء، كيف والشريعةُ طافحة بلزوم النساء بيوتَهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة؟![4]
ذُكِرَ أن سَوْدَةَ بنتَ زَمْعَةَ زوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل لها: لِمَ لا تحجِّين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججتُ واعتمرتُ، وأمرني الله أن أقرَّ في بيتي، "قال الراوي: فوالله ما خرجتْ من باب حجرتها حتى أُخْرِجَت جنازتها - رضوان الله عليها"[5].
وقوله - تعالى -: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}؛ أي: لا تُكثرنَ الخروج متجملاتٍ أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى الذين لا علم عندهم ولا دين[6].
2- من أدلة تحريم التبرج قول الله - تعالى -: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، والزينة تطلق على ثلاثة أشياء:
أ- الملابس الجميلة.
ب- الحلي.
ج- ما تتزين به النساء عامة في رؤوسهن ووجوههن، وغيرها من أعضاء أجسادهن، مما يعبَّر عنه في هذا الزمان بكلمة (التجميل).
فهذه الأشياء الثلاثة هي الزينة التي أُمِرَ النساء بعدم إبدائها للرجال، إلا لمن استثنى اللهُ منهم، وقوله - تعالى -: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ أي: ما كان ظاهرًا لا يمكن إخفاؤه، كالثياب الظاهرة، والعباءة، أو ظهر بدون قصد، وهذه الآية تدلُّ على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدْنَ إظهار هذه الزينة[7].
وقال القرطبي: الزينة على قسمين: خِلْقية، ومكتسَبة.
فالخِلْقية: وجهُها، فإنه أصل الزينة، وجمال الخلقة؛ لما فيه من المنافع وطرق العلوم، وأما الزينة المكتسبة، فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها، كالثياب، والحلي؛ فهذا كله داخل في قول الله - تعالى -: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31][8].
3- من أدلة تحريم التبرج قول الله - تعالى -: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}[النور: 60].
والقواعد من النساء هن اللاتي بلغْنَ سنَّ الإياس، وقعدن عن الحيض والولد لكبرهن؛ بحيث لا يبقى لهن مطمع في الزواج، ولا يرغب فيهن الرجال.
وليس المراد بوضع الثياب أن تخلع المرأة كلَّ ما عليها من الثياب، فتصبح عارية، فلأجل ذلك قد اتَّفق الفقهاء والمفسرون على أن المراد بالثياب في هذه الآية: الجلابيب التي أمر الله أن تخفَى بها الزينة في آية 59 من سورة الأحزاب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، وقوله: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}؛ أي: غير مظهرات لزينتهن.
وحقيقة التبرج: التكلُّف بإظهار ما يجب إخفاؤه، إلا أن هذه الكلمة قد اختصتْ بالمرأة بنهيها أن تتكشفَ للرجال بإبداء زينتها، وإظهار محاسنها.
فمعنى الآية: ليس هذا الإذن في وضع الجلابيب والخُمُر، إلا لأولئك النساء اللاتي لم يَعُدْنَ يرغبن في التزين، وانعدمت فيهن الغريزة الجنسية، ولم يعد يرغب فيهن الرجالُ، ومع هذا فإن استعفافهن بعدم وضع جلابيبهن خيرٌ لهن[9].
فإذا كان هذا الحكم في العجوز، فكيف بالشابة التي تفتن الرجالَ ويفتتنون بها؟! ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء»؛ متفق عليه، وقال: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»؛ رواه مسلم.



الوعيد الشديد بالنار
وحرمان الجنة للمتبرجات


4- من أدلة تحريم التبرج ما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صنفان من أهل النار لم أرَهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يَدخُلن الجنة ولا يَجدْن ريحها، وإن ريحها ليوجدُ من مسيرة كذا وكذا»؛ رواه مسلم في صحيحه، جـ 6 (ص168).
وهذا تحذيرٌ شديد من التبرج والسفور، ولبس الرقيق والقصير من الثياب، وتحذيرٌ شديد من ظلم الناس والتعدي عليهم، ووعيدٌ لمن فَعَلَ ذلك بحرمان الجنة.
وقوله: «لم أرهما»؛ أي: في حياته، وهذا الحديث من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - حيث وُجدتِ النساء الكاسيات بما عليهن من ثياب قصيرة، العاريات بما ظهر من أجسادهن، ووُجدت النساء الكاسيات بما عليهن من ثياب وخُمُر شفافة لا تستر ما تحتها؛ فهن عاريات بما يظهر من أجسادهن من وراء تلك الثياب، وشبيه بالعري - بل قد يكون أبلغَ منه في الفتنة - لبسُ الثوب الضيق الذي يظهر مفاتن المرأة ومعازلها.
ومعنى «مائلات»: قيل: عن طاعة الله وما يلزمهن حفظُه، و«مميلات»: يعلِّمن غيرَهن فعْلَهن المذموم، وقيل: «مائلات» يمتشطن المشطة الميلاء، وهي مشطة البغايا، و«مميلات»: يمشطن غيرَهن تلك المشطة[10].
«رؤوسهن كأسنمة البخت»؛ أي: يُكَبرنَها ويعظمنها بلفِّ عصابة أو نحوها، كما هي حال كثير من النساء اليوم، اللاتي يجمعن شعور رؤوسهن فوق هاماتهن، أو في مقدمة رؤوسهن، إلى غير ذلك - نعوذ بالله من سوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

من أضرار التبرج

وبناءً على ما تقدم؛ فالتبرج يضر النساءَ والرجال في الدنيا والآخرة، ويزري بالمرأة، ويدلُّ على جهلها، وهو حرام على الشابة والعجوز، والجميلة وغيرها؛ فتبرجُ المرأة ضررُه عظيم، وخطره جسيم؛ لأنه يخرب الديار، ويجلب الخزيَ والعار، ويدعو إلى الفتنة والدمار، لقد اتَّبعت المرأة المتبرجة خطواتِ الشيطان، وخالفتْ أوامرَ السنة والقرآن، وتعدَّتْ حدودَ الله، واجترأت على الفسق والعصيان[11].
وإن مما يحز في النفس، ويبكي العين، ويؤلم القلب: ما يشاهد من بعض الفتيات في الشوارع والمستشفيات، وفي الحرمين الشريفين وغيرهما، سافرات الوجوه، كاشفات الأذرع، عاريات السيقان، ولا يلتفتن إلى أوامر الله وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - الناهيةِ عن التبرج والسفور، والآمرةِ بالتستر والحجاب.
أختي المسلمة:
احذري التبرجَ وإظهار الزينة لغير المحارم، واحذري كثرةَ الخروج من البيت بدون عذر شرعي؛ طاعةً لله ولرسوله، وصيانةً لنفسك ودينك وعرضك عن الابتذال والامتهان.
ومن أعظم الفساد تشبُّهُ كثيرٍ من النساء بنساء الكفار من النصارى وأشباههم، في لبس القصير من الثياب، وإبداء الشعور والمحاسن، ومشط الشعور على طريقة أهل الكفر والفسق، وفرقها من جانب الرأس، ولبس الرؤوس الصناعية المسماة (الباروكة)؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «من تشبَّه بقوم فهو منهم»؛ رواه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه[12].

الاختلاط

تعريفه:الاختلاط: هو اجتماع الرجل والمرأة التي ليستْ بمَحرَم، أو هو: اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد، يمكنهم فيه الاتصالُ فيما بينهم بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، فخلوةُ الرجل بالمرأة الأجنبية، التي ليست من محارمه، على أي حال من الأحوال - تعتبر من الاختلاط.
حكمه:
محرَّم، وهو من أخطر الأمور التي حذَّر الله منها المسلمين؛ فإن الاختلاط بين الجنسين الذَّكرِ والأنثى من أكبر الأسباب الميسِّرة للفاحشة، وأخطر من ذلك الخلوة بالمرأة غير المحرم؛ فإن في ذلك مدخلاً للشيطان؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»؛ رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه.
الأدلة على تحريم الخلوة بالأجنبية:
1- قال الله - تعالى -: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
2- قال - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والدخولَ على النساء»، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»؛ متفق عليه، والحمو قريب الزوج؛ كأخيه، وابن أخيه، وعمه، وابن عمه؛ فالخوف منه أكثرُ من غيره، والشرُّ متوقَّع منه، والفتنة به أكبر؛ لتمكُّنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة بها من غير نكير، بخلاف الأجنبي، ومعنى الحديث: احذروا الاختلاط بالنساء، والخلوةَ بغير المحارم.
3- وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَخْلُوَنَّ أحدُكم بامرأة إلا مع ذي محرم»؛ متفق عليه[13].
حقيقة الخلوة:
وحقيقة الخلوة أن ينفرد رجلٌ بامرأة، في غيبةٍ عن أعين الناس، وذلك يحدث اليوم كثيرًا في بيوت المسلمين، الذين اتخذوا الخادماتِ الأجنبيات عن الأسرة والبيت والمجتمع، يؤتى بهن من بلاد بعيدة بدون محارم، ومن المتوقع - بل من المؤكَّد - أن رب البيت، أو أحد أبنائه، أو أحد رجال الأسرة يخلو بهذه الخادمة كثيرًا حينما تخرج الأسرة، وحينئذٍ يأتي دور الشيطان، وهو دور محقق الخطر؛ حيث أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك في الحديث المتقدم، وهو يعم جميعَ الرجال، ولو كانوا صالحين، أو كبار السن، كما يعم جميع النساء، ولو كُنَّ صالحاتٍ، أو عجائزَ.
وهذا شيء مشاهَدٌ من الطبيعة البشرية، ميل الرجال إلى النساء بالفطرة، لا سيما وأن الكثير من هؤلاء الخادمات فتيات جميلات؛ ولهذا فإن اتِّخاذ الخادمات داخل البيوت اليوم يعتبر خطرًا عظيمًا ابتُلي به المسلمون اليوم - نسأل الله أن يحفظهم من شره.
وهناك نوع آخر من الاختلاط ابتُلي به بعض المسلمين، وخطرُه لا يقل عما سبق، وهو اتخاذ الخدم الرجال، والسائقين الأجانب، الذين نراهم يغدون ويروحون بأُسرهم، وينفردون بنسائهم بدون محارم.
وبعض المسلمين بدأ يرسل ابنته إلى المدرسة مع السائق، أو يرسل إحدى محارمه إلى السوق مع هؤلاء، منفردات مع السائق، ولربما يكون غير مسلم، أو منحرفًا في دينه، أو سلوكه، أو زيِّه؛ بل وعلى فرض أنه رجلٌ تقي صالح، فذلك حرام لا يجوز؛ بدليل الحديث السابق: «لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثَهما»، والشرُّ متوقَّع، والمسلم العاقل لا يقبل ذلك في أهله، ولا يجوز له أن يفرِّط بالأمانة، ويسلم أغلى ما يملكه - وهو محارمه - إلى هذا الخطر الكبير.
ومن أنواع الاختلاط المحرَّم:
سفر المرأة من غير مَحرَم؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»؛ متفق عليه؛ لأن ذلك من وسائل الفتنة والفساد، والمَحرَم هو زوجها، أو من تَحرُم عليه على التأبيد بنسبٍ؛ كأخ مسلم، أو سبب مباح؛ كأخ من رضاع.
ومن الاختلاط المنهي عنه:
اختلاط الأولاد الذكور والإناث - ولو كانوا إخوة - بعد التمييز في المضاجع؛ فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع، في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد حسن.
ومما سبق؛ ندرك خطر الاختلاط بين الجنسين على أي حال من الأحوال؛ داخل البيوت وخارجها؛ ولذا يقول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27]؛ أي: حتى تستأذنوا، وسمي الاستئذان استئناسًا؛ لأنه سبب الأنس.
وطريقة الاستئذان أن يقول المستأذن: السلام عليكم، أأدخل؟ ولا يزيد على ثلاث مرات، فإن أذن له، وإلا رجع.
وبناءً على ما تقدم؛ فإن هؤلاء الذين جاؤوا بنساء أجنبيات عنهم، واختلطن مع أولادهم، أو جاؤوا برجالٍ أجانبَ فاختلطوا مع محارمهم - قد عرَّضوا أنفسهم وأهليهم إلى أعظم أنواع الخطر، كما أنهم يهدِّدون المجتمع كله بالخطر[14].







السفور والحجاب

سفور وجه المرأة وكشْفه للرجال غيرُ جائز؛ لأن الوجه يجمع كلَّ المحاسن، وهو أكثر الأعضاء فتنة وإغراء، وكل البلاء والخطر في كشْف الوجه، ولم يَرِدْ نصٌّ صحيح صريح بجواز كشفه بعد أن شرع الحجاب، إلا حين الإحرام بالحج أو العمرة؛ بل كان النساء يغطين وجوههن وهن محرمات عند اختلاطهن بالأجانب، ورؤيتهن لهم ورؤيتهم لهن، والذي جاء في القرآن والسنة حجابُ الوجه لا سفوره.
ومفهوم الحجاب: ستر الوجه، وكشف المحرِمة وجهها في حالة الإحرام أمام الرجال الأجانب - فتنةٌ للناظرين، ومشغلة للحاجِّين والمعتمرين عن عبادة الله - تعالى.
وإذا كان كشفه واجبًا على المحرِمة - كما ذهب إليه بعض الفقهاء إذا أمنتِ الفتنة - فإن ستره أوجب؛ لأن في كشفه فتنةً وأذى، وإباحةُ كشف الوجه للمحرمة دليلٌ على أن الحجاب له، ولو كان الحجاب لغيره لَمَا كان لهذه الإباحة معنى، وعندما فرض الحجاب، سَتَرَ النساءُ وجوهَهن، وكشفُ الوجه والكفين لا حُجة للقائلين به.
فالحجاب ضرورة وفريضة لا مفرَّ منها، وهو حماية للرجل والمرأة جميعًا، وكشف الوجه سبب كارثة الأخلاق، وفوضى الجنس.
وفرض الحجاب على المسلمة؛ ليكون حاجزًا بينها وبين الأجنبي إذا اضطرتْ إلى مغادرة بيتها، فوضع الإسلام لها شروطًا وآدابًا لهذا الاضطرار[15]، وفي حماية المرأة وصونها بالحجاب حمايةٌ للمجتمع كله.والحجاب أمَرَ الله به في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعليه عملُ أمهات المؤمنين والمؤمنات في القرون المفضلة إلى عصرنا الحاضر، والمرأةُ كلها عورة، من هامَتِها إلى أخمص قدميها، ويجب عليها أن تَستر عن الرجال جميعَ بدنها.
ومن المخالفات التي ارتكبها أكثرُ النساء: خروجُهن سافراتٍ غيرَ متحجبات، يفتنَّ الرجال ويفتتن بهم، والسفور مخالَفةٌ لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم.
والمراد بالاحتجاب: ألا ترى المرأة الرجال ولا يرونها؛ لأن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، وهو لا يجوز إلا في الحالات الاضطرارية المباحة، كنظر الخاطب لقصد الزواج، أو الشهادة، أو العلاج الذي لا بد منه، مع وجود محرم لها[16].





الأدلة على وجوب الحجاب

حجابُ المرأةِ وجهَها وجميع بدنها واجبٌ، دلَّ على وجوبه القرآنُ الكريم والسنة المطهرة، ومن أدلة القرآن الكريم على وجوب الحجاب:
1- قول الله - تعالى -: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقد دلَّت هذه الآية على وجوب الحجاب من ستة أوجه:
(أ‌) أن الأمر بحفْظ الفرج أمرٌ به وبما يكون وسيلة إليه، ومن وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها، والوسائلُ لها أحكام المقاصد.
(ب‌) وإذا كانت المرأة مأمورةً بأن تضرب بالخمار على جيبها، كانت مأمورةً بستر وجهها؛ لأنه من لازم ذلك، فإنه إذا وجب سترُ النحر والصدر، كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة؛ فإن الذين يطلبون جمالَ الصورة لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلاً، لا ينظرون إلى ما سواه.
(ت‌) وقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ يعني: ما لا بد وأن يظهر كظاهر الثياب؛ ولذلك قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، ولم يقل: ما أظهرنَ منها.
(ث‌) ثم نهى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم، فدلَّ على أن الزينة الثانية غير الأولى؛ فالأُولى هي الظاهرة لكل أحد، والثانية هي الباطنة، لا يجوز إبداؤها إلا لأناس مخصوصين، وهم الزوج والمحارم.
(ج‌) وإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل؛ خوفًا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها، فكيف بكشف الوجه؟!
(ح‌) وتخصيص التابعين غير أولي الإربة من الرجال، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، بجواز إبداء الزينة لهم - يدلُّ على تحريم إبدائها لمن عداهم، وفي مقدمتها الوجه.
2- من أدلة وجوب الحجاب قوله - تعالى -: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60]، وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليلٌ على أن الشوابَّ اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم.
3- من أدلة وجوب الحجاب قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59].
قال ابن عباس: أمَرَ الله نساء المؤمنين إذا خرجْنَ من بيوتهن في حاجة أن يغطِّين وجوهَهن من فوق رؤوسهن بالجلابيب[17]، وتفسيرُ الصحابي حُجة؛ بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويبدين عينًا واحدة"، وكشف العين الواحدة عند الحاجة والضرورة، وإذا لم يكن حاجة، فلا موجب لذلك، والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.
4- قول الله - تعالى -: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، فهذه الآية نصٌّ واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله - سبحانه - في هذه الآيةِ أن التحجب أطهرُ لقلوب الرجال والنساء، وأبعدُ عن الفاحشة وأسبابها؛ {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.
وتقدَّم أن هذه الآية عامة لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن من المؤمنات[18]، وقال القرطبي: ويدخل في هذه الآية جميعُ النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصولُ الشريعة من أن المرأة كلها عورة؛ بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة؛ كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها[19].
5- من أدلة وجوب الحجاب قولُه - تعالى -: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ} [الأحزاب: 55]، قال ابن كثير: لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب، بيَّن أن هؤلاء الأقاربَ لا يجب الاحتجابُ منهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله - تعالى -: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ }[20] [النور: 31].
فهذه خمسة أدلة من القرآن على وجوب الحجاب.
وأما أدلة السنة، فمنها:
1- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطب أحدُكم امرأةً، فلا جناح عليه أن ينظر منها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة، وإن كانت لا تعلم»[21].
وجه الدلالة من الحديث على وجوب الحجاب: أنه نفى الإثمَ عن الخاطب، خاصة إذا كان نظره للخطبة، فدلَّ على أن غير الخاطب آثمٌ بالنظر، وكذلك هو إذا كان نظرُه لغير الخطبة.
2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أمر بإخراج النساء إلى مصلَّى العيد، قلن: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال: «لتُلبسها أختُها من جلبابها»[22]، فدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألاَّ تخرج المرأةُ إلا بجلباب، وفي الأمر بلبس الجلباب دليلٌ على أنه لا بد من التستر.
3- ما ثبت في الصحيحين عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس"، وقالت: "لو رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من النساء ما رأينا، لمنعهن من المساجد"، ويروى عن ابن مسعود مثلُه.
وجه الدلالة من هذا الحديث من وجهين:
الأول: أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة، الذين هم خير القرون.
الثاني: أن عائشة وابن مسعود فَهِمَا ما شهدتْ به النصوصُ الشرعية من المحذور بخروج النساء، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لو رأى ذلك منهن لمنعهن.
4- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من جرَّ ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقالت أم سلمة: فيكف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: «يرخينه شبرًا»، قالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: «يرخينه ذراعًا، لا يَزدْنَ عليه»[23].
ففي هذا الحديث وجوبُ ستر أقدام المرأة، وأنه أمر معلوم عند نساء الصحابة، والقدم أقلُّ فتنةً من الوجه والكفين؛ فالتنبيه بالأدنى تنبيهٌ على ما فوقه.
5- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان لإحداكن مُكاتِب، وكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه»[24].
فدلَّ على وجوب احتجاب المرأة من الرجل الأجنبي.
6- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان الركبان يمرُّون بنا ونحن مُحرِمات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا حاذَوْنا سدلتْ إحدانا جلبابَها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه»[25].
ففيه دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفُه، فلولا وجود مانع قوي من كشفه، لوجب بقاؤه مكشوفًا حتى عند الركبان[26].

حجة من يبيح السفور والجواب عنها

1- تفسير ابن عباس لقوله - تعالى -: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين[27].
وجوابه من وجهين:
(أ) يحتمل أنه قبل نزول آية الحجاب.
(ب) أن تفسيره لا يكون حجة إلا إذا لم يعارضه غيرُه، وقد عارضه تفسيرُ ابن مسعود لما ظهر منها بالثياب الظاهرة، مما لا يمكن إخفاؤه[28].
2- ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - أن أسماء بنت أبي بكر دخلتْ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بثيابٍ رقاق، فأعرض عنها، وقال: «إذا بلغتِ المرأةُ المحيض، لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا - وأشار إلى وجهه وكفيه».
ويجاب عنه بأنه حديث ضعيف من وجهين:
أحدهما: الانقطاع بين عائشة وخالد بن دريك الذي روى عنها؛ فإنه لم يسمع منها.
الثاني: أن في إسناده سعيد بن بشير، ضَعَّفه أحمد وابن معين وغيرهما، فلا يقاوم ما تقدَّم من الأدلة على وجوب الحجاب.
وعلى تقدير صحته، فهو محمول على ما قبل الأمر بالحجاب؛ لأن نصوص الحجاب ناقلةٌ عن الأصل، فتُقدم عليه.
3- ما رواه البخاري من حديث ابن عباس: «أن أخاه الفضل بن العباس كان رديفًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حَجة الوداع، فجاءت امرأةٌ من خثعم، فجعل الفضلُ ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجْهَ الفضل إلى الشق الآخر»، قالوا: ففيه دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها.
والجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُقرَّ الفضلَ على ذلك، ففيه تحريم النظر إلى الأجنبية، فإن قيل: فلماذا لم يأمر المرأة بالتحجب؟
فالجواب: أنها كانت مُحرِمة؛ فلها ذلك، ولعله أمرها بالتحجب بعد ذلك.
4- ما أخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبدالله في حديث صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - العيد، ثم وعظ الناس وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهن، وقال: «يا معشر النساء تصدقْنَ؛ فإني رأيتكن أكثرَ أهل النار»، فقامت امرأة من سِطَّة النساء سفعاء الخدين، فقالت: ما لنا أكثر أهل النار؟...» الحديث، فكون الراوي رأى خديها دليلٌ على أنها كانت مكشوفة الوجه.
والجواب: إما أن تكون هذه المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا؛ فلها ذلك، أو يكون قبل نزول آية الحجاب؛ فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس من الهجرة، وصلاة العيد شرعتْ في السنة الثانية من الهجرة.
هذا، وإن أدلة وجوب الحجاب ناقلة عن الأصل، وأدلة جواز كشفه مبقيةٌ على الأصل، والناقل عن الأصل مقدَّم كما هو معروف عند الأصوليين؛ لأن مع الناقل زيادةَ علم، وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي[29].
وفي السفور مفاسدُ عديدةٌ كما تقدم؛ ولذلك حرَّمه الإسلام، كما تقدَّمتِ الأدلة على وجوب الحجاب في خمس آيات من القرآن الكريم، وستة أحاديث من السنة المطهرة، وفيها مقنع وكفاية لمن هداه الله ووفقه، وكان مقصوده الحق.





ما يستفاد مما تقدم

من أدلة وجوب الحجاب:
1- الحجاب مفروض على جميع نساء المؤمنين، وهو واجب شرعي محتم.
2- بنات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونساؤه الطاهرات هن الأسوة والقدوة لسائر النساء.
3- الجلباب الشرعي يجب أن يكون ساترًا للزينة، والثياب، ولجميع البدن.
4- الحجاب لم يفرض على المسلمة تضييقًا عليها؛ وإنما تشريفًا لها وتكريمًا.
5- في ارتداء الحجاب الشرعي صيانةٌ للمرأة، وحماية للمجتمع من ظهور الفساد وانتشار الفاحشة.
6- لا يجوز للمسلمة أن تبدي زينتَها إلا أمام الزوج أو المحارم من أقاربها.
7- على المسلمة أن تستر رأسها ونحرها وصدرها بخمارها؛ لئلا يطَّلع عليها الأجانب.
8- الأطفال والغلمان الذين لا يعرفون أمور الجنس لصغرهم، لا مانع من دخولهم على النساء.
9- يحرم على المسلمة أن تفعل ما يلفت أنظارَ الرجال إليها، أو يثير بواعث الفتنة.
10- على جميع المؤمنين والمؤمنات أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإنابة، ويتمسَّكوا بآداب الإسلام.
11- الآداب الاجتماعية التي أرشد إليها الإسلام فيها صيانةٌ لكرامة الأسرة، وحفظ للمجتمع المسلم[30].





شروط الحجاب الشرعي

يشترط في الحجاب الشرعي بعض الشروط الضرورية، وهي كالآتي:
1- أن يكون الحجاب ساترًا لجميع البدن؛ لقوله - تعالى -: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، والجلباب هو الثوب السابغ الذي يستر البدنَ كله، ومعنى الإدناء هو الإرخاء والسدل، فيكون الحجاب الشرعي ما ستر جميعَ البدن.
2- أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفَّاف؛ لأن الغرض من الحجاب السترُ، فإذا لم يكن ساترًا لا يسمى حجابًا؛ لأنه لا يمنع الرؤية، ولا يحجب النظر.
3- ألاَّ يكون زينة في نفسه، أو مبهرجًا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار؛ لقوله - تعالى -: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الآية [النور: 31]، ومعنى {مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ أي: بدون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة، فلا يجوز ارتداؤه، ولا يسمى حجابًا؛ لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب.
4- أن يكون واسعًا غير ضيق، لا يشف عن البدن، ولا يُجَسِّم العورة، ولا يُظهِر أماكن الفتنة في الجسم.
5- ألاَّ يكون الثوب مُعَطَّرًا فيه إثارة للرجال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المرأة إذا استعطرت، فمرَّتْ بالمجلس، فهي كذا وكذا»[31]؛ يعني: زانية، وفي رواية أخرى: «إن المرأة إذا استعطرت، فمرت على القوم ليجدوا ريحها، فهي زانية».
6- ألاَّ يكون الثوب فيه تشبُّهٌ بالرجال؛ لحديث أبي هريرة: «لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسةَ المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»؛ رواه أبو داود والنسائي.
وفي الحديث: «لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء»[32]؛ يعني: المتشبهات بالرجال في أزيائهن وأشكالهن كبعض نساء هذا الزمان، والمخنثون من الرجال: هم المتشبهون بالنساء في لبسهم وحديثهم وغير ذلك - نسأل الله تعالى العافية والسلامة[33].





فتاوى

1- حكم التعليم المختلط:
وجَّهت جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت سؤالاً إلى أربعةَ عشر عالمًا وفقيهًا من علماء المسلمين، في مختلف الأقطار الإسلامية، عن حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات، وبيان الأضرار الناجمة عن الاختلاط في التعليم.
فأفتى كلٌّ منهم بتحريم ذلك، وأيَّدوا فتاواهم بالآيات القرآنية من سورة النور والأحزاب، الدالة على تحريم الاختلاط والسفور والتبرج، ووجوب الحجاب والقرار في البيوت.
وأيدوا ذلك بالأحاديث النبوية الدالة على تحريم الاختلاط على نحو ما تقدم، وجمعت فتاواهم في رسالة وطبعت تحت عنوان: "حكم الإسلام في الاختلاط".
وذكروا من أضرار الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة:
هي أن يروج في الأمة ما هو رائج في أمم الغرب، من فقْدِ الحياء، وزوال العفة، وغلبة الفواحش؛ فتقع الأمراض السريَّة، ويتبدَّد نظام العائلة والبيت، ويكثر الطلاق، ويتربَّى الشبان والشابات على قضاء الشهوات المحرَّمة، ويُضَيِّع الفتية والفتيات خيرَ ما أوتوا من قوة العمل، وصحة الجسم في قضاء شهواتهم المجاوزة لحدود الاعتدال.
شبهة داحضة:
وربما استمسك بعضُ دعاة الاختلاط بما هو مشروعٌ من اختلاط الجنسين في المسجد، ومصلَّى العيد، والحج والعمرة، وهذه شبهة داحضة؛ فالنساء قد أُذنَ لهن أن يصلِّينَ في المسجد، على أن تكون صلاتهن في آخر المسجد، وصلاة الرجال في أوله، مع النهي لهن عن التعطر والتزين والتبرج، وترغيبهن أن يصلين في بيوتهن، وإعلامهن بأن صلاتهن في بيوتهن خيرٌ من صلاتهن في المسجد، واختلاطهن بالرجال في الحج والعمرة ضرورةٌ شرعية، ومقيدة بمرافقة محارمهن، فلا حجة لدعاة الاختلاط بما ذكر[34].
من أضرار الاختلاط في التعليم[35]:
1- معصية الله - تعالى - لما فيه من تبرُّج بعض الطالبات، وخروجهن عن الآداب الشرعية.
2- ما يكون هناك من نظرات مغرضة؛ حيث إنه من الصعب غض البصر في تلك المجالات.
3- ما يؤدِّي الاجتماع في مكان واحدٍ إلى عقد تعارف وصداقة بين الطلبة والطالبات.
4- ما قد يقع هناك من جرائم الزنا - والعياذ بالله تعالى.
5- ضعف التعليم، وقلة الاستفادة العلمية؛ بسبب تدهور الأخلاق.
2- السفور والخلوة بالأجنبية:
سئل الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله تعالى - عن المرأة تمشي من غير عباءة، أو مكشوفة الوجه؟
فأجاب: أما المرأة التي تمشي من غير عباءة، أو مكشوفة الوجه، فإذا سترتْ وجهها وصدرها وشعرها، فليس عليها في ذلك، إذا كان ذلك عادتهم، لكن لا تخالط الرجال الأجانب، فإن بدنها كله عورة؛ شعرها وبشرتها.
وأجاب أيضًا: والمرأة يلزمها تغطيةُ شعرها وصدرها ويديها، وجميع بدنها، إلا وجهها في الصلاة.
وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر - رحمه الله -: والمرأة التي لا تستر عورتها تؤدَّب إلى أن تستر عورتها.
سئل الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب عن الخلوة بالأجنبية؟
فأجاب: الذي يخلو بالمرأة الأجنبية يؤدَّب على مثل هذا الفعل بما يراه الحاكم.
وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: الرجل لا يجوز له أن يدخل على أخت زوجته إلا متغطية، ولا يجوز له أن يخلوَ بها، ولا يصير محرَمًا لها، وإن كان ليس له أن يتزوجها ما دامت أختها معه[36].
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: عن رجل يدخل على امرأة أخيه، وبنات عمه، وبنات خاله، هل يجوز له ذلك أو لا؟
فأجاب: لا يجوز له أن يخلو بهن، ولكن إذا دخل مع غيره من غير خلوةٍ ولا ريبة، جاز له ذلك، والله أعلم[37].





خلاصة ما ورد حول التبرج والسفور

1- تحريم التشبُّه بأعداء الله - تعالى.
2- تحريم التبرج، والتشديد في ذلك.
3- كراهية خروج النساء في العيدين من أجل التبرج.
4- فضل صلاة النساء في بيوتهن، وأنها خير لهن من الصلاة في المسجد.
5- لعن زوَّارات القبور، وبيان أنه لا فرق في ذلك بين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قبر غيره.
6- الإذن للنساء في إتيان المساجد مشروطٌ باجتناب الطِّيب وغيره مما يهيج شهوة الرجال.
7- ترغيب النساء في لزوم بيوتهن، وبيان أنهن عورة.
8- لزوم النساء لبيوتهن يعدل الجهادَ في سبيل الله، كما في الحديث الذي رواه البزار بإسناد جيد.
9- النهي عن نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة.
10- الأمر بحفظ العورة، والنهي عن كشفها.
11- لا خلاف في تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة.
12- الإجماع على تحريم نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل، وبيان أنه يحرم على الرجل النظرُ إلى كل شيء من بدن المرأة، ويحرم على المرأة النظرُ إلى كل شيء من بدن الرجل.
13- المتشبهات بنساء الكفار في التبرج والسفور، هن الكاسيات العاريات، اللاتي ورد الوعيد في حقهن.
14- يتعين على وليِّ الأمر منعُ النساء من التبرج والسفور، وما يدعو إلى الفتنة.
15- إرخاء الأعنة للنساء في المحرَّمات من الدياثة، لا من حسن الخُلُق.
16- المرأة مع الرجل الأجنبي في الخلوة، كالشاة مع الذئب في الخلوة.
17- خلوة المرأة مع الأجنبي سبب للفتنة، ولو كان المخلو به دون البلوغ.
18- العقوبات الشرعية كلُّها أدوية نافعة.
19- تطيبُ المرأة إذا أرادت الخروج من أسباب الفتنة.
20- لا ي
 
ريحان

ريحان

طاقم الإشراف العام
رقم العضوية :
11698
البلد/ المدينة :
وهران
المُسَــاهَمَـاتْ :
5898
نقاط التميز :
6555
التَـــسْجِيلْ :
10/02/2011
بارك الله فيك اختي على هذه الموعضة الحسنة
التي من شأنها تهم أي امرأة هي في غنى من شرع الله
////
جزاك الله كل الخير
 
avatar

ممتازة

عضو مساهم
البلد/ المدينة :
tolga
المُسَــاهَمَـاتْ :
73
نقاط التميز :
68
التَـــسْجِيلْ :
05/04/2011
:يعطيك العافية:
 
melissa

melissa

طاقم المشرفين
رقم العضوية :
12924
البلد/ المدينة :
jijel
العَمَــــــــــلْ :
طالبة جامعية
المُسَــاهَمَـاتْ :
6768
نقاط التميز :
6286
التَـــسْجِيلْ :
27/02/2011

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى