منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


acm dz

acm dz

عضو نشيط
المُسَــاهَمَـاتْ :
318
نقاط التميز :
602
التَـــسْجِيلْ :
03/05/2010
 الجاهلية الجديدة 14530  الجاهلية الجديدة 1437731403  الجاهلية الجديدة 14530
 الجاهلية الجديدة 315340



لدكتور.
عبدالحميد محمد بدران


رجعتُ إلى
النُّسْخة العتيقة عندي من كتاب
"كليلة ودمنه
لعلِّي أُصيب منها مثَلاً يروي غُلَّتي، أو يُهدِّئ من رَوْعي، فقد كُنت
في كل مرَّة أجِدُ فيه من الحِكمة على فوق ما أريد، وقد وقفتُ فيه على فصْل
جيِّد عن العصبية أنا ذاكرُه، حتى نأخذَ منه العبرة والعظة.

وقف
كليلة في حَيْرة من أمره كادتْ تذهب بصوابه، فسأله دمنة: ماذا بك يا كليلة؟
قال كليلة: إني لأعْجَب ممَّا أرى وأسمع في هذه
الآوِنة، وكأنَّني أرى العصبيَّة الجاهليَّة تُطِلُّ من وراء حِجَاب؛
علَّها تستطيع أن تتمكَّن من هذه القِيَم السامية التي أرْسَى الإسلام
قواعدها.

قال دمنة: أفْصِحْ - يا
رعاك الله - فقد أذهبتَ لُبِّي في كل مذهب.
قال
كليلة
: ما قصدتُ إلا ذلك التعصُّب الممقوت في تشجيع كرة القَدَم،
والذي أخذ يجري في شرايين الأُمَّة الإسلاميَّة كما تَجْري كرات الدم
البيضاء والحمراء، دون طائل يُجْنَى.

لقد كان الجاهليُّون
يتعصَّبُون للقبيلة من أجْلِ حِفْظ الأعراض، وحماية الديار، ولكنَّهم رغمَ
ما بهم من صِفات التهوُّر، وعدم التريُّث يتَّصِفون ببعض الصِّفات الحميدة،
مثل التي يجسِّدها قولُ أوس بن حجر:
وَقَوْمَكَ
لاَ تَجْهَلْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُنْ
بِهِمْ هَرِشًا تَغْتَابُهُمْ
وَتُقَاتِلُ
فَمَا يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ
وَمَا
يَحْمِلُ الْمَاشِينَ إِلاَّ الْحَوَامِلُ
وَلاَ قَائِمٌ إِلاَّ
بِسَاقٍ سَلِيمَةٍ
وَلاَ بَاطِشٍ مَا لَمْ تُعِنْهُ الْأَنَامِلُ



ففيه دعوةٌ إلى الوَحْدة والتضامن، لا نجد مثلَها فيما يحدُث في
مشاهدة المباريات في هذه الأيَّام.

قال
دمنة
: أراك تُعلِي الجاهليِّين على مشجِّعي الكرة، وأخْشَى ألا يؤخذ
قولك هذا مأخذَ الجد يا كليلة.
قال كليلة:
حقًّا يا دمنة، فهناك من الإفادات التي تُستفاد من التشجيعِ الذي أعْني، ما
لا يخفَى على بصير، فمَن وجد في نفسه خصلةً منها، فعليه أن يُشجِّع فريقه
بلا أدْنى تحرج.

أمَّا الخصلة الأولى:
فهي جعْل اسم الله - تبارك وتعالى - مطيةً للحَلِف الضال المضل، وكأنَّ
المتعصِّب يريد أن يجعل لأوهامِه حَبكةً فنيَّة قصصيَّة زَيَّنتْها بالحلف
الكاذب.
وأمَّا الخصلة الثانية: فهي
الاعتِراضُ على الله في فِعْله، وذلك بتَكْرار لفظة (لو)، وكأنَّها هواء
الزفير الذي تلفِظه الرِّئة، حتى لا تُصاب باختناقٍ يودِي بصاحبها.
وأمَّا الخصلة الثالثة: فهِي الغِيبة؛ حيث ترى
الجاهلَ مِن هؤلاء جالسًا مع أمثاله، يسبُّ اللاعبين والحَكَم، ويتَّهِمه
بالتواطؤ والتحيُّز، وما يدريه أنه لو وقَف موقفه لحَكَم بما حَكَم به.
وأمَّا الخصلة الرابعة: فهي اللجاج في
الخصومة؛ نتيجةَ اختِلاف الأندية التي يشجِّعها المرء، وكأنَّ لسان حال
هؤلاء قول زيْد بن جندب:
كُنَّا أُنَاسًا عَلَى
دِينٍ فَفَرَّقَنَا
فَرْعُ الْكَلاَمِ وَخَلْطُ الْجِدِّ بِاللَّعِبِ
مَا كَانَ أَغْنَى رِجَالاً ضَلَّ سَعْيُهُمُ
عَنِ الْجِدَالِ
وَأَغْنَاهُمْ عَنِ الخُطَبِ


قال
دمنة
: أترَى الصَّديق يهجُر صديقَه من أجل مشادَّات في تشجيع الكُرة
يا كليلة؟
قال كليلة:
نعم، يُخاصِمه من أجل مباراة، ولا يخاصمه وهو لاهٍ عن الصلاة، ونَسِي قول
رسول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العَهْدُ
الذي بيننا وبينهم الصَّلاةُ، فمَنْ تركَها فقد كَفَرَ
)).


وقول نصر بن سيار:
فَامْنَحْ جِهَادَكَ مَنْ لَمْ
يَرْجُ آخِرَةً
وَكُنْ عَدُوًّا لِقَوْمٍ لاَ يُصَلُّونَا




وأعجَبُ مِن ذلك أن ترى رجالاً
قد نزروا حَلْق رؤوسهم إذا انهزم فريقُهم، وغيرهم يرقُص في المقاهي،
وكأنما مسَّه الجنون، فيا فرحةَ شياطين الإنس والجن في ضمِّ هؤلاء إلى صفوف
أتباعهم! ويا عجبًا من جِدِّ هؤلاء في باطلهم، ولهَوْنا عن حقوقنا!

قال دمنة: فما مثل هؤلاء يا كليلة؟
قال كليلة: مَثَلهم
كمَثَل فقيرَيْن معدمين التقيَا في طريق، وحدَّث كُلُّ واحد منهم صاحبَه
بما يتمنَّى، فقال الأول: لو أنَّ لي ألفَ فدان أزرعها، وأتمتَّع بنِتاجها،
لعشتُ عيشة الملوك، وقال الآخر: لو أنَّ لي ألف شاة لتنعمتُ في خيرها أنا
وذرِّيَّتي ما حييت، فقال الأوَّل: تريد أن يكونَ لك ألف شاة حتى تَرْعى في
أملاكي، فتُهلِك الحرث والنسل؟ تالله لو نزَل أحدُها في أرْضي لأحزمنَّك
بأمعائها، وقال الآخر: بالله لئن مسستَ شعرةً من شاةٍ منها لأقطعنَّك إربًا
حتى تكونَ أكبر قطعة من جسدك مثل حبَّة القمْح، والْتحم الفقيرانِ، وسالت
دماؤهما، حتَّى مرَّ رجل على حِماره كان على يديه فَضُّ اشتباكهما، فلمَّا
سمِع ما دار بينهما، أنزل الآنية من على حماره، وكان ملؤها عسلاً، وأخذ
يطرحها أرضًا الواحدة بعدَ الأخرى وهو يقول: "والله لو سال دَمِي مثلَ هذا
العسل لكان خيرًا لي من أن أفضَّ شجارًا بين أحمقَيْن".

قال دمنة: لقد خَسِر الكلُّ، وما أراك إلا ناقمًا
على هذه الرِّياضة، كارهًا لها.
قال كليلة:
أنا لا أكره الرِّياضة أو أعاديها، فهي وحْدَها في زماننا التي تقوم مقامَ
الرِّماية وركوب الخيل، فنحن في احتياجٍ إليها حاجتنا إلى هواء الشهيق؛ ذلك
أنها تستنفِذُ طاقات الشباب بطريقة بنَّاءة، ولكن أن تكون هذه المباريات
سبيلاً للتعصُّب والشِّقاق والفُرْقة فلا.

 الجاهلية الجديدة 14688  الجاهلية الجديدة 14688
 
chichi

chichi

عضو مساهم
البلد/ المدينة :
zeribet el oued/ biskra
العَمَــــــــــلْ :
طالبة
المُسَــاهَمَـاتْ :
227
نقاط التميز :
131
التَـــسْجِيلْ :
25/07/2011
شكراااا لك أخي
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى