أحمد بلقمري
عضو مساهم
- البلد/ المدينة :
- برج بوعريريج/ الجزائر
- العَمَــــــــــلْ :
- مستشار التوجيه و التقييم و الإدماج المهنيين
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 173
- نقاط التميز :
- 292
- التَـــسْجِيلْ :
- 07/09/2011
في الزاوية..( قصة)
تقدمت
بنا السيارة نحو الزاوية، كانت السيارة الوحيدة على الطريق..الظلام الدامس
يملأ المكان، لم أحدث السائق كما لم يحدثني،..لقد وصلنا..هذه الزاوية..قال
السائق..أرسلت بضع دقات على الباب الحديدي، خرج شيخ من المبنى الكبير
الصغير الذي يشبه الثكنة، قلت : ضياف ربي..رد الشيخ: مرحبا بضيوف
الرحمان..تفضل..عليك بأداء الزيارة أولا..لم أكن أعرف ذلك الطقس من
قبل..لكنني كنت متشوقا لمعرفة ما يوجد في تلك الغرفة..فتح الشيخ الباب
..قبور متراصة..رداءان من الحرير يغطيان قبرين كبيرين..قبور صغيرة أخرى
تغطيها بعض القطع الكبيرة من القماش الأخضر اللون..رائحة البخور تعم
الفضاء..حجارة مختلفة الأحجام تحيط بالمكان من كل جانب..لا شك أنها حجارة
مقدسة مباركة..رفعت يدي متمتما..بالنسبة لمرافقي أوحى سلوكي أني أتبرك و
أطلب العون و الجوار من سيدي مزهود..لكنني كنت أداري فقط كي أحظى بمكان
لائق يسمح لي بالنوم الهادئ بعد ثلاثة أيام من السير على طريق
صحراوي..دخلنا غرفة أخرى أكبر من الأولى فإذا بي أجد ثلاثة رجال في سن
متقاربة و شابين عليهما ملامح خادمين..جلست بجانب الرجلين..أحضروا لنا
طعاما، كان حساء ساخنا وقطعا من الخبز..تبادلنا أطراف الحديث، تعارفنا..في
هذه الأثناء أذن مؤذن لصلاة العشاء..نهضنا لنتوضأ..صلينا العشاء، كنت أعتقد
أنني في مكان تملأه التقوى، لكنني غيرت رأيي بعد الصلاة مباشرة..بمجرد
فراغنا من الصلاة حطت النميمة على بساط الصلاة..نظرت إلى الوجوه..وأدركت
بأن ما يصل هؤلاء بالفقه و التعبد ليس أكثر من الملابس البيضاء التي
يرتدونها و العمامات الصفراء التي يغطون بها رؤوسهم..قال أحدهم : هل
تعلمون؟، ذلك الرجل الذي صلى بنا لم يكن على طهارة، إنه يسارع لإمامتنا
بالرغم من عدم صفاء سريرته، وطهارة سلوكه..إنه زير نساء، إنه شيطان في صورة
إنسان..ثم قال لنا: دعونا منه..تكلم محدثنا في السياسة و الرياضة بعد أن
عرف مقصد كل واحد منا، و سر اختياره المبيت في زاوية لا يعرف عنها شيئا..في
الحقيقة لم يكن اختيارا أبدا بل كان حتما .. كل الحركات التي رصدتها كانت
أشبه بالاختبار..لم أعرف ما الذي يجري بالضبط..حركة غريبة، دخول وخروج،
أصوات تنبعث من كل مكان .. تحركت العيون..اهتزت القلوب..وحان وقت
النوم..كان نصيبي غطاء رثا ووسادة ليست كالوسائد..وضعت رأسي على كفي محاولا
النوم..ما الذي جاء بي لبيت الأشباح هذا؟، ما الذي قادني إلى هذا المكان
الأشبه بدير يوناني قديم ؟..
أشرقت
شمس يوم جديد، أحضر لنا فتى يدعى منير قهوة الصباح في صينية، شربت القهوة
على عجل، حملت حقيبتي و دّعت مضيّفيّ قائلا: يا جماعة كثر خيركم، بارك الله
فيكم و تبقاو على خير..اعترض طريقي شخص ضخم الجثة طويل القامة، أصلع، أجدع
الأنف، يلبس قندورة صفراء، كان كمارد خرج من إبريق القهوة، أمسكني من
معصمي وقال لي: إلى أين أيها الشاب؟، في عادتنا من يبيت ليلة واحدة يخدم
عندنا ثلاثة أيام كاملة بلياليها، عليك ان تنتظر شيخ طريقتنا فإن أذن لك
بالرحيل فلن يمنعك أحد..نزل علي ذلك الخبر كالصاعقة، حاولت أن أقنع الرجل
الضخم لكن حججي كانت واهية أمام صوته الجهوري العنيف، استسلمت لقدري، وبقيت
أنتظر مولانا..كان سيدي الشيخ في خلوة أو شطحة صوفية، كان علي أن أبدي
التعاون مع مضيّفيّ و أن لا أفكر في طريقة للهرب من المأزق الذي وجدت نفسي
فيه، أقنعت نفسي بعدم ارتكاب أي حماقة، وقلت متحسرا على مآلي : يا ميمون
واش جابك للزاوية؟!!...
..(يتبع)
قلم : أحمد بلقمري