منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


avatar

souad25

عضو مساهم
رقم العضوية :
2737
البلد/ المدينة :
قسنطينة
العَمَــــــــــلْ :
استادة تعليم عالي
المُسَــاهَمَـاتْ :
209
نقاط التميز :
446
التَـــسْجِيلْ :
08/10/2010

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 464791


إن من أعظمِ الأمانات أمانةُ النفس ، فهي أعظمُ من أمانةِ
الأموالِ والأولاد ، أقسمَ الله بها في كتابه ، ولا يقسمُ الله إلا بعظيم ،
قال تعالى : ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( وقد جعلَ الله لهذهِ النفس طريقين
: طريقُ تقوىً وبه تفوزُ وتُفلح ، وطريقُ فجورٍ وبه تَخسر وتَخيب .

والناظرُ في حالِ الناسِ اليوم ، يرى رُخص النفوسِ عند أهلِـها ، ويرى
الخسارةَ في حياتِـها لعدمِ مُحاسبتِها ، والذين فقدوا أو تركوا محاسبةَ
نفوسِهم سيتحسرون في وقتٍ لا ينفعُ فيه التحسر ، يقول جل شأنه : } أنْ تَقولَ
نَفسٌ يا حَسْرتى عَلى ما ! فَرطتُ في جَنْبِ اللهِ وإنْ كُنْتُ لَمِنَ
الساخِرين { .

وبتركِ محاسبة النفس تسلط الشيطانُ الذي دعا إلى المعصية ، وحذّر من الطاعة ،
وزينَ الباطل ، وثبطّ عن العَملِ الصالح وصدّ عنه . وبتركِ محاسبة النفس
تمكنت الغفلةُ من الناسِ ، فأصبحَ لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها ولهم أعينٌ لا
يبصرونَ بها ، ولهم آذانٌ لا يسمعونَ بها ، أولئكَ كالأنعامِ بل هم أضل ،
أولئكَ هم الغافلون .

يقول جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

لمحاسبة النفس فوائدٌ جمّةٌ ، منها :



أولاً :
الإطلاعُ على عيوبِ النفس ، ومن لم يطلع على عيبِ نفسِه لم يمكنهُ معالجتُه
وإزالته .


ثانيـاً :
التوبةُ والندمُ وتدارك ما فات في زمنِ الإمكان .


ثالثـاً :
معرفةُ حقُ اللهِ تعالى ، فإن أصلَ محاسبةُ النفس هو محاسبتُـها على تفريطها
في حقِ الله تعالى .


رابعـاً :

انكسارُ العبد وتذلُلَه بين يدي ربه تبارك
وتعالى .


خامساً :
معرفةُ كرَمِ الله سبحانه ومدى عفوهِ ورحمتهِ بعبادهِ في أنه لم يعجل لهم
عقوبتَهم معَ ما هم عليه من المعاصي والمخالفات .


سادسـاً :

الزهد ، ومقتُ النفس ، والتخلصُ من التكبرِ
والعُجْب .


سابعـاً :

تجد أنَّ من يحاسبُ نفسَهُ يجتهدُ في الطاعةِ
ويترُكُ المعصية حتى تَسهُلَ عليهِ المحاسبةُ فيما بعد .


ثامنـاً :
ردُ الحقوقِ إلى أهلِـها ، ومحاولةُ تصحيحِ ما فات .

وغيرها من الفوائد العظيمة الجليلة .


· وهناكَ أسبابٌ تعينُ المسلمَ على محاسبةِ
نفسهِ وتُسهِّلُ عليهِ ذلك ، منها ما يلي :



1.
معرفةُ أنك كلما اجتهدت في محاسبةِ نفسكَ اليوم ، استراحتَ من ذلك غداً ،
وكلما أهملتها اليوم اشتدَّ عليكَ الحسابُ غداً .


2.
معرفةُ أنَّ ربحَ محاسبة النفس هو سُكْنى الفردوس ، والنظرُ إلى وجهِ الربِ
سبحانه ، وأنَّ تركها يؤدي بك إلى الهلاكِ ودخولِ
النار والحجابِ عن الرب تبارك وتعالى .


3.
صحبةُ الأخيار الذينَ يُحاسبونَ أنفسَهُم ، ويُطلِعونَك على عيوبِ نفسِكَ ،
وتركُ صحبة من عداهم .


4.
النظرُ في أخبارِ أهل المحاسبةِ والمراقبة ، من سلفِنا الصالح .


5.
زيارةُ القبورِ والنظرُ في أحوالِ الموتى الذين لا يستطيعونَ محاسبةَ أنفسِهم
أو تدارُكِ ما فاتَـهم .


6.
حضورُ مجالس العلمِ والذكر فإنها تدعو لمحاسبة النفس .


7.
البعدُ عن أماكن اللهوِ والغفلة فإنها تُنسيكَ محاسبةَ نفسك .


8.
دعاءُ اللهِ بأن يجعلك من أهلِ المحاسبة وأن يوفقك لذلك .


· كيفَ أحاسبُ نفسي ؟


سؤالٌ يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى .


وللإجابة على هذا التساؤل :

ذكرَ ابنُ القيم أن محاسبةَ النفس تكون
كالتالي :


أولاً :
البدءُ بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ .


ثانياً :
النظرُ في المناهي ، فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ
والاستغفارِ والحسناتِ الماحية .


ثالثاً :
محاسبةُ النفس على الغفلةِ ، ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ
السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم .


رابعاً :
محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح ، وكلامِ اللسان ، ومشيِ الرجلين ، وبطشِ
اليدين ، ونظرِ العينين ، وسماعِ الأذنين ، ماذا أردتُ بهذا ؟ ولمن فعلته ؟
وعلى أي وجه فعلته ؟


فمن حاسبَ
نفسهُ في الدنيا خفَّ حسابه في الآخرة ، ومَن أهملَ المحاسبة دامتْ حسراته ،
فلما علموا أنهم لا يُنجيهم إلا الطاعة ، وقد أمرَهم بالصبرِ والمرابطةِ
فقالَ سبحانه : }يا أيُّها الَذينَ آمَُنواْ اصبِروا وَصابِرواْ ورابِطوا{
فرابطوا أنفسَهم أولاً بالمشارطةِ ثمّ بالمراقبة ، ثم بالمحاسبةِ ثم
بالمعاقبة ، ثم بالمجاهدةِ ثم بالمعاتبة ، فكانتْ لهم في المرابطةِ سِتُّ
مقاماتٍ أصلُها المحاسبة ، ولكنْ كلّ حسابٍ يكونُ بعدَ مشارطةٍ ومراقبة ،
ويتبعهُ عندَ الخُسران المعاتبةُ والمعاقبة . نأخذها الآنَ بشيءٍ منَ التفصيل
:


المقامُ الأول : المشــارطة :

اعلم أنّ التاجرَ كما يستعينُ بشريكهِ في
التجارةِ طلباً للربح ، ويشارطهُ ويحاسبه ، كذلك العقلُ يحتاجُ إلى مشاركةِ
النفس وشرطِ الشروطِ عليها وإرشادِها إلى طريقِ الفلاح ، والتضييقِ عليها في
حركاتها وسكناتها . فمثلاً : إذا فَرِغَ العبدُ من صلاةِ الصُبْح ، ينبغي أن
يُفرغَ قلبَه ساعةً لمشارطةِ نفسهِ

فيقولُ للنفس : ماليَ بضاعة إلا العُمُر ، فإذا فَنِيَ مني رأس المال وقعَ
اليأسُ من التجارةِ وطلبِ الربح . فليقُل أحدُنا الآنَ قبلَ الموت : يا نفس ،
اجتهدي اليومَ في أن تعـمُري خِزانتكِ ولا تدعيها فارغة ، ولا تَميلي إلى
اليأسِ والدَعَةِ والاستراحة فيفوتكِ من درجاتِ عليينَ ما يُدْرِكه غيرَكِ

المقامُ الثاني : المراقبــة :


إذا أوصى الإنسانُ نفسَهُ وشَرَطَ عليها ، لم يبقَ إلا المراقبة لها
وملاحظتها وفي الحديثِ الصحيح في تفسيرِ الإحسان ، لما سُئِلَ عنهُ رسولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : (( أنْ تعبدَ الله كأنك تراه ،
فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك )) . فمراقبة العبد نفسَه في الطاعة هو أن يكونُ
مخلصاً فيه! ا ، ومراقبته في المعصيةِ تكونُ بالتوبةِ والندمِ والإقلاع ،
ومراقبته في المباح تكونُ بمراعاةِ الأدب والشكرِ على النعيم ، وكلُّ ذلك لا
يخلو من المراقبة .


المقام الثالث : المحاسبةُ بعدَ العمل :

اعلم أن العبدَ كما ينبغي أن يكونَ له وقتٌ
في أولِ النهار يشارطُ فيهِ نفسه ، كذلك ينبغي أن يكونَ له ساعةٌ يطالبُ فيهِ
نفسه في آخرِ النهار ويحاسبُها على جميعِ ما كانَ منها ، كما يفعلُ التُجّار
في الدنيا معَ الشُركاءِ في آخرِ كل سنةٍ أو شهرٍ أو يوم .


المقام الرابع : معاقبةُ النفسِ على تقصيرِها
:

اعلم أن العبدَ إذا حاسبَ نفسهُ فرأى منها
تقصيراً ، أو فعلَتْ شيئاً من المعاصي ، فلا ينبغي أن يهملَها ، فإنه
يَسْهُلُ عليهِ حينئذٍ مقارفةُ الذنوب ويعسرُ عليه فِطامُها ، بل ينبغي أن
يعاقبها عقوبةً مباحة ، كما يعاقبُ أهلَهُ وأولادَه . وكما رويَ عن عمر رضي
الله عنه : أنه خَرجَ إلى حائطٍ له ثم رَجعَ وقد صلى الناسُ العصرَ ، فقال :
إنما خرجتُ إلى حائطي ورَجعتُ وقد صلى الناسُ العصرَ ، حائطي صدقةٌ على
المساكين .


المقام الخامس : المجــاهدة :

إذا حاسبَ الإنسانُ نفسَه ، فينبغي إذا رآها
قد قارفت معصيةً أن يُعاقبـَها كما سبق ، فإن رآها تتوانى للكسلِ في شيءٍ من
الفضائلِ أو وِرد من الأوراد ، فينبغي أن يؤدبـَها بتثقيلِ الأورادِ عليها ،
كما وردَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه ، أنه إذا فاتته صلاةٌ في جماعةٍ فأحيا
الليلَ كلَّه! ُ تِلكَ الليلة ، فهوَ هُنا يجاهدُها ويُكرِهُهَا ما استطاع .


المقام السادس والأخير : معاتبةُ النفسِ
وتوبيخُـها :

قال أنس رضي الله عنه : سمعتُ عمرَ بن
الخطابِ رضي الله عنه ، وقد دخلَ حائطاً ، وبيني وبينه جدار ، يقول : عمرُ بن
الخطاب أميرُ المؤمنين !! بخٍ بخ ، واللهِ لتتقينَ الله يا ابن الخطاب أو
ليُعذبنَّك ! .


كم صلاةٍ أضعتَها ؟ كم جُمُعَةٍ تهاونتَ بها ؟ كم صدقةٍ بَخِلتَ بها ؟ كم
معروفٍ تكاسلتَ عنه ؟ كم منكرٍ سكتَّ عليه ؟ كم نظرةٍ محرمةٍ أصبتَها ؟ كم
كلمةٍ فاحشةٍ أطلقتها ؟ كم أغضبتَ والديك ولم ترضِهِما ؟ كم قسوتَ على ضعيفٍ
ولم ترحمه ؟ كم من الناسِ ظلمتَه ؟ كم وكم ...؟



إنا لنفـرحُ بالأيـامِ نقطعُـها *** وكـلَّ
يومٍ يُدني من الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا Images?q=tbn:ANd9GcRC9EQ-swT3NLLqoP_0mkhN9U71Xazxd4tUTQKV8mFJqDDYcPJB1_FU4gMI
أختكم في الله سعاد
 
عائشة-محمد

عائشة-محمد

طاقم المتميزين
رقم العضوية :
37614
المُسَــاهَمَـاتْ :
5951
نقاط التميز :
5376
التَـــسْجِيلْ :
06/03/2012
بارك الله فيك
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى