سيدأحمد15
عضو متميز
- رقم العضوية :
- 35319
- البلد/ المدينة :
- saida
- العَمَــــــــــلْ :
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 1714
- نقاط التميز :
- 2114
- التَـــسْجِيلْ :
- 17/02/2012
السلام عليكم
الحمد لله غافر الذنب، و قابل
التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب،
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم. أما بعد
أخي الحبيب: أكثر الناس لا
يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها فضلاً عن القيام بها علماً وعملاً. وإذا
عرفوا قدرها فهم لا يعرفون الطريق إليها، وإذا عرفوا الطريق فهم لا يعرفون
كيف يبدءون؟
فتعال معي أخي الحبيب لنقف على حقيقة التوبة، والطريق إليها عسى أن نصل إليها
كلنا ذوو خطأ
كلنا مذنبون... كلنا مخطئون.. نقبل على الله تارة وندبر أخرى، نراقب الله
مرة، وتسيطر علينا الغفلة أخرى، لا نخلو من المعصية، ولا بد أن يقع منا
الخطأ، فلست أنا و أنت بمعصومين ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )* رواه الترمذي وحسنه الألباني
والسهو والتقصير من طبع الإنسان، ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أن
يفتح له باب التوبة، وأمره بالإنابة إليه، والإقبال عليه، كلما غلبته
الذنوب ولوثته المعاصي.. ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد، وقصرت همته
عن طلب التقرب من ربه، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته
أين طريق النجاة؟
قد تقول لي: إني أطلب السعادة لنفسي، وأروم النجاة، وأرجو المغفرة، ولكني
أجهل الطريق إليها، ولا أعرف كيف ابدأ؟ فأنا كالغريق يريد من يأخذ بيده،
وكالتائه يتلمس الطريق وينتظر العون، وأريد بصيصاً من أمل، وشعاعاً من نور.
ولكن أين الطريق؟
والطريق أخي الحبيب واضح كالشمس، ظاهر كالقمر، واحد لا ثاني له... إنه طريق
التوبة.. طريق النجاة، طريق الفلاح.. طريق سهل ميسور، مفتوح أمامك في كل
لحظة، ما عليك إلا أن تطرقه، وستجد الجواب: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]. بل إن الله تعالى
دعا عباده جميعاً مؤمنهم وكافرهم الى التوبة، وأخبر أنه سبحانه يغفر
الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت، ومهما عظمت، وإن كانت مثل
زبد البحر، فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .الزمر53
ولكن... ما التوبة؟
التوبة أخي الحبيب هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً الى ما يحبه
الله ظاهراً وباطناً.. وهي اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان.. هي
الهداية الواقية من اليأس والقنوط، هي الينبوع الفياض لكل خير وسعادة في
الدنيا والآخرة... هي ملاك الأمر، ومبعث الحياة، ومناط الفلاح... هي أول
المنازل وأوسطها وآخرها... هي بداية العبد ونهايته... هي ترك الذنب مخافة
الله، واستشعار قبحه، والندم على فعله، والعزيمة على عدم العودة إليه إذا
قدر عليه... هي شعور بالندم على ما وقع، وتوجه الى الله فيما بقي، وكف عن
الذنب
ولماذا نتوب؟
طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى
فهو الذي أمرك بها فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى
اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً [التحريم:8]. وأمر الله ينبغي أن يقابل
بالامتثال والطاعة.
سبب لفلاحك في الدنيا و الآخرة
قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ،
ولا يسر ولا يطمئن ؛ ولا يطيب ؛ إلا بعبادة ربه والإنابة إليه والتوبة
إليه
سبب لمحبة الله تعالى لك
قال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين [البقرة:222]. وهل هناك
سعادة يمكن أن يشعر بها إنسان بعد معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تاب
إليه؟!
سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار
قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60،59]. وهل هناك مطلب للإنسان يسعى من
أجله إلا الجنة؟!
5- سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين
قال تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ
يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [هود:52]، وقال: فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
سبب لتكفير سيئاتك وتبدلها الى حسنات
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم:8]،
وقال سبحانه: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً [الفرقان:70].
ألا تستحق تلك الفضائل – وغيرها كثير – أن تتوب من أجلها؟ لماذا تبخل على
نفسك بما فيه سعادتك؟.. لماذا تظلم نفسك بمعصية الله وتحرمها من الفوز
برضاه؟...جدير بك أن تبادر الى ما هذا فضله وتلك ثمرته.
قدّم لنفسك توبة مرجوة * قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غُلق النفوس فإنها * ذخر وغنم للمنيب المحسن
كيف أتوب؟
كأني بك تقول: إن نفسي تريد الرجوع الى خالقها، تريد الأوبة الى فاطرها،
لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف
صنوف المحرمات... ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين تبدأ؟
وأقول لك: إن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب التي تأخذ
بيده إليه وتعينه عليه، وها أنا أذكر لك بعض الأمور التي تعينك على التوبة
وتساعدك عليها
أصدق النية وأخلص التوبة
فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف
عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله
استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا
الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ
السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].
حاسب نفسك
فإن محاسبة النفس تدفع الى المبادرة الى الخير، وتعين على البعد عن الشر،
وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما له وما عليه،
وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها
ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها
قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت
فلان وفلان.. أما تعلمين أن الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟
والدود أنيسك؟... أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟
هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين
عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل
توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب
اعزل نفسك عن مواطن المعصية
فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي
قتل تسعة وتسعون نفساً قال له العالم: { إن قومك قوم سوء، وإن في أرض الله
كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله معهم
ابتعد عن رفقة السوء
فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين
تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك،
وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت تمر منه... ولهذا قال
عليه الصلاة والسلام: { الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل *
[رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني
تدبّر عواقب الذنوب
فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء
بالمرصاد دعاه ذلك الى ترك الذنوب بداية، والتوبة الى الله إن كان اقترف
شيئاً منها.
أَرِها الجنة والنار
ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه
أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدة والفراغ
فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي الى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود الى رفقة السوء
خلف هواك
فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43]. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن
يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه
وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ما ذُكر منها
الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل
وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، الى غير ذلك من
الأمور التي تعينك على التوبة.
شروط التوبة الصادقة
وللتوبة الصادقة شروط لا بد منها حتى تكون صحيحة مقبولة وهي
أولاً
الإخلاص لله تعالى
فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه، والخوف
من عقابه، لا تقرباً الى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة،
ولهذا قال سبحانه: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ
وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146
ثانياً
الإقلاع عن المعصية
فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة. أما إن عاود
الذنب بعد التوبة الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج الى توبته
جديدة وهكذا
ثالثاً
الاعتراف بالذنب
إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شئ لا يعده ذنباً
رابعاً
الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي
ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي، لذا لا
يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها، ولهذا قال :
{ الندم توبة * [رواه حمد وابن ماجة وصححه الألباني].
خامساً
العزم على عدم العودة
فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع الى الذنب بعد التوبة، وإنما عليه أن يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه في المستقبل.
سادساً
ردّ المظالم الى أهلها
فإن كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين وجب عليه أن يرد الحقوق الى
أصحابها إذا أراد أن تكون توبته صحيحة مقبولة ؛ لقول الرسول : { من كانت
عنده مظلمة لأحد من عرض أو شئ فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا
درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ
من سيئات صاحبه فحمل عليه * [رواه البخاري].
سابعاً
أن تصدر في زمن قبولها
وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها، وقال : { إن الله يقبل توبة
العبد ما لم يغرغر * [رواه أحمد والترمذي وصححه النووي]. وقال: { إن الله
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل
حتى تطلع الشمس من مغربها * [رواه مسلم[
فاتقوا الله يا عباد الله واعلموا أنكم إليه راجعون
نسأل الله عز وج أن يرزقنا حسن الخاتمة والجنة يارب
اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً [التحريم:8]. وأمر الله ينبغي أن يقابل
بالامتثال والطاعة.
سبب لفلاحك في الدنيا و الآخرة
قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ،
ولا يسر ولا يطمئن ؛ ولا يطيب ؛ إلا بعبادة ربه والإنابة إليه والتوبة
إليه
سبب لمحبة الله تعالى لك
قال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين [البقرة:222]. وهل هناك
سعادة يمكن أن يشعر بها إنسان بعد معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تاب
إليه؟!
سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار
قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60،59]. وهل هناك مطلب للإنسان يسعى من
أجله إلا الجنة؟!
5- سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين
قال تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ
يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [هود:52]، وقال: فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
سبب لتكفير سيئاتك وتبدلها الى حسنات
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم:8]،
وقال سبحانه: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً [الفرقان:70].
ألا تستحق تلك الفضائل – وغيرها كثير – أن تتوب من أجلها؟ لماذا تبخل على
نفسك بما فيه سعادتك؟.. لماذا تظلم نفسك بمعصية الله وتحرمها من الفوز
برضاه؟...جدير بك أن تبادر الى ما هذا فضله وتلك ثمرته.
قدّم لنفسك توبة مرجوة * قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غُلق النفوس فإنها * ذخر وغنم للمنيب المحسن
كيف أتوب؟
كأني بك تقول: إن نفسي تريد الرجوع الى خالقها، تريد الأوبة الى فاطرها،
لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف
صنوف المحرمات... ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين تبدأ؟
وأقول لك: إن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب التي تأخذ
بيده إليه وتعينه عليه، وها أنا أذكر لك بعض الأمور التي تعينك على التوبة
وتساعدك عليها
أصدق النية وأخلص التوبة
فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف
عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله
استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا
الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ
السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].
حاسب نفسك
فإن محاسبة النفس تدفع الى المبادرة الى الخير، وتعين على البعد عن الشر،
وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما له وما عليه،
وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها
ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها
قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت
فلان وفلان.. أما تعلمين أن الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟
والدود أنيسك؟... أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟
هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين
عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل
توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب
اعزل نفسك عن مواطن المعصية
فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي
قتل تسعة وتسعون نفساً قال له العالم: { إن قومك قوم سوء، وإن في أرض الله
كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله معهم
ابتعد عن رفقة السوء
فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين
تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك،
وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت تمر منه... ولهذا قال
عليه الصلاة والسلام: { الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل *
[رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني
تدبّر عواقب الذنوب
فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء
بالمرصاد دعاه ذلك الى ترك الذنوب بداية، والتوبة الى الله إن كان اقترف
شيئاً منها.
أَرِها الجنة والنار
ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه
أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدة والفراغ
فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي الى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود الى رفقة السوء
خلف هواك
فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43]. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن
يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه
وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ما ذُكر منها
الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل
وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، الى غير ذلك من
الأمور التي تعينك على التوبة.
شروط التوبة الصادقة
وللتوبة الصادقة شروط لا بد منها حتى تكون صحيحة مقبولة وهي
أولاً
الإخلاص لله تعالى
فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه، والخوف
من عقابه، لا تقرباً الى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة،
ولهذا قال سبحانه: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ
وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146
ثانياً
الإقلاع عن المعصية
فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة. أما إن عاود
الذنب بعد التوبة الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج الى توبته
جديدة وهكذا
ثالثاً
الاعتراف بالذنب
إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شئ لا يعده ذنباً
رابعاً
الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي
ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي، لذا لا
يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها، ولهذا قال :
{ الندم توبة * [رواه حمد وابن ماجة وصححه الألباني].
خامساً
العزم على عدم العودة
فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع الى الذنب بعد التوبة، وإنما عليه أن يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه في المستقبل.
سادساً
ردّ المظالم الى أهلها
فإن كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين وجب عليه أن يرد الحقوق الى
أصحابها إذا أراد أن تكون توبته صحيحة مقبولة ؛ لقول الرسول : { من كانت
عنده مظلمة لأحد من عرض أو شئ فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا
درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ
من سيئات صاحبه فحمل عليه * [رواه البخاري].
سابعاً
أن تصدر في زمن قبولها
وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها، وقال : { إن الله يقبل توبة
العبد ما لم يغرغر * [رواه أحمد والترمذي وصححه النووي]. وقال: { إن الله
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل
حتى تطلع الشمس من مغربها * [رواه مسلم[
فاتقوا الله يا عباد الله واعلموا أنكم إليه راجعون
نسأل الله عز وج أن يرزقنا حسن الخاتمة والجنة يارب