مقـدمـة:
نظرا للتطورات التي يشهدها المحيط الاقتصادي على المستوى الدولي الذي آثر بدوره على إستراتيجيات التسيير خاصة بالمؤسسات الاقتصادية التي وجدت نفسها مجبرة على مسايرة هذه التحديات الجديدة و بالنظر الى الفوارق الاقتصادية التي تميز دولة عن أخرى و المؤسسات عن بعضها البعض، وفي ظل اقتصاد السوق و توسع الاستثمارات و تطور المنافسة الاقتصادية بين المؤسسات لجأت العديد من المؤسسات الإقتصادية إلى السياسة الاحتكارية باتحاد مؤسستين أو اكثر في ميدان معين (FUSION, ABSORPTION ( في مواجهة ظاهرة المنافسة العالمية إلا أن سياسة الإحتكار ما لبثت أن تحولت الى استراتيجية في التعاون بين المؤسسات الإقتصادية أو بين الدول أي سياسة استراتيجية الشراكة.
ولقد أدخل الإتحاد الأوروبي مفهوم الشراكة في علاقته مع الدول المتوسطة وهذا بسبب الأهمية الإستراتيجية للمتوسط، التي تستند الى بعد حضاري، وتكتل بشري، وموارد طبيعية مهمة، عادت به الى الإهتمام الدولي،هذه العودة تجسدت في تطوير الإتحاد الأوروبي لسياسته المتوسطية سنة 1989 حيث أصدرت اللجنة الأوروبية في نفس العام وثيقة بعنــوان إعـادة توجيه السياسة المتوسطية بصفة أساسية ، هذه السياسة تمثلت في الشراكـة الأورومتـوسطية PARTENARIAT EURO -MEDITERRANEEN التي تاتي حسب بيان برشلونة الذي يحث على التعاون الشامل و المتضامن.
وقبل التطرق الى الإتحاد الأوروبي و أبعاد مشاريعه المتوسطية يجب أولا معرفة مفهوم الشراكة
و الشراكة الإستراتيجية، و قواعدها و أشكالها و مميزاتها و أسباب اللجوء إليها و انعكاساتها.....
الفصل الأول: مدخل للشراكة و الشراكة الإستراتيجية:
المبحث الاْول: مـاهي الشراكـة الإستراتيجيـة:
قبل الخوض في تحديد معنى الشراكة الإستراتيجية، لا بد من توضيح معنى الإستراتيجية والتي أصبحت كثيرة الاستعمال في ميادين عديدة خاصة الإقتصادية بعدما كانت منحصرة على المجال العسكري.
1-مفهوم الاستراتيجية: هي الطريقة المنهجية التي تتبعها المؤسسة في صياغة أهدافها التنموية مع التغييرات التي يفرضها المحيط الذي تعيش حوله ووفقا للوسائل و الإمكانيات التي تمتلكها لتحقيق فعالية دائمة في ديناميكية المؤسسة على مختلف نشاطاتها.
2- مفهوم الشراكـة: يختلف مفهوم الشراكة بإختلاف القطاعات التي يمكن أن تكون محلا للتعاون بين المؤسسات و باختلاف الأهداف التي تسعى إليها الشراكة.
وفي هذا الشان فإنه في حالة إشراك طرف آخر أو اكثر مع طرف محلي أو وطني للقيام بإنتاج سلعة جديدة أو تنمية السوق أو أي نشاط إنتاجي أو خدمي آخر سواء كانت المشاركة في رأس المال أو بالتكنولوجيا فإن هذا يعتبر استثمارا مشتركا وهذا النوع من الإستثمار يعتبر اكثر تمييزا من اتفاقيات أو تراخيص الإنتاج حيث يتيح للطرف الأجنبي المشاركة في إدارة المشروع.
يمكن القول إذا أن الشراكة هي شكل من أشكال التعاون و التقارب بين المؤسسات الإقتصادية بإختلاف جنسياتها قصد القيام بمشروع معين حيث يحفظ لكلا الطرفين مصلحتهما في ذلك.
3-الشراكـة الإستراتيجيـة: تعتبر الشراكة الإستراتيجية الطريقة المتبعة من طرف المؤسسات في التعاون مع بعضها البعض للقيام بمشروع معين ذو اختصاص (Spécialisation ( وهذا بتوفير وتكثيف الجهود والكفاءات علاوة على الوسائل والإمكانيات الضرورية المساعدة على البدء في تنفيذ المشروع أو النشاط مع تحمل جميع الأعباء والمخاطر التي تنجم عن هذه الشراكة بصفة متعادلة بين الشركاء.
المبحث الثاني:الأسس التاريخيـة لإستراتيجيـة الشراكـة:
إن فكرة التعاون ليست وليدة اليوم أو ظاهرة غريبة على المجتمع الإقتصادي الدولي بل هي متأصلة نظرا لإعتمادها على مبدأ المصالح المشتركة والمتبادلة بين الدول إلا أن مبدأ الشراكة بين المؤسسات الإقتصادية كإستراتيجية للتطور والتنمية لم تحظ بالإهتمام إلا في السنوات الأخيرة حيث أصبحت تشكل عاملا أساسيا في تطور المؤسسة الإقتصادية، خاصة بالنظر الى التطور السريع للمحيط العام للإقتصاد الدولي الذي تعيش فيه المؤسسة الإقتصادية ويمكن ذكر التسلسل التاريخي لإستراتيجيات المؤسسة الإقتصادية من خلال ما يلي:
أ-الإستراتيجيـات الكـلاسيكيـة Les stratégies classiques : في بداية الثمانينات كانت إستراتيجيات المؤسسة الإقتصادية مبنية على ثلاثة مبادئ اساسية لمواجهة المنافسة الإقتصادية.
1- نظام الهيمنة عن طريق التكلفةDomination par les coûts :
و يعتمد هذا النظام على مدى قدرة المؤسسة الإستثمارية وعقلانيتها في إستخدام مواردها والتقليص من تكاليفها الإنتاجية.
2- نظـام المفاضلـة أو التميـز Les différenciation :
ويرتكز هذا النظام الى تقديم كل ما هو افضل بالنظر الى سوق المنافسة ومبدأ الأفضلية يعتمد على المعايير التالية:
- الأفكار و الآراء الجديدة
- الصور الحسنة ذات العلامة المميزة للمنتوج
- المستوى التكنولوجي
- المظاهر الخارجية
- نوعية الخدمات
- فعالية الشبكات التوزيعية.
3- نظـام التركيــز La concentration:
إن تركيز النشاط يعتمد أساسا على البحث عن ثغرة بواسطتها تستطيع المؤسسة الحصول على مكانة إستراتيجية في سوق المنافسة فقد يتعلق الأمر بمجموعة من الزبائن أو بمنتوج أو سوق جديدة بها خصائص إيجابية مميزة.
ب: التحـول نحـو إستراتيجيـة الشراكـة:
كما قلنا إن سياسة الإحتكار ما لبثت أن تحولت الى استراتيجية في التعاون بين المؤسسات نظرا لتغير المعطيات الإقتصادية الدولية و التي تتجلى في :
- رغبة المؤسسات الإقتصادية في توسيع استثماراتها خارج الحدود الموجودة فيها حسب الإمتيازات الموجودة في هذه الدول.
- التحولات السياسية التي طرأت على الساحة العالمية و التي أثرت بدورها على الجانب الإقتصادي لهذه الدول التي تحولت نحو نظام اقتصاد السوق والإنفتاح الإقتصادي و تشجيع الإستثمارات الوطنية والأجنبية، كل هذه العوامل ساعدت في ترسيخ الشراكة في العديد من الدول.
المبحث الثالث: الإطـار النظري لإستراتيجيـة الشراكــة:
لقد اهتم الفكر الإقتصادي باستراتيجية الشراكة و صاغ لها نظريات عديدة قصد تنميتها والعمل بها من بين هذه النظريات نجد:
1- نظرية تبعية المورد:
تعد هذه النظرية الأولى من نوعها والتي ساهمت في تحليل أهداف الشراكة فالمؤسسة التي ليس بإمكانها استغلال ومراقبة كل عوامل الإنتاج تلجأ الى اتخاذ سبيل الشراكة مع مؤسسات إقتصادية أخرى للعمل في مجال نشاطاتها.فمثلا الشركات البترولية العالمية غير المنتجة للمحروقات تسعى لإستغلال إمكاناتها و طاقاتها التكنولوجية والتقنية المتطورة وهذا بإستيراد المواد البترولية الخام وإعادة تحويلها وتصنيعها ثم تقوم بتصديرها على شكل مواد تامة الصنع مع الإشارة الى فارق السعر بين شراء المواد الخام واعادة بيعها في شكل آخر مع العلم أن عمليات التحويل و التصنيع للنفط الخام يمكن القيام بها في البلد الأصلي ( المنتج) ولتدارك هذا الموقف غير العادل فإن الدول الأصلية ( المنتجة ) قصد استغلال إمكاناتها بصفة شاملة، عمدت الى منح تسهيلات جبائية للشركات ذات الإختصاص في تحويل المواد البترولية قصد القيام بمثل هذه النشاطات محليا .
2- نظريـة تكـاليف الصفقــات:
إن المؤسسة الاقتصادية وحفاظا على توازنها واستغلال الأمثل لمواردها الإقتصادية يجب أن تعمل على الحفاظ العقلاني للموارد التي تمتلكها وهذا بتقليص التكاليف في الإنتاج واستغلال كل التقنيات التي تساهم في تطوير الإنتاج كما و نوعا.
3- نظريـة المجمـوعــات:
حيث أن هناك مجموعات احتكار السوق من قبل الأقلية. وهذه النظرية تعتمد على توطيد التعاون بين المؤسسات الإقتصادية في شكل إحتكاري وضرورة الإهتمام بجميع المجالات الحساسة في الإقتصاد العالمي والتي تعد مركز قوة وعامل في تماسك المؤسسات الإقتصادية و نجاحها والتي نجد منها نشاطات البحث والتطوير والتي تعد عاملا حساسا في تطور المؤسسات الإقتصادية وتجاوبها مع التطورات التكنولوجية.
4- نظريـة الإنتاج الدولي و استراتيجية العـلاقـات:
وفقا لهذه النظرية فإن الشراكة بين المؤسسات تتجلى في طريقتين.
1- أولهما تتمثل في كون الشراكة هي طريقة لتفادي المنافسة مما يؤدي الى تكوين استراتيجية علاقات وترابط بين الشركاء.
2- تتمثل في كون الشراكة وسيلة لتوطيد إمتياز تنافسي للمؤسسة بشكل يجعلها تقاوم المنافسين لها.
المبحث الرابع: مميـزات الشراكـة:
إن الشراكة تعد الوسيلة المفضلة للدخول والإستفادة من.
- التكنولوجيا الجديدة
- عامل التحكم في التسيير الفعال
- أسواق جديدة راقية.
- التطور و لمراقبة والوصول الى الدرجة التنافسية.
- تسمح بدولية النشاطات التي تقوم بها المؤسسة وتدفع بها الى الدخول في الإقتصاد العالمي.
- عامل لتنشيط ودفع الإستثمار الأجنبي.
- وسيلة للدخول لنظام المعلومات الإقتصادية.
- استغلال الفرص الجديدة للسوق مع الشركاء.
المبحث الخامس: أسباب اللجـوء إلى الشراكـة:
تلعب الشراكة دورا هاما وأساسيا بالنسبة للمؤسسة وهذا راجع للأسباب الرئيسية التالية :
أ-دولية الأسواق: Internationalisation des marches
شهدت تكاليف النقل و الاتصال انخفاضا وتقلصا بارزا نتيجة وسائل الإعلام الآلي وأجهزة المواصلات خاصة مع ظهور شبكة الانترنيت ، والذي يعد قفزة في عالم الاتصال ووسيلة لتسهيل مهام المبادلات التجارية والتقنية بين الدول في إطار التعامل الدولي ، علاوة على الدور الذي تلعبه في إحاطة المؤسسة الاقتصادية بكل المستجدات العالمية التي قد تؤثر فيها او تتاثربها .
إن نظام دولية الأسواق في ظل هذا التطور اللامحدود للتكنولوجيا يفرض على المؤسسة من جهة الاهتمام الدائم بهذا التطور ومحاولة التجاوب معه، ومن جهة ثانية انفتاحا اكبر على جميع الأسواق بغرض تسويق منتجاتها وترويجها، و تطوير كفاءاتها بكل ما أتيت من إمكانات .
إن المشكلة الدولية المعاصرة تؤثر بدون أدنى شك على الأولويات الاستراتيجية المختلفة للمؤسسات الاقتصادية، لذلك فمن الواجب إيجاد وسيلة فعالة للمراقبة الدقيقة للتكاليف الخاصة بالإنتاج،و هذا يخلق محيطا مشجعا و دافعا للاستثمار على المدى الطويل لذلك فان الشراكة تعد وسيلة للرد على هذه المتطلبات المتطورة لهذا المحيط المعقد والتنافسي، وهذا كله يرجع للمؤسسة الاقتصادية التي تبادر بسرعة لا برام عقود الشراكة ضمانا لنجاحها، وفي هذا الإطار لكي يتم إنعاش المؤسسة الاقتصادية فانه يلزم تحقيق تنظيم تسييري استراتيجي وضروري للوصول للأهداف المسطرة و التي يمكن اجمالــها فيما يأتي :
- معرفة السوق او إدماج نشاطات جديدة في السوق ووضع الكفاءات والمصادر الضرورية المؤهلة للاستغلال الأمثل.
- الحصول على التكنولوجيا الخارجية و ممارسة النشاطات التجارية بكل فعالية .
- الاستثمار في نشاطات جديدة و التحكم في استثمارات المؤسسة الخارجية.
- العمل على ضمان وجود شبكة توزيع منظمة و مستقرة بغرض استغلال جميع المتوجات على المستوى العالمي.
- وضع برامج استراتيجية دائمة لتقليص التكاليف الإنتاجية و الحصول على مكانة استراتيجية تنافسية.
- تطوير الإمكانيات الإعلامية.
ب- التطـور التكنولـوجـي L’évolution de la technologie:
إن التطور التكنولوجي عاملا أساسيا في تطور المؤسسة الإقتصادية وفي رواج متوجاتها و تفتحها على الأسواق الخارجية، ونظرا لكون التطور التكنولوجي عامل مستمر يوما بعد يوم فمن الصعب على المؤسسة الإقتصادية أن تواكبه دوما نظرا لتكاليفه التي قد تشكل عائقا أمام المؤسسة مما يستدعي اللجوء الى سياسة الشراكة الإستراتيجية لتقليص تكاليف الأبحاث التكنولوجية.
ج- التغييرات المتواترة للمحيط او نمط التغيير:
إن أنماط التغيير تشهد تطورا كبيرا نتيجة للتغييرات المستجدة على المستويين الدولي و المحلي، ونظرا لكون الوقت عاملا أساسيا في سير المؤسسة وفي ديناميكيتها فإن هذا الأمر يستدعي أن تعمل المؤسسة ما في وسعها لتدارك النقص او العجز الذي تعاني منه، إن الثلاثية المتكونة من الولايات المتحدة الأمريكية و المجموعة الأوربية واليابان تشكل ليس فقط نصف السوق العالمية للمواد المصنعة بل تشكل كذلك نصف نشاطات البحث والتطوير خاصة في إطار التكنولوجيا و البحث العلمي.
فالتغييرات المتواترة للمحيط الدولي على كافة المستويات تستدعي اهتماما بالغا من المؤسسات الإقتصادية وحافزا للدخول في مجال الشراكة والتعاون مع المؤسسات الأخرى لتفادي كل ما من شانه أن يؤثر سلبا على مستقبل المؤسسة الإقتصادية.
د- المنافسة بين المؤسسات الإقتصادية:
إن نظام السوق يدفع المؤسسات الإقتصادية الى استخدام كل طاقاتها في مواجهة المنافسة محليا ودوليا والشراكة باعتبارها وسيلة للتعاون والاتحاد بين المؤسسات الإقتصادية بإمكانها مواجهة ظاهرة المنافسة بإستغلال المؤسسة لإمكانياتها و التي تشكل ثقلا لا باس به، ومن أهم هذه الإمكانيـــات نجـــد:
- التقدم و الإبتكارات التكنولوجية.
- اقتحام السوق.
- السيطرة او التحكم بواسطة التكاليف.