منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


Jalili

Jalili

عضو جديد
البلد/ المدينة :
Kufur Yasif
المُسَــاهَمَـاتْ :
32
نقاط التميز :
128
التَـــسْجِيلْ :
28/06/2011
وأطلقت على مولودها الاسم “حاجزا”
بروفيسور حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

هناك تلاقح أي تأثير متبادَل ما بين اللغتين الشقيقتين الساميّتين،‮ ‬العربية والعبرية،‮ ‬في‮ ‬الديار المقدسة فهما لغتا دولة إسرائيل الرسميتين،‮ ‬على الورق على الأقل،‮ ‬بالنسبة للغة الضاد‮. ‬وهناك،‮ ‬كما هو معروف ومألوف،‮ ‬أسباب وأهداف عديدة تدفع الانسان لتعلّم لغة ما من اللغات الإنسانية التي‮ ‬يصل عددُها إلى أكثرَ‮ ‬من خمسة آلاف لغة‮. ‬من هذه الأسباب ما هو اقتصادي‮ ‬واجتماعي‮ ‬وعلمي‮ ‬وسياسي‮ ‬وشخصي‮. ‬وليس نادرا أن تسمع عمَّن‮ ‬يدرُس لغةً‮ ‬معينة قراءة وترجمة للغة أمّه دون الطموح لإحراز أية مقدرة تُذكر في‮ ‬المجالين الفاعلين الهامّين،‮ ‬الحديث والكتابة،‮ ‬وذلك ليُصبح فقط أستاذا جامعيا‮ ‬يتحدّث في‮ ‬وسائل الإعلام المختلفة في‮ ‬بلاده عن ثقافة ذلك الشعب وتاريخه ودينه وعاداته وتقاليده دون أن‮ ‬يكون قادرا على التحدّث مع عالِم من هذه الأمة أو أي‮ ‬رجل بسيط فيها بلغتهما المكتوبة والمنطوقة أو حتى التمكن من شراء كتبٍ‮ ‬ومصادرَ‮ ‬لموضوع اختصاصه من خلال استخدام لغة تخصصه‮. ‬وشرّ‮ ‬البلية ما‮ ‬يُضحك،‮ ‬أن الناس عادة،‮ ‬الخواصّ‮ ‬والعوامّ‮ ‬على حدّ‮ ‬سواء،‮ ‬لا‮ ‬يعلمون أن مثل هؤلاء الأساتذة المتغطرسين حتى النخاع والمنفوخين حتى نقطة الانفجار لا‮ ‬يجرؤون على التفوّه بأية جملة ذات بال في‮ ‬لغة تخصّصهم أو إلقاء محاضرة لمدة بضع دقائق لا‮ ‬غير بتلك اللغة،‮ ‬فهناك تعتيم شامل ومُطبق حولهم، ولا بدّ‮ ‬إزاء هذه الظاهرة السلبية والمضللة من العمل الدؤوب بغية إزالة مثل هذه الضبابية والسرية لكشف الحقيقة عارية دون أية رتوش‮. ‬
وهناك من‮ ‬يتعلم اللغة العبريةَ‮ ‬مثلا كي‮ ‬يعيش‮،‮ ‬كي‮ ‬يحصل على لقمة قوت‮ ‬يومه،‮ ‬لا أكثر ولا أقلّ‮ ‬وذلك كما ورد على لسان أحد الشبان في‮ ‬بيت لحم عند مقابلته للصحفية الإسرائيلية،‮ ‬عميرة هس،‮ ‬في‮ ‬الصحيفة الإسرائيلية العبرية اليومية،‮ ‬هآرتس،‮ ‬في‮ ‬خريف العام ‮1002.‬
ويُذكر أن إحدى الكلمات العبرية الأكثر شيوعا في‮ ‬حالات اللقاء اليومية بين أبناء إسحق وأبناء إسماعيل أي‮ ‬الجنود الإسرائيليين من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى في‮ ‬أيامنا هذه هي‮ ‬لفظة‮ "‬מַחְסוֹם‮" ‬أي‮ "‬الحاجز‮’. ‬والجدير بالذكر أن هذه الكلمة وحيدة hapaxlegomenon
‮في العهد القديم إذ أنها وردت فقط في‮ ‬سفر المزامير الإصحاح ‮93 ‬العدد2 ويعود تاريخ تدوينه النهائي‮ ‬إلى القرن الثالث قبل الميلاد‮ "‬قلتُ‮ ‬أنتبهُ‮ ‬في‮ ‬سلوكي‮ ‬لئلا‮ ‬يخطَأ لساني،‮ ‬وأضع لفمي‮ ‬لجاماً‮ ‬ما دام الشِّرير أمامي‮". كما‮ ‬يٍطلق عليها في‮ ‬الأبحاث العربية العلمية،‮"‬لفظة فردة‮"‬. بعبارة أخرى،‮ ‬معنى هذه الكلمة‮ "מַחְסוֹם‬/مَحْسوم‮" ‬في‮ ‬العبرية الكلاسيكية هو‮ "‬اللِجامُ‮ ‬أو الكِمامُ‮ ‬أو الكعام أو الشِّبام‮" ‬وهو ما‮ ‬يُكمّ‮ ‬به فم الحيوان كالكلب والثور والعجل والفرس لئلا‮ ‬يأكل أو‮ ‬يرضع أو‮ ‬يعضّ‮. ‬أما البعير الذي‮ ‬يحتلّ‮ ‬مكانة محترمةً‮ ‬في‮ ‬التراث العربي‮ ‬فله كلمة خاصة به لتدلَّ‮ ‬على اللجام والمكبح وهي‮ "‬الكِعام،‮ ‬الكِعامة‮" ‬وللجدي‮ "‬الشِبام‮". ‬
أما في‮ ‬العبرية الحديثة فكلمة‮ "‬مَحْسوم‮" ‬تعني‮ ‬بالإضافة إلى‮ "‬لجام،‮ ‬كِعام،‮ ‬شبام‮" ‬كلاً‮ ‬من‮ "‬الحاجز،‮ ‬العقبة،‮ ‬العائق،‮ ‬الكتلة الحجرية،‮ ‬المتراس،‮ ‬السدّ‮" ‬إلا أن أشهر المعاني‮ ‬وأكثرَها تداولا في‮ ‬صفوف الفلسطينيين في‮ ‬الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع‮ ‬غزة هو‮ "‬الحاجز‮". ‬وما أدراك ما الحاجز؟ الحاجز المقصود هنا عبارة عن نقطة تفتيش‮ ‬يتواجد فيها بضعة جنود إسرائيليين مسلّحين وسيارة جيب عسكرية وأجهزة اتصال‮. ‬يوقف هؤلاء الجنود،‮ ‬المطلوب منهم القيام بمهمة أمنية،‮ ‬سيارات الفلسطينيين والمارّة للتفتيش والتدقيق والتحقيق ولا‮ ‬يخلو الأمر من التحقير والإذلال كما سيتبيّن من العيّنة اللغوية التي‮ ‬التقطتها مسامع السيدة عميرة هس‮. ‬ومن الألفاظ والعبارات التي‮ ‬يستخدمها مثل هؤلاء الجنود الشبان في‮ ‬الحواجز المنتشرة في‮ ‬الديار المقدسة كانتشار المستوطنات اليهودية ما‮ ‬يلي‮:‬
قأقعد على قفاك؛ بعوضة؛ أنت صغير كهذا‮ )ربما مشيرا إلى الخنصر أو البنصر أو السبابة أو الإبهام(؛ إنصرِف‮ )طِرْ‮( ‬من هنا؛ لا تتدخّل؛ حشرات؛ قَذِر؛ إرفع‮ ‬يديك! قف هناك؛ أطفىء المحرِّك!؛ إلى الوراء؛ إنصرِف!؛ كذّاب؛ لا أصدّقكم؛ قلِ‮ ‬الحقيقة!؛ أحمق؛ إني‮ ‬أكسر‮ )‬لك‮( ‬رِجليك؛ إني‮ ‬أمزق‮ )‬لك‮( ‬إطارات العجلات؛ قرِّر ماذا تريد،‮ ‬طلقة تساوي‮ ‬ألفين دولار من العراق‮ )إشارة إلى الهبة المقدّمة إلى أُسرة الضحايا الفلسطينيين‮( ‬أم خبراً‮ ‬عاجلاً‮ )‬إشارة إلى ما‮ ‬يرد في‮ ‬التلفزيون الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬كل مرّة‮ ‬يطلق فيها جيش الدفاع الإسرائيلي‮ ‬النار والناس‮ ‬يُصابون‮(. ‬لا ريب أن عبرية الحواجز هذه وما شاكلها بشعة وعدائية ودونية إذ أنها حبلى بالشتائم والمسبّات‮. ‬
من المناسبات السارّة في‮ ‬الحياة الزوجية عملية البحث والتفتيش والتنقيب عن اسم ملائم وجميل للمولود الجديد أو المولودة الجديدة‮. ‬يتشاور الوالدان وبعض الأقارب بغية الاتفاق على اسم سيُقال عنه في‮ ‬المستقبل‮ "‬إنه اسم على مسمىً‮". ‬وفي‮ ‬بعض الحالات،‮ ‬كما لا‮ ‬يخفى على أحد،‮ ‬لا حاجةَ‮ ‬لمثل هذا البحث والمجهود فالابن البِكر‮ ‬يحمل اسم جده في‮ ‬جلّ‮ ‬الحالات والمولود ليلة عيد الميلاد المجيد لدى العرب المسيحيين‮ ‬يحمل اسم‮ "‬ميلاد‮" ‬وفي‮ ‬عيد الغِطاس أي‮ ‬عيد الظهور الإلهي،‮ ‬نجد الاسمين‮ "‬غطّاس،‮ ‬غطّاسة‮" ‬للذكر والأنثى‮. ‬
وقد حدث مؤخرا أن امرأة فلسطينية من مدينة خان‮ ‬يونس في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة قد جاءت ساعتها لتلد فهُرع بها بالسيارة إلى مستشفى‮ "‬ناصر‮" ‬في‮ ‬المدينة لتضع مولودها هناك‮. ‬وفي‮ ‬الطريق كالمعتاد كان‮ "‬الحاجز‮" ‬لها بالمرصاد وأُوقِفت السيارة للتفتيش والتنقيب والتحقيق و‮... ‬و‮... ‬واشتد طلق الوالدة وتواتر فأنجبت هناك في‮ ‬السيارة على‮ "‬المحسوم‮" ‬على‮ "‬الحاجز‮". ‬
لم تتردد الأم في‮ ‬انتقاء اسم لمولودها الغضّ،‮ ‬إنها أطلقت عليه الاسم‮ "‬حاجزا‮" ‬كي‮ ‬يتذكّرَ‮ ‬عندما‮ ‬يكبُر ويشتدّ‮ ‬عوده ما قاساه أهله وذووه من العذاب والتنكيل والإذلال على‮ "‬الحواجز‮". ‬وهذا الاسم مشتقٌّ‮ ‬من أصل عربي‮ ‬أصيل‮ ‬يدلّ‮ ‬على المنع والفصل وحدّ‮ ‬السيف والظلم أيضا‮. ‬ويقال إن بلاد الحِجاز قد سمّيت بهذا الاسم لأنها تفصل تهامة عن نَجد‮. ‬وربما‮ ‬يحقّ‮ ‬للمرء المتأمل الراصد ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬عالمنا هذا أن الاسم‮ "‬حاجزا‮" ‬دُعي‮ ‬كذلك للفصل بين الخير والشر،‮ ‬بين السلام والحرب،‮ ‬بين الإيمان والكفر، بين الصراحة والتملق، بين المحبة والكراهية، بين التسامح والانفتاح والضغينة والانكفاء على الذات، بين الباطن والظاهر، بين هذا وذاك،‮ ‬بين نحن وأنتم،‮ ‬والله أعلمُ‮ ‬إذ لا‮ ‬يمكن مَحو ما في‮ ‬الذاكرة‮!‬
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى