منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011

وظيفة شاغرة
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ]

أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الكريم – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..

أحبتي في الله وظيفة شاغرة ..
هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم ، في هذا اليوم الكريم المبارك ، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا ، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في العناصر المحددة التالية :
أولاً : أشرف وظيفة .
ثانيا : سمات المنهج .
ثالثاً : من سيتقدم اليوم بأوراقه لشغل هذه الوظيفة الغالية ؟ .

فأعيروني القلوب والأسماع والله أسأل أن يشرفنا وإياكم بالانتساب إلى هذه الوظيفة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أولاً : أشرف وظيفة :
في الوقت الذي يتنافس فيه كثير من المسلمين عامة ومن شبابنا خاصة للبحث عن وظيفة، تبقى هذه الوظيفة تحتاج إلى الصادقين المخلصين الذين يحرصون على شرف الانتساب إليها إنها أشرف وظيفة على وجه الأرض ولم لا ؟ وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين ، إنها وظيفة الدعوة إلى الله رب العالمين من أشرف من الدعاة ومن أفضل على ظهر الأرض ممن يبلغون عن الله ، قال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت/33 ] .
من أحسن منه ومن أشرف منه ومن أكرم عند الله منه وهو السائر على درب الأنبياء والمرسلين ، ومع شرف هذه الوظيفة تخلى عنها الكثير من المسلمين والمسلمات ، فأنا أدين ربي – جل وعلا – بأن الدعوة العامة واجبة الآن على كل مسلم ومسلمة ، كل بحسب قدرته واستطاعته وإن كنت أرى أن الدعوى المتخصصة لها أهلها من العلماء العاملين والدعاة الربانيين وطلبة العلم الصادقين المخلصين ، فإنه لا ينفي أبداً أن يتحرك الآن لهذه الوظيفة الغالية كل مسلم ومسلمة ، فنحن لا نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة على المنابر في المساجد ، وإنما نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة على منبر الإسلام الكبير العظيم كل في موقع إنتاجه وموطن عطائه ، فما منا من أحد إلا وقد شهد للإسلام بلسانه مع إن أعظم خدمة نقدمها اليوم للإسلام هي أن نشهد له شهادة عملية خُلقية على أرض الواقع بعد ما شهدنا جميعا شهادة قولية بألستنا ، إذ إن الفعل إن خالف القول بذَر بذور النفاق في القلوب كما قال ربنا سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [ الصف / 3،2 ] وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الدعوة إلى الله – جل وعلا – قال تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [آل عمران/110].

خيرية الأمة ليست ذاتية ولا عرقية ولا عصبية ولكنها خيرية مستمدة من الرسالة العظيمة والأمانة الثقيلة التي شرفت الأمة بحملها إلى الناس في الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فلقد اصطفى الله من الخلق الأنبياء ، واصطفى من الأنبياء الرسل وشرفهم بالبلاغ عنه والدعوة إليه – جل وعلا – ثم مَن على أمة الحبيب المحبوب – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فجعل الرسالة والأمانة في أمته فورثها علماء أمته من بعده r أقصد الدعوة المتخصصة ، ولا أقصد الدعوة العامة ، فهي فرض عين على كل مسلم كما بينت كل بحسب قدرته واستطاعته ، أما الدعوة المتخصصة فلها أهلها كما بينت .

لكنني أود أن أحث كل مسلم ومسلمة بالمساهمة بقدر ما يملك لشغل هذه الوظيفة الشاغرة التي تحتاج الآن إلى عدد المسلمين على وجه الأرض ليتحرك كل أحد بما يملك ، إن لم يستطع بلسانه فبلسان غيره من أهل العلم الصادقين والدعاة الربانيين ، وبجزء من ماله يخصصه لدين الله ، أو بالمشاركة الوجدانية والبدنية والقلبية والقولية في العمل لدين الله – تبارك وتعالى – ولو بتكثير سواد المسلمين في الخطب والمحاضرات العامة ، لأن تكثيرك لسواد المسلمين في مثل هذه اللقاءات شهادة عملية منك لدين الله – تبارك وتعالى – تفريغك لولد من أولادك ليحفظ القرآن الكريم أو ليحفظ كتاباً من كتب العلم أو متن من متون الفقه ، دليل عملي على ذلك وحبك لهذا الدين وهكذا .

ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام

أنت تقدر أن تقدم أي شيء وتستطيع أن تقدم لدين الله أي شيء فمن الخذلان والحرمان أن تستطيع أن تبذل لله شيئا ولكنك تتقاعس عن فعل هذا الشيء في الوقت الذي لا تدخر فيه جهداً ، بل ولا وقتاً ولا عرقاً من أجل دراسة جدوى لمشروع من مشاريع الدنيا أو لتجارة من تجارات الدنيا ، فدين الله أعلى من كل ذلك لا يحتاج فقط إلا أن تحمل قلباً حياً يحمل هذا الدين ويحترق لواقع الأمة المرير .

فوالله ما انتشر الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله ، فوالله ما انتشر الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله ، فها نحن نرى دعاة الباطل ودعاة الكفر الآن يتحولون بكفرهم برجولة وبهمة عالية وبصدق وتفان في الوقت الذي نرى فيه هذه السلبية القاتلة في كثير من أفراد الأمة – ولا حول ولا قوة إلا بالله – فخيرية الأمة مستمدة من البلاغ من الأمر بالمعروف بمعروف ومن النهي عن المنكر بغير منكر ، ومن تحقيق الإيمان بالله – جل وعلا – بل وأمر الله سبحانه وتعالى – فقال : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ آل عمران104].

وأمر الله سيد الدعاة وإمام التقاة محمدا r بقوله : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ } هذا أمر من الله : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل / 125 ] وقد يظن البعض أن هذا الأمر خاص بالنبي r وحده كلا كلا ، بل لن تنال شرف الانتساب إلى المصطفى إلا إذا رفعت الراية التي رفعها وبلغت الدعوة التي أرسل بها على بصيرة التي علمنا إياها رسول الله r قال – جل وعلا لنبينا : {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } أنا وحدي لا {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف/108] .

قال ابن القيم : ولا يكون الرجل من أتباعه r حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي r {عَلَى بَصِيرَةٍ } لتنال شرف الانتساب إلى سيدنا رسول الله r ولا يكون الرجل من أتباعه r حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي r ، على بصيرة ، بل وتدبروا معي هذا التهديد والوعيد من الله – عز وجل – لمن ؟! لسيد الدعاة لحبيب الحق – تبارك وتعالى – للنبي محمد r يأمره الله أن يقول : { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً{22} إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن / 23،22 ] يا للرهبة .

تدبروا الآية أيها الأفاضل ، الله يأمر نبيه بأن يبلغ { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} أي حماية ووقاية وملجأ إلا أن أبلغ دين الله ورسالة الله – عز وجل – فالعمل بدين الله والبلاغ عن الله والدعوة إلى الله ليست نافلة ولا تطوعا ولا اختيارا بل إنه الواجب الذي لا مفر من أدائه فالله – جل وعلا – من ورائه .

والآيات في هذا الباب كثيرة لا أريد أن أطيل النفس مع آيات القرآن ويأتي سيد الدعاة r ليبين لنا شرف وكرامة ومكانة هذه الوظيفة فيقول كما في صحيح البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمرو : (( بلغوا عني ولو آية ))(1) .

أخي كم تحفظ من الآيات ، ألم أقل لك بأننا أصبنا بالسلبية القاتلة ، لأنه ما منا من مسلم إلا ويحفظ قدراً ليس باليسير من كتاب الملك الكبير لكنك متصور أن الدعوة وظيفة الأنبياء والعلماء من بعدهم فحسب ، بل هي وظيفتك ووظيفتك أيتها المسلمة ، كل بما منُ الله عليه من آيات الله ، أو من تطبيق لدين الله في دنيا البشر ليتحول دين الله لمنهج حياة هذه أعظم وأشرف .

مصيبة دعوتنا أننا نقف الآن حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام في الأرض ، لأن أخلاقنا تُكذب أقوالنا ، ولأن أعمالنا تُكذب أقوالنا ، ولأن أقوالنا تكذب أعمالنا خالف القول العمل ، وخالف العمل القول وشعر كثير من أهل الأرض بنطاق عملي غرق فيه كثير من المسلمين ، فما انتشر الإسلام في كثير من بلدان الأرض إلا بأخلاق وصدق تجار المسلمين ، حولوا هذا الدين إلى واقع عملي ، وإلى منهج دعوا غير المسلمين بالأخلاق والسلوك بالصدق والإخلاص والوفاء والأمانة .

ما قيمة محاضرة رنانة نستهل فيها بآيات الله وبأحاديث رسول الله r إن لم نحول هذه الأدلة القرآنية والنبوية في حياتنا إلى واقع عملي ومنهج حياة ، بل قد نجح رسول الله r في أن يطبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج الإسلامي يوم أن نجح في تربية أصحابه على هذا المنهج ، إذ إنه لم يطبع هذا المنهج بالحبر على صحائف الأوراق وإنما طبع هذا المنهج على قلوب الصحابة بمداد من التقى والهدى والنور .

فانطلق الجيل القرآني الفريد المبارك ليحول قرآن الله ومنهج سيدنا رسول الله r إلى منهج عملي في دنيا الناس يتألق سموا وروعة وعظمة وحركة وجلالا وعملا وتشييدا وعمارة وجهادا ، بل وبناءً في كل ميادين الحياة .

هذه أشرف دعوة ، وهذا أصدق بلاغ عن الله ورسوله r ، ما قيمة أن يلتحي ابن من أبنائنا وأخ من إخواننا وهو يريد أن يدخل الالتزام إلى البيت ، ثم يراه بعد ذلك والده وتراه بعد ذلك والدته قد انفلت من كل خلق كريم لا يكلم أباه إلا وقد ارتفع صوته ، ولا ينظر إلى أمه إلا وقد حد الطرف إليها ، ولا يعامل إخوانه وأخواته إلا بسوء أدب وغلظة وفظاظة هل تتصور أن البيت سيعشق التزامك الظاهر الذي أنت عليه كلا كلا .
ألا أيها المعلم غيره
تصف الدواء لذي سقم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها


هلا لنفسك كان ذا التعليم
لكي تصح منه وأنت سقيم
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

قال ربنا – جل وعلا : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [البقرة/44] . قال رسول الله r : (( بلغوا عني ولو آية )) .
ألم أقل لك : إنك مقصر ؟! أنت مقصر في البلاغ عن الله في الدعوى إلى الله .
((بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علىّّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))(1) .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه r قال : نضر الله امراً )) .
اللهم لا تحرمنا من هذا الدعاء ، رسول الله يدعوا لك أيها المبلغ عن الله ورسوله بنضارة الوجه ونور الوجه : (( نضرّ الله امراً سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه فرب مبلَّغ أوعى من سامع )) (2).
علام تحرم نفسك من بركة دعاء رسول الله r فبلغ عن الله وبلغ عن رسول الله ، بل أعلم أن الله – عز وجل – إذا منَّ عليك ، وهدى الله بك فلا تتصور أنك تهدي أحدا لا.
فإذا هدى الله على يديك رجلاً أو امرأة فأعلم بأن أجر هذا الرجل في ميزان حسناتك {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء/ 89،88] وهنا تظهر بركة الحبيب المصطفى فكل الأمة يوم القيامة في ميزان رسول الله r قال رسول الله r كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (( من دعا إلى هدى)) اللهم اجعلنا من الدعاة إلى الهدى : (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ))(3) .
الله أكبر ، الله أكبر ، بشريط يا أخي بشريط واحد ضعه في سيارة ، لك أجر هذا الداعي، ولك أجر من يهتدي بفضل الله بسماع هذا الشريط ، كما تفكر في أوراقك أن تضعها في حقيبتك من الليل ، لأنك على سفر في الصباح الباكر ، للسفر إلى القاهرة من أجل أن تقدم أوراقك لوظيفة وأنت تستطيع أن تشغل أشرف وظيفة .
فكر في أن تضع مع أوراقك شريطاً لداعية من الدعاة أو لعالم من العلماء ، وقدم هذا الشريط هدية للسائق ، بلغ بأي صورة من الصور ، المهم أن يحرق الواقع قلبك ، وألا تنظر إلى المنكرات وتمضي وتهز كتفيك ، وكأن الأمر لا يعنيك .
لا ، فنحن جميعا نركب سفينة واحدة ، لا تتصور أنك ستنجو بصلاحك و تقواك وسيهلك المفسدون فحسب ، بل إن هلك الطالحون ، هلك معهم الصالحون وإن غرق المفسدون غرق معهم الطيبون لماذا ؟ لأنهم أصيبوا بالسلبية القاتلة فينظر أحدهم إلى هذا الكفر الذي ساد الأرض وإلى المنكرات التي انتشرت ويهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه .
قال رسول الله r كما في صحيح البخاري وغيره من حديث النعمان بن بشير : (( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا حتى لا نؤذي من فوقنا )) قال رسول الله : ((لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعا )) .
فلاحظ أن النبي r لم يكرر لفظ الهلاك : (( لهلكوا جميعا ولو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعا )) (1) .
وفي الصحيحين منم حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش – رضي الله عنها – أن النبي r قام من نومه عندها يوماً فزعا وفي لفظ في الصحيح دخل عليها رسول الله r يوما فزعا وهو يقول : (( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه )) وحلق الحبيب بإصبعيه بالسبابة والإبهام . فقالت أم المؤمنين زينب : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال : (( نعم إذا كثر الخبث )) ([1]).
وأنا أقسم بالله أن الخبث قد كثر قال : (( نعم إذا كثر الخبث )) (( منن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )) .
وأختم هذا العنصر الأول بهذا الحديث الجليل الذي رواه مسلم وغيره من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه r قال : (( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب )) اللهم اجعلنا من حواري رسول الله (( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه )) ألم أقل لك ؟ إنه ليس لك عذر إن لم تبلغ بقدر ما تستطيع ولو بقلبك ولو أن تنكر المنكرات التي استفحلت بقلبك (( ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء هذا من الإيمان حبة خردل )) ([2]).

بعد هذا الفضل أيها الأفاضل هل يتخلى عن هذه الوظيفة إلا مخذول أو محروم ، هل يتخلى عن هذه الوظيفة الشاغرة إلا مخذول أو محروم قد يبرر بعض إخواني لنفسه سلبيته ويستدل على ذلك بآية من كتاب الله ، وقد قلت قبل ذلك مرارا : إن المشكلة ما كانت في الدليل قط وإنما المشكلة دائما في فهم الدليل وتحقيق مناطات الدليل .
قد يستدل كثير من المسلمين على سلبيتهم بآية من كتاب الله فيقول : قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة/ 105] ولقد خشى الصديق أبو بكر – رضي الله عنه – هذه السلبية القاتلة من خلال الفهم المغلوط لهذه الآية الكريمة ، فارتقى الصديق المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله r يقول : (( إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك الله أن يغمهم بعقاب منه )) ([3]).

والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح بشواهده : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله r يقول : ((إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك الله أن يغمهم بعقاب منه )) .
فغير المنكر يا أخي بغير منكر ومر بالمعروف بمعروف ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه ، والشدة تلإفسد ولا تصلح ، والعنف يهدم دائما ولا يبني ومن أروع ما قال إمامنا ابن القيم – لله دره : إن النبي r قد شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل من المعروف ما يحبه الله ورسوله .. فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر من المنكر ، فهو أمر بمنكر وسعي في معصية الله ورسوله ، ولقد كان النبي r هذا الكلام لابن القيم : وقد كان النبي r يرى في مكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها .
فقد يرد شاب من شبابنا المخلص المتحمس ويقول : كان هذا في مرحلة الاستضعاف في مكة ، ولكن تدبر أخي ولا تتعجل فالحماس وحده لا يكفي والإخلاص وحده لا يكفي، بل لا بد أن يكون الإخلاص والحماس منضبطين بضوابط الشرع بفهم دقيق ووعي عميق للأدلة ومراتبها ومناطاتها حتى لا نستدل بدليل دون تحقيق ، قال : بل لما فتح الله عليه مكة وصارت مكة دار إسلام وعزم النبي r على هدم البيت الحرام ورده على قواعد إبراهيم لم يفعل النبي ذلك مع قدرته على فعل ذلك ، لأن قريشا كانت حديثة عهد بكفر وقريبة عهد بإسلام ([4]).

نعم أيها الحبيب تحرك بعد ما سقت كل هذه الآيات والأحاديث .
فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتعظم في عين الصغير صغارها


وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتصغر في عين العظيم العظائم

هيا أيها الطالب ، يا من أنهيت الامتحانات ودخلت عليك الأجازة الصيفية ، هيا أقبل بهمة عالية على حفظ كتاب الله ، على حفظ متن من المتون العلمية ، على حلقة من حلقات القرآن ، لكي يتعلم فيها المسلمون كتاب ربي جل وعلا – أو أن تحفّظ فيها أطفال المسلمين عشرة أحاديث من أحاديث رسول الله r الصحيحة .
المهم أن تبذل أي شيء لدين الله .
فإذا كانت النفوس كبارا


تعبت في مرادها الأجسام

تعال معي للتعرف على أصول هذا المنهج الدعوي، إذ إن المنهج الدعوي توقيفي، لن يتركه الله لنبي فضلا عن عالم أو داعية ليختار لنفسه أصول ومنهج الدعوة إلى الله.
وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء سمات المنهج :
أيها الحبيب اللبيب ! لا يجوز أن تتحرك للدعوة إلى الله إن كنت من المتخصصين من الأئمة والخطباء أو الدعاة أو طلبة العلم لا يجوز لك ، أن تخطو على هذا الدرب المنير خطوة واحدة وأنت المتخصص في الباب ، إلا إذا وقفت على منهج سادة وأئمة الدعاة إلى الله ، وهم الأنبياء والمرسلون ، فاسمح لي قبل أن أبين لك بإيجاز شديد وإلا فإن الموضوع يحتاج إلى سلسلة كاملة اسمح لي أن أبين لك جواباً على سؤال خطير جداً يقفز الآن إلى أذهان الكثيرين في عصر وصلت فيه البشرية إلى هذا التقدم العلمي المذهل في شتى الميادين ، يتساءل الآن كثير من الناس في وقت فجرت فيه البشرية الذرة وصدرت إلى الفضاء أتوبيس الفضاء (ديسكفري) وصنعت القنبلة النووية ، وحولت العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذا التقدم المذهل في عالم الاتصالات والمواصلات ، فأصبحت ترى هنا ما يحدث في أقصى الشرق في التو واللحظة يسأل الآن كثير من الناس ويقولون : أليس الإذعان إلى منهج الأنبياء والرسل في عصر بلغ فيه العقل البشري ما بلغ ، أليس الإذعان إلى منهج الأنبياء والرسل يشكل الآن حجْرا على العقل البشري المبدع ؟ أليست البشرية الآن قادرة على أن تحيا وحدها بعيدة عن منهج الأنبياء والمرسلين ، أليس الإنقياد للأنبياء والرسل يشكل حِجراً على هذا العقل البشري المبدع ؟
وأنا لا أنكر ما وصلت إليه البشرية في الجانب العلمي ، لا أنكر ذلك ولكنني أقول بأن الحياة لا يمكن أبداً أن تتوقف عند هذا الجانب المادي والعلمي فحسب ، إذ لا يستطيع طائر جبار أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح واحد ولو نجح في ذلك فترة واحدة ولو طالت ، فإنه حتماً سيسقط على الأرض لينكسر جناحه الآخر ، فالحياة روح ومادة وقلب وعقل ودين ودنيا ، ولو أردت أن تتعرف على قيمة العقل البشري في الجانب الآخر الذي لا بد فيه ، وحتماً للعقل البشري أن يرجع إلى الأنبياء والرسل .
ألا وهو جانب الإيمان بالله ، ألا وهو الجانب الأخلاقي ألا وهو الجانب الروحي، لا يستطيع العقل مهما بلغ في شأن المادة أن يتعرف على الله بأسماء جلاله وصفات كماله، وأن يتعرف على حقائق الوحي الرباني إلا عن طريق الأنبياء والمرسلين ، وإن أردت مني أن أفصل لك شيئا ما ، فانظر إلى العقل البشري في هذا الجانب ستراه قد سقط في المستنقع الآثم والحضيض العفن يوم تكبر على منهج الأنبياء والرسل ، فها هو العقل الأمريكي الجبار في جانب المادة والعلم قد عبد عيسى ابن مريم من دون الله – جل وعلا- بل ويدافع قادته وزعمائه عن الشذوذ الجنسي الفاضح ، بل ويدافع هذا العقل عن العنصرية اللونية البغيضة ، بل ويتغنى هذا العقل بالحرية والديمقراطية المشؤومة في الوقت الذي يسحق فيه الأحرار في كل مكان على وجه الأرض .
وهذا هو العقل الروسي شعاره بأنه يؤمن بثلاثة ويكفر بثلاثة : يؤمن بلينين وستالين والملكية العامة ، ويكفر بالله وبالدين وبالملكية الخاصة ، وهذا هو العقل اليوناني يدافع عن الدعارة ومصارعة الثيران .
وهذا هو العقل الهندي يدافع عن عبادة البقرة إلى يومنا هذا ، بل لقد صرح يوما زعيمهم الكبير ((غاندي)) في مؤتمر صحفي عالمي وقال : إنه يعلن أمام العالم بأنه سيظل يدافع عن عبادة الشعب الهندي

للبقرة ثم قال : إن أمه البقرة أحب إليه من أمه التي ولدته قيل : كيف ذلك أيها العجل الكبير ؟ قال : لأن أمه التي ولدته وحملته تسعة أشهر وأرضعته حولين كاملين وهي في مقابل ذلك تطالبه بخدمته طوال حياتها ، لكن أمه البقرة لا تطالبه البتة بشيء من ذلك ، بل هذا العقل الهندي ما زال إلى اليوم يعبد الفئران .
هل تتصور أن يصبح الفأر إلهاً في زمن الأزمنة ؟ بل وهذا هو العقل العربي في الجاهلية يقتل البنات خشية الفقر والعار { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } [التكوير / 9،8] وهذا عقل يقول : آمنت بحزب البعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثانٍ وهذا عقل يقول :
هبوني عيدا يجعل العرب أمة
سلام على كفر يوحد بيننا


وسيروا بجثماني على دين برهم
وأهلا وسهلا بعده بجهنم

وهذا عقل يقول : إن مصر ستظل فرعونية ولو وقف الإسلام حجر عثرة في طريق فرعونيتنا لنحينا الإسلام جانبا لتظل مصر فرعونية . وهذا عقل يقول إن التوحيد قد ظلم المرأة قيل : كيف ذلك ؟ قالت صاحبة هذا العقل العفن : لأن كلمة التوحيد لا إله إلا هو ولِمَ لم تكن : لا إله إلا هي .
هذا عقل ، هذا هو العقل البشري حينما ينحرف عن منهج الأنبياء والرسل بل يا أخي لا يوجد على وجه الأرض عقل يفوق عقل الحبيب المصطفى r ومع ذلك قال الله لنبينا : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى / 52] .
رسول الله بعقله المنير الكريم الطاهر الذكي المبارك ما كان يعلم شيئا عن الوحي ولا عن الكتاب ولا عن الإيمان بعقله ، إلا بعد أن أوحى الله إليه ولذلك – لله در ابن القيم – إذ يقول :
لا يستقل العقل دون هداية
كالطرف دون النور ليس بمدرك
نور النبوة لم ينلك ضياءها
طرق الهدى محدودة إلا على
فإذا عدلت عن الطريق تعمدا
يا طالباً درك الهوى في العقل دو
علم العليم وعقل العاقل اختلفا
العلم قال أنا أحرزت غايته
فأفصح العلم إفصاحا وقال له
فأيقن العقل أن العلم سيده


بالوحي تأصيلا ولا تفصيلا
حتى يراه بكرة وأصيلا
فالعقل لا يهديك قط سبيلا
من أم هذا الوحي والتنزيلا
فأعلم بأنك ما أردت وصولا
ن النقل لن تلقى لذلك دليلا
من ذا الذي فيهما قد أحرزا الشرفا
والعقل قال أنا الرحمن بي عرفا
بأينا الله في قرآنه اتصفا
فقبّل رأس العلم وانصرفا
****************
لا سعادة للبشرية إلا بمنهج الأنبياء والمرسلين ، ومنهجهم واحد ، ودينهم واحد وهدفهم واحد وغايتهم واحدة ، دين كل الأنبياء الإسلام ، ما أنزل الله ديناً في الأرض أبدا إلا الإسلام ، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [ آل عمران / 19] فما من رسول ولا نبي إلا بعثه الله – جل وعلا – بالإسلام بداية من نبي الله نوح الذي قال كما قال عنه ربنا حكاية عنه في سورة يونس : { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [يونس/72] ودين إبراهيم هو الإسلام : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{127} رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }[ البقرة 128،127 ] ، دين يعقوب هو الإسلام : {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة/133] ، ودين موسى هو الإسلام قال تعالى حكاية عنه : {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }[يونس/84] ودين عيسى هو الإسلام قال تعالى : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }[المائدة/111] ، ودين سليمان هو الإسلام : {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{29} إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[ النمل / 29-31 ] ، ودين يوسف هو الإسلام قال تعالى حكاية عنه : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً} [يوسف / 101 ] بل وإن دين الجن المؤمنين هو الإسلام قال الله عز وجل حكاية عنهم قال تعالى : {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً{14} وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [ الجن / 15،14] ، ودين لبنة التمام ومسك الختام المصطفى هو الإسلام : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}[ المائدة3] .
قال – جل وعلا : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران/85] .
فيا من اختارك الله مسلما اسجد لربك شكرا أن خلقك موحدا وجعلك من أمة سيد الموحدين .
ومما زادني فخرا وتيها
دخولي تحت قولك يا عبادي


وكدت بأخمصي أطأ الثريا
وأن صيرت أحمد لي نبيا

ومن ثم من كذّب واحدا من الأنبياء فقط فقد كذّب جميع إخوانه من النبيين والمرسلين ، ولا يصح لك إيمان إلا إن آمنت بالله وبكل أنبيائه ورسله : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[البقرة/285] من كفر بنبي واحد فقد كفر بجميع إخوانه ومن كذّب نبيا واحدا ، فقد كذّب جميع إخوانه من النبيين والمرسلين ، فمن المعلوم أيها الأحبة أن قوم نوح ما كذبوا إلا نوحا وحده – عليه السلام – ومع ذلك قال تعالى : {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }[الشعراء/105]، وما كذب قوم لوط إلا لوطاً – عليه السلام – ومع ذلك قال تعالى : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ }[الشعراء/160] وما كذب قوم عاد إلا هوداً – عليه السلام – ومع ذلك قال تعالى : {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ }[الشعراء/123] بل وفي آية واضحة يبين الله هذا الحكم الحاسم في سورة النساء فيقول – جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}[ النساء / 151،150] .

ما أبرز سمات منهج الأنبياء والرسل في الدعوة إلى الله ، والجواب في عجالة سريعة بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد :
فيا أيها الأحبة الكرام أبرز سمات المنهج الدعوي للأنبياء والرسل ليحققه كل سائر على هذا الدرب المنير الكريم ، أبرز سمة : البدء بدعوة الناس لدين الله بشموله وكماله ، لا يجوز أيها الداعي أن تخطو على الطريق خطوة واحدة إلا بع أن تتعلم لتبدأ بدعوة الناس إلى العقيدة والتوحيد بشموله وكماله ، فنقطة البدء على طريق الأنبياء والمرسلين هي التوحيد: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل/36] ، وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }[الأنبياء/25] ، قال تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[ هود /61] ، قال تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[ هود/84] .
نقطة البدء أيها الدعاة على طريق رسل الله وأنبياء الله هي الدعوة إلى التوحيد ، فأنا أدين الله بأن الأمة لن تخرج من حالة الذل والهوان التي نحياها ، إلا إن عادت من جديد إلى نقطة البدء هذه ، إلى التوحيد بشموله وكماله ، إذ إن الإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم هذه الشريعة كل شؤون الحياة ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم ، وها هو سيد الدعاة r يبين لتلميذ من تلاميذ الدعوة النبوية المحمدية يبين لمعاذ بن جبل فقه الأولويات في الدعوة إلى الله فيقول له – والحديث في الصحيحين : (( يا معذ إنك تأتي قوما أهل كتاب )) .. يعني في اليمن (( فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك )) .
انظر إلى فقه الأولويات في الدعوة إلى الله (( فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم بأن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فأن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم بأن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )) (1) .
دعوة إلى التوحيد بشموله وكماله لا تقف عند جزئية من جزئيات الدين على أنها كل الدين ، لا يا أخي ادعُ إلى التوحيد إلى شموله وكماله كما دعا سيد الدعاة وإمام الموحدين لا أريد أن أطيل النفس .
ثانيا : من سمات المنهج البلاغ والبيان والحكمة البالغة والموعظة الحسنة : { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }[النحل/35] ، قال تعالى : {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}[المائدة/99] ، قال تعالى : { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة/67] ، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم/4] ، قال تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل/125] ، قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران/159]، قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى{43} فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه/44،43] الآيات كثيرة جدا بلاغا عن الله وبيانا بحكمة برحمة بأدب بتواضع .

أيها الدعاة إلى الله أيها الطلبة إننا لا نتعامل مع ملائكة بررة ، ولا نتعامل مع شياطين مردة ، ولا نتعامل مع أحجار صلدة ، إنما نتعامل مع نفوس بشرية فيها الإقبال والإحجام ، فيها الحلال والحرام فيها الخير والشر ، فيها الفجور والتقوى ، فيها الهدى والضلال ، فكونوا على بصيرة بمفاتيح هذه النفوس البشرية ، وهذه المفاتيح لأصول هذا المنهج الدعوي ، الذي حدده الله للأنبياء والمرسلين وهم أشرف من دعوا إلى رب العالمين.
فلا يجوز لداعية على الإطلاق أن يسلك هذا الدرب إلا وقد حصل أصول هذا المنهج الدعوي حتى لا تفسد من حيث تريد الإصلاح ، وحتى لا تضر من حيث تريد النفع .
الحكمة هي فعل ما ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي وأركانها: العلم والحلم والأناءة وآفاتها ، وأضدادها : الجهل والطيش والعجلة .
والرحمة سمة رقراقة وصفة جميلة بها يفتح الداعية قلبه إلى الخير ، هل رأيتم طبيباً قط أغلق عيادته في وجه المرضى ، لأنهم دخلوا عيادته بالمرض بل لم يفتح عيادته إلا لأصحاب الأمراض ، وأنتم أيها الدعاة أطباء القلوب فارحموا المرضى من أهل المعاصي والذنوب ، ووجهوهم إلى علام الغيوب ، وانقلوهم من المعصية إلى الطاعة ، ومن البدعة إلى السنة ، ومن الشر إلى الخير ، ومن الحرام إلى الحلال ، ومن الفجور إلى التقوى ، ومن الضلال إلى الهدى ، ولن يكون ذلك أبدا إلا بكلمة رقيقة ، إلا بكلمة رحيمة ، إلا بتواضع لله وذل وانكسار بين يديه – جل وعلا – لا تحدث الناس بلسان حالك يقول : أنا التقي وأنتم الأشقياء ، أنا المتبع وأنتم المبتدعون ، أنا الطائع وأنتم أهل المعاصي ، أنا التقي وأنتم الأشقياء .
لا ، يا أخي ورب الكعبة قلبك كريشة ملقاة في جو عاصف تقلبها الرياح في ثانية عشرات بل آلاف المرات .
أنت لا تضمن أبدا على أي حال سيختم لك ، قلبك بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ووالله لو تخلى الله عنا بستره طرفة عين لافتضحنا في الدنيا قبل الآخرة ولا تنس قول ربك: {َذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ}[النساء/94].
تحرك بين الناس برحمة ولا أريد أن أستدل على كل عنصر فالأدلة كثيرة ، لكن سأذكر حديثاً واحداً فقط رواه أبو داود وأحمد والترمذي وغيرهم وهو صحيح بمجموع طرقه ، أن سلمة بن صخر وهو رجل من الأنصار جامع امرأته يوما في نهار رمضان ثم ظاهر منها – يعني : قال لها : أنت عليّ كظهر أمي – حتى ينصرف رمضان خَشي أن يجامعها مرة أخرى فظاهر منها حتى ينقضي الشهر – وقع في أمرين عظيمين جامع وظاهر ، فلما أصبح قال لقومه : انطلقوا معي إلى رسول الله r لأخبره خبري قالوا : لا والله لن ننطلق معك نخشى أن يُنزل الله فينا قرآنا ، أو أن يقول فينا رسول الله كلمة تبقى عاراً علينا أبد الدهر ، فانطلق أنت إلى رسول الله واصنع ما بدا لك .
فانطلق سلمة بن صخر إلى النبي r فأخبره أنه جامع امرأته في نهار رمضان ثم ظاهر منها فقال له النبي r: ((أنت بذاك أنت بذاك)) يعني : أنت الذي ارتكبت هذين الأمرين العظيمين قال: أنا بذاك فقال له النبي: ((أنت بذالك)) قال أنا بذاك فأمض في حكم الله ، فإني صابر له يا رسول الله فقال له النبي r: ((أعتق رقبة)) فضرب سلمة بن صخر على صفحة رقبته هو وقال: والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها ، والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها ، فقال له النبي r: ((فصم شهرين متتابعين)) قال : وهل حصل ما حصل إلا في الصيام يا رسول الله ، قال له النبي r : ((فأطعم ستين مسكينا)) قال : والله لقد بتنا الليلة بدون عشاء . ( لا يوجد مخرج ) فقال له صاحب القلب الكبير – بأبي هو وأمي وروحي : انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق – وهم قوم سلمة – انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له : يأمرك رسول الله أن تدفع لي الصدقة فأطعم منها ستين مسكينا واستعن بما بقى منها أنت وعيالك )) .. فانطلق سلمة إلى قومه وقال : يا قوم والله لقد وجدت عندكم الضيق وسوء الرد ووجدت عند رسول الله السعة والبركة وقد أمرني أن تدفعوا لي صدقتكم فادفعوها لي ، فدفعوها له فأطعم ستين مسكينا واستعان بما بقى منها لأهله وعياله (1) .

هذا هو رسول الله r ، لا نعدد هذه المناهج من أجل الاستمتاع السالب ولا للثقافة الذهنية الباردة الباهتة ، بل ليحول كل سائر على هذا الدرب المنير هذا المنهج الرباني والنبوي إلى واقع عملي وإلى منهج حياة .
هذا وما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء ، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ، ويلقى به في جهنم وأقم الصلاة .

[ الدعاء ]

(1)- سيأتي قريبا بتمامه .
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3461) ، والترمذي في كتاب العلم ، باب ما جاء عن بني إسرائيل (2669) ، وأحمد في المسند ( 2/156) .
(2) [ صحيح ] أخرجه الترمذي في كتاب العلم ، باب ما جاء في الحس على تبليغ السماع (2657) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد في المسند (1/437) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة (2674/16) ، وأبو داود في كتاب السنة باب لزوم السنة (4609) ، والترمذي في كتاب العلم ، باب فيمن دعا إلى هدى واتبعه (2674) ، وابن ماجه في المقدمة باب من سن سنة حسنة (206) وأحمد في المسند (2/397) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشركة ، باب هل يقرع في القسمة ؟ (2439) ، والترمذي في كتاب الفتن ، ب (12) رقم ( 2173) ، وأحمد في المسند (4/269) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول النبي r : (( ويل للعرب من شر قد اقترب )) (7059)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج (2880/2،1)، وأحمد في المسند (6/429،428) ) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص (50/80) ، وأحمد في المسند (1/458) .
(1) [صحيح] أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم ، باب الأمر والنهي (4338) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر (2168) ، وابن ماجه في كتاب الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4005) ، وأحمد في المسند (1/7،5) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج ، باب فضل مكة (1586) ، ومسلم في كتاب الحج ، باب نقض الكعبة وبنائها (1333/398-405) ، وأحمد في المسند (6/176،102) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1395) ، باب لا تؤخذ كرائم الأموال الناس في الصدقة (1458) ، ومسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (19/29-31) ، وأحمد في المسند (1/233) .
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطلاق ، باب في الظهار (2213) ، والترمذي في كتاب الطلاق ، باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر (1198) ، وابن ماجة في كتاب الطلاق ، باب ما جاء في المظاهر (2062) وأحمد في المسند (4/37) .


عدل سابقا من قبل F-C-B في الخميس 19 مايو - 18:49 عدل 1 مرات
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
لمن تسمع ؟


إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..
أحبتي في الله :
نحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السابع من لقاءات سورة التربية والأخلاق (( سورة الحجرات )) .
وما زلنا بتوفيق الله وحوله مع أول آية من آيات هذه السورة الجليلة الكريمة التي يعلم الله – عز وجل – فيها المؤمنين الصادقين الأدب مع سيد المرسلين ، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات/1] . ما زلنا نطوف في بستان هذه الآية الماتع الجليل ، تكلمت عن الأدب القلبي مع حبيبنا النبي r وحديثنا اليوم بإذن الله – جل وعلا – عن الأدب العملي مع سيدنا رسول الله r .
أما الأدب العملي فقد بينه الرب العلي في آية جامعة في قوله تعالى : { َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر/7].

تعالوا بنا في إطار هذه الآية الجليلة التي تبين محوري الأدب من طاعة فيما أمر وانتهاء عما نهى عنه النبي r وزجر .
تعالوا بنا لنطوف في بستان الأدب العملي الماتع ، من خلال المحاور التالية :
أولا : أدلة القرآن
ثانياً : أدلة السنة
ثالثاً : واقع مشرق
رابعاً : واقع مؤلم
وأخيرا : سبيل النجاة
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب اللبيب

أولاً : أدلة القرآن :
لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r طاعة له – جل وعلا – طاعة النبي r طاعة لله ، ومعصية النبي r معصية لله ، قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [ النساء/80] تدبروا هذا التكريم من الرب العلي للحبيب النبي r: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} آية حاسمة تبين مكانة نبينا r عند ربنا فطاعتك لرسول الله r طاعة لله ومعصيتك لرسول الله r معصية لله قال – جل وعلا: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [النساء/59] ولاحظ أن الله – جل وعلا – أمر بفعل: {وَأَطِيعُواْ} { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} فقدم طاعة الله ، وطاعة رسوله r بفعل الأمر: {وَأَطِيعُواْ} ولما أمر بطاعة ولي الأمر لم يصدر هذه الطاعة بأمر: أطيعوا وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} لماذا ؟ .

لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعتهم لله ورسوله r ، إنما الطاعة في المعروف ، أما الطاعة المطلقة بلا تردد ولا انحراف لا تكون إلا للرب العلي ، وللحبيب النبي r قال تعالى: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } .

بل لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب ، أكرر : لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران/31] لقد جعل الله – جل وعلا – هذه الآية الجليلة علامة ، ليتبين من خلالها المحب الصادق من الدعي الكذاب ، فالمحب الصادق لله هو المتبع لرسول الله r والدعي الكذاب في محبته هو المخالف لأمر
رسول الله r .
علامة حاسمة دقيقة ، يستطيع كل واحد منا الآن أن يتعرف من خلالها ، على صدق محبته لربه – جل وعلا – فعلى قدر إتباعك للمصطفى يكون حبك لله وعلى قدر انحرافك عن منهج المصطفى r يكون بغضك لله وأنت لا تدري {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} أي : فاتبعوا المصطفى رسول الله {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ..

تعصي الإله وأنت تزعم حبه
إن كان حبك صادقاً لأطعته
من يدعي حب النبي ولم يفد
فالحب أول شرطه وفروضه


هذا لعمري في القياس شنيع
إن المحب لمن يحب مطيع
من هديه فسفاهة وهراء
إن كان صدقاً طاعة ووفاء

بل لقد أقسم ربنا بذاته العلية ، تدبروا هذه اللطيفة القرآنية – لقد أقسم ربنا بذاته العلية ، أنه لا يثبت إيمان لأي أحد على وجه الأرض ، إلا إذا حكّم رسول الله r في كل شيء في حياته وشؤونه ، ثم رضي بحكم رسول الله ولم يجد في حكمه حرجاً في صدره، وسلم لحكم النبي r تسليما مطلقاً قال تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } قسماً بذات الله العلية {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء/65] قال إمامنا ابن القيم – لله دره: تحكيم رسول r في كل شيء مقام إسلام ، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان والتسليم الكامل لحكمه مقام إحسان .
أكرر : تحكيم رسول r في كل شيء مقام إسلام ، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان والتسليم الكامل لحكمه مقام إحسان {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } .
بل لقد جعل – الله تعالى – طاعة النبي r سبيلاً وحيداً لبلوغ الصراط المستقيم، ولبلوغ الهداية التي جعلها الله غاية ، فما من مسلم إلا ويتضرع إلى الله في كل ركعة من ركعات الصلاة ، من صلاة الفرض ، وصلاة النفل يتضرع إلى الله أن يرزقه الله الهداية، فيقول:{اهدِنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } أنت تدعو الله بهذا الدعاء ، إن أردت أن تٌهدى إلى الصراط المستقيم فها هو الذي يدلك عليه ويأخذ بيدك إليه قال ربي – جل وعلا – لنبيه r : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى/52] .
تدبر القرآن لتعلم كيف تسلك الصراط المستقيم ، كل الطرق ، كل الطرق إلى الله مسدودة – إلا من طريق المصطفى r لا وصول للطريق المستقيم ، إلا خلف النبي
الأمين r .
الزم دربه إن وضع الحبيب r رجله اليمنى على هذا الصراط ، فضع رجلك اليمنى على أثر قدم الحبيب r ، وإن وضع رجله اليسرى فضع قدمك اليسرى على أثر الحبيب r ، والزم الغرز ، واتبع الطريق ، واسلك الدرب ، ولا تنحرف يمنة ولا يسرة ، لترى حتماً في آخر هذا الطريق ، لترى الحبيب المصطفى r ينتظرك على الحوض ، فإن شربت من هذا الحوض شربة لن تظمأ بعدها أبدا ، حتى تتمتع بالنظر إلى وجه الله في الجنة فالزم غرزه .
تدبر معي هذا الحديث الجميل الذي رواه أحمد في مسنده بسند صححه العلامة أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه – قال r : (( ضرب الله مثلا - تدبر المثل سترى فيه من الجواهر واللآليء والدرر ما نحن في أمس الحاجة إليه – قال الحبيب r : (( ضرب الله مثلا ً صراطاً مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران ))
تصور معي طريق صراط مستقيم وعلى جنبتي الصراط – أي على كل جانب من جانبي الصراط سور عظيم ((وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما )) : أي في السورين ((فيهما أبواب مفتحة وعلى كل باب ستور مرخاة )) ستر كل باب بمجموعة من الستائر المرخاة ((وعلى السورين فيهما أبواب مفتحة ، وعلى كل باب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط في أوله داعٍ يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا)) ((على رأس الصراط)) أي في أوله داعٍ يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، ومن فوق الصراط داعٍ آخر ، إذا أراد أحد الناس على الصراط أن يفتح بابا من هذه الأبواب )) .
على السورين التي ألقيت عليها الستور المرخاة (( يقول الداعي من فوق الصراط : ويحك ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه )) لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه أي : إن فتحت دخلت .
تدبر التأويل والتفسير من البشير النذير ، قال r : ((الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله ، والأبواب محارم الله ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم ))(1) ..
(( الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله)) فهذا الصراط له حدود {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق/1]. ((والأبواب المفتحة محارم الله)) إذا أردت أن تفتح أبواباً من هذه الأبواب يقول لك هذا الداعي: ويحك لا تفتحه لا تقترب من المحارم ، فالحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ، فالراعي إذا رعى حول الحمى يُوشك أن يقع فيه .
فلا تقترب من محارم الله ، لأنك لو اقتربت يوشك أن تقع ويُوشك أن تلج ويوشك أن تزل ، هذا الصراط لا يمكن لسالك على الإطلاق أن يسلكه ، دون أن يتعدى الحدود ، ودون أن يفتح باباً من الأبواب المستورة ، إلا إذا سلك طريق رسول الله r الذي بعثه الله للخلق ليهديهم إلى الصراط المستقيم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{52} صِرَاطِ اللَّهِ } [ الشورى/53،52] الآية .
فسلوك الدرب دون انحراف واعوجاج لا يكون أبداً إلا لمن أطاع رسول الله r قال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [ النور/54] قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف/158].
إذا إتباع النبي r سبب الهداية وسلوك درب الهداية، ثمرة حتمية للطاعة وللإتباع، للطاعة وإتباع النبي r قال – جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } هذا شعار أهل الإيمان فوق أي أرض وتحت أي سماء : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [النور/52،51] .
قال تعالى – ليبين حالة المنافقين أيضا بعد أن بين حال المؤمنين قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء /61،60] .
آيات واضحات بينات يبين فيها رب الأرض والسماوات حال المؤمنين وحال المنافقين ، اعرض نفسك الآن على الآيتين ، الكلام لي ولك .
لا تتصور أنني أخاطب بهذا القول غيري وغيرك لا ، اعرض نفسك الآن على الآيتين ، هل أنت من المؤمنين أم من المنافقين ، لا تستكثر كلمتي ، فلقد خشي النفاق على نفسه عمر بن الخطاب فلا تستكثر أن أتساءل وأقول : هل نحن من المؤمنين أم من المنافقين أم امتلأت قلوبنا بالنفاق ونحن لا ندري .
فالمؤمن شعاره السمع والطاعة ، بلا تردد ولا حذلقة ولا فذلكة ولا انحراف ، ولا جدل والمنافق شعاره السمع والإعراض ، السمع والصد السمع والانحراف السمع والبعد عن هدي رسول الله ، فأعرض نفسك على الآيتين هل نحن من المؤمنين الصادقين هل نحن ممن ردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة/285] أم أننا ممن قال : سمعنا وعصت قلوبنا ، وعصت جوارحنا ربها ونبينا r . اصدق اصدق أيها المسلم ، فما أيسر الادعاء ، وما أرخص التنظير ، وما أسهل الكلمات اعرض نفسك على أوامر رسول الله r ونواهيه لتتبين كيف حالك ، هل أنت صادق أم أنت مملوء بالنفاق ، وأنت لا تدري لا أريد أن أطيل النفس مع أدلة القرآن وإلا فوالله إنها لكثيرة .

ثانياً : أدلة السنة : روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ))(1) .

تدبر هذا اللفظ النبوي البليغ: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله)) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أيضاً أنه r قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة )) .. ما شاء الله اللهم لك الحمد .. (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )) يعني : إلا من رفض أن يدخل الجنة – قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ .. من يرفض أن يدخل الجنة من أمتك – فقال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))(2) .

تدبر أيها اللبيب قال r: (( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )) ..

ومن أرق الأحاديث في هذا الباب ما رواه البخاري وغيره من حديث جابر ابن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: جاءت ملائكة إلى النبي r وهو نائم فقال بعضهم – أي بعض الملائكة: إن لصاحبكم هذا مثلا، فاضربوا له مثلا فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان – فالنبي r إن نامت عينه لا ينام قلبه عن ذكر ربه أبداً – إن العين نائمة والقلب يقظان .
قالوا : مثله r كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة – أي وليمة للطعام وأرسل داعيه – أي بعث داعيا لدعوة الناس للدخول إلى الدار للأكل من طعام المأدبة - مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيه قال : فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي ، لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة .
قالوا: أولوها له يفقهها – يعني : فسروا له هذا المثل ، ليفقهه ليفهمه – فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، قالوا: الدار الجنة، والداعي محمد – فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله – ومحمد فرق بين الناس – أي فرق بين المؤمنين والكافرين والمنافقين – فمن آمن به وأطاعه فهو المؤمن الذي يدخل الدار ويأكل من المأدبة أي يدخل الجنة ويستمتع فيها بنعيم الله ، والكافر أو المنافق هو الذي عصى محمداً r وهو الذي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة([1]) أي لن يدخل الجنة ولن يستمتع فيها بنعيم الله – جل وعلا .

وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي ، وغيره من حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: وعظنا رسول الله r موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، قلنا: كأنها موعظة مودع، فأوصنا يا رسول الله فقال r: ( أوصيكم بتقوى الله – عز وجل – والسمع والطاعة )) .. وصية رسول الله لنا السمع والطاعة ((وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيرا )) صلى الله على الصادق الذي لا ينطق عن الهوى r (( فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) ([2]).
أكتفي بهذا القدر أيضا من أدلة السنة وإلا فوالله إنها لكثيرة وجليلة .

ثالثاً : واقع مشرق :
هل تحولت هذه الأدلة القرآنية والنبوية في حياة جيل من أجيال البشر إلى منهج حياة وإلى واقع عملي ، والجواب : نعم ! إنه الجيل القرآني الفريد ، إنه جيل الصحابة ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ،
جيل الصحابة .
الصحابة الذين حولوا كل ما استمعتم إليه في حياتهم ، إلى واقع عملي ، إلى منهج حياة ، كانوا يستمعون إلى الأمر الرباني ، والأمر النبوي ، فترتجف لهذا الأمر قلوبهم ، وتتحرك في التو واللحظة ، لتنفيذ الأمر – جوارحهم ، وتترجم في التو واللحظة هذا الأمر أعمالهم بلا تردد ولا انحراف إذا أمر الله ائتمروا إذا أمر رسول اله r ائتمروا ، إذا نهى انتهوا ، إذا حد لهم وقفوا عند الحد بصورة ورب الكعبة يكاد العقل أن يطيش أمامها كلما راجعت كتب السنة ، وكتب السيرة وكتب التاريخ ، يقف الإنسان مدهوشا أمام هذه الطاعة الجليلة العظيمة الفارهة .

تدبروا بعض الأمثلة على وجه السرعة ...

روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار مالاً بالمدينة ... كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار مالاً بالمدينة قال : وكان أحب ماله إليه بيرحاء ، وبيرحاء : اسم حائط للنخل حائط بستان كبير به نخل وكان هذا الحائط مستقبل المسجد النبوي ، وكان النبي r كثيرا ما يخرج من مسجده ، ليدخل إلى حائط بيرحاء عند أبي طلحة ، ليشرب فيه ماءً بارداً ، وليأكل فيه تمراً هنيا – بأبي هو وأمي .

قال : وكان أحب ماله بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، فلما نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران /92] .

تدبروا أيها الإخوة والأخوات – لما نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } يعني : لن تصلوا إلى درجة البر إلا إن أنفقتم من أحب أموالكم إليكم ، فلما سمع أبو طلحة الأنصاري الآية الكريمة أسرع إلى النبي r وقال : يا رسول الله بقد نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب مالي إلي بيرحاء ، وإني جعلتها صدقة لله – تعالى – أرجو بها وجه الله – عز وجل – فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال رسول الله r : (( بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح ذلك مال رابح ))(1) .

وقد سمعت ما قلت .. هل في لغة البشر ما يستطيع بها بشر أن يعبر عن طاعة هؤلاء البشر لسيد البشر r ؟! لا والله ، طاعة غريبة عجيبة ، وسمع مشرق .

وكيف أتحدث عن مثل هذا وأنسى الحديث عن صديق الأمة ، ذلكم الرجل الفريد بين خلق الله في أرض الله ، بعد الرسل والأنبياء ، لا نظير لهذا الرجل العملاق ، ضرب أروع المثل في السمع والطاعة ، بل في أحلك الأوقات وأشد الظروف والأزمات ، والإنسان بشر يتألم ويحزن ، وتجرح مشاعره ، ويفرح .
فلما خاض الخائضون في عرض عائشة بنت الصديق حبيبة رسول الله r لما خاض الخائضون في عرضها وقالوا قول الإفك الآثم زل رجل من بين هؤلاء يقال له : مسطح بن أثاثة مسطح هذا كان الصديق – رضي الله عنه – ينفق عليه إنفاقا تاما ومع ذلك زل مسطح في عرض عائشة بنت الصديق ، فلما نزلت براءتها من السماء أقسم أبو بكر أن يمنع العطاء عن مسطح بن أثاثة .

أمر فطري جبِلي ، فالبشر بشر، العبد عبد، والرب رب فأقسم الصديق أن يمنع عن مسطح فنزل قول الله – جل وعلا: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ } يعني: لا يحلف أولوا الفضل منكم على منع العطاء .
{وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور/22] دعا رسول الله r الصديق فقرأ عليه الآية فبكى أبو بكر – رضي الله عنه – حين سمع قول الله : { أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } قال : بلى والله يا رسول الله والله أحب أن يغفر الله لي ، والله لأردن على مسطح ما كنت منعته عنه من العطاء (1) .

انظروا إلى السمح ، ما قال : لا يا رسول الله ، سبني ، جرح عرضي ، جرح شرفي وهو محق في كل هذا ، إن قال : لا .. لا يقول هؤلاء مثل هذا في حضرة رسول الله r أمام كلام الله وأمام كلام رسول الله r لا .. والله أحب أن يغفر الله لي والله لأردن على مسطح ما كنت منعته عنه من عطاء .
وحين مات المصطفى r وتعطل جيش أسامة ، وبعث أسامة فلقد أمر النبي r أسامة بن زيد بعد ما أمّره على جيش أن يخرج لمناطحة الصخور الصماء، في بلاد الشام، لتأديب قبائل الروم ، والقبائل العربية التي أغارت على حدود الدولة المسلمة، وأمر النبي r على الجيش الحب ابن الحب أسامة ابن زيد، وهو شاب صغير، لم يبلغ ساعتها الخامسة والعشرين اختاره النبي r قائداً وجعل النبي r في هذا التوقيت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وغيرهم تحت قيادة أسامة – رضي الله عنه وعن أبيه .
فلما توفي المصطفى وتولى الأمر من بعده أبو بكر – رضي الله عنه – توقف بعث أسامة وانتظر أسامة بعد ما سمع بمرض النبي r وتألم كل أفراد الجيش وبعد يومين اثنين كما قال الإمام الطبري بعد يومين اثنين من موت النبي r أمر الصديق بإنفاذ بعث أسامة وقال: يا أسامة اغز حيث أمرك رسول الله r اغز حيث أمرك رسول الله r .. فاعتذر أسامة بأن المدينة مهددة بعد موت النبي r فقال الصديق : والذي نفس أبي بكر بيده لو تخطفتني السباع لأنفذت بعث أسامة كيف أعطل بعثاً بعثه رسول الله ؟! ثم قال : والله لو لم يبق في المدينة غيري لأنفذت بعثاً أمر به رسول الله r ...
يا خالق هؤلاء سبحانك !! يا خالق هؤلاء سبحانك !!
بل يأمر النبي r يوماً على المنبر الصحابة أن يجلسوا ويسمعوا كما في سنن أبي داود بسند صحيح عبد الله بن مسعود ، مازال على باب المسجد ، فهو هناك يسمع قول النبي r: (( اجلسوا )) فجلس، جلس لم يقل : أتقدم حتى أجلس بين يدي رسول الله r لا لا في هذا المكان سمع النبي r يقول : ((اجلسوا)) جلس ((أنصتوا)) أنصت فنادى عليه النبي r: ((تعال يا ابن مسعود، تعال يا ابن مسعود)) وفي رواية قال : (( ما أجلسك؟)) قال :: ها هنا سمعتك يا رسول الله تقول : ((اجلسوا)) فجلست ((أنصتوا)) فأنصت ([3]).
انظروا إلى طاعة هؤلاء .
بل من أروع وأجمل وأجل ما وقفت عليه ما رواه البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال علي : بعث رسول الله r سرية وجعل عليهم رجلا ... اختار النبي r لهم أميرا ، وأمر النبي r الصحابة بطاعة أميرهم فهو القائل r: (( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني )) ([4]).
لكن كثيرا من المسلمين لا يفهمون هذا الحديث النبوي ، ولا يحققون مناطه الذي لا بد منه للربط ربطاً صحيحاً ، بين دلالات هذا النص النبوي ، وبين حركة الواقع المتجددة المتغيرة ، فلا ينبغي أن تكون طاعتك لبشر ، على وجه الأرض غير النبي r - طاعة عمياء إن أمرك هذا تأتمر بدعوى أنه يقول : يقول لك رسول الله : (( من أطاع أميري فقد أطاعني)) ونحتج بالحديث في غير مناطه لا .
انتبهوا يا شباب : فأنا دائما أكرر ، أنا لا أنكر عليك صحة الدليل ، بل أنكر عليك فهمك للدليل وتحقيقك لمناط الدليل لا تكن الطاعة مطلقة إلا لبشر واحد هو المصطفى r أما الطاعة لأي بشر ولو للصديق أبي بكر ، لا تكون أبدا ، إلا إذا كانت هذه الطاعة موافقة لهدى رسول الله r : (( إنما الطاعة في المعروف )) .
فأمر النبي r الصحابة بالطاعة للأمير ، فوجد عليهم : أي غضب عليهم وحزن منهم في أمر ما فقال لهم هذا الأمير: أو ليس رسول الله r قد أمركم أن تطيعوني قالوا : بلى قال: اجمعوا حطباً ، فجمعوا حطباً قال : أوقدوا ناراً ، فأوقدوا الحطب ناراً ، قال الأمير: ادخلوها ، فهم القوم أن يدخلوها طاعة لأميرهم ، بل إن شئت فقل : طاعة لنبيهم r فمن الله عليهم بثياب منهم ، فاهم رزقه الله الفهم ، فالطائفة الأولى أذعنت للدليل وهذا الشاب المبارك بصرهم بفهم الدليل ومناطه فماذا قال ؟ قال : والله ما فررتم إلى رسول الله r إلا خوفاً من هذه النار ، والله ما فررنا وما آمنا بالله ورسوله r إلا لينجينا الله من هذه النار فندخلها قال : لا ، لا تفعلوا حتى نرجع إلى رسول الله r لنخبره ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها ، فيصبح الأمر هنا من رسول الله r .
لكن انظروا إلى الطاعة ، إن أمركم رسول الله r أن تدخلوا النار فادخلوها فلما رجعوا إلى النبي r أخبروه ، اسمع ماذا قال رسول الله r ؟ قال : (( والله لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف )) ([5])..
تعلموا يا شباب فقد يغرر بابن من أبنائنا بحديث كهذا ويقال له : تعال اقتل فلانا اسفح دم فلان ، بدعوى أنك تخدم الإسلام ، وبدعوى أنك مطيع لهذه الجماعة ، وطاعتك للأمير طاعة للرسول r كلا ، دجل ، كذب ، ضلال ، بهتان ، افتراء ، ليس من دين الله – جل وعلا – فالطاعة لا تكون إلا بالمعروف .
فاسأل الربانيين من العلماء ولا تندرج تحت كلمات لشباب متحمس لا أنكر أنه يريد أن يخدم دينه ، لكن ما هكذا يا سعد تورد الإبل .
فالنبي r يقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في التاريخ والنسائي في السنن من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي قال : من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً (1) هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .
فما يحدث الآن في بلاد الحرمين أو غيرها من بلاد الإسلام ، والله لا أصل له في دين الله ، وهذا أمر مخالف كل المخالفة لقرآن الله ، ولشرع رسول الله r أن تسفك دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ، باسم الإسلام ، فكم قتل أناس باسم الإسلام ، والإسلام من هؤلاء القتلة براء ، فينبغي أن نرجع إلى الربانيين من العلماء وأن نسمع عن الله ، وعن الصادق رسول الله r حتى لا تضر من حيث تريد النفع وحتى لا تفسد من حيث تريد الإصلاح ، فليس كل مريد للخير يدركه ، نسأل الله أن يدركه للخير وللهدى وللسبيل المستقيم إنه ولي ذلك والقادر عليه والذي نفس محمد بيده قال : (( والله لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف )) .
وها هو عمر – رضي الله عنه – يقبل الحجر – والحديث في البخاري وغيره– يقبل الحجر الأسود في الكعبة وهو يقول : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك(2).
أختم هذا العنصر الجليل بهذا المشهد الجليل : ذهب النبي r إلى زينب بنت جحش – رضي الله عنها – وطلب منها أن تقبل الزواج من مولاه زيد بن حارثة فأبت زينب وقالت: لا ، ما أنا بناكحته أتزوج مولى وهي الشريفة بنت عمة رسول الله قالت: لا ، ما أنا بناكحته ، يعني لن أتزوجه أتزوج مولى فنزل قول الله – جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [الأحزاب/36] فلما دعا النبي r زينب وقرأ عليها الآية الجليلة قالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله .
المرة الأولى كان النبي يشفع ، المرة الثانية وجدت نفسها أنها أما طاعة ومعصية فقالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله ، أقبل يا رسول الله ، إنه السمع ، إنها الطاعة ، إنه شعار المؤمنين ، واقع مشرق .
واضطر آسفا أن أهبط بكم هبوطا اضطراريا من هذا الأفق السامي إلى هذا الدرك السحيق في عنصرنا الرابع ، أعرج على هذا بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام ..
رابعا واقع مؤلم :
والله ما ذلت الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة إلا يوم أن انحرفت الأمة عن طريق نبيها ، والله ما ذلت الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة إلا يوم أن انحرفت الأمة عن طريق نبيها وراحت لتحقق منهج السمع والطاعة لغير الله ورسوله ، فشرقت الأمة مرة وغربت مرة ، وجنحت الأمة نحو الشمال مرة ، ونحو الجنوب مرة ، وظنت أنها بذلك قد ركبت قوارب النجاة ، فغرقت وأغرقت ، واستبدلت بالعبير بعرا ، وبالثريا ثرى ، وبالرحيق حريقا مدمرا ، فأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض وانتهك عرض رجالها وانتهك عرض نسائها ودنست مقدساتها ، وطمع فيها البعيد قبل القريب والذليل قبل العزيز ، والضعيف قبل القوي ، وجاءت كل أمة لتسرق من هذه الأمة المسكينة قطعة والواقع لا يحتاج إلى مزيد بيان .
فما من مسلم يعيش الآن إلا ويحمل قي صدره قلباً ، إلا وهو يعلم هذا الواقع ، فالواقع أليم مرير ، أصبحت الأمة الآن تتأرجح في الطريق بعد أن كانت في الأمس القريب ، الدليل الحاذق الأريب في كل الطرق ، بل في الدروب المتشابكة في الصحراء المهلكة، التي لا يهتدي أبدا بالسير فيها بسلام وأمان إلا الأدلاء المجربون .
وأصبحت الأمة تتسول على موائد الفكر البشري بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جدا منارة مشرقة تهدي الحيارى والتائهين ، ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام بعيدا عن منهج الله ، وعن منهج رسول الله r .
لماذا ؟ لأن الأمة انحرفت وتنكبت الطريق ، لذا فسبيل النجاة في عنصرنا الأخير : هو أن ترجع الأمة من جديد لتسير خلف رسول الله r ، فدين الله الذي هو الإسلام مبني على أصلين لا ثالث لهما .
الأول :أن تعبد الله وحده لا شريك به .
الثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله r .
وهذان الأصلان هما حقيقة قولنا : نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فبالشهادة الأولى يعرف المعبود – عز وجل – وبالشهادة الثانية نتعرف على الطريق الذي يتوصل منه إلى المعبود – عز وجل – هذا الطريق هو طريق محمد بن
عبد الله r .
سبيل النجاة أن نرجع إلى الله ، وأن نسير من جديد على درب رسول الله r وأن نردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة/285] .
أيها الأحبة : لن تنصر الأمة أبدا على أعدائها إلا إذا حولت هذا المنهج النظري التربوي ، إلى منهج عملي ، يوم أن حول الجيل القرآني الفريد منهج السمع والطاعة إلى منهج حياة حتى سادوا الأرض ، وفي نصف قرن تمكنوا من نصف الأرض ، وتحولوا من رعاة للإبل والغنم ، إلى قادة للدول والأمم ، وما زال منهج الله – جل وعلا – موجودا بكماله وتمامه ، فإن أرادت الأمة النهوض والسيادة والسعادة والكرامة والنجاة ، فها هو المنهج فترجع من جديد .
والله أسأل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والصدق في الأقوال والأعمال والأحوال وأن يردنا جميعا وأمتنا إلى هذا الدرب ردا جميلا .
[الدعاء ]

(1) [ صحيح] : أخرجه أحمد في المسند (4/182) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/73) ، وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولا أعرف له علة ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به (2957) ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، وتحريمها في المعصية (1835/33،32) ، وأحمد في المسند2/471،467،386) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الإقتداء بسنن رسول الله r (7280) ، وأحمد في المسند (2/361) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الإقتداء بسنن رسول الله r (7281).
(2) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب في لزوم السنة (4607) ، والترمذي في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة (2676) ، وقال :(حسن صحيح) ، وابن ماجه في المقدمة ، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (42) ، والدارمي في المقدمة باب إتباع السنة (95) ، وأحمد في المسند (4/126) ، وصححه الحاكم في المستدرك (1/96،95) ، ووافقه الذهبي .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الأقارب (1461) ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ، ولو كانوا مشركين (998/43،42) ، وأحمد في المسند (3/115) من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات ، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً (2661) ، ومسلم في كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (2770/56) .
(1) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الإمام يكلم الرجل في خطبته (1091) ، وابن خزيمة في صحيحه (3/142،141) (1780) ، والحاكم في المستدرك في الجمعة (1/283) ، وقال : ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى(3/206،205) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد ، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به (2957) ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، وتحريمها في المعصية (1835/33،32) ، وأحمد في المسند2/471،467،386) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام ، باب السمع والطاعة للإمام (7145) ، ومسلم في كتاب الأمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله وتحريمها في المعصية (1840/40،39) من حديث علي – رضي الله عنه.
(1) أخرجه أحمد في المسند (5/437،224) من حديث عمرو بن الحمق ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/285) ، وقال : رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج باب تقبيل الحجر (1610) ، ومسلم في كتاب الحج ، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (1270/250).
 
تاج الإسلام

تاج الإسلام

عضو نشيط
البلد/ المدينة :
بسكرة
المُسَــاهَمَـاتْ :
1034
نقاط التميز :
1924
التَـــسْجِيلْ :
28/03/2011
طريق الهداية


إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1) .
ثم أما بعد ..
فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة التي طال والله شوقنا إليها ، وزكى الله هذه الأنفس الكريمة التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله ، وشرح الله هذه الصدور العامرة، التي جمعنا بها الإيمان بالله .
طبتم وطاب ممشاكم – أيها الإخوة والأخوات - وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

أحبتي في الله .. طريق الهداية :
هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم ، في هذا اليوم الكريم المبارك ، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا ، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الأهم في العناصر المحددة التالية :
أولاً : أقسام الهداية .
ثانيا : أسباب الهداية .
ثالثاً : علامات الهداية .
وأخيرا : عقبات في طريق الهداية .
فأعرني قلبك ، وسمعك أيها الحبيب اللبيب ، والله أسأل أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

أولا : أقسام الهداية :
أيها الأحبة : إن أعظم وأشرف وأجل نعمة يمتن الله – جل وعلا -= بها على عباده نعمة الهداية نعمة الهداية للإيمان والتوحيد ، بل لقد افترض الله – جل وعلا – على عباده أن يتضرعوا إليه بطلب الهداية في كل ركعة من ركعات الصلاة سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة ، فما من ركعة وإلا تتضرع فيها إلى الله أن يهديك إلى الصراط المستقيم بقولك :{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }[الفاتحة/6].
فما هي الهداية وما أقسام الهداية ؟
الهداية في اللغة : هي الدَلالة أو الدِلالة بالكسر والفتح للدال واللغتان صحيحتان، الهداية هي الدلالة والتعريف والإرشاد والبيان وهي تنقسم إلى أربعة أقسام :

القسم الأول : الهداية العامة :
وهي مأخوذة من قول ربي حين سأل فرعون موسى وهارون عن ربهما قال فرعون : {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى } [طه/49] فأجابه موسى بقوله : {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه/50] هذه هي الهداية العامة {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.

أي : ربنا الذي خلق كل شيء على صورته ، وشكله اللائق به ، الذي يؤهله ويعينه على أداء المنفعة والمصلحة والمهمة التي خلق من أجلها .

فالعين مثلا خلقها الله بهذه الصورة البديعة والشكل الجميل ، وهيأها للإبصار ، فخلقها في علبة عظيمة قوية حتى لا تتلف ، وأحاطها بالرموش لتدفع الرموش عن العين الضوء ، وأحاطها بأهداب لتمنع الأهداب العرق من أن يتساقط إلى داخل العين ، ثم أمدها بماء مالح لتحفظ العين من الأتربة والميكروبات .

والأذُن مثلا خلقها الله – عز وجل – بهذا الشكل البديع الجميل في هذا التجويف العظمي الداخلي في الرأس ، ثم أحاطها من الخارج بهذا الصوان الخارجي الجميل ، وهيأها للسمع حتى في النوم ، وأمدها بماء مر حتى لا تتسرب الحشرات إليها وأنت نائم .

والفم مثلا ، خلقه الله بهذا الشكل البديع الذي يؤهله للطعام والكلام فالشفتان تنفرجان للطعام ، دون أمر منك لهما بالانفراج والقواطع تقطع والأنياب تمزق، والضروس تطحن، واللعاب يسهل ، واللسان يتحرك هنا وهنالك لتيسير المضغ وكذلك للكلام.

كل هذا خلق من ؟ كل هذا صنع من ؟ كل هذا هدى من ؟
لله في الآفاق آيات
ولعل ما في النفس من آياته
الكون مشحونٌ بأسرار
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
قل للصحيح مات لا من علة
بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام
بل سائل البصير كان يحذر حُفرة
وسل الجنين يعيش معزولا بلا
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه فسله
واسأله كيف تعيش يا ثعبان
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سائل اللبن المصفى من ببين فرث
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشرا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
وإذ ترى الجبل الأشم مناطحا
لله في الآفاق آيات
ولعل ما في النفس من آياته


لعل أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو ترى عيناك
إذا حاولت تفسيرا لها أعياك
يا مداوى الأمراض من أرداك
عجزت فنُونُ الطب من عافاك
من يا صحيحُ بالمنايا دهاك
بلا اصطدام من يا أعمى يقود خطاك
فهوى بها من ذا الذي أهواك
راعٍ ومرعى من ذا الذي يرعاك
من يا ثعبان بالسموم حشاك
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
شهدا وقل للشهد من حلاك
ودم من ذا الذي صفاك
فاسأله من يا نخل شق نواك
أنواره فاسأله من أسراك
فاسأل لهيب النار من أوراك
قمم السحاب فسله من أرساك
لعل أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو ترى عيناك

أإله مع الله ؟!!
قال ابن القيم : من تأمل بعض هداياته في خلقه لعلم أنه الإله الواحد الحق الذي يستحق أن يوحد ويستحق أن يعبد بلا منازع أو شريك { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه/50] أي : ثم هداه إلى ما يصلحه ، ويؤهله للقيام بالوظيفة التي خلق من أجلها ووجد من أجلها ، هذه هي الهداية العامة لو تدبرت كل شيء في الكون لوصلت إليها .
بل لقد أضاف العلامة الألوسي في (( روح المعاني )) إضافة جديدة جميلة للآية فقال : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه/50] قال ربنا الذي خلق كل شيء على صورته وشكله اللائق به وجعل هذا الشيء دليلاً على وجوده .

ففي كل شيء له آية
سل الواحة الخضراء والماء جاريا
ولو جُن هذا الليل وامتد سرمدا


تدل على أنه الواحد
سل الليل والإصباح والطير شاديا
فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا

لا أريد أن أطيل النفس مع كل عنصر وإلا فورب الكعبة إن كل عنصر من عناصر اللقاء يحتاج إلى لقاء .

الهداية العامة :
ثانيا : من أقسام الهداية : هداية الدلالة والبيان والتعريف والإرشاد :
ومعناها : أن الله – جل وعلا – خلق الإنسان وأرشده ودله وهداه وعرفه طريق الخير والشر .
تدبر كل لفظة خلق الله الإنسان ودله وأرشده وبين له وعرفه طريقي الخير والشر.

قال تعالى : {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }[البلد/10] أي : الطريقين : طريق الخير وطريق الشر .
قال تعالى : {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }[الإنسان/3]
قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [ الشمس/7-10]

ومع ذلك من رحمة الله بنا أن الله لم يعذب خلقه بعد هذه الهداية أي : بعد هداية الدلالة، بل أرسل الله إلى الخلق الرسل والأنبياء ، وأنزل الله عليهم الكتب ، ليأخذ الرسل والأنبياء بيد البشر من ظلام الشرك والوثنية إلى أنوار التوحيد والإيمان برب البرية ، ليدل الرسل والأنبياء البشر على الحق تبارك وتعالى وقال – جل وتعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[الإسراء/15] .
وقال سبحانه: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[ النساء/165] .
وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [هود/61] ، قال تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [هود/50] .

قال تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [ هود/84] .

وبالجملة : قال تعالى : {َإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }[فاطر/24] .

فالله – جل وعلا – لا يعذب عباده إلا بعد أن يقيم الحجة عليهم ببعثه الأنبياء والمرسلين، ومع ذلك من رحمة الله بخلقه أن أبقى في كل أمة بعد رسولها ورثة لهذا النبي ، وهذا الرسول ، إنهم ورثة الأنبياء ، إنهم الدعاة المصلحون ، إنهم المخلصون المنصفون ، الآمرون بالمعروف بمعروف ، والناهون عن المنكر بغير منكر ، إنهم الشموع التي تحترق ، لتضيء للأمة طريق ربها ونبيها ، إنهم العلماء الربانيون ، والدعاة الصادقون ، فهؤلاء أيضا بعد الرسل يدلون الخلق على الحق ، ويأخذون بأيدي البشر إلى طريق رب البشر ، والسير على طريق سيد البشر r .

قال رسول الله r كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : (( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب )) .. اللهم اجعلنا من حواري رسول الله r ((إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ))(1) .

إذا هداية الدلالة يؤديها العلماء بعد الرسل والأنبياء ، لأنهم ورثة الرسل والأنبياء قال تعالى لنبينا: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف/108].

قال ابن القيم : ولا يكون الرجل من أتباع النبي r حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي r على بصيرة .
هذه هي هداية الدلالة .

ثالثا : هداية التوفيق : وهذه لا يملكها مَلَكّ مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولو كان المصطفى r، لا يملك هداية التوفيق إلا الله ، نعم ! لا يملك هداية التوفيق إلا الله ، ما عليك فقط إلا أن تبحث عن هداية الدلالة ، عن الأسباب ، وأن تجاهد ، وأن تسأل ربك الهدى ليرزقك هداية التوفيق .

ما هي هداية التوفيق ؟

أن يوفقك الله – جل وعلا – لتوحيده والإيمان به والسير على صراطه المستقيم ، ليست بيدك ولا بيدي ، ليتعلم العلماء والدعاة الأدب مع الله فوظيفتي ، ووظيفتك الإنذار والبلاغ ، أما القلوب ، فإنها بيد علام الغيوب .
ما عليك إلا أن تبذر بذراً صحيحاً على القرآن والسنة ، وأن تدع النتائج بعد ذلك إلى الله ، فليس من شأننا أن نقاضي العباد وإنما هذا شأن الله – سبحانه وتعالى – الذي يحاسب الخلق على كل صغيرة وكبيرة .
ولو كانت هداية التوفيق بيد المصطفى r لهدى النبي r عمه أبا طالب الذي تفطر قلب النبي r من أجل هدايته ، لأن أبا طالب كان يشكل حائط صد منيع ، طالما تحطمت عليه سيوف ورماح أهل الشرك في مكة أحاط النبي r بكل ما يملك ، ومع ذلك، فلم يستطع النبي هدايته أبدا ، هو بذل له هداية الدلالة ، وهي المرادة في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[الشورى/52] .

أما هداية التوفيق قال الله فيها لنبيه :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}[ القصص/56] .

روى البخاري وغيره أن النبي r دخل على أبي طالب وهو على فراش الموت وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فجلس النبي r إلى جوار عمه وقال : (( يا عم قل : لا إله إلا الله ، يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة )) فقال أبو جهل لأبي طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! يعني : أتترك دين آبائك وأجدادك ، فقال أبو طالب – ولا حول ولا قوة إلا بالله – بأنه على دين عبد المطلب ، فخرج الرحمة المهداة والنعمة المسداة صاحب القلب الكبير خرج من عند عمه وهو يقول: (( لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك )) .. فنزل عليه قول الله عز وجل : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة/113] إنا لله وإنا إليه راجعون .

لو كانت هداية التوفيق بيد المصطفي r لاستطاع أن يهدي عمه أبا طالب هذا يبين لنا أيها الأحبة أننا في غاية الفقر لله - جل وعلا – وفي أمس الحاجة إلى توفيق الله – جل وعلا – فوالله ما أتيت اليوم برغبتك وإنما بتوفيق الله لك ، والله ما جلست اليوم في هذا المكان من ساعات مبكرة إلا بعد توفيق الله لك .

والله لولا أنت ما اهتدينا
فأنزلن سكينة علينا


ولا صمنا ولا صلينا
وثبت الأقدام إن لاقينا

قال الله – عز وجل : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[الأعراف/42] تدبر : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} اللهم انزع ما في صدورنا من غل {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [ الأعراف/43] اعتراف المؤمن بالفضل لله ، فالمؤمن لا يرى لنفسه أبداً فضلا ، لا يرى لنفسه في قول ولا في عمل فضلا ، فالفضل ابتداء وانتهاء لله – جل جلاله – فإن أطعت فمن وفقك للطاعة وإن ذكرت فمن أعانك على الذكر ؟ وإن شكرت فمن وفقك للشكر ؟ وإن أصبحت طالب علم فمن علمك ؟ وإن فهمت مراد الله فمن فهمك ؟ وإن وفقك الله لبر الوالدين فمن وفقك ؟ وإن حبب الله إليك البذل فالفضل ابتداء وانتهاء لله – جل وعلا – قال سبحانه وتعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات/17] .

رابعاً : الهداية في الآخرة : الهداية العامة وهداية الدلالة والبيان ، وهداية التوفيق ، والهداية في الآخرة ، أقسام الهداية وآخر مراتب الهداية .

تدبر معي ! أيها الحبيب اللبيب فمن هدي في الدنيا إلى الصراط المستقيم هدي في الآخرة للسير على قَدْر هداه في الدنيا على الصراط المضروب على متن جهنم .

على قدر سيرك هنا يكون سيرك هنالك ، وعلى قدر وجود الشهوات والشبهات، التي تعيق سيرك على الصراط المستقيم في الدنيا ، ستكون قوة الخطاطيف والكلاليب، التي تعيق سيرك إلى جنات النعيم .

تدبر هذا الكلام النفيس ! كلما قويت الشهوات والشبهات التي تعوق سيرك على الصراط المستقيم ، قويت هنالك على الصراط الخطاطيف والكلاليب التي تعيق سيرك على الصراط، لتصل إلى جنات النعيم ، فإذا كانت الشهوات والشبهات ضعيفة ، كانت الخطاطيف والكلاليب هنالك ضعيفة وإذا كانت هنا قوية كانت هنالك قوية .
فمن الناس من يمشي على هذا الصراط في الدنيا بثبات ، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك، لا يلتفت إلى الوراء لنداء الشيطان ، والنفس الأمَارة بالسوء والهوى وصحبة السوء، إنما هو عرف طريقه ، عرف ربه ، وسار على درب الحبيب r لا يلتفت إلى الوراء، بل إذا وقعت قدمه في بؤرة معصية ، وتأثرت ثيابه بشوك المعاصي ، سرعان ما يجذب ثيابه ليطهرها بدموع التوبة ، ليواصل سيره ومسراه إلى ربه وسيده ومولاه خلف حبيبه سيدنا رسول الله r عرف الدرب .

هذا يمر على الصراط المضروب على متن جهنم يوم القيامة كالبرق بمجرد أن يعبر، أو أن يضع قدمه اليمنى على الصراط، يرى نفسه كالبرق في جنات النعيم، ومنهم من يمر عليه كالطرف كالريح، كأجاويد الخيل والركاب، ومنهم من يمر عليه يجري ، ومنهم من يمر على الصراط يمشي، ومنهم من يمر على الصراط يحبو على يديه ورجليه، ومنهم من يمر فتسفعه النار مرة، وتخدشه النار مرة وينجيه الله، ومنهم من تخطفه الكلاليب إلى نار جهنم
والحديث رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري([1])وغيره ، فعلى قدر سيرك هنا على الصراط يكون

سيرك هنالك على الصراط .
أهل الإيمان يعبرون الصراط إلى الجنة تدبر معي قول ربي :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{23} وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } أي في الدنيا ، وفي الآخرة { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }[ الحج /24،23] .
اللهم اجعلنا منهم وهدوا إلى الطيب من الأقوال في هذه الحياة ، لا يتكلم إلا خيرا، لا يأمر إلا بمعروف ، لا ينهي إلا عن منكر ، لسانه رطب بذكر الله ، لا يخرج العيب ، لا يعرف الغيبة ، لا يعرف النميمة ، لا يعرف الكذب ، لا يعرف شهادة الزور ، هذا يهديه ربه يوم القيامة إلى صراط الحميد ، وهدوا إلى صراط الحميد {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} [ الواقعة / 10-14] .

قال ابن القيم : السابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات ، هم السابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات ، وعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك .
قال الحبيب r - وتدبروا هذا الحديث الرقراق الجميل الذي رواه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار))([2]) .

أي إذا عبروا الصراط ونجاهم العزيز الغفار من النار وأرجو أن تتصوروا معي هذا المشهد الذي يخلع القلب قال تعالى:{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}[ مريم 72،71] اللهم اجعلنا من المتقين.

تدبر معي المشهد قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار ، آخر رجل يدخل الجنة يعبر على الصراط تسفعه النار مرة ويكبو مرة ، فإذا نجاه الله التفت إلى النار خلفه )) نجا عبر (( يلتفت للنار من خلفه تحت الصراط ويقول : تبارك الذي نجاني منك ، الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين من خلقه )) .
وهو آخر رجل يدخل الجنة ، فالأمر ليس يسيرا يقول النبي r (( إذا خلص المؤمنون من النار )) انطلقوا إلى الجنة ؟ لا ، انتظر لا ، ماذا بعد ؟ وهل هناك أمر بعد الصراط ؟ نعم بعد الحساب ؟ نعم بعد الميزان ؟ نعم ماذا بعد ؟
((يحبس المؤمنون بعد عبورهم للصراط على قنطرة أخرى بين الجنة والنار)) لماذا؟ ((للقصاص)). للقصاص ، هل تتصور أن ظلمك لأخيك سيضيع سدى ؟ لا ، هل تتصور أنك يوم أن اغتبت فلانا ، أو مشيت بالنميمة ، وأفسدت القلوب بين الناس أو ظلمت فلانا ، أو ضربت فلانا ، أو شتمت فلانا أو قذفت فلانة ، هل تظن أن هذا يضيع سدى؟ لا ، مع أنك من المؤمنين وعبرت الصراط ، تُحبس مرة أخرى للقصاص .
اسمع ماذا قال سيد الناس : (( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار يتاقصون مظالم كانت بينهم )) .. آه من الظلم! آه من الظلم ! ولو بكلمة ((يتقاصون مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا ونقوا انطلقوا إلى الجنة )) ، اسمع ماذا يقول رسول الله r قال (( فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى )) أي : أعرف وأدل (( لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا )) { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[ الحج /24،23] ما تدبر كثيرا من هذه الكلمات النبوية .

أقول : ينطلق الآن بعد صلاة الجمعة بعد هذا الجمع الكريم بين يدي كل واحد منا سيذهب إلى بيته ومنزله ، دون أن يسأل أحداً ، ليدله على هذا المنزل كذلك في الآخرة بعد هذا القصاص والتطهير والتهذيب ، ينطلق كل مؤمن إلى منزله على قدر مكانته وعمله في الجنة يقول النبي r : ((هو أعرف بمنزله في الجنة من معرفته بمنزله كان في الدنيا )) { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } .

قال – جل وعلا – في سورة محمد : {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }[محمد/6] فكل يعرف منزله وكل ينطلق إلى مكانته ، نسأل الله أن يرزقنا الفردوس الأعلى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

أيها الأحبة الكرام : هذه هي مراتب الهداية ، وأقسام الهداية ، هداية عامة ، وهداية الدلالة والإرشاد والتعريف والبيان وهداية التوفيق ، والهداية في الآخرة ، يهدي الله أهل الجنة إلى الجنة ، ويهدي الله أهل النار إلى النار ، فكما أن الجنة درجات ، فأن النار دركات ، اللهم نجنا من النار كل له منزلة ، كل له مكانة في النار ، فالجنة درجات ، والنار دركات قال – جل وعلا – {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[ الصافات/ 23،22] .

أيها الأحبة : هذا بإيجاز شديد جداً في أقسام الهداية .

فما هي أسباب الهداية على وجه السرعة ؟ هذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء.

أعظم أسباب الهداية : أن تعرف الله ، فمن عرف الله بأسماء جلاله وصفات كماله أحبه ، من عرف الله أحبه ، ومن عرف الله خافه ، والحب والخوف هما العبادة ،فالعبادة هي كمال الحب لله ، مع كمال الذل لله ، ومن عبد الله – عز وجل – وحده لا شريك له فقد هدي إلى الصراط المستقيم ، من عبد الله – عز وجل وحده لا شريك له فقد هدي إلى الصراط المستقيم .

ثانيا : بإيجاز الإيمان بالله – تبارك وتعالى : تدبر معي ! هذه الآية الجميلة قال سبحانه : { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [ التغابن/11] الله أنت قرأتها مرارا ولكن أرجو أن تتدبرها عش معنى الآية : { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } ولو هدى القلب لسجد بين يدي الرب سجدة لا يقوم منها حتى يستمتع بالنظر إلى وجه ربه في الجنة ، والله لو ذاق القلب حلاوة السجود ما قام من سجدته ، والله لو ذاق القلب حلاوة الإيمان ما فارق هذا الباب أبدا { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } وهدى القلب سبيل السعادة في الدنيا والآخرة{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء/89،88] اللهم اهد قلوبنا.

ثالثا : من أسباب الهداية الاعتصام بالله : ذكرت أنه لا حول ولا قوة لنا إلا به – جل جلاله – فما عليك إلا أن تبحث عن أسباب هداية الدلالة وأن تسأل ربك أن يلهمك هداية التوفيق ، وأن يحبب الإيمان إلى قلبك وأن يزينه فيه ، وأن يثبتك على الصراط المستقيم: {َمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[آل عمران/101] ما هو الصراط المستقيم ؟ وأنت تكرر اللفظة كثيرا . قال عليّ رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو القرآن . قال ابن عباس رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو الإسلام . قال ابن الحنفية رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو دين الله ، الذي لا يقبل غيره أبدا .. دين الله هو الصراط المستقيم .
وفي الحديث الصحيح (1) الذي رواه أحمد في مسنده وغيره من حديث النواس بن سمعا – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما)). تدبر هذا المثل النبوي البليغ: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران وفيهما أبواب مفتحة)). أي: في السورين أبواب مفتح’ ((وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ، ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ويقول )) إذا أراد الإنسان أن يدخل باباً من هذه الأبواب المفتحة التي أرخيت عليها الستور يقول له الداعي من فوق الصراط : (( ويحك ويحك لا تفتحه )) . أي لا تفتح هذا الباب (( فإنك إن تفتحه تلجه )) .. إن فتحت دخلت ، والمعنى قال الحبيب r : (( الصراط هو الإسلام )) .. هذا تفسير النبي r إذاً للصراط ((الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم)) ((واعظ الله في قلب كل مسلم)) .

فأنت إذا هممت بمعصية ، ترى واعظا في قلبك ، يقول لك : لا ، لا ، تفعل هذا، ابتعد، هذا حرام ، وإذا فعلت طاعة تسمع الواعظ في قلبك يزين لك الطاعة يحببها إليك ويحثك على المزيد ، وعلى الإكثار ، ولذا قال المختار r : (( البر حسن الخلق ، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ))([3])

ترمومتر دقيق فب قلب كل مسلم، واعظ الله في قلب كل مسلم، نسأل الله أن يحي قلوبنا وأيضا من أعظم أسباب الهداية بعد الإعتصام بالله والتمسك بدينه وصدق اللجأ إليه – تبارك وتعالى – المحافظة على الصلوات .
قال ابن مسعود – والحديث رواه مسلم : من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كالمتخلف الذي يصلي في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق ، معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.([4])

خامساً بإيجاز : الصحبة الصالحة : الصحبة الصالحة من أعظم أسباب الهداية أن تصحب رجلا يذكرك بالله ، وأن تبتعد عن رجل يحول بينك وبين معرفة الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً{27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً{28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} [ الفرقان / 27-29] لذا قال الحبيب r: ((لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي )) ([5]).
وقال r: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير))([6]).

عقارب الساعة تطاردنا وأنا لا أريد أن أشق على إخواني خارج بيت الله – جل وعلا – ومازالت عناصر ونقاط الموضوع بين يدي كثيرة ، لكن أكتفي بهذا القدر ، والله أسأل أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا وأن يرزقنا الهدى والعفاف والغنى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :
فيا أيها الأحبة الكرام : من أعظم أسباب الهداية أيضا المجاهدة :
قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت/69] والمجاهدة للنفس أربع مراتب :
المرتبة الأولى : مجاهدة النفس على تعلم الحق ، والهدى .
المرتبة الثانية : مجاهدة النفس على العمل بما تعلمت .
المرتبة الثالثة : مجاهدة النفس على الدعوة إلى الحق والهدى .
المرتبة الرابعة : مجاهدة النفس على الصبر على الأذى والبلاء .
فمن تعلم وعمل وعَلْم لابد أن يتعرض للأذى من المنافقين والظالمين . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} [ الفرقان /31] . وقال تعالى : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ العنكبوت /3،2] .
ثالثا : بإيجاز شديد لأكمل الموضوع ولو في عجالة علامات الهداية :

وأول علامة من علامات الهداية : تحقيق الإيمان :
فمن آمن بالله ووحد الله فقد هداه الله – سبحانه – وهذه أعظم علامات هداية الله له . بإيجاز شديد من أعظم علامات الهداية أن تحافظ على الصلوات .

ثالثا: من أعظم علامات الهداية السمع والطاعة لله ورسوله: قال تعالى: { فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ الزمر / 18،17] .
وقال في شأن طاعة رسوله r :{إِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [ النور/54] فطاعة الله وطاعة رسول الله من أعظم علامات الهداية إن كنت ممن أطاع الله وأطاع رسوله r .

رابعا : من علامات الهداية الدعوة إلى الله – عز وجل : على قدر استطاعتك بأي وسيلة من الوسائل ، والأمر بالمعروف بمعروف ، والنهي عن المنكر بغير منكر .
كذلك من علامات الهداية : الصحبة الطيبة والبعد عن صحبة السوء من علامات الهداية المحافظة على الأمر والنهي .
من علامات الهداية : أن يكون سمتك وهديك ودلك موافقا لسمت وهدي ودل رسول الله r مع نية صادقة وعمل صالح ، وإلا فإن المظهر وحده لا يكفي مع سوء وفساد الطوية وبعد عن العمل الصالح لا يكفي هذا المظهر على الإطلاق .
لذا روى الإمام أحمد في مسنده وغيره بسند صحيح ، بشواهده أن النبي r قال: ((خير عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله))(1).
هناك مسلم إذا مشي في طريق ورآه الناس ذكروا الله ، تذكروا الله بسمته بهيبته ، ولاحظ أن الهيبة لست كبرا ، فقد يتصور بعض طلابنا ، أنه من أجل أن يُحَصْل الهيبة عند الناس يتصور أنه لابد من أن يتقعر ، ولابد من أن يعبث بجبينه ، ولابد من أن يتكلم بصوت أجش ، لا ، لا اسمع لأبن الجوزي – رحمه الله تعالى – إذ يقول : هيبة الناس لك لا تكون إلا على قدر هيبتك أنت من الله ، فمن الناس من يُرى فيذكر الله .
من علامات الهداية : حب الناس لك وثناء الناس عليك :

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: ((إذا أحب الله عبدا نادى جبريل يا جبريل إني أحب فلانا)) .. يا الله !! تصور أن يذكر اسمك ملك الملوك الله، يذكر اسمك لجبريل ، وجبريل يذكر اسمك في الملأ الأعلى ((يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم ينادي جبريل في أهل الأرض: يا أهل الأرض إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل الأرض أو فيوضع له القبول في الأرض))([7])

اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر أنه قال : يا رسول الله إن الرجل ليعمل العمل من الخير فيلقى الله له الثناء الحسن – أي : على ألسنة المسلمين – فقال النبي r : (( تلك عاجل بشرى المؤمن))((تلك عاجل بشرى المؤمن)) ([8]).

فمن علامات هداية الله لك أن يحبك الناس لكن ليس كل الناس فلن يحب المؤمن إلا المؤمنون ، أما المنافق فهو يبغض المؤمن من كل قلبه ، لذا اعلم أخي :

أنه لا يبغض مؤمنا إلا منافق ، ولا يحب مؤمنا إلا مؤمن ، فالأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .
قال الخطابي : أرواح المؤمنين تحن إلى المؤمنين ، وأرواح المنافقين تحن إلى المنافقين قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم/96] أي : محبة في قلوب عباده المؤمنين .

بقى أن أتحدث عن عقبات في طريق الهداية لكني أخشى أن أطيق عليكم .

فمن أخطر العقبات : الكفر والظلم والفسق { إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة/67] ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }[المنافقون/6] ، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام/144 ] ، الإسراف والكذب {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر/28 ] ، الهوى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص/26] .

وأخطر هذه العقبات الشيطان: قال تعالى: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور/21]، فالشيطان له خطوات وهو لنا عدو: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا} [فاطر/6] ، وقال الله فيه: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج/4].

[الدعاء ]


(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والجمعة (867/43) ، وأحمد في المسند (3/310) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه .
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ، وأن الإيمان يزيد وينقص (50/80) ، وأحمد في المسند (1/458) .
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية (183/302) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المظالم ، باب قصاص المظالم (2440) ، وأحمد في المسند (3/94) .
(1) [ صحيح] : أخرجه أحمد في المسند (4/182) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/73) ، وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولا أعرف له علة ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي .
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب تفسير البر والإثم (2553/15،14) ، والترمذي في كتاب الزهد ، باب ما جاء في البر والإثم (2389) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد في المسند (4/182) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (654/257) ، والنسائي في كتاب الإمامة ، باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بها (848)
(3) [حسن] : أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب من يؤمر أن يجالس (4832) ، والترمذي في كتاب الزهد ، باب ما جاء في صحبة المؤمن (2395) ، والدارمي في كتاب الأطعمة ، باب من كره أن يطعم (2057) ، وأحمد في المسند (3/38) كلهم من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه .,
(1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع ، باب في العطار وبيع المسك (2101) ، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء (2628/146) وأحمد في المسند (4/408،405) من حديث أبي موسي الأشعري
(1) – أخرجه أحمد في مسنده (4/227) بلفظ ((خيار)) بدل ((خير)) وقال الهيثمي في المجمع (8/93) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وقد وثقه غير واحد وبقية رجاله رجال الصحيح .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب ، باب المقه من الله تعالى (6040) ، ومسلم في كتاب البر والصلة ، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده (2637157) ، وأحمد في المسند (2/446،440) .
(2) - أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره (2642/166)، وابن ماجه في كتاب الزهد ، باب الثناء الحسن (4225) ، وأحمد في المسند (5/157،156) .
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى