نجم الإسلام
طاقم الإشراف العام
- رقم العضوية :
- 192
- العَمَــــــــــلْ :
- التربية و التعليم
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 5608
- نقاط التميز :
- 8397
- التَـــسْجِيلْ :
- 06/06/2009
ولد مسعود زقار في 08 ديسمبر 1926 بالعلمة التي كانت تسمى آنذاك "سانت أرنو" أين كانت تعيش عائلته الفقيرة المكونة من الوالدين وتسعة أبناء (ست بنات أصغرهن تدعى دليلة التي كتبت عنها الصحافة الدولية في قضية هزت العالم، سنتطرق إليها لاحقا) بالإضافة إلى إبراهيم (استشهد أثناء الثورة) وحسين، وأما مسعود فهو الابن الأكبر الذي ينشأ في بيئة متواضعة، وبما أن والده "بوزيدي" كان رجلا بسيطا فقد أرغم الطفل على تحمل مسؤولية العائلة بكاملها، والغريب أن سعيه لكسب القوت يدفع به إلى المغامرة والهجرة إلى فرنسا وعمره لم يتجاوز العاشرة أين يشتغل لمدة 4 أشهر ويعود إلى أهله بفرنكات معدودة. وعوض أن يواصل دراسته بالمدرسة الفرنسية بالعلمة يفضل مساعدة والده في المقهى التي تقع بالقرب من وسط مدينة العلمة، لكن هذا الطفل لم يكن عاديا في نظر والده بل كان كثير "الزغيد" أي يتسم بنشاط وحيوية منقطعة النظير، ولذلك عمد والده الى تزويجه وعمره لم يتجاوز 13 سنة، لكن هذه الخطة لم تفلح مع مسعود ولم يدم الزواج طويلا فذهبت الزوجة إلى أهلها ولم تعد وتم الطلاق ليعود هذا الزوج المشاغب إلى حياة العزوبية من جديد. وكأن القدر شاء أن يبقى مسعود حرا طليقا حتى يتفرغ لقضاياه التي تجاوزت سنه ولنشاطه التجاري الذي يعتبره نقطة بداية لمسيرة حافلة بالأحداث؛ فبعد العمل مع والده تحول إلى بائع للحلوى رفقة ابن عمه وكان عمره عندها 15 سنة، وهنا راودته فكرة صنع الحلوى بدل بيعها فيشرع في تجسيد فكرته وينجح في إنجاز ورشة لصناعة حلوى عرفت يومها باسم "برلنقو والفليو" فكان يصنعها بنفسه بمستودع بالعلمة ويتولى تسويقها حتى خارج المدينة وكأنها البداية بالنسبة لرجل خلق للمال والأعمال، فالورشة نجحت وبدأ مسعود يشق طريق النجاح.
وبالموازاة مع النشاط التجاري بدأ هذا الشاب يهتم بمحنة بلده فنشأت معه روح حب الوطن في جو سياسي ملائم إشتهرت به مدينة العلمة والتي كانت سباقة برجالها في الانضمام إلى الحركة الوطنية بقيادة المرحوم جيلاني مبارك الذي كان يرأس قسمة حزب الشعب والذي اشتهر بنضاله المستميت وكان وراء تنظيم مظاهرات 8 ماي 45 بالعلمة وأول من أعطى الأمر بالخروج إلى الشارع في ولاية سطيف، وإلى جانب محمد بلفاضل وجيلاني صغير ومحمد زعبوب وعوفي محفوظ وبوسيف الطاهر... كان مسعود زقار ضمن فئة الشباب التي انخرطت في العمل السياسي، وكلفه ذلك الدخول إلى* السجن* سنة* 1945 أين قضى عدة أشهر ليستفيد في 1946 من قانون العفو العام الذي أصدره البرلمان الفرنسي. يملك 3 مصانعوهو في الـ 24 من عمره ولما أفرج عنه تفرغ لعمله بورشة الحلوى، وبعد عامين يقرر السفر إلى وهران لتوسيع نشاطه فينجح في إنجاز معمل ثانٍ لإنتاج الحلوى، ويفتح بذلك آفاقا جديدة بغرب البلاد. ومن وهران إنتقل إلى الدار البيضاء بالمغرب أين ينجز ورشة أخرى لصناعة الحلوى، وكان ذلك في سنة 1950، وباختصار الشاب الذي لم يتجاوز عمره الـ 24 سنة يصبح مالكا لثلاث ورشات لصناعة الحلوى بالعلمة ووهران والدار البيضاء، كما تمكن من شراء شاحنة كان يقودها بنفسه واستغلها في نقل البيض من نواحي سطيف ليصدره إلى فرنسا عبر ميناء وهران. وهذا ما يعني بأن الوضعية الاجتماعية لهذا الشاب الطموح تحسنت، ولذلك فقد قرر الزواج من امرأة وهرانية. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هناك عدة عوامل تدخلت في تكوين شخصية هذا الشاب الذي يصبح فيما بعد ذا شأن عظيم، أولها ميلاده بالعلمة التي اشتهرت بتاريخها الثوري ونزلت بها قيادات كبرى كعبد الحميد ابن باديس ومحمد بوضياف... وأما العقيد عميروش فقد كان يقول للمجاهدين إذا مررتم بالعلمة فلا تخشوا أحدا، لأنها المدينة التي لا يوجد بها "بيوعة" أي خونة. وأما العامل الثاني فيظهر من خلال الحركية التجارية التي تتميز بها المنطقة، وهي الميزة التي لازالت تشتهر بها إلى يومنا هذا، فكان مسعود رجل "بزنس" وسياسة في نفس الوقت، يسير ورشات الحلوى ويمارس نشاطه السياسي تحت لواء حزب الشعب، لينطوي بعدها تحت مظلة جبهة التحرير الوطني بوهران، وكان ذلك في سنة 1954 فناضل سرا تحت قيادة الشهيد العربي بن مهيدي. وفي جوان 1956 إلتحق بمركز قيادة الولاية الخامسة بوجدة أين تعرف على هواري بومدين الذي كان مساعدا لقائد الولاية بوصوف، وهنا نشأت علاقة صداقة متميزة بين رجلين يضعان مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار، لكن كل بأسلوبه الخاص فبين زقار وبومدين ثنائية بمثابة سياسة دولة ستبعث بعد حين. المهمة المستحيلة تبدأ مع الأمريكان المهمة الآن موكلة إلى رشيد كازا، وهو الاسم الثوري لمسعود زقار، وكازا نسبة لـ "كازا بلونكا" المدينة المغربية، وهي التسمية التي أطلقها عليه بوصوف الذي يكلف زقار في ماي 1956 بإنشاء "المصلحة الخاصة بسلاح الإشارات" ووظيفتها الأساسية تزويد جيش التحرير الوطني بالأسلحة والمتفجرات وأجهزة الاتصال اللاسلكي، وفي جلسة مع بوصوف يؤكد له بأنه يملك كامل الحرية في التصرف وبأنه يتعامل معه مباشرة ولا يقدم نتائج عمله لأي شخص آخر "هيا انطلق وكان الله في عونك". هذه المهمة تعتبر إحدى أصعب المهام أثناء الثورة وأهمها على الإطلاق، ويفضل رشيد أن يبدأها من المغرب، وبفضل العلاقات التي كونها مع الضباط الأمريكان المقيمين بالقاعدة العسكرية الأمريكية الكائنة بمنطقة النواصر المغربية يتمكن من الحصول على أجهزة للاتصال اللاسلكي ويقوم بعدها بجولة إلى كل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا فيتمكن من الوصول إلى أكثر من ممون بالأسلحة، وفي جويلية 1956 يعود إلى قائده بوصوف لتقديم تقرير حول هذه المهمة السرية، وهنا يفاجئ القيادة باقتراحاته الجريئة خاصة عندما يخبرهم بأنه توصل إلى مصادر يمكن أن تزوده بأسلحة متنوعة وأجهزة راديو وحتى الطائرات الحربية التي يمكن أن يدخلها في شكل قطع غيار، والطريف أنه لما سألوه عن تكلفة هذه التجهيزات أخبرهم بأن بعضها لها ثمن معين، لكن البعض الآخر "بحري" أي مجانا، وهي الصفة التي أصبح يدعوه بها البعض فيلقبونه بالسيد بحري.
وعلى طريقة رأفت الهجان الذي اشتهر بعدة أسماء، أصبح مسعود يعرف أيضا بألقاب مختلفة كرشيد كازا و"بحري" و"شلح" و"ميستر هاري" وهي التسمية التي اشتهر بها وسط الضباط الأمريكان المعسكرين بالقاعدة الأمريكية بالمغرب، وهي القاعدة التي يتمكن من اختراقها بعد إتقانه للغة الإنجليزية وكثرة احتكاكه بضباطها، وقد بلغ به الأمر إلى حد توظيف أحد أصدقائه بها، ويتعلق الأمر بالسيد نواني أحمد الذي عمل بالقاعدة وكان يمد مسعود بمختلف المعلومات الحربية، كما تمكن الاثنان من الحصول على أسلحة وأجهزة اتصال بالتواطؤ مع بعض الضباط. وبهذه الطريقة تمكن رشيد من الحصول على جهاز إرسال متطور يستعمل في تجهيز البواخر، وهو الجهاز الذي أدخلت عليه بعض التعديلات وأصبح يستعمل في البث الإذاعي لـ "صوت الجزائر" بالناظور، حيث شرعت هذه الإذاعة السرية في البث بتاريخ 16 ديسمبر 1956 كما أن احتكاكه بالأمريكيين سمح له باكتساب خبرة واسعة في مجال السلاح وأجهزة الاتصال وبلغ به الأمر حد تكوين علاقات مع شخصيات أمريكية راقية وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي فكان يحضر معهم معظم الحفلات والنشاطات التي ينظمونها، وحسب أمين سره السيد صغير جيلاني فقد أتيحت له الفرصة بأن يتعرف على حرم السيناتور جون كينيدي الذي يصبح بعد سنوات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فكان يوظف كل هذه العلاقات لدعم القضية الجزائرية فالعمليات الاستخباراتية إذن كللت بنجاح باهر وبدأ الرجل يوسع دائرة استعلاماته في عدة أماكن، وحسب أمين سره جيلاني صغير الذي التقيناه ببيته فإن زقار تمكن من خلق علاقات في محيط الرئيس الفرنسي ديقول، وفي كل مرة يزود قيادات الثورة بمعلومات سرية للغاية وكان بمثابة النواة لشبكة المخابرات التي لعبت دورا بارزا في الاستعلام الحربي. وبما أنه أصبح يتقن التعامل مع أجهزة الاتصال، فقد زود مقر "المصلحة الخاصة للسلاح بالإشارات" بمحطة للاتصال اللاسلكي يتصل بها مباشرة ببوصوف وبومدين. والجدير بالذكر أن رشيد كازا كان يحبذ دوما التعامل مع بومدين الذي كانت تربطه به علاقة وطيدة، وهو الأمر الذي أثار نوعا من الحساسية لدى بوصوف الذي بدأ يلاحظ تناميا مذهلا في التحام الرجلين، وتزامن ذلك مع تحرك بعض الحاسدين لزقار الذين وسوسوا لبوصوف بأن رشيد كازا أصبح عميلا للمخابرات الأمريكية فأصدر ضده حكما بالإعدام، لكن بومدين إعترض على الحكم وسرعان ما تراجع بوصوف عن قراره بعدما تأكد الجميع من صدق نية زقار في خدمة الثورة،