نجم الإسلام
طاقم الإشراف العام
- رقم العضوية :
- 192
- العَمَــــــــــلْ :
- التربية و التعليم
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 5608
- نقاط التميز :
- 8397
- التَـــسْجِيلْ :
- 06/06/2009
حوار مع المجاهد ياسف سعدي بطل معركة الجزائر
كشف المجاهد ياسف سعدي، أحد قادة المنطقة الحرة (العاصمة) خلال ثورة التحرير، أن الجنرال شارل ديغول وافق على عرضه بوقف استهداف المعمرين بالمتفجرات مقابل وقف فرنسا لقطع رؤوس الجزائريين المحكوم عليهم بالإعدام، وأضاف ياسف سعدي في حوار أجرته معه "الشروق" في أحد منازله بالعاصمة أن ديغول عندما وصل إلى الحكم في أوت 1957 أوقف إعدام 235 مجاهد بالمقصلة.
- [b]* كيف تعاملت الثورة التحريرية مع جرائم التعذيب والإعدام بالمقصلة التي كان ينفذها الفرنسيون ضد الشعب الجزائري؟
- - قبل اعتقالي في 24 سبتمبر 1957 بأشهر، زار الجزائر وفد فرنسي لحقوق الإنسان للاطلاع على وضعية المساجين والتعرف على حقيقة تعذيب الجزائريين في السجون الفرنسية، وكان على رأس هذا الوفد باحثة آثار فرنسية تدعى "جرمان تيلون" عاشت في الأوراس 14 سنة وعملت هناك كمدرسة وأتقنت الشاوية بشكل جيد، وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) أسست جمعية "متحف الإنسان" وانضمت إلى المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لفرنسا، لكن الألمان تمكنوا من اعتقالها رفقة ابنة أخ الجنرال شارل ديغول التي كانت تربطها بها علاقة صداقة متينة، ومن خلالها تعرفت جرمان على ديغول الذي كان يحترمها لدورها في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، وعند اندلاع الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954 دعا الحاكم الفرنسي العام للجزائر "سوستال" السيدة "جرمان تيلون" لمساعدته في الجزائر، لكنها رفضت بشدة بل شتمته، وأكثر من ذلك أسست جمعية للدفاع عن حقوق الجزائر ضمت شخصيات لها وزنها في فرنسا.
- * ما هو الدور الذي لعبته "جرمان تيلون" في إقناع ديغول بوقف عمليات إعدام المجاهدين الجزائريين بالمقصلة؟
- - عندما وصل الوفد الفرنسي للدفاع عن حقوق الإنسان إلى الجزائر وأقام في فندق "سان جورج" (فندق الجزائر حاليا)، اتصلت بي فدائية تدعى "حمدي خان" وأخبرتني أن "جرمان تيلون" كانت مدرستها وبإمكانها الاتصال بها، فطلبت منها أن ترسل لها كتابا يضم ملفات عن أماكن التعذيب وأساليب الاستنطاق والممارسات الوحشية التي يقوم بها جيش الاحتلال، والتي كنا قد جمعناها من شهادات المعتقلين الجزائريين، كما طلبت من حمدي خان أن تخبر جرمان أنني أرغب في مقابلتها، وجاءتني جرمان إلى القصبة متخفية بالحايك والعجار الذي أرسلناه إليها حتى لا يتعقبها البوليس الفرنسي، واستقبلتها في بيت "مصطفى قماطي"، وحدثتها عن التعذيب في الجزائر، وقلت لها: إذا شئت أستضيفك الليلة حتى تسمعي صراخ النساء ليلا عندما يأتي المظليون لاقتحام البيوت واعتقال الرجال وتعذيبهم في بيوتهم وأمام نسائهم وأطفالهم حتى يكشفوا لهم أين يختبئ الفدائيون، لأنهم في السابق عندما يعتقلون أي شخص ويأخذونه إلى مراكزهم لاستنطاقه وعند عودته لاعتقالنا نكون قد فررنا، لذلك أصبح البوليس الفرنسي والمظليون و"البياعين" يستنطقون الناس ويعذبونهم في بيوتهم، ليكشفوا عن مكان اختباء الفدائيين قبل فرارهم، طلبت من "جرمان" أن تعرض على المسؤولين الفرنسيين وقف قطع رؤوس المجاهدين مقابل أن نوقف تفجير القنابل، فوعدتني بذلك، وأبلغت السيدة جرمان الجنرال شارل ديغول بعرضي، فوعدها بأنه إذا أصبح مسؤولا على فرنسا فسينظر في هذا الأمر، وعندما أصبح رئيس الجمهورية الفرنسية الخامسة في 20 أوت 1957 ألغى ديغول حكم الإعدام بالمقصلة لـ235 مجاهد، كما استبدل تنفيذ حكم الإعدام بعد ذلك بالرمي بالرصاص بدل قطع الرؤوس بالمقصلة، ولكنه من جهة أخرى بذل المستحيل من أجل إبقاء الجزائر تحت السيطرة الفرنسية، ولكنه لم يقر بحق تقرير المصير للشعب الجزائري إلا بعد انهزامه في الحرب، فديغول لم يمنحنا الاستقلال وإنما انتزعناه منه انتزاعا، ولم نسمح بعدها للأقدام السوداء بأخذ أكثر من 30 كلغ من أمتعتهم عند مغادرتهم للجزائر.
- * بالعودة إلى معركة الجزائر، لماذا لجأتم إلى استعمال القنابل والمتفجرات لضرب أهداف مدنية استعمارية؟
- - نحن لم نلجأ إلى ضرب الأهداف المدنية للاستعمار إلا بعد أن قام المعمرون، وخاصة منظمة اليد الحمراء الإرهابية، بتفجير 35 قنبلة في العاصمة، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس عندما قامت منظمة اليد الحمراء بتفجير عمارة بالقصبة في 10 أوت 1956 راح ضحيتها 75 جزائريا، فأراد سكان القصبة أن ينزلوا إلى "حومة النصارى" للانتقام لقتلاهم، فمنعناهم ووعدناهم بأننا سنأخذ لهم بحقهم، وكان طالب عبد الرحمان أول من بدأ بتصنيع المتفجرات محليا بعدما التحق بالثورة خلال إضراب الطلبة في 29 ماي 1956، ثم قمنا بسلسلة من العمليات التي استهدفت الأقدام السوداء، وكنت محتفظا بالقنابل لدي حتى لا يتم تفجيرها بشكل عشوائي يضر بنظام الثورة، وعندما نصبت فرنسا خط موريس المكهرب على طول الحدود الشرقية والغربية أصبح من الصعب نقل المواد المستخدمة في صناعة القنابل والمتفجرات من تونس إلى العاصمة برا، لذلك لجأت إلى حيلة تتمثل في نقل هذه المواد في بطون الأسماك الكبيرة وتنقل بحر عبر قوارب الصيد، وحتى عندما تقوم بوارج الحلف الأطلسي بتوقيف زوارق الصيد وتفتيشها فإنهم لا يكتشفوا المتفجرات.
- * حسب المجاهد المرحوم عيسى كشيدة، فإن نظام الثورة تفكك في العاصمة بعد معركة الجزائر، وكل خلية تم تشكيلها إلا ويتم اكتشافها بعد ثلاثة أشهر على الأكثر بسبب "الاختراق"، من كان يقود العمل الفدائي داخل العاصمة بعد اعتقالك؟
- - بعد إضراب الثمانية أيام (28 جانفي/ 4 فيفري 1957) واعتقال العربي بن مهيدي وخروج قيادة الثورة (لجنة التنسيق والتنفيذ) إلى تونس والمغرب، آلت قيادة المنطقة الحرة (العاصمة) إليّ، وأصبحت مسؤولا عن 5000 فدائي في العاصمة التي كانت تمتد من عين البنيان غربا إلى الحراش شرقا، وقد سهرت طيلة ثلاثة أشهر على وضع نظام خاص بحيث إذا ألقي القبض على أي فدائي واعترف تحت التعذيب بمن يعرفهم من الفدائيين فلا يمكنهم أن يكتشفوا نظام الثورة في العاصمة، لأن أي فدائي لا يعرف سوى مسؤوله المباشر ولا يعرف بقية المسؤولين الآخرين، إلا أنه عندما تمكنت قوات المظليين والشرطة الاستعمارية من إلقاء القبض على أحد الفدائيين الذين كنت على اتصال بهم واسمه "حسان قندريش" ويدعى "زروق" وأيضا "صافي" و"بازيل"، بدأ الاستعمار يتتبع مراسلاتي بمساعدة قندريش إلى أن تمكنوا من إلقاء القبض علي في 24 سبتمبر 1957، وبعد اعتقالي كان نظام الثورة في العاصمة قد تفكك، ولكني في السجن أعدت تشكيل نظام الثورة بمساعدة أحد حراس السجن الذي كان قريبا لأحد السجناء، وعن طريقه كنت أتصل بالفدائيين خارج السجن، رغم أنه كان محكوما علي بالإعدام، لكن تم اكتشاف التنظيم السري الذي كنت أديره داخل أسوار السجن، وقبل أن تتم محاكمتي مجددا اتصلت بالسيدة "جرمان تيلمون" التي كلمت الرئيس الفرنسي شارل ديغول في قضيتي والذي حولني إلى سجن في فرنسا خاص بالمعتقلين السياسيين لتفادي محاكمتي مجددا.
- * لا أريد التشكيك في جهادك وبطولاتك، لكن هناك من يتهمك بأنك من كشفت عن مكان اختباء علي لابوانت ومن معه -تحت التعذيب- بعد اعتقالك، كيف توضح لنا هذا اللبس؟
- - أولا أأكد أنني لم أتعرض للتعذيب عند اعتقالي، وقد صرحت بهذا من قبل، كما أن التصريحات الصحفية التي سمعتها الآن عبر القرص المضغوط للجنرال فولك الذي كان من بين 8 جنرالات فرنسيين أشرفوا على عملية اعتقالي يؤكد فيها أنني لم أدلي بأي معلومات ولم أكشف أي اسم من أسماء المجاهدين، وهذا الكلام سمعت به قبل ثلاث سنوات فقط، كما أن شهادة أم محمود الذي كنا مختبئين في بيته سجلت عام 1963 تحكي بالتفصيل عن عملية الاعتقال، وقد استمعت إليها بنفسك منذ قليل.
- * في أزمة صائفة 62 وقفت في صف بن بله في مواجهة الحكومة المؤقتة ومجموعة تيزي وزو وكذا الولاية الرابعة، لماذا؟
- بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 خرجنا من السجن في فرنسا وانتقلنا إلى سويسرا ومنها إلى تونس، وكان معنا حينها كل من أحمد طالب الإبراهيمي وبشير بومعزة وبن شريف، ووجه لنا القادة الطامحون لحكم الجزائر المستقلة عدة دعوات لمحاولة كسب تأييدنا على غرار بن يوسف بن خدة (رئيس الحكومة المؤقتة) وكريم بلقاسم (نائب رئيس الحكومة المؤقتة ووزير القوات المسلحة) ومحمد بوضياف (أول منسق عام للثورة) وأحمد بن بله، ثم جاء مؤتمر طرابلس أين تنازعنا فيه وهناك خلق ما اصطلح عليه بـ"الولاييزم" (الولائيين أو الانقسام على أساس الولايات الستة التاريخية)، فقلت لأصحابي الذين خرجوا معي من السجن "أنا مع بن بله"، لأنني نظرت فوجدت بن بله متحالف مع بومدين، وهذا لديه السلاح، والأمور ستحسم لصالحه في النهاية، فوقفت إلى جانب بن بله.
- * دخلت في حرب شوارع بالعاصمة مع مجاهدي الولاية الرابعة الذين انتزعوا السيطرة على العاصمة من مبعوثي الحكومة المؤقتة، وحتى من المكتب السياسي الذي استلم السلطة من الهيئة التنفيذية المؤقتة، كيف تمكن رجالك من حسم معركة الجزائر الثانية؟
- - في الأول من جويلية 1962 جرى الاستفتاء على تقرير مصير الشعب الجزائري، وفي الوقت نفسه كان الصراع على أشده بين زعماء الجزائر، وهناك من جند الكثير من الشباب الجزائري بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، لذلك كنا نسمي المجندين الجدد في جيش التحرير بالمارسيين، وتم إعطاؤهم رتبا عسكرية حتى يتم ضمان ولائهم، أما نحن فقد جمعت رجالنا الذين خرجوا من السجون ودخلنا القصبة عبر شاحنات تجارية، وكانت معنا أسلحة رشاشة وعددنا بلغ 150 رجل، وسيطرنا على العاصمة التي استولت عليها الولاية الرابعة قبل أن يدخلها جيش هيئة الأركان بقيادة بومدين في (4 سبتمبر 1962)، وكنت أنا من أدخل بن بلة إلى العاصمة (قادما من تلمسان) ونحن من ضمنا له الحماية.
- * لماذا لم نر أيّا من إبداعاتك السينمائية منذ رائعة "معركة الجزائر"؟
- - عندما أردت إنجاز فيلم "معركة الجزائر" بالشراكة مع الإيطاليين اشترطوا عليّ أن يكون الاتفاق مع مؤسسة سينمائية، فذهبت إلى بومدين فسمح لي بإنشاء مؤسسة سينمائية خاصة سميتها "قصبة فيلم" وعبرها أنجزنا فيلم "معركة الجزائر" بالشراكة مع الإيطاليين، ثم أنجزت فيلم "جذع التين"، وفيلم "كوبوي" (رعاة البقر) وفيلم حول "ألبير كامو"، وبعد ذلك تم منع القطاع الخاص من النشاط واحتكرت الدولة كل النشاطات السينمائية وغيرها، فتوجهت إلى ميدان الكتابة فألفت كتاب "معركة الجزائر" من أربعة أجزاء، الجزء الأول كتبته في السجن.
- * الأمريكيون استعانوا بفيلم "معركة الجزائر" لمواجهة حرب المدن في العراق، هل اتصلوا بك للحصول على "الوصفة السحرية" لهزيمة المقاومة العراقية؟
- - زارني رجلان أحدهما قد يكون من المخابرات الأمريكية "سي آي آي" وسألاني عن معركة الجزائر وعن العراق والإرهابيين... فقلت لهما: لديكم تجربة الحرب في الهند الصينية (الحرب الفيتنامية)، ولديكم تجربة العراق وعندما تدخلونه ستخسرون المعركة، لأنك عندما تحرق بيتا أو بلدا فإن الحريق سيصدر دخانا، والدخان سيخنق من أشعل النار، فغضبا من كلامي، وعلمت فيما بعد أنني موضوع في القائمة الحمراء في أمريكا وممنوع من دخول أراضيها.
المصدر