salah
عضو مساهم
- رقم العضوية :
- 741
- البلد/ المدينة :
- الجزائر
- العَمَــــــــــلْ :
- ........
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 77
- نقاط التميز :
- 235
- التَـــسْجِيلْ :
- 12/07/2010
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فحياتنا المعاصرة شاغلة -إلى حد هائل- بكثرة مشاكلها وتتابع فتنها وتعدُّد مسئولياتها؛ بحيث يصبح المرء عاجزًا أو شبهَ عاجز أحيانـًا عن أن يجد نفسَه ويفتشَ فيها، ويشخِّصَ أمراضها ويسعى في علاجها، ومع أنه ليس له بديل عن ذلك؛ لأن البديل هو تفشي الأمراض في القلب حتى يموت؛ فيكون الهلاك؛ فلابد إذن من ساعات يستقطعها المرء استقطاعًا من العمل والأهل والأولاد -بل حتى والعمل الدعوي- لنفسه؛ كما روي في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعًا: قلت: “يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كانت صحف إبراهيم؟”، قال: “كانت أمثالاً كلها…” الحديث، وفيه: “وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن تكون له ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب…” [الحديث وإن كان ضعيف الإسناد إلا أن فيه مِن الحِكَم العظيمة والمواعظ الجسيمة -كما قال الحافظ المنذري- ما ينبغي تدبره].
فأين نحن من الساعات الثلاث الأُوَل؟! أم أصبحت حياتنا تدور حول الساعة الأخيرة وما يحصلها؟!
هل غلبتنا على عقلنا حتى صار نمط الحياة الاستهلاكيُّ التَرَفِيُّ الذي يعيشه الغرب هو الطريقةَ المثلى كما يرونها؟!، وحتى العمل الدعوي؛ كثرت فيه المشاكل التي تستهلك الأوقات؛ حتى لا تدع للمشارك فيه فرصة للجلوس مع نفسه. ومنبع هذه المشاكل أيضًا هو: إما من نمط الحياة الاستهلاكي، أو من أمراض القلوب الشيطانية.
فتعسر بذلك أمر التربية والتهذيب -رغم التضييق الشديد على وسائله في واقعنا الأليم- فلابد لنا من وقفة مع أنفسنا لاستقطاع هذه الساعات، والقرآنُ العظيم ينتظمها لنا انتظامًا إذا قرأناه بالتدبر، خصوصًا إذا كان في الصلاة؛ فتجتمع مناجاة الرب بالدعاء، ومحاسبةُ النفس بالتدبر في صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين وتذكرِ الآخرة، والتفكرُ في صنع الله بالتدبر في الآيات المتضمنة لآيات الآفاق والأنفس، كما أنها تجمع لنا إلى ذلك حل المشاكل المعضلات التي ربما أخذت من الناس ليس ساعات في البحث والمناقشات؛ بل سنوات!!
وربما وجد الإنسان جوابها جليًّا واضحًا وضوح الشمس إذا تدبر الآيات، ووالله إني لأتعجب من حال مَن يسمع أو يقرأ أو يحفظ قول الله -تعالى-: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٣٨﴾ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿١٣٩﴾ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴿١٤٠﴾ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴿١٤١﴾ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٤٢﴾ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [سورة النساء: 138-143]، وهو يرى ويسمع كل يوم أحوال المنافقين في موالاة أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين، وتصحيحِهم لملتهم، ومؤازرتِهم على المسلمين المستضعفين؛ ثم هو يضفي عليهم ألفاظ السيادة والفخامة والمدح والثناء…!!
وأتعجب ممن يسمع أو يقرأ أو يحفظ قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٢٣﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 23-25] ثم هو يصر على اعتبار مسألة تحكيم كتاب الله -تعالى- بين الناس مسألةً فرعيةً ليست من أصل الدين ولا علاقة لها بالتوحيد! بل مخالفتها من جنس الذنوب التي تستوجب بعض العذاب!!
وهذا بعينه قول اليهود كما هو ظاهر لِمَن تدبر الآيات، وقد بيَّن الله -تعالى- أن هذا من افترائهم على الله؛ الذي غَرَّهم وأضلَّهم عن دين الحق الذي بعثت به الرسل.
بل ويزداد عتوًّا وضلالاً حين يتهم مَن يخالفه بأنه مِن الخوارج المارقين المستحقين أنواع العقوبات في الدنيا والآخرة! ومهما أتيتَه بدليل من الكتاب والسنة أَوَّله بالتأويلات الفاسدة زاعمًا أنها فهم الصحابة! وهل كان قَطُّ في زمن الصحابة أو السلف مَن يُعرِض عن شرع الله ويُخالِف في أمر مرجعيته نصوصَ الشرع كتابًا أو سنةً للفصل بين الناس والحكمِ بينهم فيما يختلفون فيه مِن أمور الاعتقاد أو العمل أو السلوك؛ وليس فقط في العقوبات والحدود؟! وهو يسمع بالليل والنهار التصريح بأن المرجعية العليا هي لما اخترعوه من آراء وجهالات ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل في الحقيقة لما سطره الوثنيون في أوروبا من دساتير وقوانين أو ما وافقت عليه الأغلبيةُ!!، وقد قال الله -تعالى-: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [سورة البقرة: 213].
فهل أوضح من هذا بيانـًا في أن تحكيم الكتاب في كل مواطن النزاع هو الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتاب عليهم؟! وإذا أتيتَ أولئك بقول عالم قالوا: قد رجع عن فتواه! أفكان هؤلاء العلماء الذين يجلهم الجميع خوارجَ في يوم من الأيام ثم رجعوا عن فكر الخوارج؟!
ولماذا لم يبينوا للناس أنهم كانوا خوارجَ ثم تابوا؟!، كما قال مَن قال مِن السلف أنه كان شَغَفَه رأيُ الخوارج حتى سمع الصحابةَ -رضي الله عنهم- يرددون أحاديث الشفاعة؛ فعن يَزيدَ الفقيرِ قال: كنتُ قد شَغَفَنِي رأيٌ مِن رأي الخوارج؛ فخرجنا في عصابة ذَوي عَدَدٍ نريد أن نحُجَّ ثم نَخرُجَ على الناس. قال: فمررنا على المدينة فإذا جابرُ بنُ عبد الله يُحَدِّثُ القومَ جالسٌ إلى سارية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فإذا هو قد ذَكَرَ الجَهَنَّمِيِّينَ. قال: فقلتُ له: “يا صاحبَ رسول الله، ما هذا الذي تُحَدِّثُون واللهُ يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران: 192]، و{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [سورة السجدة: 20]، فما هذا الذي تقولون؟!”، قال: فقال: “أَتقرأُ القرآنَ؟”، قلت: “نعم”. قال: “فهل سمعتَ بمَقَام محمدٍ -عليه السلام- يعني الذي يبعثه الله فيه؟”، قلت: “نعم”. قال: “فإنه مَقَامُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- المحمودُ الذي يُخرِج اللهُ به مَن يُخرِج”. قال: “ثم نَعَتَ وَضْعَ الصراط ومَرَّ الناس عليه”. قال: “وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك”. قال: “غيرَ أنه قد زعم أن قومًا يَخرُجون مِن النار بعدَ أن يكونوا فيها”. قال: “يعني فيَخرُجون كأنهم عِيدَانُ السَّمَاسِمِ”. قال: “فيَدخُلون نَهَرًا مِن أنهار الجنة؛ فيَغتسِلون فيه؛ فيَخرُجون كأنهم القَرَاطِيسُ”. فَرَجَعْنَا قلنا: “وَيْحَكُمْ! أَتَرَوْنَ الشيخَ يَكذِب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غيرُ رجل واحد” [رواه مسلم].
والحقيقة أن هؤلاء لو صدقوا مع الله وتدبروا كتابه لَمَا صدرت منهم مثلُ هذه الافتراءات على شرع الله -تعالى- وعلى أهل العلم.
وأتعجب ممن يسمع أو يقرأ أو يحفظ قول الله -تعالى-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ﴿٨٨﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ﴿٩١﴾ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴿٩٢﴾ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 88-95] ثم هو يعتذر عمن دافع عن الإسلام في وجه التنصير المُعلَن وبَيَّنَ حقيقةَ الوثنية في اعتقاد ألوهية المسيح -عليه السلام- وبنوتِه لله -سبحانه- وقولِهم: “إله حق مِن إله حق، مولود من أبيه قبل كل الدهور، مساوٍ لأبيه في الجوهر، تجسَّد ووُلد من مريم العذراء، وصُلِبَ من أجلنا”!! بل يزداد الأمر حتى يقول قائلهم -وهو على رأس مؤسسة كبرى-: إنهم يحترمون العقيدة المسيحية -التي هذه نصوصها كما قرأتَ عاليه-!!، بل ويؤمنون بها إيمانـًا شديدًا!!، فهل بعد هذا “الإيمان” بهذه “العقيدة” مِن إيمان بالله -سبحانه- ورسولِه -صلى الله عليه وسلم- وكتابِه؟!!
فنحن في حاجة عظيمة إلى تغيير سُلَّم الأولويات؛ حتى لا نجعل في آخرها نصيبَنا من كتاب الله؛ الذي فيه خَبَرُ مَن قبلَنا ونَبَأُ ما بعدَنا وفَصْلُ ما بيننا؛ بل نجعله على رأسها، وحتى لا نضيع الساعات الثلاث في المناجاة والمحاسبة والتفكر؛ عسى أن تَحيَا القلوبُ وتستنيرَ بنور الله -تعالى-؛ فيَفيضَ منها النورُ على مَن حولها؛ فيَتغيرَ واقعُنا إلى ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، وتنجحَ دعوتُنا في اختراق الحُجُب وإزالةِ الظلمات عن البصائر وتحريرِ القلوب والأبدان من أَسر عبودية الشهوات.
فاللهم فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، رَبَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدنا لِمَا اختُلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم.
منقول من موقع وذكر
نقلته لكم
والدال على الخير كفاعله
ومن استطاع أن ينشر ما ننقله فجزاه الله خيرا
فحياتنا المعاصرة شاغلة -إلى حد هائل- بكثرة مشاكلها وتتابع فتنها وتعدُّد مسئولياتها؛ بحيث يصبح المرء عاجزًا أو شبهَ عاجز أحيانـًا عن أن يجد نفسَه ويفتشَ فيها، ويشخِّصَ أمراضها ويسعى في علاجها، ومع أنه ليس له بديل عن ذلك؛ لأن البديل هو تفشي الأمراض في القلب حتى يموت؛ فيكون الهلاك؛ فلابد إذن من ساعات يستقطعها المرء استقطاعًا من العمل والأهل والأولاد -بل حتى والعمل الدعوي- لنفسه؛ كما روي في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعًا: قلت: “يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كانت صحف إبراهيم؟”، قال: “كانت أمثالاً كلها…” الحديث، وفيه: “وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن تكون له ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب…” [الحديث وإن كان ضعيف الإسناد إلا أن فيه مِن الحِكَم العظيمة والمواعظ الجسيمة -كما قال الحافظ المنذري- ما ينبغي تدبره].
فأين نحن من الساعات الثلاث الأُوَل؟! أم أصبحت حياتنا تدور حول الساعة الأخيرة وما يحصلها؟!
هل غلبتنا على عقلنا حتى صار نمط الحياة الاستهلاكيُّ التَرَفِيُّ الذي يعيشه الغرب هو الطريقةَ المثلى كما يرونها؟!، وحتى العمل الدعوي؛ كثرت فيه المشاكل التي تستهلك الأوقات؛ حتى لا تدع للمشارك فيه فرصة للجلوس مع نفسه. ومنبع هذه المشاكل أيضًا هو: إما من نمط الحياة الاستهلاكي، أو من أمراض القلوب الشيطانية.
فتعسر بذلك أمر التربية والتهذيب -رغم التضييق الشديد على وسائله في واقعنا الأليم- فلابد لنا من وقفة مع أنفسنا لاستقطاع هذه الساعات، والقرآنُ العظيم ينتظمها لنا انتظامًا إذا قرأناه بالتدبر، خصوصًا إذا كان في الصلاة؛ فتجتمع مناجاة الرب بالدعاء، ومحاسبةُ النفس بالتدبر في صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين وتذكرِ الآخرة، والتفكرُ في صنع الله بالتدبر في الآيات المتضمنة لآيات الآفاق والأنفس، كما أنها تجمع لنا إلى ذلك حل المشاكل المعضلات التي ربما أخذت من الناس ليس ساعات في البحث والمناقشات؛ بل سنوات!!
وربما وجد الإنسان جوابها جليًّا واضحًا وضوح الشمس إذا تدبر الآيات، ووالله إني لأتعجب من حال مَن يسمع أو يقرأ أو يحفظ قول الله -تعالى-: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٣٨﴾ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿١٣٩﴾ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴿١٤٠﴾ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴿١٤١﴾ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٤٢﴾ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [سورة النساء: 138-143]، وهو يرى ويسمع كل يوم أحوال المنافقين في موالاة أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين، وتصحيحِهم لملتهم، ومؤازرتِهم على المسلمين المستضعفين؛ ثم هو يضفي عليهم ألفاظ السيادة والفخامة والمدح والثناء…!!
وأتعجب ممن يسمع أو يقرأ أو يحفظ قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٢٣﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 23-25] ثم هو يصر على اعتبار مسألة تحكيم كتاب الله -تعالى- بين الناس مسألةً فرعيةً ليست من أصل الدين ولا علاقة لها بالتوحيد! بل مخالفتها من جنس الذنوب التي تستوجب بعض العذاب!!
وهذا بعينه قول اليهود كما هو ظاهر لِمَن تدبر الآيات، وقد بيَّن الله -تعالى- أن هذا من افترائهم على الله؛ الذي غَرَّهم وأضلَّهم عن دين الحق الذي بعثت به الرسل.
بل ويزداد عتوًّا وضلالاً حين يتهم مَن يخالفه بأنه مِن الخوارج المارقين المستحقين أنواع العقوبات في الدنيا والآخرة! ومهما أتيتَه بدليل من الكتاب والسنة أَوَّله بالتأويلات الفاسدة زاعمًا أنها فهم الصحابة! وهل كان قَطُّ في زمن الصحابة أو السلف مَن يُعرِض عن شرع الله ويُخالِف في أمر مرجعيته نصوصَ الشرع كتابًا أو سنةً للفصل بين الناس والحكمِ بينهم فيما يختلفون فيه مِن أمور الاعتقاد أو العمل أو السلوك؛ وليس فقط في العقوبات والحدود؟! وهو يسمع بالليل والنهار التصريح بأن المرجعية العليا هي لما اخترعوه من آراء وجهالات ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل في الحقيقة لما سطره الوثنيون في أوروبا من دساتير وقوانين أو ما وافقت عليه الأغلبيةُ!!، وقد قال الله -تعالى-: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [سورة البقرة: 213].
فهل أوضح من هذا بيانـًا في أن تحكيم الكتاب في كل مواطن النزاع هو الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتاب عليهم؟! وإذا أتيتَ أولئك بقول عالم قالوا: قد رجع عن فتواه! أفكان هؤلاء العلماء الذين يجلهم الجميع خوارجَ في يوم من الأيام ثم رجعوا عن فكر الخوارج؟!
ولماذا لم يبينوا للناس أنهم كانوا خوارجَ ثم تابوا؟!، كما قال مَن قال مِن السلف أنه كان شَغَفَه رأيُ الخوارج حتى سمع الصحابةَ -رضي الله عنهم- يرددون أحاديث الشفاعة؛ فعن يَزيدَ الفقيرِ قال: كنتُ قد شَغَفَنِي رأيٌ مِن رأي الخوارج؛ فخرجنا في عصابة ذَوي عَدَدٍ نريد أن نحُجَّ ثم نَخرُجَ على الناس. قال: فمررنا على المدينة فإذا جابرُ بنُ عبد الله يُحَدِّثُ القومَ جالسٌ إلى سارية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فإذا هو قد ذَكَرَ الجَهَنَّمِيِّينَ. قال: فقلتُ له: “يا صاحبَ رسول الله، ما هذا الذي تُحَدِّثُون واللهُ يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران: 192]، و{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [سورة السجدة: 20]، فما هذا الذي تقولون؟!”، قال: فقال: “أَتقرأُ القرآنَ؟”، قلت: “نعم”. قال: “فهل سمعتَ بمَقَام محمدٍ -عليه السلام- يعني الذي يبعثه الله فيه؟”، قلت: “نعم”. قال: “فإنه مَقَامُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- المحمودُ الذي يُخرِج اللهُ به مَن يُخرِج”. قال: “ثم نَعَتَ وَضْعَ الصراط ومَرَّ الناس عليه”. قال: “وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك”. قال: “غيرَ أنه قد زعم أن قومًا يَخرُجون مِن النار بعدَ أن يكونوا فيها”. قال: “يعني فيَخرُجون كأنهم عِيدَانُ السَّمَاسِمِ”. قال: “فيَدخُلون نَهَرًا مِن أنهار الجنة؛ فيَغتسِلون فيه؛ فيَخرُجون كأنهم القَرَاطِيسُ”. فَرَجَعْنَا قلنا: “وَيْحَكُمْ! أَتَرَوْنَ الشيخَ يَكذِب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غيرُ رجل واحد” [رواه مسلم].
والحقيقة أن هؤلاء لو صدقوا مع الله وتدبروا كتابه لَمَا صدرت منهم مثلُ هذه الافتراءات على شرع الله -تعالى- وعلى أهل العلم.
وأتعجب ممن يسمع أو يقرأ أو يحفظ قول الله -تعالى-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ﴿٨٨﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ﴿٩١﴾ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴿٩٢﴾ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 88-95] ثم هو يعتذر عمن دافع عن الإسلام في وجه التنصير المُعلَن وبَيَّنَ حقيقةَ الوثنية في اعتقاد ألوهية المسيح -عليه السلام- وبنوتِه لله -سبحانه- وقولِهم: “إله حق مِن إله حق، مولود من أبيه قبل كل الدهور، مساوٍ لأبيه في الجوهر، تجسَّد ووُلد من مريم العذراء، وصُلِبَ من أجلنا”!! بل يزداد الأمر حتى يقول قائلهم -وهو على رأس مؤسسة كبرى-: إنهم يحترمون العقيدة المسيحية -التي هذه نصوصها كما قرأتَ عاليه-!!، بل ويؤمنون بها إيمانـًا شديدًا!!، فهل بعد هذا “الإيمان” بهذه “العقيدة” مِن إيمان بالله -سبحانه- ورسولِه -صلى الله عليه وسلم- وكتابِه؟!!
فنحن في حاجة عظيمة إلى تغيير سُلَّم الأولويات؛ حتى لا نجعل في آخرها نصيبَنا من كتاب الله؛ الذي فيه خَبَرُ مَن قبلَنا ونَبَأُ ما بعدَنا وفَصْلُ ما بيننا؛ بل نجعله على رأسها، وحتى لا نضيع الساعات الثلاث في المناجاة والمحاسبة والتفكر؛ عسى أن تَحيَا القلوبُ وتستنيرَ بنور الله -تعالى-؛ فيَفيضَ منها النورُ على مَن حولها؛ فيَتغيرَ واقعُنا إلى ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، وتنجحَ دعوتُنا في اختراق الحُجُب وإزالةِ الظلمات عن البصائر وتحريرِ القلوب والأبدان من أَسر عبودية الشهوات.
فاللهم فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، رَبَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدنا لِمَا اختُلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم.
منقول من موقع وذكر
نقلته لكم
والدال على الخير كفاعله
ومن استطاع أن ينشر ما ننقله فجزاه الله خيرا