AMINA2011
عضو نشيط
- البلد/ المدينة :
- الجزائر العاصمة
- العَمَــــــــــلْ :
- طالبة جامعية
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 958
- نقاط التميز :
- 1310
- التَـــسْجِيلْ :
- 23/08/2011
ما اوسع قلبك أيها البحر..!!
ربما كان أسوأ يوماً في حياتي هو ذلك اليوم الذي أخبرني فيه مديري في العمل أن المشروع القادم الذي سأقوم بالإشراف عليه سيكون في قرية بعيدة تقع على شاطئ البحر.. وبالتالي سوف يقومون بتوفير مساكن مناسبة لي ولزملائي على الشاطئ حتى نقيم بالقرب من موقع العمل.. كم تمنيت في تلك اللحظة أن لا يطول العمل في هذا المشروع.. فأنا لا أحب البحر.. ربما يكون هذا غريبا.. فكثيرا ما سمعت الناس يتحدثون عن جماله وسحره وجاذبيته.. أما انا فلا أرى فيه إلا الرائحة الكريهة.. رائحة الأسماك.. والجو الحار الممتلئ بالرطوبة.. والوحشة وخصوصا في الليل..
انتقلت إلى موقع العمل الجديد.. كانت القرية هادئة جداً.. وفي بعض الأوقات تكاد لا تسمع فيها إلا صوت أمواج البحر.. أو أصوات الطيور التي اعتادت على مرافقة الأمواج في رحلتها الطويلة.. وبدأت العمل وكنت أعد الأيام يوما بيوم حتى ينتهي المشروع وأعود الى مدينتي..
وفي يوم من الأيام تعرضت لحادث في موقع العمل.. تسبب بكسر في قدمي اليسرى.. وأوجاع في ظهري.. ونمت في المستشفى لمدة يومين.. وبعد ذلك سمح لي الطبيب المشرف على حالتي أن أغادر المستشفى وأن أعود إلى بيتي ولكن بشرط أن أبقى مستلقيا على ظهري لمدة أسبوع قبل أن أعود إلى العمل..
وعندما نقلني زملائي إلى البيت.. وجدت أنهم قاموا بإجراء بعض التغييرات في مكان إقامتي وقاموا بوضع سريري قرب النافذة لأستلقي عليه.. وعندما سألتهم عن السبب.. أجابوني أنه سيكون من الممتع أن تراقب البحر فترة الصباح عندما تكون لوحدك.. لم أشعر بالارتياح لهذا الأمر كثيرا.. فأنا لا أحب البحر.. ولا تستهويني رؤيته.. لكنني لم أرغب أن أشعرهم بأن ما قاموا به لا يعنيني ولذلك أبقيت الوضع كما هو عليه.
ومهما حييت، لن أنسى زملائي في العمل وما قاموا به من أجلي.. وما قدموه لي من المساعدة.. فقد كانوا يتناوبون في النوم عندي كل ليلة.. وكانوا بمجرد عودتهم من العمل يأتون إلى منزلي ويبقون معي ويوفرون لي كل ما أحتاجه.. أما في فترة الصباح.. فكنت أبقى مستلقيا على السرير.. والبحر أمامي.. تارة تكون أمواجه هادئة..وتارة أخرى تشتد قوة أمواجه حتى أكاد أشعر أنها ستصل إلي وتلتهمني وأنا مستلقيا على سريري عاجزا بلا حراك.. كان الشاطئ هادئا جدا في ساعات الصباح.. كنت أرى عدداً قليلاً من الناس يأتون إلى الشاطئ.. فالصيادون كما علمت تركوا هذه المنطقة.. حيث أنها لم تعد مناسبة للصيد بسبب التلوث البيئي الذي أحدثه التوسع في المشاريع المختلفة على الشاطئ..
وكان يلفت نظري رجل قروي عجوز.. نقش الزمان على وجهه تجاعيدا كنت أراها بوضوح.. كان يأتي إلى الشاطئ كل يوم ومعه شبكة صيد قديمة.. يلقيها في البحر ويبقى جالسا أمام الشاطئ فترة طويلة ممسكا بها.. كان لا يكلم أحدا.. وكان ينظر الى البحر.. تساءلت في نفسي لماذا يقوم بذلك بالرغم من عدم وجود الصيادين في هذا المكان!!
وبعد أسبوع جاء الطبيب لزيارتي.. وأخبرني أنني أحتاج لإجراء بعض العلاج الطبيعي ونصحني أن أبدا بالمشي تدريجياً..حتى يستعيد جسمي نشاطه وتستعيد عضلاتي لياقتها.. فخرجت يوماً أمشي قرب الشاطئ.. ورأيت ذلك الرجل.. كان عندي فضولا كبيرا أن أتحدث معه.. فاقتربت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام بصوت تسمع فيه أنات السنين وآهاتها.. وبقي نظره موجها إلى البحر.. فجلست بجانبه.. وسألته: كيف الحال يا عم؟! فابتسم ابتسامة لم تستطع أن تخفي الحزن الظاهر على وجهه وقال لي: الحمد لله أنا بخير ما دام هذا البحر بخير.. سَكَتُ لحظة وتحيرت ماذا أقول وكيف أبدأ الحديث معه.. ونظرت إلى شباك الصيد الملقاة أمامه.. وسألته: منذ متى وأنت تسكن في هذه القرية؟!.. فقال لي: لا أدري.. كل ما أعرفه هو أنني أنا والبحر هنا منذ زمن بعيد... جاء الكثيرون وذهبوا.. وبقيت أنا والبحر.. حتى أبنائي تركوني.. وتركوا هذا البحر.. و..
توقف عن الحديث ولم يستطع الاستمرار وكأن العبارات والكلمات قد اختنقت في داخله.. وعجزت عن الخروج.. وترقرقت دمعة من عيناه الصافيتين كصفاء ماء البحر.. سرت دموعه بين ثنايا تجاعيد وجهه كما تجري مياه الأمطار في الأودية بعد موسم الجفاف.. فقررت أن أصمت وأن لا أسأله عن شيء.. فأنا لا أريد أن افتح جرحاً ربما اندمل منذ زمن.. وأكره أن أذكره بهموم وأحزان ربما نسيها أو تناساها مع الايام..
لكنه رفع يده وأشار إلى البحر وقال: هل ترى هذه الأمواج يا صديقي؟!.. موجة صغيرة تدفعها موجة كبيرة من الخلف... وبدون الموجة الكبيرة.. ما كانت الموجة الصغيرة لتصل إلى الشاطئ.. ولكن هل تتذكر الموجة الصغيرة فضل الموجة الكبيرة عليها بعد وصولها.. أو ربما تنساها .. وتتركها خلفها دون أن تلتفت إليها أو حتى تكترث بها..!!
فارتسمت على وجهي ابتسامة إعجاب بما سمعته منه وقلت له: يبدو أن لك قصة طويلة مع البحر يا سيدي؟
فأجابني وهو ينظر إلى البحر: لقد أعطاني هذا البحر الكثير الكثير.. عشنا معا أياما و ايام.. كان مصدر رزقي.. منه اكتسبت قوت أولادي.. ما كان أولادي ليصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن من العلم والثروة لولا هذا البحر العظيم.. ولكن ماذا كان منهم بعد ذلك.. أداروا ظهرهم للبحر.. ولوالدهم صديق هذا البحر..أما أنا.. اخترت أن أكمل بقية حياتي مع هذا الصديق الوفي.. الذي أعطاني الكثير.. !!!!!!!!!!!!!!!
فنظرت مرة أخرى إلى شباك الصيد الملقاة أمامه.. فلاحظ تحديقي بها.. فقال لي: لا بد أنك تتساءل كما يتساءل الكثيرون لماذا أرمي هذه الشباك المهترئة كل يوم أمام هذا البحر!.. مع أنني أعرف تماما كما يعرف الكثيرون أن هذه المنطقة ما عادت صالحة للصيد بعد هذه المشاريع الصناعية الكبيرة.. لقد هجرت الأسماك البحر كما هجر هذه القرية أهلها وأبناؤها.. لكنني أحاكي البحر وأمواجه بهذه الشباك.. لطالما تواصلت أنا والبحر عن طريق هذه الشباك.. أشعر وكأنني أبث له همومي بواسطة هذه الشباك..أكلمه ويكلمني.. أتواصل معه.. فلا أعرف للوحدة معنى بعد ذلك... ولا أشعر بالهموم والاحزان.. فأنا ألقي همومي في البحر.. فالبحر كبير.. كبير جدا يا بني..
كان البحر في السابق يعطيني خيراته وأسماكه.. والآن ماذا أعطيه أنا.. أعطيه همومي وشكواي.. فيقبلها سعيدا راضيا ويخفف عني..آآآه.. ما اوسع قلبك أيها البحر...
وأوشكت الدموع أن تترقرق من عينيه الصافيتين مرة أخرى..!!
في هذه اللحظة شعرت أنني لا أتحدث مع ذلك الرجل القروي صائد السمك الذي اعتدت على مراقبته من بعيد.. بل شعرت وكأنني أتحدث مع رجل عالم حكيم.. رجل خاض في جميع المعارف والعلوم وصنعت منه الحياة والمعاناة مدرسة لكل من أراد أن ينهل من خبراته وحكمته..!! لم أجد كلاما أستطيع أن أرد به على هذا الرجل.. فقد كانت كلماته تفوق كل ما قد أنطق به.. لذلك قررت الانسحاب فوقفت وقلت له: تشرفت بمعرفتك يا عماه.. ولكنه بقي ينظر إلى البحر .. تلك النظرة التي تمتد إلى آلاف الأميال.. أما أنا بدأت أشعر بقيمة البحر من كلام هذا الرجل.. بل بقيمة كل ما في هذه الحياة.. منذ ذلك اليوم وانا أدرك تماما أن البحر ليس مجرد أمواج متلاطمة.. ورائحة كريهة.. ورمال متناثرة.. بل هو عطاء كبير.. وقلب واسع.. وحضن دافئ.. وبقيت كلمات ذلك الرجل العجوز محفورة في داخلي.. وهو يردد بصوته الرخيم : ( ما اوسع قلبك أيها ألبحر)..!!
منقووووووووووووووووول
ربما كان أسوأ يوماً في حياتي هو ذلك اليوم الذي أخبرني فيه مديري في العمل أن المشروع القادم الذي سأقوم بالإشراف عليه سيكون في قرية بعيدة تقع على شاطئ البحر.. وبالتالي سوف يقومون بتوفير مساكن مناسبة لي ولزملائي على الشاطئ حتى نقيم بالقرب من موقع العمل.. كم تمنيت في تلك اللحظة أن لا يطول العمل في هذا المشروع.. فأنا لا أحب البحر.. ربما يكون هذا غريبا.. فكثيرا ما سمعت الناس يتحدثون عن جماله وسحره وجاذبيته.. أما انا فلا أرى فيه إلا الرائحة الكريهة.. رائحة الأسماك.. والجو الحار الممتلئ بالرطوبة.. والوحشة وخصوصا في الليل..
انتقلت إلى موقع العمل الجديد.. كانت القرية هادئة جداً.. وفي بعض الأوقات تكاد لا تسمع فيها إلا صوت أمواج البحر.. أو أصوات الطيور التي اعتادت على مرافقة الأمواج في رحلتها الطويلة.. وبدأت العمل وكنت أعد الأيام يوما بيوم حتى ينتهي المشروع وأعود الى مدينتي..
وفي يوم من الأيام تعرضت لحادث في موقع العمل.. تسبب بكسر في قدمي اليسرى.. وأوجاع في ظهري.. ونمت في المستشفى لمدة يومين.. وبعد ذلك سمح لي الطبيب المشرف على حالتي أن أغادر المستشفى وأن أعود إلى بيتي ولكن بشرط أن أبقى مستلقيا على ظهري لمدة أسبوع قبل أن أعود إلى العمل..
وعندما نقلني زملائي إلى البيت.. وجدت أنهم قاموا بإجراء بعض التغييرات في مكان إقامتي وقاموا بوضع سريري قرب النافذة لأستلقي عليه.. وعندما سألتهم عن السبب.. أجابوني أنه سيكون من الممتع أن تراقب البحر فترة الصباح عندما تكون لوحدك.. لم أشعر بالارتياح لهذا الأمر كثيرا.. فأنا لا أحب البحر.. ولا تستهويني رؤيته.. لكنني لم أرغب أن أشعرهم بأن ما قاموا به لا يعنيني ولذلك أبقيت الوضع كما هو عليه.
ومهما حييت، لن أنسى زملائي في العمل وما قاموا به من أجلي.. وما قدموه لي من المساعدة.. فقد كانوا يتناوبون في النوم عندي كل ليلة.. وكانوا بمجرد عودتهم من العمل يأتون إلى منزلي ويبقون معي ويوفرون لي كل ما أحتاجه.. أما في فترة الصباح.. فكنت أبقى مستلقيا على السرير.. والبحر أمامي.. تارة تكون أمواجه هادئة..وتارة أخرى تشتد قوة أمواجه حتى أكاد أشعر أنها ستصل إلي وتلتهمني وأنا مستلقيا على سريري عاجزا بلا حراك.. كان الشاطئ هادئا جدا في ساعات الصباح.. كنت أرى عدداً قليلاً من الناس يأتون إلى الشاطئ.. فالصيادون كما علمت تركوا هذه المنطقة.. حيث أنها لم تعد مناسبة للصيد بسبب التلوث البيئي الذي أحدثه التوسع في المشاريع المختلفة على الشاطئ..
وكان يلفت نظري رجل قروي عجوز.. نقش الزمان على وجهه تجاعيدا كنت أراها بوضوح.. كان يأتي إلى الشاطئ كل يوم ومعه شبكة صيد قديمة.. يلقيها في البحر ويبقى جالسا أمام الشاطئ فترة طويلة ممسكا بها.. كان لا يكلم أحدا.. وكان ينظر الى البحر.. تساءلت في نفسي لماذا يقوم بذلك بالرغم من عدم وجود الصيادين في هذا المكان!!
وبعد أسبوع جاء الطبيب لزيارتي.. وأخبرني أنني أحتاج لإجراء بعض العلاج الطبيعي ونصحني أن أبدا بالمشي تدريجياً..حتى يستعيد جسمي نشاطه وتستعيد عضلاتي لياقتها.. فخرجت يوماً أمشي قرب الشاطئ.. ورأيت ذلك الرجل.. كان عندي فضولا كبيرا أن أتحدث معه.. فاقتربت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام بصوت تسمع فيه أنات السنين وآهاتها.. وبقي نظره موجها إلى البحر.. فجلست بجانبه.. وسألته: كيف الحال يا عم؟! فابتسم ابتسامة لم تستطع أن تخفي الحزن الظاهر على وجهه وقال لي: الحمد لله أنا بخير ما دام هذا البحر بخير.. سَكَتُ لحظة وتحيرت ماذا أقول وكيف أبدأ الحديث معه.. ونظرت إلى شباك الصيد الملقاة أمامه.. وسألته: منذ متى وأنت تسكن في هذه القرية؟!.. فقال لي: لا أدري.. كل ما أعرفه هو أنني أنا والبحر هنا منذ زمن بعيد... جاء الكثيرون وذهبوا.. وبقيت أنا والبحر.. حتى أبنائي تركوني.. وتركوا هذا البحر.. و..
توقف عن الحديث ولم يستطع الاستمرار وكأن العبارات والكلمات قد اختنقت في داخله.. وعجزت عن الخروج.. وترقرقت دمعة من عيناه الصافيتين كصفاء ماء البحر.. سرت دموعه بين ثنايا تجاعيد وجهه كما تجري مياه الأمطار في الأودية بعد موسم الجفاف.. فقررت أن أصمت وأن لا أسأله عن شيء.. فأنا لا أريد أن افتح جرحاً ربما اندمل منذ زمن.. وأكره أن أذكره بهموم وأحزان ربما نسيها أو تناساها مع الايام..
لكنه رفع يده وأشار إلى البحر وقال: هل ترى هذه الأمواج يا صديقي؟!.. موجة صغيرة تدفعها موجة كبيرة من الخلف... وبدون الموجة الكبيرة.. ما كانت الموجة الصغيرة لتصل إلى الشاطئ.. ولكن هل تتذكر الموجة الصغيرة فضل الموجة الكبيرة عليها بعد وصولها.. أو ربما تنساها .. وتتركها خلفها دون أن تلتفت إليها أو حتى تكترث بها..!!
فارتسمت على وجهي ابتسامة إعجاب بما سمعته منه وقلت له: يبدو أن لك قصة طويلة مع البحر يا سيدي؟
فأجابني وهو ينظر إلى البحر: لقد أعطاني هذا البحر الكثير الكثير.. عشنا معا أياما و ايام.. كان مصدر رزقي.. منه اكتسبت قوت أولادي.. ما كان أولادي ليصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن من العلم والثروة لولا هذا البحر العظيم.. ولكن ماذا كان منهم بعد ذلك.. أداروا ظهرهم للبحر.. ولوالدهم صديق هذا البحر..أما أنا.. اخترت أن أكمل بقية حياتي مع هذا الصديق الوفي.. الذي أعطاني الكثير.. !!!!!!!!!!!!!!!
فنظرت مرة أخرى إلى شباك الصيد الملقاة أمامه.. فلاحظ تحديقي بها.. فقال لي: لا بد أنك تتساءل كما يتساءل الكثيرون لماذا أرمي هذه الشباك المهترئة كل يوم أمام هذا البحر!.. مع أنني أعرف تماما كما يعرف الكثيرون أن هذه المنطقة ما عادت صالحة للصيد بعد هذه المشاريع الصناعية الكبيرة.. لقد هجرت الأسماك البحر كما هجر هذه القرية أهلها وأبناؤها.. لكنني أحاكي البحر وأمواجه بهذه الشباك.. لطالما تواصلت أنا والبحر عن طريق هذه الشباك.. أشعر وكأنني أبث له همومي بواسطة هذه الشباك..أكلمه ويكلمني.. أتواصل معه.. فلا أعرف للوحدة معنى بعد ذلك... ولا أشعر بالهموم والاحزان.. فأنا ألقي همومي في البحر.. فالبحر كبير.. كبير جدا يا بني..
كان البحر في السابق يعطيني خيراته وأسماكه.. والآن ماذا أعطيه أنا.. أعطيه همومي وشكواي.. فيقبلها سعيدا راضيا ويخفف عني..آآآه.. ما اوسع قلبك أيها البحر...
وأوشكت الدموع أن تترقرق من عينيه الصافيتين مرة أخرى..!!
في هذه اللحظة شعرت أنني لا أتحدث مع ذلك الرجل القروي صائد السمك الذي اعتدت على مراقبته من بعيد.. بل شعرت وكأنني أتحدث مع رجل عالم حكيم.. رجل خاض في جميع المعارف والعلوم وصنعت منه الحياة والمعاناة مدرسة لكل من أراد أن ينهل من خبراته وحكمته..!! لم أجد كلاما أستطيع أن أرد به على هذا الرجل.. فقد كانت كلماته تفوق كل ما قد أنطق به.. لذلك قررت الانسحاب فوقفت وقلت له: تشرفت بمعرفتك يا عماه.. ولكنه بقي ينظر إلى البحر .. تلك النظرة التي تمتد إلى آلاف الأميال.. أما أنا بدأت أشعر بقيمة البحر من كلام هذا الرجل.. بل بقيمة كل ما في هذه الحياة.. منذ ذلك اليوم وانا أدرك تماما أن البحر ليس مجرد أمواج متلاطمة.. ورائحة كريهة.. ورمال متناثرة.. بل هو عطاء كبير.. وقلب واسع.. وحضن دافئ.. وبقيت كلمات ذلك الرجل العجوز محفورة في داخلي.. وهو يردد بصوته الرخيم : ( ما اوسع قلبك أيها ألبحر)..!!
منقووووووووووووووووول