شعيب عليه السلام
مولده
شعيب عليه السلام لم تذكر كتب القصص الفترة التي عاشها إنما ذكر انه
بعد هلاك قومه عاش مده من الزمن إلى ان توفاة الله في الفترة بين وفاة
يوسف ونشاة موسى عليهما الصلاة والسلام
نسب شعيب عليه السلام:
قال أبو البقاء في كلياته: "شعيب عليه السلام هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل". وقيل غير ذلك في نسبه.
قالوا: وأمه بنت لوط عليه السلام. والله أعلم.
* حياة شعيب مع قومه في فقرات:
1- لم
يَطُل بأهل مدين العهد حتى هجروا دينهم الذي كانوا ورثوه عن إبراهيم عليه
السلام، ودخلت فيهم الوثنية فكفروا بالله وعبدوا غيره، وانحرفوا عن الصراط
السوي، فكان من سيئاتهم: التطفيف في الكيل والوزن، وبخس الناس أشياءهم في
تجاراتهم، والفساد في الأرض.
2- فأرسل
الله إليهم شعيباً رسولاً منهم يتصل نسبه من جهة آبائه بإبراهيم عليه
السلام، فدعاهم إلى الله بمثل دعوة الرسل، وأمرهم بالعدل، ونهاهم عن
الظلم، وجاءهم ببينة من ربه، وذكرهم بنعمة الله عليهم، إذ كثّرهم من قلة،
وأغناهم من فقر، فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون.
وكان
خطيباً حسن البيان قويّ الحجّة، ويذكر المفسرون أنه خطيب الأنبياء، وروي
في ذلك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، رواه ابن إسحاق عن ابن عباس.
3- ولمَّا ألح عليهم شعيب عليه السلام في الدعوة والموعظة قالوا له - {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
4- ثم
هدَّدوه وتوعدوه بإخراجه من قريتهم هو والذين آمنوا معه إلا أن يعود في
ملتهم، وهيهات لرسول أن يستجيب لدعوة الكفر وهو يدعو إلى الإِيمان!!
5- ولقد أنذرهم عقاب الله فقال لهم - {وَيَا
قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ
قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ
مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89].
6- وعلى
الرغم من كل النصائح والمواعظ والإِنذارات، طلبوا منه- عناداً وجهلاً
وسخرية وتحدياً - أن يُسقِط عليهم كسفاً "قطعاً" من السماء إن كان من
الصادقين!!
7- فاستنصر شعيب
بربه، فحقت كلمة الله بالعذاب على من كفر من قومه، فأهلكهم الله بالصيحة
رافقتها الرجفة في يوم الظلة، وذلك يوم اشتدت فيه الحرارة شدة لا تطاق،
فأرسل الله سحابة ففزعوا إليها فراراً من شدة الحر، فلما تكامل عدد أهل
الكفر في ظلها، تزلزلت بهم الأرض، وصدمتهم صيحة السماء، فأصبحوا في ديارهم
جاثمين كأن لم يَغْنَوا فيها!!
8- ونجى الله شعيباً والذين آمنوا معه برحمته.
9- ليس
عند المؤرخين تحديد للزمن الذي عاش فيه شعيب عليه السلام، ومن المحقَّق أن
دعوته لقومه كانت بعد لوط بزمن غير بعيد، لقوله لقومه -كما قص القرآن
المجيد في سورة(هود)-: {وما قوم لوط منكم ببعيد}، وأنها كانت قبل موسى لقوله تعالى -عقب الحديث عن عدد من الرسل ومنهم شعيب- {ثُمَّ
بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ}.
ويغلب على الظن
أن أحداث إهلاك قومه كانت بعد انتقال بني إسرائيل إلى مصر وفي المدّة
الواقعة بين وفاة يوسف ونشأة موسى عليهما السلام. والله أعلم.
10- وقد أوجز القرآن الكريم قصة شعيب مع قومه في عدة سور، وأهم ما جاء فيها النقاط التالية:
(أ) إثبات نبوته ورسالته إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة.
وهل هما قوم أو قومان؟
للمفسرين في ذلك رأيان، الأرجح أنهما اسمان لمسمى واحد. والله أعلم.
(ب) وصف قومه بالكفر وفعل السيئات التي منها: التطفيف والبخس، والإفساد في الأرض.
لقاؤه بموسى وزواج موسى من بنته على أن يأجره ثمان حجج.
(جـ) دعوته لقومه، وصبره عليهم، وإنذاره لهم.
(د) إهلاك الله لقومه، ونجاته هو والذين آمنوا معه برحمة من الله وفضل.
قصة شعيب نبي الله
لم ترد قصة شعيب عليه السلام إلا في اربع سور من القرآن الكريم هي: الأعراف وهود والشعراء والعنكبوت.
وشعيب لقب بخطيب الانبياء لما أعطي من منطق حسن وأسلوب لين، وقد بعثه الله
الى مدين او أصحاب الأيكة، وهؤلاء قوم ابتلاهم الله بنقص في المكيال
والميزان، فكانت دعوة شعيب لهم بأن لا ينقصوا المكيال والميزان، لأن ذلك
يعد غشا وكذبا وخداعا والله لا يرضى بذلك.
إذن بعد توحيد الله لابد من معاملة الناس بالعدل والاحسان، قال
تعالى: “والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره،
قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم
ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها، ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين” الآية رقم
85 من سورة الاعراف.
لكن قوم شعيب كغيرهم صاروا يستهزئون بنبيهم ويقولون له: أصلاتك تأمرك بهذا؟
عندئذ حل بهم العذاب قال تعالى: “فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم
جاثمين”. ويقول في آية اخرى: “فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب
يوم عظيم” الآية رقم 189 من سورة الشعراء.
يقول الاستاذ سميح عاطف الزين في كتابه قصص الانبياء في القرآن:
ابتلي قوم شعيب بالحر الشديد، لا يروي ظمأهم ماء ولا تقيهم ظلال ولا
تمنعهم جبال ففروا هاربين، ورأوا سحابة مظلة لهم من وهج الشمس وحسبوها
ستارا من شدة الحر فاجتمعوا تحتها، ولكن ما ان اكتمل عددهم حتى بدأت
الغمامة ترميهم بالشرر، وجاءت الصيحة وعذاب الظلة من السماء، وزلزلت الارض
من تحت أقدامهم فأهلكوا وصاروا من الغابرين عندئذ تأسف عليهم نبي الله
شعيب وقال بعد ان تولى عنهم: “يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم
فكيف آسى على قوم كافرين” الآية رقم 93 من سورة الاعراف.
أقول: وينبغي ان نقف مع نبي الله شعيب وقومه أهل مدين وقفتين:
1- أهل مدين هم اصحاب الأيكة على أرجح الأقوال كما يقول ابن كثير وقد قال
بأن الحديث الذي يقول: ان قوم مدين واصحاب الأيكة أمتان بعث الله اليهما
شعيبا عليه السلام حديث غريب.
والأيكة شجرة كان أهل مدين يعبدونها من دون الله، وعندما بعث شعيب كانوا متلبسين بعملين مشينين:
الأول: الاشراك بالله في العبادة.
الثاني: التطفيف في المكيال والميزان، حيث إنهم كانوا اذا وزنوا للناس او
كالوا يخسرون فيهما، واذا وزنوا او كالوا لأنفسهم زادوا في الميزان
والمكيال، وليس بعد هذا جور أبدا.
2- الصلاة ليست معروفة في الاسلام فقط بل حتى الديانات او الأمم الاخرى
عرفت الصلاة، بدليل ان قوم شعيب قالوا لشعيب أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد
آباؤنا او ان نفعل في أموالنا ما نشاء؟
وبالمناسبة هذه الشهادة من أهل مدين بجدوى الصلاة في بتر جذور المنكر،
تعزز الآية الكريمة التي تقول: ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي،
فالذي أمرت به أمة محمد أمر به من قبلها أيضا.
3 برزت في مهمة نبي الله شعيب مع قومه مشكلة المال ومحاربة الفساد، فشعيب
جاء ليطهر المجتمع من الامراض الاجتماعية التي هي من قبيل الكذب والغش
والتطفيف في المكيال والميزان، لأن كل هذه من أكل أموال الناس بالباطل.
ولكن قوم شعيب اعتبروا شعيبا خارجا عليهم جاء ليحد من حرياتهم الشخصية،
فلو تركوه يمضي في طريقه الاصلاحي هذا فإنهم سوف يخسرون المال والجاه
والمنصب، كيف لا وقد تعودوا ان يظلموا الضعفاء ويستعلوا عليهم بقوة
سلطانهم؟
ذكر الله سبحانه وتعالى قصة شعيب النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضع من كتابه وإرساله إلى أهل مدين , وقال في موضع آخر : " كذب أصحاب الأيكة المرسلين " (سورة الشعراء 176 ) فأكثر الناس يقولون : إنهم أهل مدين ومن الناس من يجعلها قصتين .
وذكر في قصة موسى ـ عليه السلام ـ أنه " لما
ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان
قال ما خطبكما .." (الآية 23من سورة القصص ) إلى آخر القصة .
فموسى
عليه السلام قضى أكمل الأجلين ولم يذكر عن هذا الشيخ أنه كان شعيبا , ولا
أنه كان نبيا ولا عند أهل الكتابين أنه كان نبيا , ولا نُقل عن أحد من
الصحابة أن هذا الشيخ الذي صاهر موسى كان شعيبا النبي , لا عن ابن عباس
ولا غيره , بل المنقول عن الصحابة أنه لم يكن هو شعيب .
قال سنيد بن داود شيخ البخاري في تفسيره بإسناده عن ابن عباس :
قال
اسمه : يثرى , قال حجاج : وقال غيره : يثرون , وعن شعيب الجبائي أنه قال :
اسم الجاريتين ليا وصغوره , وامرأة موسى صغوره ابنة يثرون كاهن مدين ,
والكاهن الحبر , وفي رواية عن ابن عباس أن اسمه يثرون أو يثرى.
وقال
ابن جرير : اسم إحدى الجاريتين ليا , ويقال شرفا , والأخرى صغورة , وقال
أيضا : وأما أبوهما فمختلف في اسمه , فقال بعضهم : اسمه يثرون , وقال ابن
مسعود : الذي استأجر موسى ابن أخي شعيب يثرون , وقال أبو عبيدة : هو يثرون
ابن أخي شعيب النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال
آخرون : اسمه يثرى, وهو منقول عن ابن عباس , وقال الحسن : يقولون هو شعيب
النبي , لا ولكنه سيد أهل الماء يومئذ , قال ابن جرير : وهذا لا يدرك علمه
إلا بخبر عن معصوم , ولا خبر في ذلك .
وقيل
: اسمه أثرون , فهذه كتب التفسير التي تروى بالأسانيد المعروفة عن النبي
صلى الله عليه وسلم والتابعين لم يذكر فيها عن أحد أنه شعيب النبي صلى
الله عليه وسلم , ولكن نقلوا بالأسانيد الثابتة عن الحسن البصري أنه قال :
يقولون إنه شعيب , وليس بشعيب , ولكنه سيد الماء يومئذ .
فالحسن
يذكر أنه شعيب عمن لا يعرف , ويرد عليهم ذلك , ويقول : ليس هو شعيب , وإن
كان الثعلبي قد ذكر أنه شعيب فلا يلتفت إلى قوله , فإنه ينقل الغث والسمين
, فمن جزم بأنه شعيب النبي فقد قال ما ليس له به علم , وما لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم , ولا عن الصحابة , ولا عمن يحتج بقوله من علماء
المسلمين , وخالف في ذلك ما ثبت عن ابن عباس , والحسن البصري مع مخالفته
أيضا لأهل الكتابين , فإنهم متفقون على أنه ليس هو شعيب النبي , فإن ما في
التوراة التي عند اليهود والإنجيل الذي عند النصارى أن اسمه يثرون , وليس
لشعيب النبي عندهم ذكر في التوراة .
وقد
ذكر غير واحد من العلماء أن شعيبا كان عربيا , بل قد روي عن أبي ذر مرفوعا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ رواه أبو حاتم وغيره ـ أن شعيبا كان عربيا
, وكذلك هود وصالح , وموسى كان عبرانيا فلم يكن يعرف لسانه.
وظاهر
القرآن يدل على مخاطبة موسى للمرأتين وأبيهما بغير ترجمان, وإنما شبهة من
ظن ذلك أنه وجد في القرآن قصة شعيب وإرساله إلى أهل مدين , ووجد في القرآن
مجيء موسى إلى مدين ومصاهرته لهذا , فظن أنه هو .
والقرآن
يدل أن الله أهلك قوم شعيب بالظلة , فحينئذ لم يبق في مدين من قوم شعيب
أحد , وشعيب لا يقيم بقريه ليس بها أحد , وقد ذكروا أن الأنبياء كانوا إذا
هلكت أممهم ذهبوا إلى مكة فأقاموا بها إلى الموت, كما ذكر أن قبر شعيب
بمكة , وقبر هود بمكة , وكذلك غيرهما .
وموسى
لما جاء إلى مدين كانت معمورة بهذا الشيخ الذي صاهره , ولم يكن هؤلاء قوم
شعيب المذكورين في القرآن , بل ومن قال : إنه كان ابن أخي شعيب أو ابن عمه
, لم ينقل ذلك عن ثبت , والنقل الثابت عن ابن عباس لا يعارض بمثل قول
هؤلاء , وما يذكرونه في عصا موسى , وأن شعيبا أعطاه إياها , وقيل أعطاه
إياها هذا الشيخ , وقيل : جبريل , وكل ذلك لا يثبت .
وعن
أبي بكر ـ أظنه الهذلي ـ قال : سألت عكرمة عن عصا موسى قال هي عصا خرج بها
آدم من الجنة , ثم قبضها بعد ذلك جبريل , فلقي بها موسى ليلا فدفعها إليه
, وقال السدي في تفسيره المعروف : أمر أبو المرأتين ابنته أن يأتي موسى
بعصا , وكانت تلك العصا عصا استودعها ملك في صورة رجل إلى آخر القصة ,
استودعه إياها ملك في سورة رجل وأن حماه خاصمه , وحكما بينهما رجلا , وأن
موسى أطاق حملها دون حميه , وذكر عن موسى أنه أحق بالوفاء من حميه .
ولو
كان هذا هو شعيبا النبي لم ينازع موسى , ولم يندم على إعطائه إياها , ولم
يحاكمه , ولم يكن موسى قبل أن ينبأ أحق بالوفاء منه , فإن شعيبا كان نبيا
وموسى لم يكن نبيا , فلم يكن موسى قبل أن ينبأ أكمل من نبي , وما ذكره زيد
من أنه كان يعرف أن موسى نبي إن كان ثابتا فالأحبار والرهبان كانت عندهم
علامات الأنبياء , وكانوا يخبرون بأخبارهم قبل أن يبعثوا , والله سبحانه
أعلم .
وأما
شياع كون حمى موسى شعيبا النبي عند كثير من الناس الذين لا خبرة لهم
بحقائق العلم ودلائله وطرقه السمعية والعقلية فهذا مما لا يغتر به عاقل ,
فإن غاية مثل ذلك أن يكون منقولا عن بعض المنتسبين إلى العلم , وقد خالفه
غيره من أهل العلم , وقول العالم الذي يخالفه نظيره ليس حجة , بل يجب رد
ما تنازعا فيه إلى الأدلة .
ومثال
ذلك ما ذكره بعضهم أو كثير منهم من أن الرسل المذكورين في سورة يس هم من
حواريي المسيح عليه السلام , وأن حبيب النجار آمن بهم وهذا أمر باطل عند
أجلاء علماء المسلمين , وعند أهل الكتاب فإن الله قد أخبر عن هذه القرية
التي جاءها المرسلون أنه قد أهلك أهلها , فقال تعالى : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون " الآية 29
وأنطاكية
لما جاءها اثنان من الحواريين بعد رفع المسيح آمنوا بهما , وهي أول مدينة
اتبعت المسيح , ولم يهلكهم الله بعد المسيح باتفاق المسلمين وأهل الكتاب ,
فكيف يجوز أن يقال هؤلاء هم رسل المسيح .
وأيضا
فإن الذين أتوهم كانا اثنين من الحواريين , وأهل الكتاب معترفون بذلك ,
ولم يكن حبيب النجار موجودا حينئذ , بل هؤلاء رسل أرسلهم الله قبل المسيح
, وأهلك أهل تلك القرية , وقد قيل : إنها أنطاكية , وآمن حبيب بأولئك
الرسل ثم بعد هذا عمرت أنطاكية , وجاءتهم رسل المسيح بعد ذلك .
والحواريون
ليسوا رسل الله عند المسلمين , بل هم رسل المسيح , كالصحابة الذين كان
النبي صلى الله عليه وسلم يرسلهم إلى الملوك , ومن زعم أن هؤلاء حواريون
فقد جعل للنصارى حجة لا يحسن أن يجيب عنها , وقد بسطنا ذلك في الرد على
النصارى , وبينا أن الحواريين لم يكونوا رسلا , فإن النصارى يزعمون أن
الحواريين رسل الله مثل إبراهيم وموسى , وقد يفضلونهم على إبراهيم وموسى ,
وهذا كفر عند المسلمين , وقد بينا ضلال النصارى في ذلك.
وذكر في قصة موسى أنه ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون
ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما الآية سورة القصص 23 إلى آخر
القصة فموسى عليه السلام قضى أكمل الأجلين ولم يذكر عن هذا الشيخ أنه كان
شعيبا ولا أنه كان نبيا ولا عند أهل الكتابين أنه كان نبيا ولا نقل عن أحد
من الصحابة أن هذا الشيخ الذي صاهر موسى كان شعيبا النبي لا عن ابن عباس
ولا غيره بل المنقول عن الصحابة أنه لم يكن هو شعيب
قال سنيد بن داود شيخ البخاري في تفسيره بإسناده عن ابن عباس قال اسمه
يثرى قال حجاج وقال غيره يثرون وعن شعيب الجبائي أنه قال اسم الجاريتين
ليا وصغوره وامرأة موسى صغوره ابنة يثرون كاهن مدين والكاهن الحبر وفي
رواية عن ابن عباس أن اسمه يثرون أو يثرى
وقال ابن جرير اسم إحدى الجاريتين ليا ويقال شرفا والأخرى صغورة وقال
أيضا وأما أبوهما فمختلف في اسمه فقال بعضهم اسمه يثرون
وقد ذكر غير واحد من العلماء أن شعيبا كان عربيا بل قد روي عن أبي ذر مرفوعا إلى النبي رواه أبو حاتم وغيره أن شعيبا كان عربيا وكذلك هود وصالح وموسى كان عبرانيا فلم يكن يعرف لسانه
وظاهر القرآن يدل على مخاطبة موسى للمرأتين وأبيهما بغير ترجمان
وإنما شبهة من ظن ذلك أنه وجد في القرآن قصة شعيب وإرساله إلى أهل مدين ووجد في القرآن مجيء موسى إلى مدين ومصاهرته لهذا فظن أنه هو
والقرآن يدل أن الله أهلك قوم شعيب بالظلة فحينئذ لم يبق في مدين من
قوم شعيب أحد وشعيب لا يقيم بقريه ليس بها أحد وقد ذكروا أن الأنبياء
كانوا إذا هلكت أممهم ذهبوا إلى مكة فأقامة بها إلى الموت كما ذكر أن قبر
شعيب بمكة وقبر هود بمكة وكذلك غيرهما
وموسى لما جاء إلى مدين كانت معمورة بهذا الشيخ الذي صاهره ولم يكن
هؤلاء قوم شعيب المذكورين في القرآن بل ومن قال إنه كان ابن أخي شعيب أو
ابن عمه لم ينقل ذلك عن ثبت والنقل الثابت عن ابن عباس لا يعارض بمثل قول
هؤلاء
وما يذكرونه في عصا موسى وأن شعيبا أعطاه إياها وقيل أعطاه إياها هذا الشيخ وقيل جبريل وكل ذلك لا يثبت
وعن أبي بكر أظنه الهذلي قال سألت عكرمة عن عصا موسى قال هي عصا خرج
بها آدم من الجنة ثم قبضها بعد ذلك جبريل فلقي بها موسى ليلا فدفعها إليه
وقال السدي في تفسيره المعروف أمر أبو المرأتين ابنته أن يأتي موسى
بعصا وكانت تلك العصا عصا استودعها ملك في صورة رجل إلى آخر القصة استودعه
إياها ملك في سورة رجل وأن حماه خاصمه وحكما بينهما رجلا وأن موسى أطاق
حملها دون حميه وذكر عن موسى أنه أحق بالوفاء من حميه
ولو كان هذا هو شعيبا النبي لم ينازع موسى ولم يندم على إعطائه إياها
ولم يحاكمه ولم يكن موسى قبل أن ينبأ أحق بالوفاء منه فإن شعيبا كان نبيا
وموسى لم يكن نبيا فلم يكن موسى قبل أن ينبأ أكمل من نبي وما ذكره زيد من
أنه كان يعرف أن موسى نبي إن كان ثابتا فالأحبار والرهبان كانت عندهم
علامات الأنبياء وكانوا يخبرون بأخبارهم قبل أن يبعثوا والله سبحانه أعلموأما شياع كون حمى موسى شعيبا النبي عند كثير من الناس الذين لا خبرة
لهم بحقائق العلم ودلائله وطرقه السمعية والعقلية فهذا مما لا يغتر به
عاقل فإن غاية مثل ذلك أن يكون منقولا عن بعض المنتسبين إلى العلم وقد
خالفه غيره من أهل العلم وقول العالم الذي يخالفه نظيره ليس حجة بل يجب رد
ما تنازعا فيه إلى الأدلة
ومثال ذلك ما ذكره بعضهم أو كثير منهم من أن الرسل المذكورين في سورة
يس هم من حواريي المسيح عليه السلام وأن حبيب النجار آمن بهم وهذا أمر
باطل عند أجلاء علماء المسلمين وعند أهل الكتاب فإن الله قد أخبر عن هذه
القرية التي جاءها المرسلون أنه قد أهلك أهلها فقال تعالى إن كانت إلا
صيحة واحدة فإذا هم خامدون الآية 29
وأنطاكية لما جاءها اثنان من الحواريين بعد رفع المسيح آمنوا بهما وهي
أول مدينة اتبعت المسيح ولم يهلكهم الله بعد المسيح باتفاق المسلمين وأهل
الكتاب فكيف يجوز أن يقال هؤلاء هم رسل المسيح
وأيضا فإن الذين أتوهم كانا اثنين من الحواريين وأهل الكتاب معترفون
بذلك ولم يكن حبيب النجار موجودا حينئذ بل هؤلاء رسل أرسلهم الله قبل
المسيح وأهلك أهل تلك القرية وقد قيل إنها أنطاكية وآمن حبيب بأولئك الرسل
ثم بعد هذا عمرت أنطاكية وجاءتهم رسل المسيح بعد ذلك
والحواريون ليسوا رسل الله عند المسلمين بل هم رسل المسيح كالصحابة الذين كان النبي
يرسلهم إلى الملوك ومن زعم أن هؤلاء حواريون فقد جعل للنصارى حجة لا يحسن
أن يجيب عنها وقد بسطنا ذلك في الرد على النصارى وبينا أن الحواريين لم
يكونوا رسلا فإن النصارى يزعمون أن الحواريين رسل الله مثل إبراهيم وموسى
وقد يفضلونهم على إبراهيم وموسى وهذا كفر عند المسلمين وقد بينا ضلال
النصارى في ذلك
(آخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
أرجو أن أكون قد أعطيت ما طلب مني حقه ولو أننا كلمل كتبنا فلن نعطيهم حقهم