هشام هشام
طاقم الكتاب الحصريين
- رقم العضوية :
- 15821
- البلد/ المدينة :
- زريبة الوادي
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 189
- نقاط التميز :
- 584
- التَـــسْجِيلْ :
- 25/04/2011
الابتسامة الأخيرة
... منذ طفولته و نعومة أظافره رسخ ذكريات في كل وادي في كل نهر في كل جبل وحتى تحت الحجر... في كل حي في كل شارع من شوارع قريته التي تشكلت على ضفاف النهر تلاعب نسمات الربيع الباردة ... ذكريات تسلسلت مع أحداث أيامه التي تأثرت بروايات الأجداد و قصص عمتي الغولة و الأشباح و خرفات الأبطال .... تراه في وقته المعتاد يجلس فوق ربوته المطلة على النهر يتأمل الملكوت الذي أبدعه الخالق و قد صار شابا يانعا ، وبنظرة أخرى يتأمل من بعيد في شريكة حياته المستقبلية و هي متجهة الى النهر مع سرب من نساء القرية ، تارة يطرب لقهقاهاتهن و أخرى يضحك لسذاجتهن ... وفي صمت رهيب و شوق لهيب قلبه يحن ودا لها ... يهوى أن يلمس أطراف أصابعها الناعمة يمسح على شعرها المهفهف الذي يحاكي الدجى . لكن قفص التقليد شدة أوتاده .آه لو تتكسر هذه القيود...
.... بني جيله في القرية اجتمعوا في إحدى ليالي السمر و وضعوا تحدي من يكون فارس هذه القرية ، هذا التحدي الذي أسال العرق و خيم الصمت . لكن في داخله دغدغ مشاعره وجالت تساؤلات مثيرة في شريط ذاكرته ، لما لا أكون فارس هذه القرية ... لماذا لا أجعل هذا التحدي سببا يقضى على مخلفات طفولتي المشؤوم ، و في تردد كبير نطقت شفتاه معلنة للتحدي ...( أنا سأكون أول المتسابقين ..)
.... و جاء اليوم الموعود و شاهد و مشهود و الوتد في يده مشدود الى المقبرة يرشقه كالعمود هذا هو التحدي الذي اعتبره البعض تحدي المجانين . من المجنون الذي سيذهب الى المقبرة في منتصف الليل الحالك يرشق عمود في الأرض بجانب احدى القبور في وسط المقبرة.
انطلق بخطى ثقيلة تترقبه الأعين بأعناق مشرئبة ... الخوف يتملكه كلما سارة شوط ارتسمت أمامه صور الأشباح و الشياطين التى روت طفولته في حكايات الماضي فيتوقف. نفسه تجبره على مواصلة الطريق( كن كجلمود صخرا لا تبالي بالتخاريف ، وسر بخطى ثابتة لا تبالي بالتراجيف )... و على باب المقبرة يلقي السلام : السلام عليكم يا اهل المدينة أنتم السابقون ونحن اللاحقون ، و يتقدم الى داخل المقبرة يغوص في أعماقها . نبضات قلبه تتزايد كأنها نقرات طبل في سرك الألعاب الخطرة... يقف على إحدى القبور ليغرس الوتد وعلامة الفرحة تغمر وجهه البشوش و وميض النصر يشرق من بعيد ، لم يتبق الكثير عن انتهاء المهمة.و من بعيد تسمع ضربات دق الوتد ترن في سكوت الليل . أتم المهمة سيعود أدراجه قلبه يكاد ينشطر من الفرحة إنه فارس القرية . و ما إن تقدم بخطوة حتى أحس بشيء يمسك أذيال قميصه الطويل و تعود صور الأشباح أمام عينيه و ما هي الا صرخة واحدة ، سقط جثة هامدة ...
و في الصباح وقف أهل القرية على جثته الهادئة و الوتد مغروس على طرف قميصه ... ابتسامة حزينة رسمت على فمه الواسع عجز الفنانون في فك طلاسمها .. إنها الإبتسامة الأخيرة ...