أبو الفداء
عضو مساهم
- البلد/ المدينة :
- لا شيء
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 210
- نقاط التميز :
- 257
- التَـــسْجِيلْ :
- 29/09/2012
لا يوجد عقل سليم يؤمن بالنصرانية:
عقيدة التثليث التي اخترعها النصارى وضاهئوا بها قول بعض الوثنيين قبل المسيح -عليه السلام- لا يوجد عقل سليم يؤمن بها، فهي تنافي وتضاد العقل كل المنافاة، ومن هذا التضاد، ومصادمة العقل ما يأتي:
أ- جعل الإله الذي هو محل العزة، والكبرياء، والرفعة، والذي هو أهل للمجد، والتقديس والتنزيه، محلاً للذلة، والمهانة، والعجز والنقص، وهذا غاية الفساد والتناقض.
فالرب المعبود خالق السماوات والأرض القادر على كل شيء، والمحيط علماً بكل صغير وكبير، لا بد وأن يكون منزهاً عن كل عيب ونقص، لأنه لو كان ناقصاً لما استحق أن يكون إلهاً معظماً، مسجوداً له، تخافه الخلائق، وتمتثل أمره، وتهابه وتعظمه وتقدسه.
وهؤلاء النصارى جعلوا إلههم الذي يعبدونه بحال من الذل، والمهانة، والعجز، والفقر بحيث أنه يستدر رحمة الناس عليه، وإحسانهم إليه، وبكاءهم من أجل مصائبه ورزاياه، وإشفاقهم، من أجل آلامه.. وهذا الإله الذي يستحق من البشر كل ذلك يثير رثاءهم له، وعطفهم عليه، ولا يثير فيهم الانكسار إليه وطلب إحسانه، والخوف من عقوبته وامتثال أمره..
فعيسى -عليه السلام- الذي جعله النصارى إلهاً وعبدوه قد صوره النصارى بغاية الذل والهوان والعجز والفقر، فعندهم أن المسيح -عليه السلام- لما حملت به أمه مريم، وكانت في ذلك الوقت مخطوبة ليوسف النجار فأراد أن يتركها، فرأى في النوم رؤيا تمنعه من ذلك، وتأمره أن يأخذها إلى بيت لحم لتلد هناك حيث يقيد اسمه في الإحصاء العام الذي أمر به الرومان، وأن يوسف ومريم نزلا في خان في الطريق، ولما كانا فقيرين فإنهما لم يجد لهما مأوى إلا مكان الدواب، وأن أم عيسى لما ولدته قمطته، ووضعته في مزود البقر.. وأن يوسف عاد بهما إلى الناصرة، ثم فر بهما إلى مصر خوفاً من (هيردوس) الذي كان ينوي قتل عيسى -عليه السلام-، ونزلوا هناك بمكان في مصر يسمى (المطرية) ثم عادوا بعد مدة إلى الناصرة إلى أن بلغ عيسى ثلاثين سنة، عمده (يوحنا المعمدان) في نهر الأردن، وأن عيسى -عليه السلام- صام بعد ذلك أربعين يوماً ثم شرع يدعو ويبشر بقيامة الأموات، فجاءه الشيطان ليجربه وقال له: اسجد لي وأنا أعطيك ممالك الأرض كلها، فقال له عيسى: ( اذهب يا شيطان فقد كتب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد ) (إنجيل متّى 4/11). وأنه بعد ذلك بدأ خدمته ومواعظه في أنحاء الجليل، وأورشليم، فتآمر اليهود ضده وأرادوا قتله، ورشوا تلميذاً من تلاميذه ليدلهم عليه، ولما علم عيسى ذلك بكى وتألم، وصلى من أجل أن يصرف عنه الرب هذه الكأس (الموت)، ولكن الله لم يستجب لدعائه، فجاءه اليهود وجنود السلطان الروماني فقبضوا عليه وحققوا معه، وصفعوه على وجهه، ثم حكموا عليه بالإعدام صلباً، فألبسوه ثوباً أحمر أرجوانياً ووضعوا تاجاً من الشوك على رأسه استهزاءاً به، وأرغموه على حمل صليبه الذي يصلب عليه على ظهره، واقتادوه مع لصين نكاية به ليصلب وسطهما، ثم أصعدوه على خشبة الصلب، وسمروا رجليه فيها، فاستسقاهم ليسقوه، فرفعوا إليه قطعة من القماش مبللة بالخل ليزيدوا في آلامه، وذله، وقهره، ثم طعنه جندي بحربة فقتله ثم قبروه.. وبقي في الأموات ثلاثة أيام، ثم قام وصعد إلى السماء..
وأقول: فهل الذي يصنع به ذلك ويعيش هذه الحياة الذليلة البائسة، ويلاقي من أصناف الإضطهاد والتنكيل كل ذلك، يستحق أن يكون هو الرب الإله خالق السماوات والأرض العزيز المتكبر المتصرف في الملك، الذي له المجد كله، والأمر كله.. أم أن الذي يصنع به ذلك وتكون هذه حالته منذ الولادة في مكان الدواب وإلى الموت على الصليب ذليلاً محقراً، لا يمكن إلا أن يكون عبداً فقيراً لا يستحق السجود له ولا التقديس ولا الخوف منه إن الإله الذي يمكن أعداءه ليفعلوا به ذلك لا يستحق أن يقول للناس خافوني، واسجدوا لي، ومجدوني، بل ربما يحسن منه أن يقول ارحموني، وارزقوني، وعافوني، واحموني..
والنصارى القائلون بألوهية المسيح لا عقل لهم إذ لصقوا كل هذه الصفات التي لا تليق بالإله الذي أوجبوا له الطاعة، والخضوع، والذي قالوا إنه يملك السماوات والأرض..
ب- يصر النصارى أن إلههم الذي يعبدونه مكون من ثلاثة أقانيم، أو ثلاثة تجسدات، أو ثلاثة شخوص، ولكنه مع ذلك إله واحد وذات واحدة.. وإن جئت نقول لهم كيف أصبح الثلاثة واحداً، والواحد ثلاثة، وفي أي حساب يكون ذلك، وأي عقل يستسيغ ذلك فإما أن يأتوك بسفسطة لا تغني من الحق شيئاً، وأما أن يقولوا: آمن على هذا النحو، فالإيمان ينافي العقل والتفكير، وما لا تستطيع أن تدركه اليوم يمكن أن تدركه يوم القيامة، وأن حقيقة التثليث لا تظهر إلا يوم القيامة.. وحقاً تظهر حقيقة شركهم يوم القيامة كما قال تعالى:
{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذي آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}.
وكما قال سبحانه : { وإذ قال الله يا عيسى بن مريم..}.
وسيرى القائلون بألوهية المسيح، وألوهية روح القدس، وألوهية مريم التي يسمونها أم الإله، سيرون أن المسيح يتبرأ منهم يوم القيامة، ويتبرأ منهم جبريل، ولا يكون أمامهم إلا النار.
والخلاصة أن التثليث الذي يدعون أنه هو التوحيد وأن الثلاثة إله واحد قول مناقض للعقل، وهم مختلفون في كيفية كون الثلاثة إلهاً واحداً كما بينا في الفصل الخاص باختلافهم في حقيقة دينهم، والشاهد هنا أن القول بالتثليث وأنه عين التوحيد قول مناقض للعقل، ومبادئ الحساب.
ج- من خصائص الإله الحق أن يكون هو الخالق والرازق والمبدع للكون، والمحيط علماً بكل شيء، ومن أجل ذلك يكون من حقه على العباد أن يعبدوه، لا يشركون به شيئاً لأنه ربهم، وخالقهم، ورازقهم، ومدبر شئونهم، وهم المحتاجون إليه الفقراء إليه، وأما هو فغني عنهم، لا يستطيعون أن يضروه، ولا يستطيعون كذلك أن ينفعوه.. لأنهم إن كانوا يستطيعون نفعه كان هو الفقير إليهم المحتاج لهم، وهم المتفضلون عليه، وإن كانوا يستطيعون ضره كان عاجزاً ضعيفاً لا يستحق العبادة، وهذه هي خصائص الألوهية وخصائص العبودية، فالعبودية محلها الذل، والاحتياج، والفقر، والربوبية محلها الترفع، والكبرياء، والقهر، والغنى..
وإذا كان الأمر كذلك فإن العبد يكون في مقام العبودية لإلهه، ومولاه فيعبده، ويصلي به، ويسجد له، ويخافه، ويهابه.. والرب يكون في مقام المعبود..
وهؤلاء النصارى الوثنيون المشركون قلبوا الأمور، فجعلوا الرب في محل الذل، والفقر، والخدمة للعبد، فعيسى -عليه السلام- عندهم جاء ليخدمهم وليحمل ذنوبهم، ويكفر بنفسه عن أخطائهم، ويستدر رحمتهم، وعطفهم عليه، وبكاءهم من أجله، ورثاءهم له وجعلوا من شرط النجاة، والخلاص، ودخول الملكوت في الآخرة أن ترحم أنت الإله، وتبكي من أجله، وتأسى لأحزانه، وتتألم لصراخه على الصليب الذي كان كما يقولون يقطع القلوب، وتعترف أن هذا الإله المصلوب جاء ليخدمك ويتوب عنك، ويحمل أوزارك..
وأي عقل سليم لا يستسيغ مطلقاً أن يكون الذليل إلهاً، والذي يبكي على الصليب معبوداً، والذي يتوجع لأنه لا يملك بيتاً يضع رأسه فيه في حين تملك الطيور أعشاشاً والثعالب أوجاراً، مالكاً للسماوات والأرض متصرفاً في الكون؟!!
فهل هذا الإله المصلوب يستحق إلا الرثاء، والبكاء لآلامه وأحزانه، وهذه ليست عبادة، لأن العبادة الحقة تعني الذل، والخضوع، والخوف، والرهبة، والإنابة، والتعظيم، والحب، وعيسى -عليه السلام- كما صوره النصارى لا يستحق إلا الشفقة عليه والرحمة له، ومثل هذا لا يكون قط إلهاً ورباً.
والخلاصة أن دين النصرانية وشركهم وتثليثهم وقولهم بالصلب، والفداء والخطيئة والخلاص.. لم يأت به دليل في النبوات الأولى، وكل ما نقل عن عيسى -عليه السلام- فهو يناقضه، ويخالفه، ولا يستسيغه عقل سليم قط، وهو دين ابتدعه بولس اليهودي، واخترعه الرومان الذين أرادوا الدخول في النصرانية دون أن يفارقوا عقائدهم الوثنية في تعدد الآلهة، وفي أن الإله يجب أن يكون في خدمة البشر، لا أن يكون البشر في خدمة إلههم، ومولاهم!!
عقيدة التثليث التي اخترعها النصارى وضاهئوا بها قول بعض الوثنيين قبل المسيح -عليه السلام- لا يوجد عقل سليم يؤمن بها، فهي تنافي وتضاد العقل كل المنافاة، ومن هذا التضاد، ومصادمة العقل ما يأتي:
أ- جعل الإله الذي هو محل العزة، والكبرياء، والرفعة، والذي هو أهل للمجد، والتقديس والتنزيه، محلاً للذلة، والمهانة، والعجز والنقص، وهذا غاية الفساد والتناقض.
فالرب المعبود خالق السماوات والأرض القادر على كل شيء، والمحيط علماً بكل صغير وكبير، لا بد وأن يكون منزهاً عن كل عيب ونقص، لأنه لو كان ناقصاً لما استحق أن يكون إلهاً معظماً، مسجوداً له، تخافه الخلائق، وتمتثل أمره، وتهابه وتعظمه وتقدسه.
وهؤلاء النصارى جعلوا إلههم الذي يعبدونه بحال من الذل، والمهانة، والعجز، والفقر بحيث أنه يستدر رحمة الناس عليه، وإحسانهم إليه، وبكاءهم من أجل مصائبه ورزاياه، وإشفاقهم، من أجل آلامه.. وهذا الإله الذي يستحق من البشر كل ذلك يثير رثاءهم له، وعطفهم عليه، ولا يثير فيهم الانكسار إليه وطلب إحسانه، والخوف من عقوبته وامتثال أمره..
فعيسى -عليه السلام- الذي جعله النصارى إلهاً وعبدوه قد صوره النصارى بغاية الذل والهوان والعجز والفقر، فعندهم أن المسيح -عليه السلام- لما حملت به أمه مريم، وكانت في ذلك الوقت مخطوبة ليوسف النجار فأراد أن يتركها، فرأى في النوم رؤيا تمنعه من ذلك، وتأمره أن يأخذها إلى بيت لحم لتلد هناك حيث يقيد اسمه في الإحصاء العام الذي أمر به الرومان، وأن يوسف ومريم نزلا في خان في الطريق، ولما كانا فقيرين فإنهما لم يجد لهما مأوى إلا مكان الدواب، وأن أم عيسى لما ولدته قمطته، ووضعته في مزود البقر.. وأن يوسف عاد بهما إلى الناصرة، ثم فر بهما إلى مصر خوفاً من (هيردوس) الذي كان ينوي قتل عيسى -عليه السلام-، ونزلوا هناك بمكان في مصر يسمى (المطرية) ثم عادوا بعد مدة إلى الناصرة إلى أن بلغ عيسى ثلاثين سنة، عمده (يوحنا المعمدان) في نهر الأردن، وأن عيسى -عليه السلام- صام بعد ذلك أربعين يوماً ثم شرع يدعو ويبشر بقيامة الأموات، فجاءه الشيطان ليجربه وقال له: اسجد لي وأنا أعطيك ممالك الأرض كلها، فقال له عيسى: ( اذهب يا شيطان فقد كتب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد ) (إنجيل متّى 4/11). وأنه بعد ذلك بدأ خدمته ومواعظه في أنحاء الجليل، وأورشليم، فتآمر اليهود ضده وأرادوا قتله، ورشوا تلميذاً من تلاميذه ليدلهم عليه، ولما علم عيسى ذلك بكى وتألم، وصلى من أجل أن يصرف عنه الرب هذه الكأس (الموت)، ولكن الله لم يستجب لدعائه، فجاءه اليهود وجنود السلطان الروماني فقبضوا عليه وحققوا معه، وصفعوه على وجهه، ثم حكموا عليه بالإعدام صلباً، فألبسوه ثوباً أحمر أرجوانياً ووضعوا تاجاً من الشوك على رأسه استهزاءاً به، وأرغموه على حمل صليبه الذي يصلب عليه على ظهره، واقتادوه مع لصين نكاية به ليصلب وسطهما، ثم أصعدوه على خشبة الصلب، وسمروا رجليه فيها، فاستسقاهم ليسقوه، فرفعوا إليه قطعة من القماش مبللة بالخل ليزيدوا في آلامه، وذله، وقهره، ثم طعنه جندي بحربة فقتله ثم قبروه.. وبقي في الأموات ثلاثة أيام، ثم قام وصعد إلى السماء..
وأقول: فهل الذي يصنع به ذلك ويعيش هذه الحياة الذليلة البائسة، ويلاقي من أصناف الإضطهاد والتنكيل كل ذلك، يستحق أن يكون هو الرب الإله خالق السماوات والأرض العزيز المتكبر المتصرف في الملك، الذي له المجد كله، والأمر كله.. أم أن الذي يصنع به ذلك وتكون هذه حالته منذ الولادة في مكان الدواب وإلى الموت على الصليب ذليلاً محقراً، لا يمكن إلا أن يكون عبداً فقيراً لا يستحق السجود له ولا التقديس ولا الخوف منه إن الإله الذي يمكن أعداءه ليفعلوا به ذلك لا يستحق أن يقول للناس خافوني، واسجدوا لي، ومجدوني، بل ربما يحسن منه أن يقول ارحموني، وارزقوني، وعافوني، واحموني..
والنصارى القائلون بألوهية المسيح لا عقل لهم إذ لصقوا كل هذه الصفات التي لا تليق بالإله الذي أوجبوا له الطاعة، والخضوع، والذي قالوا إنه يملك السماوات والأرض..
ب- يصر النصارى أن إلههم الذي يعبدونه مكون من ثلاثة أقانيم، أو ثلاثة تجسدات، أو ثلاثة شخوص، ولكنه مع ذلك إله واحد وذات واحدة.. وإن جئت نقول لهم كيف أصبح الثلاثة واحداً، والواحد ثلاثة، وفي أي حساب يكون ذلك، وأي عقل يستسيغ ذلك فإما أن يأتوك بسفسطة لا تغني من الحق شيئاً، وأما أن يقولوا: آمن على هذا النحو، فالإيمان ينافي العقل والتفكير، وما لا تستطيع أن تدركه اليوم يمكن أن تدركه يوم القيامة، وأن حقيقة التثليث لا تظهر إلا يوم القيامة.. وحقاً تظهر حقيقة شركهم يوم القيامة كما قال تعالى:
{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذي آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}.
وكما قال سبحانه : { وإذ قال الله يا عيسى بن مريم..}.
وسيرى القائلون بألوهية المسيح، وألوهية روح القدس، وألوهية مريم التي يسمونها أم الإله، سيرون أن المسيح يتبرأ منهم يوم القيامة، ويتبرأ منهم جبريل، ولا يكون أمامهم إلا النار.
والخلاصة أن التثليث الذي يدعون أنه هو التوحيد وأن الثلاثة إله واحد قول مناقض للعقل، وهم مختلفون في كيفية كون الثلاثة إلهاً واحداً كما بينا في الفصل الخاص باختلافهم في حقيقة دينهم، والشاهد هنا أن القول بالتثليث وأنه عين التوحيد قول مناقض للعقل، ومبادئ الحساب.
ج- من خصائص الإله الحق أن يكون هو الخالق والرازق والمبدع للكون، والمحيط علماً بكل شيء، ومن أجل ذلك يكون من حقه على العباد أن يعبدوه، لا يشركون به شيئاً لأنه ربهم، وخالقهم، ورازقهم، ومدبر شئونهم، وهم المحتاجون إليه الفقراء إليه، وأما هو فغني عنهم، لا يستطيعون أن يضروه، ولا يستطيعون كذلك أن ينفعوه.. لأنهم إن كانوا يستطيعون نفعه كان هو الفقير إليهم المحتاج لهم، وهم المتفضلون عليه، وإن كانوا يستطيعون ضره كان عاجزاً ضعيفاً لا يستحق العبادة، وهذه هي خصائص الألوهية وخصائص العبودية، فالعبودية محلها الذل، والاحتياج، والفقر، والربوبية محلها الترفع، والكبرياء، والقهر، والغنى..
وإذا كان الأمر كذلك فإن العبد يكون في مقام العبودية لإلهه، ومولاه فيعبده، ويصلي به، ويسجد له، ويخافه، ويهابه.. والرب يكون في مقام المعبود..
وهؤلاء النصارى الوثنيون المشركون قلبوا الأمور، فجعلوا الرب في محل الذل، والفقر، والخدمة للعبد، فعيسى -عليه السلام- عندهم جاء ليخدمهم وليحمل ذنوبهم، ويكفر بنفسه عن أخطائهم، ويستدر رحمتهم، وعطفهم عليه، وبكاءهم من أجله، ورثاءهم له وجعلوا من شرط النجاة، والخلاص، ودخول الملكوت في الآخرة أن ترحم أنت الإله، وتبكي من أجله، وتأسى لأحزانه، وتتألم لصراخه على الصليب الذي كان كما يقولون يقطع القلوب، وتعترف أن هذا الإله المصلوب جاء ليخدمك ويتوب عنك، ويحمل أوزارك..
وأي عقل سليم لا يستسيغ مطلقاً أن يكون الذليل إلهاً، والذي يبكي على الصليب معبوداً، والذي يتوجع لأنه لا يملك بيتاً يضع رأسه فيه في حين تملك الطيور أعشاشاً والثعالب أوجاراً، مالكاً للسماوات والأرض متصرفاً في الكون؟!!
فهل هذا الإله المصلوب يستحق إلا الرثاء، والبكاء لآلامه وأحزانه، وهذه ليست عبادة، لأن العبادة الحقة تعني الذل، والخضوع، والخوف، والرهبة، والإنابة، والتعظيم، والحب، وعيسى -عليه السلام- كما صوره النصارى لا يستحق إلا الشفقة عليه والرحمة له، ومثل هذا لا يكون قط إلهاً ورباً.
والخلاصة أن دين النصرانية وشركهم وتثليثهم وقولهم بالصلب، والفداء والخطيئة والخلاص.. لم يأت به دليل في النبوات الأولى، وكل ما نقل عن عيسى -عليه السلام- فهو يناقضه، ويخالفه، ولا يستسيغه عقل سليم قط، وهو دين ابتدعه بولس اليهودي، واخترعه الرومان الذين أرادوا الدخول في النصرانية دون أن يفارقوا عقائدهم الوثنية في تعدد الآلهة، وفي أن الإله يجب أن يكون في خدمة البشر، لا أن يكون البشر في خدمة إلههم، ومولاهم!!