نجم الإسلام
طاقم الإشراف العام
- رقم العضوية :
- 192
- العَمَــــــــــلْ :
- التربية و التعليم
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 5608
- نقاط التميز :
- 8397
- التَـــسْجِيلْ :
- 06/06/2009
بقلم : أ.علاء أبو صالح
* لعقد مضى أو يزيد ظن البعض بأن العالم سيشهد
تطوراً ونمواً هائلاً جراء تحوله الى قرية كونية صغيرة ، وظن آخرون بأن
العولمة ستشكل إقتصاداً عالمياً حراً نزيهاً يقود الجميع نحو الرفاهية
والتطور والنمو الإقتصادي ، وحررت لأجل ذلك الإتفاقيات التجارية ، كاتفاقية
الجات التي تحولت الى ما أصبح يعرف بمنظمة التجارة العالمية التي هدفت الى
إزالة القيود التجارية على رأس المال الأجنبي والسماح له بل تقديم
المعونات والتسهيلات له للإستثمار كيفما شاء ومتى شاء ، يستثمر بل يتلاعب
في الثروات الطبيعية وفي أرزاق الناس وغيرها من مصالح البلاد الحيوية ،
وانخرطت الدول العربية في هذه الإتفاقية وغيرها كحال بقية دول العالم سيما
العالم الثالث الذي لا حول له ولا قوة ولا سيادة حقيقية له على إقتصاده
وقراراته الاستراتيجية . بيد أن الزمان لم يطل حتى تكشف للبشر حقيقة ما
أقدموا عليه فانقشع الغمام وزالت الأقنعة وظهر للجميع حقيقة الوجه القبيح
الذي تخفيه الرأسمالية وظهرت نذر العولمة التي حملت للناس الدمار والهلاك
الإقتصادي ، فلقد أسفرت العولمة – وهي النموذج المطور من النظام الإقتصادي
الرأسمالي- عن حقيقتها بأنها لا تجلب سوى نهب الثروات والخيرات والجهود
والعقول وترمي الى تسخير البشر لخدمة كبراء المال لديها ، ولكنّ جشع هؤلاء
قد أودى بهم كحال من سبقوهم الى واد سحيق ، فها هي أمريكا صاحبة لواء
الرأسمالية تعاني أشد المعاناة مما حل بها من أزمة مالية خلفها نظامها
الرأسمالي . لكن هذه الأزمة – وللأسف- لم تقتصر على الإقتصاد الأمريكي فقط
بل تعدته لتعم معظم إقتصاديات العالم من شرقه الى غربه ومن شماله حتى جنوبه
فكانت كالجراد المنتشر الذي لم يبق على شيء في طريقه إلا أهلكه فتركه
كهشيم المحتضر . ويعود تأثر إقتصاديات العالم ومنه البلدان العربية بالأزمة
المالية العالمية الى أسباب عدة منها : 1. اعتماد دول العالم ومنها الدول
العربية على الدولار كغطاء نقدي لعملاتها مما يجعلها رهن التقلبات
والتغييرات في الإقتصاد الأمريكي وخصوصاً بعد فك ارتباط الدولار عن الذهب
في بداية سبعينات القرن الفائت . 2. ارتباط اقتصاديات العالم بالشركات
المتعددة الجنسيات التي غزت العالم باسم العولمة مما جعل بعضها مجرد مزرعة
للشركات الأمريكية الضخمة . 3. استثمار دول العالم ومنه الدول العربية في
الأسواق والبورصات الأمريكية بمبالغ هائلة لا سيما في سندات الخزينة
الأمريكية . 4. اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستورد لصادرات بعض
الدول كالصين واليابان مثلاً مما يجعل اختلال الإقتصاد الأمريكي ودخوله في
مرحلة ركود او كساد يؤدي الى تأثر اقتصاديات هذه الدول بصورة مباشرة وقوية
. 5. الهيمنة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية على قطاع كبير من أنظمة
الحكم في العالم سيما دول العالم الثالث ومنه الدول العربية مما يؤدي الى
ارتهان مصير هذه الدول ونموها الأقتصادي بيد أصحاب القرار في واشنطن . هذه
بعض الأسباب التي عكست الأزمة المالية في أمريكا على العالم والدول العربية
على وجه الخصوص ، فالدول العربية كانت ولا زالت جزءاً من المنظومة
الإقتصادية العالمية الرأسمالية تتأثر بما يصيب هذه المنظومة من اضطرابات
مالية وهزات إقتصادية وهي ليست في منأى عن هذه الأزمات –كما توهم البعض-
كما أن جزئية الدول العربية في هذه المنظومة تختلف عن غيرها باعتبارها تملك
أثمن سلعة للإقتصاد العالمي وهو النفط وهي في نفس الوقت ضعيفة سياسياً
وصناعياً مما يجعلها مطمعاً لكل ناهب وغنيمة لكل سالب . أما عن آثار هذه
الأزمة على الدول العربية فلإلقاء الضوء على هذه الآثار يمكن أن نقسم الدول
العربية من حيث حجم تأثرها بهذه الأزمة الى قسمين رئيسيين ، وهما : الدول
النفطية الغنية ممثلة بدول مجلس التعاون الخليجي والتي نالت حصة الأسد من
تأثير هذه الأزمة على الدول العربية ، والدول غير النفطية المتبقية سواء
الفقيرة منها او متوسطة الدخل وكان تأثرها أقل نسبة للقسم الأول . أما
تأثير الأزمة على الدول النفطية الغنية التي صنفها البعض بأحد أكبر
الخاسرين عالمياً جراء هذه الأزمة فتتمثل في الأمور التالية : 1. تعرضها
للخسارة المالية جراء استثمار أموالها في المؤسسات المالية الأمريكية وقد
قدرت بعض الإحصائيات الخسائر التي لحقت بدول الخليج جراء الأزمة الراهنة
بحوالي 2.2 تريليون دولار وهذا الرقم هو أكثر من ضعف ناتج دول الخيج المحلي
البالغ 900 مليار دولار . فقد صرح الأمين العام لمجلس الوحده الاقتصاديه
العربيه أحمد جويلي بتاريخ 29 تشرين ثاني ونشرته صحفية ("الحياة" اللندنية)
بأن الخسارة المتوقعه للاقتصاد العربي نتيجه الازمه الماليه العالميه يبلغ
نحو 2.5 تريليون دولار اميركي . ويذكر أن الصناديق السيادية التابعة لدول
الخليج والتي تتكون من عائدات النفط والاحتياطيات النقدية الأجنبية قد خسرت
وفق بعض التقديرات والإحصائيات ما يقارب 400 مليار دولار بحسب صحيفة
الأكونومست الصادرة بتاريخ 13نوفمبر 2008 ، وتملك دولة الإمارات العربية
المتحدة أكبر صندوق سيادي في العالم بمبلغ قدره 968 مليار دولار ،
والسعودية 370 مليار ، والكويت 264 مليار ، ولقطر وعمان والبحرين صناديق
سيادية بمبالغ أقل من نظرائها . وتعود خسارة هذه الصناديق الى الاستثمارات
في كثير من المؤسسات والبنوك الأمريكية التي تعرضت للأزمة بصورة مباشرة
وكمثال على ذلك نورد أمثلة لمساهمات صندوق مركز أبو ظبي للاستثمار وصندوق
الأجيال القادمة الكويتي في رأس مال الشركات الأجنبية *: مركز أبو ظبي
للاستثمار: 16% من إيستيرن أوروبيان البريطانية 4.9% من ستي غروب الأميركية
9% من أبولو مانجمنت الأميركية 3% من فيفالدي الفرنسية 2% من ميدياسات
الإيطالية 3% من سوني اليابانية صندوق الأجيال القادمة: 23.8% من فكتوريا
السويسرية 6% من ستي غروب الأميركية 7.2% من دايملر (ميرسدس) الألمانية
4.8% من بنك ميريل لنش الأميركي. 2. الإنخفاض الحاد والمستمر في البورصات
الخليجية مما كبد هذه الأسواق خسائر قياسية فقد بلغت خسارة الأسواق
الخليجية أكثر من 17% في شهر سبتمبر لوحده واستمرت الخسارة في الأشهر التي
تلتها . 3. انخفاض سعر برميل النفط مما يؤدي الى اختلال في التوازن
الاقتصادي وتقليل حجم النمو فقد توقع أحمد الجويلي في التصريح السابق تقلص
نسبة النمو في الدول العربية بسبب انخفاض سعر النفط من 5% الى 3% ، كما أن
انخفاض سعر برميل النفط أثر على ميزانيات دول الخليج لعام 2009 وعلى الخطط
العشرية لهذه الدول التي بنتها على توقع أن يكون الحد الأدنى للبرميل
يتراوح بين 80 و 90 دولار ، و إنخفاض سعر برميل النفط سيؤدي الى تقلص
النفقات الحكومية مما سيصيب قطاعاً عريضاً من أوساط الناس في مجالات الصحة
والتعليم والغذاء ، هذا وتوقعت مؤسسة ميريل لينش المصرفية الأميركية، تهاوي
أسعار النفط، إلى حوالي 25 دولاراً فقط للبرميل العام المقبل ، وأرجعت
المؤسسة هذه التوقعات إلى تقلص الطلب على النفط في الدول الكبرى المستهلكة
لهذه السلعة الإستراتيجية وعلى رأسها الولايات المتحدة، جراء الركود
الاقتصادي . 4. تعطل وتعرقل بعض من المشاريع الضخمة سيما في دولة الإمارات
العربية المتحدة وكذا بقية دول الخليج والتي تقوم بها كبرى الشركات
العقارية والشركات النفطية التي تأثرت تأثراً كبيراً بالأزمة حتى أن أسهمها
قد فقدت أكثر من ربع قيمتها الى الآن، كما ان ارتفاع أسعار مواد البناء
أدى الى زيادة باهظة في تكاليف المشاريع الجديدة. 5. الأتاوات التي تفرضها
الدول الكبرى على دول الخليج القاضية بضرورة تقديم المعونات المستعجلة
للدول الكبرى ومؤسساتها المالية المتعثرة ، بإعتبار هذه الدول مخزناً للنفط
والمال وتمثل ذلك في الجولة الخليجية التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني
غوردن بروان بتاريخ 2/11/2008 وزيارة نائب وزير المالية كيميت التي سبقتها
بتاريخ 28/10/2008 ، وبسبب الضعف السياسي التي تعانيه الدول العربية
وارتباطها سياسياً وإقتصاديا بالغرب فقد استجاب الحكام وأصحاب القرار لهذه
الضغوط الغربية حتى وصل الحال ببعض المسؤولين الخليجيين بالتصريح قائلاً أن
إنقاذ الإقتصاد الأمريكي يمثل دعماً للإقتصاد المحلي ، ولا شك أن هذه
الأتوات تلقي بكاهلها الثقيل على الأقتصاد المحلي فبدل أن تقدم هذه
الحكومات الأموال لإنقاذ مؤسساتها وشركاتها المتعثرة والتي تعاني من آثار
الأزمة العالمية تقدمها هذه الدول للشركات الأمريكية والأوروبية ودعماً
للإقتصاد الغربي . وبالمجمل فقد قدر بعض الخبراء الإقتصاديين الخسائر التي
تعرضت لها دول الخليح بـ 50% من استثماراتها المحلية والدولية على مستوى
الدول والأفراد. أما تأثير الأزمة المالية على بقية الدول العربية فهي وإن
كانت أقل تأثراً بهذه الأزمة بسب عدم ولوغ هذه الدول في التجارة العالمية
بسبب فقرها وضعفها الإقتصادي فهي تشترك مع غيرها من دول الخليج في بعض
الآثار وتفترق عنها في أمور ، من هذه الآثار : 1. ارتفاع معدلات التضخم عن
المستويات القياسية ، التي تناولت خصوصاً أسعار العقارات والمساكن، بسبب
التضخم المستورد من الخارج ، وانعكس ذلك زيادة في أسعار المواد الغذائية
ومواد البناء. 2. خسارة بعض هذه الدول التي لحقت بصناديقها السيادية
المتواضعة نسبة لدول الخليج كليبيا والجزائر وموريتانيا. 3. ضياع أموال هذه
الدول المستثمرة في أمريكا وانعكاس ذلك على المواطن العادي في راتبه
التقاعدي وفي مجالات الصحة والغذاء لا سيما وان هذه الدول لا تملك مصدراً
ثابتاً يدر عليها الأموال كدول الخليج التي تصدر النفط بل تستثمر هذه الدول
من أموال فقراء رعاياها الذين يكافحون من أجل تحصيل لقمة العيش . 4. توقع
ضعف المعونات الخارجية من الدول الغربية وصندوق النقد والبنك الدوليين ،
واعتماد عدد من الدول العربية على هذه المعونات كالمعونات المقدمة من
الولايات المتحدة الامريكية لكل من مصر والأردن وغيرهما. هذه بعض الآثار
التي ألمت بالبلدان العربية إثر الأزمة المالية الراهنة ، وجراء هذه الآثار
الكارثية تعالت بعض الأصوات هنا وهناك تدعو لوضع خطط لإنقاذ إقتصاد
البلدان العربية من الإنهيار الشامل ، والحقيقة لا مناص منها أن الدول
العربية بشكلها الراهن وبأوضاعها السياسية والإقتصادية الحالية غير قادرة
على مواجهة هذا الإعصار المالي ، بيد أنها تملك ، لو وحدت كلمتها وطبقت
النظام المالي الإسلامي في ظل دولة الخلافة ، الحل لجميع مشاكلها . فلديها
المساحات الزراعية الشاسعة التي لو زرعت لكفتها ذاتياً من حيث المحاصيل
الزراعية والغذائية والسودان بلد الخير خير مثال على ذلك ، فمساحته الصالحة
للزراعة تبلغ 200 مليون فدان وهي تكفي لسد احتياجات العالم العربي
الغذائية لو أحسن استخدامها. ولديها النفط ، عمود الصناعات الفقري ،
فيمكنها ان تستغله خير استغلال بما يحقق لها مصالحها ، وكل ما يتطلب بها
سياسية نفطية غير متأثرة بإرادة الدول الصناعية الكبرى بل سياسة ذاتية تحقق
مصالح المسلمين . ولديها الموقع الاستراتيجي الهام من مضيق هرمز الى خليج
عدن الى قناة السويس ، وهذا يجعلها قطب الرحى للتجارة الدولية فبدونها لا
اتصال بين قارات العالم المختلفة . ولديها الثروات الكامنة والهائلة
المدفونة تحت الأرض وفوقها كالمعادن في كل من الأردن واليمن و.... ولديها
الطاقات البشرية والعلماء الرائدين في كل حقول العلوم الطبيعية ولكنهم
بحاجة الى حضن دافئ يضمهم فيقدموا لأمتهم أضعاف ما قدموه للغرب . فالدول
العربية تملك مفتاح حل هذه الأزمة ليس على المستوى الإقليمي بل على المستوى
العالمي إن هي كونت نواة دولة إسلامية تحمل الإسلام كمشروع حضاري وتطبق
النظام الإقتصادي العادل الذي يوفر لهم وللبشر حياة آمنة مطمئنة .
* لعقد مضى أو يزيد ظن البعض بأن العالم سيشهد
تطوراً ونمواً هائلاً جراء تحوله الى قرية كونية صغيرة ، وظن آخرون بأن
العولمة ستشكل إقتصاداً عالمياً حراً نزيهاً يقود الجميع نحو الرفاهية
والتطور والنمو الإقتصادي ، وحررت لأجل ذلك الإتفاقيات التجارية ، كاتفاقية
الجات التي تحولت الى ما أصبح يعرف بمنظمة التجارة العالمية التي هدفت الى
إزالة القيود التجارية على رأس المال الأجنبي والسماح له بل تقديم
المعونات والتسهيلات له للإستثمار كيفما شاء ومتى شاء ، يستثمر بل يتلاعب
في الثروات الطبيعية وفي أرزاق الناس وغيرها من مصالح البلاد الحيوية ،
وانخرطت الدول العربية في هذه الإتفاقية وغيرها كحال بقية دول العالم سيما
العالم الثالث الذي لا حول له ولا قوة ولا سيادة حقيقية له على إقتصاده
وقراراته الاستراتيجية . بيد أن الزمان لم يطل حتى تكشف للبشر حقيقة ما
أقدموا عليه فانقشع الغمام وزالت الأقنعة وظهر للجميع حقيقة الوجه القبيح
الذي تخفيه الرأسمالية وظهرت نذر العولمة التي حملت للناس الدمار والهلاك
الإقتصادي ، فلقد أسفرت العولمة – وهي النموذج المطور من النظام الإقتصادي
الرأسمالي- عن حقيقتها بأنها لا تجلب سوى نهب الثروات والخيرات والجهود
والعقول وترمي الى تسخير البشر لخدمة كبراء المال لديها ، ولكنّ جشع هؤلاء
قد أودى بهم كحال من سبقوهم الى واد سحيق ، فها هي أمريكا صاحبة لواء
الرأسمالية تعاني أشد المعاناة مما حل بها من أزمة مالية خلفها نظامها
الرأسمالي . لكن هذه الأزمة – وللأسف- لم تقتصر على الإقتصاد الأمريكي فقط
بل تعدته لتعم معظم إقتصاديات العالم من شرقه الى غربه ومن شماله حتى جنوبه
فكانت كالجراد المنتشر الذي لم يبق على شيء في طريقه إلا أهلكه فتركه
كهشيم المحتضر . ويعود تأثر إقتصاديات العالم ومنه البلدان العربية بالأزمة
المالية العالمية الى أسباب عدة منها : 1. اعتماد دول العالم ومنها الدول
العربية على الدولار كغطاء نقدي لعملاتها مما يجعلها رهن التقلبات
والتغييرات في الإقتصاد الأمريكي وخصوصاً بعد فك ارتباط الدولار عن الذهب
في بداية سبعينات القرن الفائت . 2. ارتباط اقتصاديات العالم بالشركات
المتعددة الجنسيات التي غزت العالم باسم العولمة مما جعل بعضها مجرد مزرعة
للشركات الأمريكية الضخمة . 3. استثمار دول العالم ومنه الدول العربية في
الأسواق والبورصات الأمريكية بمبالغ هائلة لا سيما في سندات الخزينة
الأمريكية . 4. اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستورد لصادرات بعض
الدول كالصين واليابان مثلاً مما يجعل اختلال الإقتصاد الأمريكي ودخوله في
مرحلة ركود او كساد يؤدي الى تأثر اقتصاديات هذه الدول بصورة مباشرة وقوية
. 5. الهيمنة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية على قطاع كبير من أنظمة
الحكم في العالم سيما دول العالم الثالث ومنه الدول العربية مما يؤدي الى
ارتهان مصير هذه الدول ونموها الأقتصادي بيد أصحاب القرار في واشنطن . هذه
بعض الأسباب التي عكست الأزمة المالية في أمريكا على العالم والدول العربية
على وجه الخصوص ، فالدول العربية كانت ولا زالت جزءاً من المنظومة
الإقتصادية العالمية الرأسمالية تتأثر بما يصيب هذه المنظومة من اضطرابات
مالية وهزات إقتصادية وهي ليست في منأى عن هذه الأزمات –كما توهم البعض-
كما أن جزئية الدول العربية في هذه المنظومة تختلف عن غيرها باعتبارها تملك
أثمن سلعة للإقتصاد العالمي وهو النفط وهي في نفس الوقت ضعيفة سياسياً
وصناعياً مما يجعلها مطمعاً لكل ناهب وغنيمة لكل سالب . أما عن آثار هذه
الأزمة على الدول العربية فلإلقاء الضوء على هذه الآثار يمكن أن نقسم الدول
العربية من حيث حجم تأثرها بهذه الأزمة الى قسمين رئيسيين ، وهما : الدول
النفطية الغنية ممثلة بدول مجلس التعاون الخليجي والتي نالت حصة الأسد من
تأثير هذه الأزمة على الدول العربية ، والدول غير النفطية المتبقية سواء
الفقيرة منها او متوسطة الدخل وكان تأثرها أقل نسبة للقسم الأول . أما
تأثير الأزمة على الدول النفطية الغنية التي صنفها البعض بأحد أكبر
الخاسرين عالمياً جراء هذه الأزمة فتتمثل في الأمور التالية : 1. تعرضها
للخسارة المالية جراء استثمار أموالها في المؤسسات المالية الأمريكية وقد
قدرت بعض الإحصائيات الخسائر التي لحقت بدول الخليج جراء الأزمة الراهنة
بحوالي 2.2 تريليون دولار وهذا الرقم هو أكثر من ضعف ناتج دول الخيج المحلي
البالغ 900 مليار دولار . فقد صرح الأمين العام لمجلس الوحده الاقتصاديه
العربيه أحمد جويلي بتاريخ 29 تشرين ثاني ونشرته صحفية ("الحياة" اللندنية)
بأن الخسارة المتوقعه للاقتصاد العربي نتيجه الازمه الماليه العالميه يبلغ
نحو 2.5 تريليون دولار اميركي . ويذكر أن الصناديق السيادية التابعة لدول
الخليج والتي تتكون من عائدات النفط والاحتياطيات النقدية الأجنبية قد خسرت
وفق بعض التقديرات والإحصائيات ما يقارب 400 مليار دولار بحسب صحيفة
الأكونومست الصادرة بتاريخ 13نوفمبر 2008 ، وتملك دولة الإمارات العربية
المتحدة أكبر صندوق سيادي في العالم بمبلغ قدره 968 مليار دولار ،
والسعودية 370 مليار ، والكويت 264 مليار ، ولقطر وعمان والبحرين صناديق
سيادية بمبالغ أقل من نظرائها . وتعود خسارة هذه الصناديق الى الاستثمارات
في كثير من المؤسسات والبنوك الأمريكية التي تعرضت للأزمة بصورة مباشرة
وكمثال على ذلك نورد أمثلة لمساهمات صندوق مركز أبو ظبي للاستثمار وصندوق
الأجيال القادمة الكويتي في رأس مال الشركات الأجنبية *: مركز أبو ظبي
للاستثمار: 16% من إيستيرن أوروبيان البريطانية 4.9% من ستي غروب الأميركية
9% من أبولو مانجمنت الأميركية 3% من فيفالدي الفرنسية 2% من ميدياسات
الإيطالية 3% من سوني اليابانية صندوق الأجيال القادمة: 23.8% من فكتوريا
السويسرية 6% من ستي غروب الأميركية 7.2% من دايملر (ميرسدس) الألمانية
4.8% من بنك ميريل لنش الأميركي. 2. الإنخفاض الحاد والمستمر في البورصات
الخليجية مما كبد هذه الأسواق خسائر قياسية فقد بلغت خسارة الأسواق
الخليجية أكثر من 17% في شهر سبتمبر لوحده واستمرت الخسارة في الأشهر التي
تلتها . 3. انخفاض سعر برميل النفط مما يؤدي الى اختلال في التوازن
الاقتصادي وتقليل حجم النمو فقد توقع أحمد الجويلي في التصريح السابق تقلص
نسبة النمو في الدول العربية بسبب انخفاض سعر النفط من 5% الى 3% ، كما أن
انخفاض سعر برميل النفط أثر على ميزانيات دول الخليج لعام 2009 وعلى الخطط
العشرية لهذه الدول التي بنتها على توقع أن يكون الحد الأدنى للبرميل
يتراوح بين 80 و 90 دولار ، و إنخفاض سعر برميل النفط سيؤدي الى تقلص
النفقات الحكومية مما سيصيب قطاعاً عريضاً من أوساط الناس في مجالات الصحة
والتعليم والغذاء ، هذا وتوقعت مؤسسة ميريل لينش المصرفية الأميركية، تهاوي
أسعار النفط، إلى حوالي 25 دولاراً فقط للبرميل العام المقبل ، وأرجعت
المؤسسة هذه التوقعات إلى تقلص الطلب على النفط في الدول الكبرى المستهلكة
لهذه السلعة الإستراتيجية وعلى رأسها الولايات المتحدة، جراء الركود
الاقتصادي . 4. تعطل وتعرقل بعض من المشاريع الضخمة سيما في دولة الإمارات
العربية المتحدة وكذا بقية دول الخليج والتي تقوم بها كبرى الشركات
العقارية والشركات النفطية التي تأثرت تأثراً كبيراً بالأزمة حتى أن أسهمها
قد فقدت أكثر من ربع قيمتها الى الآن، كما ان ارتفاع أسعار مواد البناء
أدى الى زيادة باهظة في تكاليف المشاريع الجديدة. 5. الأتاوات التي تفرضها
الدول الكبرى على دول الخليج القاضية بضرورة تقديم المعونات المستعجلة
للدول الكبرى ومؤسساتها المالية المتعثرة ، بإعتبار هذه الدول مخزناً للنفط
والمال وتمثل ذلك في الجولة الخليجية التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني
غوردن بروان بتاريخ 2/11/2008 وزيارة نائب وزير المالية كيميت التي سبقتها
بتاريخ 28/10/2008 ، وبسبب الضعف السياسي التي تعانيه الدول العربية
وارتباطها سياسياً وإقتصاديا بالغرب فقد استجاب الحكام وأصحاب القرار لهذه
الضغوط الغربية حتى وصل الحال ببعض المسؤولين الخليجيين بالتصريح قائلاً أن
إنقاذ الإقتصاد الأمريكي يمثل دعماً للإقتصاد المحلي ، ولا شك أن هذه
الأتوات تلقي بكاهلها الثقيل على الأقتصاد المحلي فبدل أن تقدم هذه
الحكومات الأموال لإنقاذ مؤسساتها وشركاتها المتعثرة والتي تعاني من آثار
الأزمة العالمية تقدمها هذه الدول للشركات الأمريكية والأوروبية ودعماً
للإقتصاد الغربي . وبالمجمل فقد قدر بعض الخبراء الإقتصاديين الخسائر التي
تعرضت لها دول الخليح بـ 50% من استثماراتها المحلية والدولية على مستوى
الدول والأفراد. أما تأثير الأزمة المالية على بقية الدول العربية فهي وإن
كانت أقل تأثراً بهذه الأزمة بسب عدم ولوغ هذه الدول في التجارة العالمية
بسبب فقرها وضعفها الإقتصادي فهي تشترك مع غيرها من دول الخليج في بعض
الآثار وتفترق عنها في أمور ، من هذه الآثار : 1. ارتفاع معدلات التضخم عن
المستويات القياسية ، التي تناولت خصوصاً أسعار العقارات والمساكن، بسبب
التضخم المستورد من الخارج ، وانعكس ذلك زيادة في أسعار المواد الغذائية
ومواد البناء. 2. خسارة بعض هذه الدول التي لحقت بصناديقها السيادية
المتواضعة نسبة لدول الخليج كليبيا والجزائر وموريتانيا. 3. ضياع أموال هذه
الدول المستثمرة في أمريكا وانعكاس ذلك على المواطن العادي في راتبه
التقاعدي وفي مجالات الصحة والغذاء لا سيما وان هذه الدول لا تملك مصدراً
ثابتاً يدر عليها الأموال كدول الخليج التي تصدر النفط بل تستثمر هذه الدول
من أموال فقراء رعاياها الذين يكافحون من أجل تحصيل لقمة العيش . 4. توقع
ضعف المعونات الخارجية من الدول الغربية وصندوق النقد والبنك الدوليين ،
واعتماد عدد من الدول العربية على هذه المعونات كالمعونات المقدمة من
الولايات المتحدة الامريكية لكل من مصر والأردن وغيرهما. هذه بعض الآثار
التي ألمت بالبلدان العربية إثر الأزمة المالية الراهنة ، وجراء هذه الآثار
الكارثية تعالت بعض الأصوات هنا وهناك تدعو لوضع خطط لإنقاذ إقتصاد
البلدان العربية من الإنهيار الشامل ، والحقيقة لا مناص منها أن الدول
العربية بشكلها الراهن وبأوضاعها السياسية والإقتصادية الحالية غير قادرة
على مواجهة هذا الإعصار المالي ، بيد أنها تملك ، لو وحدت كلمتها وطبقت
النظام المالي الإسلامي في ظل دولة الخلافة ، الحل لجميع مشاكلها . فلديها
المساحات الزراعية الشاسعة التي لو زرعت لكفتها ذاتياً من حيث المحاصيل
الزراعية والغذائية والسودان بلد الخير خير مثال على ذلك ، فمساحته الصالحة
للزراعة تبلغ 200 مليون فدان وهي تكفي لسد احتياجات العالم العربي
الغذائية لو أحسن استخدامها. ولديها النفط ، عمود الصناعات الفقري ،
فيمكنها ان تستغله خير استغلال بما يحقق لها مصالحها ، وكل ما يتطلب بها
سياسية نفطية غير متأثرة بإرادة الدول الصناعية الكبرى بل سياسة ذاتية تحقق
مصالح المسلمين . ولديها الموقع الاستراتيجي الهام من مضيق هرمز الى خليج
عدن الى قناة السويس ، وهذا يجعلها قطب الرحى للتجارة الدولية فبدونها لا
اتصال بين قارات العالم المختلفة . ولديها الثروات الكامنة والهائلة
المدفونة تحت الأرض وفوقها كالمعادن في كل من الأردن واليمن و.... ولديها
الطاقات البشرية والعلماء الرائدين في كل حقول العلوم الطبيعية ولكنهم
بحاجة الى حضن دافئ يضمهم فيقدموا لأمتهم أضعاف ما قدموه للغرب . فالدول
العربية تملك مفتاح حل هذه الأزمة ليس على المستوى الإقليمي بل على المستوى
العالمي إن هي كونت نواة دولة إسلامية تحمل الإسلام كمشروع حضاري وتطبق
النظام الإقتصادي العادل الذي يوفر لهم وللبشر حياة آمنة مطمئنة .