hocineb
عضو مساهم
- البلد/ المدينة :
- alger
- العَمَــــــــــلْ :
- طالب
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 118
- نقاط التميز :
- 71
- التَـــسْجِيلْ :
- 02/08/2011
البيع لغة مصدر باع وهو مبادلة مال بمال، والشراء والبيع هما من أسماء الأضداد فيطلق الشراء على البيع، كقوله تعالى: "وشروه بثمن بخس دراهم" أي باعوه، ويطلق البيع على الشراء كقوله صلى الله عليه وسلم " لا يبع أحدكم على بيع أخيه" أي لا يشتر، وكذلك الاشتراء والابتياع فإنهما يطلقان عل فعل البائع والمشتري لغة،إلا أن العرف قد خص البيع بفعل البائع وهو إخراج الذات من الملك وخص الشراء والاشتراء والابتياع بفعل المشتري وهو إدخال الذات في الملك وله حقيقتان لغوية وشرعية، أما اللغوية فالبيع هو الإيجاب والقبول في مالين ولو بالمنابذة، وأما حقيقته الشرعية فجملية وتفصيلية، أما الجملية فهو الإيجاب والقبول في مالين مع شرائط وأما التفصيلية فهو الواقع بين جائزي التصرف المتناول لما يصح تملكه بثمن معلوم بلفظين ماضيين أو ما في حكمهما.
والبيع اصطلاحا هو مبادلة مال بمال بقصد الاكتساب أو هو عقد معاوضة مالية تفيد ملك العين والمنفعة على وجه التأبيد لا على وجه القربة بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة، وهذا التعريف يتميز به البيع عن الهبة لأن الهبة هي تمليك بلا عوض حال الحياة، بينما البيع هو تمليك بعوض، ويتميز البيع عن الإجارة لأن فيها تمليك.
وقد عرفه المالكية بأنه عقد معاوضة وعلى غير منافع ولا متعة لذة، وذلك للاحتراز من مثل الإجارة والنكاح، وعرفه الشافعية بأنه مقابلة مال بمال على وجه مخصوص للمنفعة.
وقد اتفق الفقهاء على أن البيع مشروع على سبيل الجواز، دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فمن كتاب الله تعالى" واحل الله البيع" وقوله عز وجل" ولاتاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، وأما السنة فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الكسب أطيب؟ قال : "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور".
وروى رفاعة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق".
وقد قال سيدي أبو عبد الله بن الحاج في المدخل في فضل خروج العالم إلى قضاء حاجته في السوق أن يباشر ذلك بنفسه فإن فعل أتى بالسنة على وجهها.
وأما المعقول فلأن الحكمة تقتضيه لتعلق حاجة الإنسان بما في يد صاحبه ولا سبيل إلى المبادلة إلا بعوض غالبا ففي تجويز البيع وصول إلى الغرض ودفع الحاجة.
هذا هو الحكم الأصلي للبيع، ولكن قد تعتريه أحكام أخرى، فيكون محظورا إذا اشتمل على ما هو ممنوع بالنص لأمر في الصيغة أو العاقدين أو المعقود عليه، وقد يكون الحكم للكراهة وهو ما فيه نهي غير جازم، ومثل له الحطاب في المالكية ببيع السباع لا لأخذ جلودها. وقد يعرض للبيع الوجوب كمن اضطر إلى شراء طعام أو شراب لحفظ نفسه، كما قد يعرض له الندب كمن أقسم على إنسان أن يبيع سلعة لا ضرر عليه في بيعها فتندب إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرر مندوب.
وهنا قال الشافعي: فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتعاقدين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهى عنه، ومن فارق ذلك أبحناه.
وحكمة مشروعية البيع ظاهرة فهي الرفق بالعباد والتعاون على حلول معاشهم.
المبحث الأول : شروط عقد البيع
يجب أن يتوافر في عقد البيع أربعة شروط هي شروط انعقاد وشروط صحة، وشروط نفاذ وشروط لزوم، والقصد من هذه الشروط في الجملة منع وقوع المنازعات بين الناس، وحماية مصالح العاقدين، ونفي الغرر (أي الاحتمال) والبعد عن المخاطر بسبب الجهالة، فإذا اختل شرط الانعقاد كان العقد باطلا، وإذا اختل شرط الصحة كان العقد عند الحنفية فاسدا وإذا لم يتوافر شرط النفاد كان العقد موقوفا على الإجازة ولا تنتقل به الملكية إلا بالإجازة، وإذا انعدم شرط اللزوم كان العقد مخيرا فيه أي مشتملا على خيار الإمضاء أو الإبطال.
وسوف نتطرق بإيجاز لهذه الشروط وذلك من خلال تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتطرق الأول في الأول لشروط الانعقاد والنفاذ على أن نتطرق في المطلب الثاني لشروط الصحة واللزوم.
المطلب الأول : شروط الانعقاد والنفاذ
الفقرة الأولى : شروط الانعقاد
وهي ما يشترط تحققه لاعتبار العقد منعقدا شرعا وإلا كان باطلا، وقد اشترط الحنفية بانعقاد البيع أربعة أنواع من الشروط في العاقد، وفي نفس العقد وفي مكانه وفي المعقود عليه.
v أما ما يشترط في العاقل فهو شرطان :
1 - أن يكون العاقد عاقلا مميزا، حيث لا ينعقد بيع المجنون والصبي غير العاقل، ولا يشترط البلوغ عند الحقيقة حيث يصح عندهم تصرف الصبي البالغ من العمر سبع سنوات، حيث تنقسم تصرفات الصبي المميز العاقل عند الحنفية إلى ثلاثة أقسام وهي :
أ – التصرفات النافعة نفعا محضا : كقبول الهبة والصدقة والوصية والكفالة بالدين.
ب – التصرفات الضارة ضررا محضا : (كالطلاق والهبة والصدقة والإقراض وكفالته لغيره بالدين أو بالنفس).
ج – التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع : كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والزواج. فهذه التصرفات تصح من الصبي المميز، ولكنها تكون موقوفة على إذن الولي أو إجازته مادام صغيرا، أو على إجازته بنفسه بعد البلوغ : لأن للمميز جانبا من الإدراك غير قليل.
2 – أن يكون العاقد متعددا : فلا ينعقد البيع بواسطة وكيل من الجانبين إلا في الأب ووصية والقاضي والرسول من الجانبين، بخلاف الوكيل في عقد النكاح فإنه يصح أن يعقد النكاح وكيل من الجانبين.
أما ما يشترط في العقد فهو شرط واحد : وهو أن يكون القبول موافقا للإيجاب أي تطابق الإيجاب مع القبول، ويشترط في الإيجاب والقبول ثلاثة شروط :
أ – الأهلية : وهي عند الحنفية أن يكون كل من الموجب والقابل عاقلا مميزا يدرك ما يقول ويعنيه حقا، فهو في الحقيقة شرط في العاقد لا في الصيغة، إلا بالنظر لصدورها من العاقدين.
ب – أما الشرط الثاني من شروط صيغة البيع أن يكون القبول موافقا للإيجاب بأن يرد على كل ما أوجبه البائع وبما أوجبه، فمثلا إذا قال البائع للمشتري بعتك هذين الثوبين بألف درهم، فقال المشتري قبلت في هذا الثوب وأشار إلى واحد منهما لا ينعقد البيع.
فلو قبل المشتري بأكثر مما طلب، انعقد البيع : (لأن القابل بالأكثر قابل بالأقل طبعا)، غير أنه لا يكون ملزما بالثمن الذي طلبه البائع ولو بأقل مما ذكر البائع، لا ينعقد العقد.
وكذا لو خالف في وصف الثمن لا في قدره، كأن أوجب البائع البيع بثمن حال، فقبل المشتري بثمن مؤجل، أوجب بأجل إلى شهر معين فقبل المشتري بأجل أبعد منه، فلا ينعقد البيع في الحالتين، لعدم تطابق الإيجاب مع القبول،
ج – أن يتحد مجلس العقد : بمعنى أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، بأن كان الطرفان حاضرين معا، أو في مجلس علم الطرف الغائب بالإيجاب.
وقد اختلف الفقهاء في متى يكون اللزوم، حيث نقرأ في بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد‚ قول مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وطائفة من أهل المدينة : إن البيع يلزم في المجلس بالقول وإن لم يفترقا، وقول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة رضي الله عنهم : البيع لازم بالافتراق من المجلس وأنهما مهما لم يتفرقا، فليس يلزم البيع ولا ينعقد وعمدة المشترطين الخيار المجلس حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار"، وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الدليل لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث. فالذي اعتمد عليه مالك رحمه الله في رد العمل به أنه لم يلق عمل أهل المدينة عليه مع أنه قد عارضه عنده ما رواه منقطع حديث ابن مسعود أنه قال : "أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان".
v أما ما يشترط في المعقود عليه أي المبيع فهو أربعة شروط :
أ – أن يكون المبيع موجودا : فلا ينعقد بيع المعدوم قبل وجوده وماله خطر العدم، ومن أمثلة الأول : بيع الثمر قبل انعقاد شيء منه على الشجرة، ومن أمثلة الثاني : بيع الحمل وبيع اللبن في الضرع، فكل من الحمل واللبن متردد بين الوجود وعدم الوجود فهما خطرا العدم.
ودليله في الجملة : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ويستثنى بيع السلم والاستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد ظهور بعضه في رأي بعض الحنفية.
ونجد تطبيقا لهذا الشرط في ق.ل.ع. المغربي في الفصل 486 حيث جاء ينص على أنه "يسوغ أن يرد البيع على شيء غير محدد إلا بنوعه. ولكن البيع يصح. في هذه الحالة، إلا إذا ورد على أشياء مثلية محددة تحديدا كافيا، بالنسبة إلى العدد والكمية والوزن أو القياسي والصنف، على نحو يجيء معه رضا المتعاقدين على بينة وتبصر". وكذلك الفصل 58 من ق.ل.ع‚.
ب – أن يكون المبيع مالا متقوما : والمال هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس، والمتقوم : هو ما يمكن ادخاره مع إباحته شرعا. فلا ينعقد بيع ما ليس بمال، كالإنسان الحر والميتة والدم ولا بيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير في حق المسلم.
ج – أن يكون مملوكا في نفسه : أي محرزا وهو ما دخل تحت حيازة مالك خاص. فلا ينعقد بيع ما ليس بمملوك لأحد من الناس.
أما كون المبيع ليس مملوكا للبائع، فليس شرط انعقاد، وإنما هو شرط نفاذ كما سنرى في الفقرة الموالية.
د – أن يكون المبيع مقدور التسليم عند التعاقد، حيث لا يجوز بيع ما لا يمكن تسليمه، وإن كان مملوكا للبائع مثل الحيوان الشارد والسمك في البحر مثلا. (الفصول 802 -804 من ق.ل.ع.).
أما ما يشترط في مكان العقد وهو اتحاد مجلس الإيجاب والقبول كما سبقت الإشارة إلى ذلك في معرض حديثنا عن شروط الإيجاب والقبول.
الفقرة الثانية : شروط النفاذ
ولنفاذ العقد لابد من توفر شرطين اثنين :
أولهما : الملك أو الولاية : الملك هو حيازة الشيء متى كان الحائز له قادرا وحده على التصرف فيع عند عدم المانع الشرعي، فالقيم على المجنون أو السفيه، والوصي على القاصر، لا يعتبر أحدهما مالكا يتصرف في الشيء، على حين أن المجنون والسفيه والقاصر يعتبر كل منهم مالكا لأن له حق الاستقلال في التصرف والانتفاع لولا المانع الشرعي من ذلك وهو أنه تحت ولاية غيره.
والولاية : سلطة شرعية بها ينعقد العقد وينفذ، وهي إما أصلية أي أن يتناول الإنسان أمور نفسه، أو نيابية : وهي أن يتولى الشخص أمور غيره من ناقصي الأهلية، إما بإنابة المالك، كالوكيل أو بإنابة الشارع كالأولياء وهم : الأب أو الجد أو القاضي ووصي الأب أو الجد أو القاضي وترتيبهم كالآتي : الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه.
ومدلول هذا الشرط أن يكون المبيع مملوكا للبائع، فلا ينفذ بيع الفضولي لانعدام الملك والولاية، لكنه ينعقد عند الحنفية موقوفا على إجازة المالك.
وثانيهما : (أي الشرط الثاني لنفاذ عقد البيع) ألا يكون في المبيع حق لغير البائع : بمعنى أنه إذا كان في المبيع حق لغير البائع كان العقد موقوفا غير نافذ وعلى هذا فلا ينفذ بيع الراهن المرهون، ولا بيع المؤجر المأجور، وإنما يكون البيع موقوفا على إجازة المرتهن، أو المستأجر، وليس فاسدا وهذا هو الصحيح عند الحنفية، لأن ركن البيع صدر من أهله مضافا وإلى مال متقوم مملوك له مقدور على التسليم، من غير ضرر يلزمه.
وذكر الأستاذ مصطفى الزرقاء : أن الراجح فقها : أنه لا يكون البيع موقوفا على إجازة المرتهن أو المستأجر وإن كانا أصحاب حق في المبيع، إذ الإجازة لا تكون شرعا إلا لمالك أو ذي ولاية، بل البيع نافذ، ولكن لا يسلم المبيع إلى المشتري دون رضا المرتهن أو المستأجر صيانة لحقهما بل يمنح المشتري الخيار في أن يفسخ البيع أو ينتظر إلى فكاك الرهن أو إلى انقضاء مدة الإجازة ليتسلم المبيع.
المطلب الثاني : شروط الصحة واللزوم في عقد البيع
الفقرة الأولى : شروط الصحة
وهي كما اشر إليها وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته قسمان شروط عامة وشروط خاصة.
فالشروط العامة هي تلك التي يجب أن تتحقق في كل أنواع البيع لتعتبر صحيحة شرعا، وهي إجمالا أن يخلو عقد البيع من العيوب الستة وهي الجهالة، والإكراه والتوقيت، والغرر، والضرر، والشروط المفسدة.
أولا – الجهالة :
ويراد بها الجهالة الفاحشة أو التي تقضي إلى نزاع يتعذر حله وهو النزاع الذي تتساوى فيه حجة الطرفين بالاستناد إلى الجهالة، والجهالة أربعة أنواع :
1 – جهالة المبيع جنسا او نوعا أو قدرا بالنسبة إلى المشتري.
2 – جهالة الثمن كذلك : فلا يصح بيع الشيء بثمن مثله، أو بما سيستقر عليه السعر.
3 – جهالة الآجال كما في الثمن المؤجل، أو في خيار الشرط، حيث يجب أن تكون المدة معلومة وإلا فسد العقد.
4 – الجهالة في وسائل التوثيق، كما لو اشترط البائع تقديم كفيل أو رهن بالثمن المؤجل فيجب أن يكونا معينيين وإلا فسد العقد.
وبالموازاة مع ذلك، نجد الفصل 58 من ق.ل.ع. قد نص على أن الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه. ويسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابل للتحديد فيما بعد.
ثانيا – الإكراه :
وهو حمل المستكره على أمر يفعله وهو نوعان :
إما إكراه ملجئ أو تام : وهو الذي يجد المستكره نفسه مضطرا به لفعل الأمر المكره عليه، وذلك كالتهديد بالقتل أو الضرب الذي يخشى منه ضياع عضو وصورة بيع التلجئة أو بيع الأمانة : هي أن يخاف الإنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك، فيتظاهر هو بيعه لثالث فرارا منه ويتم العقد مستوفيا أركانه وشرائطه.
وإما إكراه غير ملجئ أو ناقص : كالتهديد بالحبس أو الضرب أو إيقاع الظلم به كمنع ترقيته في وظيفته أو إنزاله درجة.
ثالثا : التوقيت :
وهو أن يؤقت البيع بمده كما لو قال : بعتك هذا الثوب شهرا أو سنة، فيكون البيع فاسدا لأن ملكية العين لا تقبل التأقيت، ولأن عقد البيع كما سبق وأن قلت هو من عقود التمليك.
رابعا - الغرر :
والمراد به الاحتمال أي غرر واحتمال الوصف، كما لو باع بقرة على أنها تحلب قدرا معينا لأنه موهوم التحقق فقد ينقص، أما لو باعها على أنها حلوب دون تحديد مقدار، فإنه شرط صحيح وأما غرر الوجود فهو مبطل للبيع لنهي النبي (صلى) عن بيع الغرر : وهو ما كان المبيع فيه محتملا للوجود والعدم، كبيع نتاج النتاج، وبيع الحمل الموجود.
خامسا – الضرر :
ويراد به ما إذا كان تسليم المبيع لا يمكن إلا بإدخال ضرر البائع، فيما سوى المبيع من ماله، كما لو باع جذعا معينا في سقف مبني أو ذراعا من ثوب يضره التبعيض، فإن التنفيذ يقضي بهدم ما حول الجذع وتعطيل الثوب.
سادسا - الشرط المفسد :
وهو كل شرط فيه نفع لأحد المتبايعين، إذا لم يكن قد ورد به الشرع، أو جرى به العرف، أو يقتضيه العقد، أو يلائم مقتضاه، مثل أن يبيع سيارة على أن يستخدمها شهرا بعد البيع، أو دارا على أن يظل مقيما بها مدة معينة، أو أن يشترط المشتري على البائع في صلب العقد أن يقرضه مبلغا من المال.
والشرط الفاسد إذا وجد في عقد من عقود المعاوضات المالية كالبيع والإجارة والقسمة مثلا أفسده، ولكنه يكون لغوا في العقود الأخرى مثل التبرعات والتوثيقات والزواج، وتكون هذه العقود حينئذ صحيحة.
أما الشروط الخاصة : فهي التي تخص بعض أنواع البيع دون بعض وهي :
1 – القبض في بيع المنقولات : أي أنه إذا باع شخص شيئا من المنقولات التي كان قد اشتراها، يشترط لصحة بيعه أن يكون قد قبضها من بائعها الأول، لأن المنقول يكثر هلاكه فيكون في بيعه ثانية قبل قبضه غرر، أما إذا كان عقارا فيجوز بيعه قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما سيأتي.
2 – معرفة الثمن الأول إذا كان البيع مرابحة أو تولية أو وضعية أو اشتراكا.
3 – التقابض في البدلين قبل الافتراق إذا كان البيع صرفا.
4 – توافر شرط السلم إذا كان البيع سلما.
5 – المماثلة في البدلين إذا كان المال ربويا والخلو عن شبهة الربا.
6 – القبض في الديون الثابتة في الذمة كالمسلم فيه، ورأس المال وبيع شيء يدين على غير البائع، فلا يصح بيعها من غير من عليه الدين إلا بعد قبضها.
الفقرة الثانية : شروط لزوم البيع
وهي التي تأتي بعد شرائط الانعقاد والنفاذ، فيشترط للزوم البيع : خلوه من أحد الخيارات التي تسوغ لأحد العاقدين فسخ العقد : مثل خيار الشرط والوصف والنقد ولتعيين، والرؤية، والعيب والغبن مع التغرير فإذا وجد في البيع شيء من هذه الخيارات منع لزومه في حق من له الخيار فكان له أن يفسخ البيع أو أن يقبله، إلا إذا حدث مانع من ذلك.
وهذه هي شروط البيع بأنواعها الأربعة فإذا فقد شيء من شرائط الانعقاد بطل البيع، أو من شرائط الصحة فسد، أو من شرائط النفاذ توقف، أو من شرائط اللزوم كان لمن له الخيار فسخه. وعليه فإنه يمكن القول كخلاصة لهذا المبحث أن الانعقاد يقابله البطلان، والنفاذ يقابله التوقف، والصحة يقابلها الفساد واللزوم يقابله عدم اللزوم أي التخيير.
المبحث الثاني : البيوع وأحكامها
المطلب الأول : الأحكام العامة للبيوع الصحيحة وبيع السلم "نموذجا"
الفقرة الأولى : الأحكام العامة للبيوع الصحيحة
يمكن حصر أصول هذا القسم في أربع جمل :
أولا : أحكام وجود العيب في المبيع
ثانيا : في ضمان المبيعات
ثالثا : في معرفة الأشياء التي تتبع المبيع من التي لا تتبعه
رابعا : في اختلاف المتبايعين
وهو ما سنناقشه على التوالي.
أولا – أحكام وجود العيب في المبيع :
الأصل في وجود العيب في المبيع هو الرد تأكيدا لقوله تعالى "إلا أن تجارة عن تراضي منكم"، الآية، وحديث المصراة المشهور.
وبالنظر لكثرة الفروع المحيطة بهذا القسم ستقتصر دراستنا على أهمها.
أ – في معرفة العقود التي يجب فيها الرد بوجود العيب في العقود من التي لا يجب فيها.
أما العقود التي يجب فيها الرد للعيب حكم بلا خلاف هي عقود المعاوضة، لأن العقود التي ليس المقصود فيها المعاوضة لا تأثير للعيب فيها كالهبات لغير الثواب والصدقات، وأما ما بين هذين الصنفين من العقود أي ما جمع قصد المكارمة والمعاوضة مثل هبة الثواب، فالأظهر في المذهب أنه لا يحكم فيها بوجود العيب، وقد قيل يحكم به إذا كان العيب مفسدا.
ب – في معرفة العيوب التي توجب الحكم، وما شرطها الموجب للحكم فيه.
v العيوب التي توجب الحكم :
فمنها عيوب في النفس، ومنها عيوب في البدن، والعيوب التي توجب الحكم هنا هي التي فقدها نقص في أصل الخلقة، أما العيوب التي لا تعتبر في حكم ذلك أي تعتبر كمالات وليس فقدها نقص مثل الصنائع.
والمثال الواضح والبارز في هذا المضمار ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصروا الإبل والبقر، فمن فعل ذلك فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر"، الحديث والتصرية عن مالك والشافعي عيب وهي حقن اللبن في الثدي أياما حتى يوهم ذلك أن الحيوان ذو لبن غزير، فقالوا : أن الخيار يثبت للمشتري في التصرية، وهذا دال على عيب مؤثر، ويمكن اعتباره أيضا تدليس.
والأصل في المتلفات إما القيم وإما المثل، وإعطاء صاع من تمر في لبن ليس قيمة ولا مثل ومنها بيع الطعام المجهول؛ أي الجزاف بالمكيل المعلوم، لأن اللبن الذي دلس به البائع غير معلوم القدر، وأيضا فإنه يقل ويكثر، والعوض هنا محدود.
v أما شرط العيب الموجب للحكم به :
هو أن يكون حادثا قبل أمد التبايع باتفاق الجمهور، أو في العهدة عند من يقول بها، ولقد انفرد مالك بالقول بالعهدة دون سائر فقهاء الأمصار، وسلفه في ذلك أهل المدينة الفقهاء السبعة، ومعنى العهدة أن كل عيب حدث فيها عند المشتري فهو من البائع، وهي عند القائلين بها عهدتان : عهدة الثلاثة أيام، وذلك في جميع العيوب الحادثة فيها عند المشتري، وعهدة السنة من العيوب الثلاثة : الجذام والبرص والجنون.
ب - في معرفة حكم العيب الموجب إذا كان المبيع لم يتغير :
إذا وجدت العيوب، فإن لم يتغير المبيع بشيء من العيوب عند المشتري فلا يخلو ان يكون في عقار او عروض أو حيوانـ فإنه كان في حيوان فلا خلاف أن المشتري مخير بين أن يرد المبيع ويأخذ الثمن أو يمسك ولا شيء له، وأما إن كان عقار فمالك يفرق في ذلك بين العيب اليسير والكثير فيقول : إذا كان العيب يسيرا لم يجب الرد ووجبت قيمة العيب، وإن كان كثيرا وجب الرد.
وفي هذا الباب فرعان مشهوران من قبل التبعيض :
أحدهما هل إذا اشترى المشتري أنواعا من المبيعات في صفقة واحدة فوجد أحدها معيبا، فهل يرجع بالجميع، أو بالذي وجد فيه العيب ؟ فقال قوم : ليس له إلا يرد بالجميع أو يمسك وبه قال أبو ثور والأوزاعي، إلا أن يكون سمى ما لكل واحد من تلك الأنواع من القيمة، فإن هذا مما لا خلاف فيه أنه يرد المبيع بعينه فقط، وإنما الخلاف إن لم يسم. وقال قوم : يرد المعيب بحصته من الثمن وذلك بالتقدير وقال به سفيان والثوري، وروى عن الشافعي القولان معا.
أما مالك فقد فرق فقال : ينظر في المعيب، فإن كان ذلك وجه الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع، وإن لم يكن وجه الصفقة رد بقيمته، أما أبو حنيفة فقد فرق تفريقا آخر وقال : إن وجد العيب قبل القبض رد الثمن، وإن وجده بعد القبض رد المعيب بحصته في الثمن.
المسألة الثانية : لو اشترى اثنان فصاعدا سلعة من واحد فوجدا عيبا فيريد أحدهما الرجوع ويأبى الآخر، فأجاب أبو محمد بن حزم الأندلسي في كتابه المحلي بالآثار أن أيهما شاء أن يرد رده وأيهما شاء أن يمسك أمسك، لأنه يعتبر صفقة كل واحد منهما غير صفقة الآخر.
ثانيا – في ضمان المبيعات :
الأصل في البيع هو الضمان، والدليل على ذلك هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن رجل ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فرده عليه، فقال البائع : يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال ((الخراج بالضمان)) ذكره أبو داوود.
فهذا أصل متفق عليه، أما اختلاف العلماء فهو في البيع بشرط البراءة، وصورته أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم، واختلف العلماء في ذلك فقال أبو حنيفة : يجوز البيع بالبراءة من كل عيب سواء علمه البائع أو لم يعلمه، سماه أو لم يسمه، أبصره أو لم يبصره، وقال الشافعي في أشهر قوليه وهو المنصور عند أصحابه لا يبرأ البائع إلا في عيب يريه للمشتري.
ولمالك ثلاثة أقوال : أحدهما –هو الذي ذكرنا أنه المجتمع عليه عندهم، وهو مثل قول الشافعي حرفا حرفا، وهو قوله في الموطأ.
ثانيهما : أنه لا يبرأ بذلك إلا في الرقيق خاصة، فيبرأ مما لم يعلم، ولا يبرأ مما علم فكتم، وإنما في سائر الحيوان وغير الحيوان، فلا يبرأ به من عيب أصلا.
والثالث : وهو الذي رجع إليه، وهو أنه لا ينتفع بالبراءة إلا في ثلاثة أشياء فقط:
1 – بيع السلطان للمغنم، أو على مفلس
2 – العيب الخفيف خاصة في الرقيق لكل أحد
3 – فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة.
وذهب بعض المتقدمين، منهم : عطاء، وشريح، إلى أنه لا يبرأ أحد وإن باع البراءة، إلا من عيب بينه ووضع يده عليه.
ثالثا - في تابعات المبيعات :
سنكتفي بذكر أهم المسائل شهرة في هذا الباب وهي بيع النخيل وفيها الثمر في متى يتبع الأصل ومتى لا يتبعه ؟
جمهور الفقهاء على أن من باع نخلا فيها ثمر قبل أن يؤبر فإن الثمر للمشتري وإذا كان البيع بعد الإبار فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، والثمار كلها في هذا المعنى أي معنى النخيل، وهذا أكله لثبوت حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع". والإبار عند الفقهاء ان يجعل طلع ذكور النخل في طلع إناثها، وفي سائر الشجر أن تنور وتعقد.
رابعا : إذا اتفق المتبايعان على البيع واختلفا في مقدار الثمن ولم تكن هناك بينة : ففقهاء الأمصار متفقون على أنهما يتحالفان ويتفاسخان بالجملة ومختلفون في التفصيل، أعني في الوقت الذي يحكم فيه بالإيمان والتفاسخ، فقال أبو حنيفة : أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم تفت عين السلعة، فإن فاتت فالقول قول المشتري مع يمينه، وقال الشافعي ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وأشهب صاحب مالك : يتحالفان في كل وقت، وأما مالك فعنه روايتان، إحداهما أنهما يتحالفان ويتفاسخان قبل القبض وبعد القبض القول قول المشتري، والرواية الثانية مثل قول أبو حنيفة.
الفقرة الثانية : بيع السلم "نموذجا"
مشروعيته : السلم مشروع في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
أما الكتاب : فقد فسرت به أية الدين : وهي قوله تعالى "يا أيها الذي آمنوا إذا تدانيتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" الآية ، قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية.
أما السنة : فما روى عن أبي عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال : "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم"‚.
أما الإجماع : فقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه عن أهل السلم على أن السلم جائز ، لأن بالناس حاجة إليه ، لأن أرباب الزروع والتجارات يحتاجون إلى النفقة على الزروع ونحوها حتى تنضج، فجوز لهم السلم دفعا للحاجة .
تعريفه :
عرفه الشافعية والحنابلة بقولهم : هو العقد على موصوف بذمة مؤجل بثمن مقبوض مجلس العقد.
أما المالكية فقد عرفوه على أنه بيع يتقدم فيه رأس المال ويتأخر المثمن لأجل‚وعرفه ابن عرفه على أنه عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير تماثل العوضين .
أما القوانين الوضعية ومنها التشريع المغربي فقد عرفه في الفصل 613 ق.ل.ع. على انه ...
شروطه : يجوز السلم بشروط، منها ما يشترك فيه الرأس المال والمسلم فيه ، ومنها ما ينفرد به رأس المال ، ومنه ما يتفرد المسلم به.
فأما الشروط المشتركة فهي :
"1" أن يكون كل واحد منهما مما يصح تملكه وبيعه تحرزا من الخمر والخنزير وغير ذلك،
"2" أن يكونا مختلفين جنسا تجوز فيه النسيئة بينها فلا يجوز تسليم الذهب والفضة أحدهما في الآخر لأن ذلك ربا ، ويجوز تسليم الذهب والفضة في الحيوانات والعروض والطعام .
ويجوز تسليم العروض بعضها في بعض وتسليم الحيوان بعضه في بعض بشرط أن تختلف فيه الأغراض والمنافع، فلا يجوز مع اتفاق الأغراض والمنافع ، لأنه يؤول إلى سلف جر منفعة.
أما الشروط التي ينفرد بها رأس المال فهو أن يكون نقدا ويجوز تأخيره لغير شرط. ويجوز بشرط ثلاثة أيام ونحوها، وذهب أبو حنيفة إلى أن من شرطه التقابض في المجلس كالصرف.
أما الشروط التي في المسلم فيه أن يكون مؤخرا إلى أجل معلوم وأقله ما تختلف فيه الأسواق كالخمسة عشر يوما ونحوها أو أن يكون القبض ببلد أخر ولا حد لأكثره إلى ما ينتهي الغرر لطوله وأجازه الشافعي على الحلول ويجوز أن يكون الأجل إلى الحصاد أو الجذاذ.
أن يكون مطلقا في الذمة فلا يجوز في شيء معين كزرع قرية بعينها.
أن يكون مما يوجد جنسه عند الأجل اتفاقا سواء وجد العقد أولم يوجد واشترط أبو حنيفة أن يوجد عند العقد والأجل.
وقد أفرد المشرع المغربي شروطا نظمها في كل من الفصول614-615-616-617 من ق.ل.ع.تتطابق إلى حدود كبيرة مع ما نظمه الفقه الإسلامي، لكن مع اختلاف بسيط ضمن في الفقرة الثانية من الفصل 613 وهو وجوب إثبات عقد السلم كتابة، وهو شرط إثبات وليس شرط انعقاد، وهو يختلف من عقد السلم في الفقه الإسلامي لأن القاعدة العامة في التصرفات والمعاملات هي الرضائية، ولكن تطور الحياة وتداخل المعاملات وكثرتها وضعف الذمم، لذلك كان المشرع المغربي موفقا فيما نحاه من ضرورة الإثبات بالكتابة.
*أداة المسلم فيه أو تنفيذ بيع السلم.
وتوجد في نقطة فروع كثيرة، لكن نذكر منها المشهور فقط
1- اختلف الفقهاء فمن أسلم في شيء من الثمر، فلما حل الأجل تعذر تسليمه حتى عدم ذلك المسلم فيه وخرج زمانه، فقال الجمهور : إذا وقع ذلك كان المسلم بالخيار بين أن يأخذ الثمن أو يصير إلى العام المقبل، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأبو قاسم، وحجتهم أن العقد وقع على موصوف في الذمة فهو باق على أصله، وليس من شرط جوازه أن يكون من ثمار هذه السنة، وإنما هو شيء شرطه المسلم فهو في ذلك بالخيار.
وقال أشهب وهو من أصحاب مالك : ينفسخ السلم ضرورة ولا يجوز التأخير.
2- اختلف الفقهاء أيضا في الشراء برأس المال المسلم إليه شيئا بعد الإقالة بما لا يجوز قبل الإقالة، فمن الفقهاء من لم يجزه أصلا، ورأى أن الإقالة ذريعة إلى أن يجوز من ذلك ما لا يجوز به ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه، إلا أن أبي حنيفة لا يجوز مطلقا أو على الإطلاق، إذا كان عنده لا يجوز بيع السلم فيه قبل القبض على الإطلاق، ومالك يمنع ذلك في المواضيع التي بيع فيه قبل القبض، ومن الفقهاء من أجازه، وبه قال الشافعي والثورى : وحجتهم أن بالإقالة قد ملك رأس ماله، فإذا ملكه جاز أن يشتري به ما أحب، والظن الردئ بالمسلمين غير جائز.
المطلب الثاني : الأحكام العامة للبيوع غير الصحيحة وبيع الغرر "نموذج"
الفقرة الأولى : الأحكام العامة للبيوع غير الصحيحة
فعقد البيع من حيث حكمة أو وصفه الذي يعطيه الشارع له، بناء على مقدار استيفائه لأركانه وشروطه، يتقسم عند جمهور الفقهاء إلى صحيح وغير صحيح، فالصحيح هو ما استوفى شروطه وأركانه وغير الصحيح هو ما اختل فيه ركن من أركانه أو شرط من شروطه، ولا يترتب عليه أي أثر، ويشمل الباطل والفاسد وهما بمعنى واحد.
فالفقهاء متفقون على البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقد فيها أو نماء أو نقصان أو حوالة سوق أم حكمها الرد، أي أن يرد البائع الثمنه والمشتري المتمون واختلفوا إذا قبضت وتصرف فيها بعتق أو بيع أو رهن أو غير ذلك من سائر التصرفات هل ذلك فوت يوجب القيمة، وكذلك إذا نمت أو نقصت فقال الشافعي، ليس ذلك كله فوتا ولا شبهة ملك في البيع الفاسد وأن الواجب الرد.
وقال مالك كل ذلك فوتا يوجب القيمة إلا ما روى عنه ابن وهب ليس بفوت، وربما صح عنه بعض البيوع الفاسدة لخفة الكراهة في ذلك، ومثله قال أبو حنيفة.
فالشافعية تشبه المبيع الفاسد بمكان الربا والغرر بالفاسد بمكان التحريم عينه كبيع الخمر والخنزير فليس عندهم فيه فوت.
واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبض، أي شرط السلف، هل يصح البيع أم لا ؟ فقال أبو حنيفة والشافعي : البيع مفسوخ ، وقال مالك وأصحابه : البيع غير مفسوخ، إلا أن عبد الحكم فال : البيع مفسوخ .وقد روى من مالك مثل قول الجمهور.
وحجة الجمهور أن النهي يتضمن فساد المنهي فإذا انعقد البيع فاسدا لم يصححه بعد رفع الشرط الذي من قبله وقع الفساد، كما أن رفع السبب المفسد في المحسوسات بعد فساد الشيء ليس يقتضي عودة الشيء إلى ما كان عليه قبل الفساد من الوجود فاعلمه.
وروى أن محمد بن احمد بن سهل البرمكي سأل عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق المالكي فقال له: ما الفرق بين السلف والبيع وبين رجل باع غلاما بمائة دينار وزق خمر، فلما انعقد البيع بينهما قال: أنا أدع الزق، وهذا البيع مفسوخ من العلماء بإجماع، فوجب أن يكون السلف كذلك.
الفقرة الثانية: بيع الغرر "نموذجا"
الغرر في اللغة: هي الخطر، والتغرير، وأصل الغرر لغة: هو ماله ظاهر محبوب، وباطن مكروه، ولذلك سميت الدنيا متاع الغرور.
أما الغرر في اصطلاح الفقهاء : لقد ذكر فقهاء المذاهب تعريفات للغرر متقاربة نسبيا بينها‚.
فقال السرخسي الحنفي: الغرر ما يكون مستور العاقبة.
وقال القرافي المالكي في كتابه "الفروق" الجزء الثاني، ص 285 أصل الغرر: ما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته.
وقال الشيرازي الشافعي: في كتابه المهذب، الجزء 1 ص262 أن الغرر هو ما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته.
أما ابن تميمة فقال في كتابه مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تميمة أن الغرر هو المجهول العاقبة.
حكم بيع الغرر:
السنة فما روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم" نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر. رواه الجماعة إلا البخاري".
وعن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر" رواه أحمد.
وقال الإمام النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من الأصول يدخل تحته مسائل كثيرة جدا، ويستثنى من الغرر أمران :
أحدهما : ما يدخل في المبيع تبعا، بحيث لو أفرد، لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعا للبناء.
الثاني : ما يتسامح بمثل العادة، إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه كدخول الحمام بالأجر.
وقد اتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرض، مثل بيع اللبن في الضرع، والسمك في الماء، والطير في الهواء قبل صيدهما، وبيع ما للغير على أن يشتريه فيسلمه والدليل ما روي عن حكم ابن حزام قال : "قلت يا رسول الله (صلى) يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق، فقال رسول الله (صلى) : "لا تبع ما ليس عندك""، رواه الخمسة.
ومن البيع غير الصحيحة بسبب الغرر المزابنة : وهو بيع الرطب أو العنب على النخل بثمر مقطوع، أو زبيب مثل كيله خرصا أي بتقديره حزرا أو تخمينا، وبيع المحاقلة : أي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا، لأن النبي (صلى) "نهى عن المزابنة والمحاقلة" أخرجه البخاري ومسلم، لما في ذلك من الربا لجهالة مقدار المبيع، إذ أنه كما هو معلوم يشترط التماثل حقيقة في الاموال الربوية، لكن الحاجة رخص الشافعية والحنابلة والظاهرية بيع العرايا.
v الغرر اليسير :
لقد ذكر القرافي في كتابه "الفروق" أن الغرر والجهالة ثلاثة أقسام :
ü كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء
ü قليل جائز إجماعا
ü متوسط اختلف فيه : هل يلحق بالأول أو الثاني، فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير، ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل، ولقد أجاز الحنفية ما يشتمل على غرر يسير، أما المالكية والحنابلة والشافعية فقد أجازوا مطلقا كل ما فيه غرر يسير، أو تدعو إليه الضرورة.
أما المشرع المغربي فقد نظمه في الفصول من 1092 إلى 1097 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، والملاحظة الأساسية التي يلاحظ عليه أنه قد قصر عقود الغرر على المراهنة والمقامرة فقط وأفرد لهما حكم البطلان المطلق، ويتبين أن حكمهما مأخوذ من الشريعة الإسلامية لاشتراكهما في نفس العلة وهي الجهالة.
والبيع اصطلاحا هو مبادلة مال بمال بقصد الاكتساب أو هو عقد معاوضة مالية تفيد ملك العين والمنفعة على وجه التأبيد لا على وجه القربة بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة، وهذا التعريف يتميز به البيع عن الهبة لأن الهبة هي تمليك بلا عوض حال الحياة، بينما البيع هو تمليك بعوض، ويتميز البيع عن الإجارة لأن فيها تمليك.
وقد عرفه المالكية بأنه عقد معاوضة وعلى غير منافع ولا متعة لذة، وذلك للاحتراز من مثل الإجارة والنكاح، وعرفه الشافعية بأنه مقابلة مال بمال على وجه مخصوص للمنفعة.
وقد اتفق الفقهاء على أن البيع مشروع على سبيل الجواز، دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فمن كتاب الله تعالى" واحل الله البيع" وقوله عز وجل" ولاتاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، وأما السنة فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الكسب أطيب؟ قال : "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور".
وروى رفاعة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق".
وقد قال سيدي أبو عبد الله بن الحاج في المدخل في فضل خروج العالم إلى قضاء حاجته في السوق أن يباشر ذلك بنفسه فإن فعل أتى بالسنة على وجهها.
وأما المعقول فلأن الحكمة تقتضيه لتعلق حاجة الإنسان بما في يد صاحبه ولا سبيل إلى المبادلة إلا بعوض غالبا ففي تجويز البيع وصول إلى الغرض ودفع الحاجة.
هذا هو الحكم الأصلي للبيع، ولكن قد تعتريه أحكام أخرى، فيكون محظورا إذا اشتمل على ما هو ممنوع بالنص لأمر في الصيغة أو العاقدين أو المعقود عليه، وقد يكون الحكم للكراهة وهو ما فيه نهي غير جازم، ومثل له الحطاب في المالكية ببيع السباع لا لأخذ جلودها. وقد يعرض للبيع الوجوب كمن اضطر إلى شراء طعام أو شراب لحفظ نفسه، كما قد يعرض له الندب كمن أقسم على إنسان أن يبيع سلعة لا ضرر عليه في بيعها فتندب إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرر مندوب.
وهنا قال الشافعي: فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتعاقدين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهى عنه، ومن فارق ذلك أبحناه.
وحكمة مشروعية البيع ظاهرة فهي الرفق بالعباد والتعاون على حلول معاشهم.
المبحث الأول : شروط عقد البيع
يجب أن يتوافر في عقد البيع أربعة شروط هي شروط انعقاد وشروط صحة، وشروط نفاذ وشروط لزوم، والقصد من هذه الشروط في الجملة منع وقوع المنازعات بين الناس، وحماية مصالح العاقدين، ونفي الغرر (أي الاحتمال) والبعد عن المخاطر بسبب الجهالة، فإذا اختل شرط الانعقاد كان العقد باطلا، وإذا اختل شرط الصحة كان العقد عند الحنفية فاسدا وإذا لم يتوافر شرط النفاد كان العقد موقوفا على الإجازة ولا تنتقل به الملكية إلا بالإجازة، وإذا انعدم شرط اللزوم كان العقد مخيرا فيه أي مشتملا على خيار الإمضاء أو الإبطال.
وسوف نتطرق بإيجاز لهذه الشروط وذلك من خلال تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتطرق الأول في الأول لشروط الانعقاد والنفاذ على أن نتطرق في المطلب الثاني لشروط الصحة واللزوم.
المطلب الأول : شروط الانعقاد والنفاذ
الفقرة الأولى : شروط الانعقاد
وهي ما يشترط تحققه لاعتبار العقد منعقدا شرعا وإلا كان باطلا، وقد اشترط الحنفية بانعقاد البيع أربعة أنواع من الشروط في العاقد، وفي نفس العقد وفي مكانه وفي المعقود عليه.
v أما ما يشترط في العاقل فهو شرطان :
1 - أن يكون العاقد عاقلا مميزا، حيث لا ينعقد بيع المجنون والصبي غير العاقل، ولا يشترط البلوغ عند الحقيقة حيث يصح عندهم تصرف الصبي البالغ من العمر سبع سنوات، حيث تنقسم تصرفات الصبي المميز العاقل عند الحنفية إلى ثلاثة أقسام وهي :
أ – التصرفات النافعة نفعا محضا : كقبول الهبة والصدقة والوصية والكفالة بالدين.
ب – التصرفات الضارة ضررا محضا : (كالطلاق والهبة والصدقة والإقراض وكفالته لغيره بالدين أو بالنفس).
ج – التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع : كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والزواج. فهذه التصرفات تصح من الصبي المميز، ولكنها تكون موقوفة على إذن الولي أو إجازته مادام صغيرا، أو على إجازته بنفسه بعد البلوغ : لأن للمميز جانبا من الإدراك غير قليل.
2 – أن يكون العاقد متعددا : فلا ينعقد البيع بواسطة وكيل من الجانبين إلا في الأب ووصية والقاضي والرسول من الجانبين، بخلاف الوكيل في عقد النكاح فإنه يصح أن يعقد النكاح وكيل من الجانبين.
أما ما يشترط في العقد فهو شرط واحد : وهو أن يكون القبول موافقا للإيجاب أي تطابق الإيجاب مع القبول، ويشترط في الإيجاب والقبول ثلاثة شروط :
أ – الأهلية : وهي عند الحنفية أن يكون كل من الموجب والقابل عاقلا مميزا يدرك ما يقول ويعنيه حقا، فهو في الحقيقة شرط في العاقد لا في الصيغة، إلا بالنظر لصدورها من العاقدين.
ب – أما الشرط الثاني من شروط صيغة البيع أن يكون القبول موافقا للإيجاب بأن يرد على كل ما أوجبه البائع وبما أوجبه، فمثلا إذا قال البائع للمشتري بعتك هذين الثوبين بألف درهم، فقال المشتري قبلت في هذا الثوب وأشار إلى واحد منهما لا ينعقد البيع.
فلو قبل المشتري بأكثر مما طلب، انعقد البيع : (لأن القابل بالأكثر قابل بالأقل طبعا)، غير أنه لا يكون ملزما بالثمن الذي طلبه البائع ولو بأقل مما ذكر البائع، لا ينعقد العقد.
وكذا لو خالف في وصف الثمن لا في قدره، كأن أوجب البائع البيع بثمن حال، فقبل المشتري بثمن مؤجل، أوجب بأجل إلى شهر معين فقبل المشتري بأجل أبعد منه، فلا ينعقد البيع في الحالتين، لعدم تطابق الإيجاب مع القبول،
ج – أن يتحد مجلس العقد : بمعنى أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، بأن كان الطرفان حاضرين معا، أو في مجلس علم الطرف الغائب بالإيجاب.
وقد اختلف الفقهاء في متى يكون اللزوم، حيث نقرأ في بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد‚ قول مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وطائفة من أهل المدينة : إن البيع يلزم في المجلس بالقول وإن لم يفترقا، وقول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة رضي الله عنهم : البيع لازم بالافتراق من المجلس وأنهما مهما لم يتفرقا، فليس يلزم البيع ولا ينعقد وعمدة المشترطين الخيار المجلس حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار"، وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الدليل لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث. فالذي اعتمد عليه مالك رحمه الله في رد العمل به أنه لم يلق عمل أهل المدينة عليه مع أنه قد عارضه عنده ما رواه منقطع حديث ابن مسعود أنه قال : "أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان".
v أما ما يشترط في المعقود عليه أي المبيع فهو أربعة شروط :
أ – أن يكون المبيع موجودا : فلا ينعقد بيع المعدوم قبل وجوده وماله خطر العدم، ومن أمثلة الأول : بيع الثمر قبل انعقاد شيء منه على الشجرة، ومن أمثلة الثاني : بيع الحمل وبيع اللبن في الضرع، فكل من الحمل واللبن متردد بين الوجود وعدم الوجود فهما خطرا العدم.
ودليله في الجملة : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ويستثنى بيع السلم والاستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد ظهور بعضه في رأي بعض الحنفية.
ونجد تطبيقا لهذا الشرط في ق.ل.ع. المغربي في الفصل 486 حيث جاء ينص على أنه "يسوغ أن يرد البيع على شيء غير محدد إلا بنوعه. ولكن البيع يصح. في هذه الحالة، إلا إذا ورد على أشياء مثلية محددة تحديدا كافيا، بالنسبة إلى العدد والكمية والوزن أو القياسي والصنف، على نحو يجيء معه رضا المتعاقدين على بينة وتبصر". وكذلك الفصل 58 من ق.ل.ع‚.
ب – أن يكون المبيع مالا متقوما : والمال هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس، والمتقوم : هو ما يمكن ادخاره مع إباحته شرعا. فلا ينعقد بيع ما ليس بمال، كالإنسان الحر والميتة والدم ولا بيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير في حق المسلم.
ج – أن يكون مملوكا في نفسه : أي محرزا وهو ما دخل تحت حيازة مالك خاص. فلا ينعقد بيع ما ليس بمملوك لأحد من الناس.
أما كون المبيع ليس مملوكا للبائع، فليس شرط انعقاد، وإنما هو شرط نفاذ كما سنرى في الفقرة الموالية.
د – أن يكون المبيع مقدور التسليم عند التعاقد، حيث لا يجوز بيع ما لا يمكن تسليمه، وإن كان مملوكا للبائع مثل الحيوان الشارد والسمك في البحر مثلا. (الفصول 802 -804 من ق.ل.ع.).
أما ما يشترط في مكان العقد وهو اتحاد مجلس الإيجاب والقبول كما سبقت الإشارة إلى ذلك في معرض حديثنا عن شروط الإيجاب والقبول.
الفقرة الثانية : شروط النفاذ
ولنفاذ العقد لابد من توفر شرطين اثنين :
أولهما : الملك أو الولاية : الملك هو حيازة الشيء متى كان الحائز له قادرا وحده على التصرف فيع عند عدم المانع الشرعي، فالقيم على المجنون أو السفيه، والوصي على القاصر، لا يعتبر أحدهما مالكا يتصرف في الشيء، على حين أن المجنون والسفيه والقاصر يعتبر كل منهم مالكا لأن له حق الاستقلال في التصرف والانتفاع لولا المانع الشرعي من ذلك وهو أنه تحت ولاية غيره.
والولاية : سلطة شرعية بها ينعقد العقد وينفذ، وهي إما أصلية أي أن يتناول الإنسان أمور نفسه، أو نيابية : وهي أن يتولى الشخص أمور غيره من ناقصي الأهلية، إما بإنابة المالك، كالوكيل أو بإنابة الشارع كالأولياء وهم : الأب أو الجد أو القاضي ووصي الأب أو الجد أو القاضي وترتيبهم كالآتي : الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه.
ومدلول هذا الشرط أن يكون المبيع مملوكا للبائع، فلا ينفذ بيع الفضولي لانعدام الملك والولاية، لكنه ينعقد عند الحنفية موقوفا على إجازة المالك.
وثانيهما : (أي الشرط الثاني لنفاذ عقد البيع) ألا يكون في المبيع حق لغير البائع : بمعنى أنه إذا كان في المبيع حق لغير البائع كان العقد موقوفا غير نافذ وعلى هذا فلا ينفذ بيع الراهن المرهون، ولا بيع المؤجر المأجور، وإنما يكون البيع موقوفا على إجازة المرتهن، أو المستأجر، وليس فاسدا وهذا هو الصحيح عند الحنفية، لأن ركن البيع صدر من أهله مضافا وإلى مال متقوم مملوك له مقدور على التسليم، من غير ضرر يلزمه.
وذكر الأستاذ مصطفى الزرقاء : أن الراجح فقها : أنه لا يكون البيع موقوفا على إجازة المرتهن أو المستأجر وإن كانا أصحاب حق في المبيع، إذ الإجازة لا تكون شرعا إلا لمالك أو ذي ولاية، بل البيع نافذ، ولكن لا يسلم المبيع إلى المشتري دون رضا المرتهن أو المستأجر صيانة لحقهما بل يمنح المشتري الخيار في أن يفسخ البيع أو ينتظر إلى فكاك الرهن أو إلى انقضاء مدة الإجازة ليتسلم المبيع.
المطلب الثاني : شروط الصحة واللزوم في عقد البيع
الفقرة الأولى : شروط الصحة
وهي كما اشر إليها وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته قسمان شروط عامة وشروط خاصة.
فالشروط العامة هي تلك التي يجب أن تتحقق في كل أنواع البيع لتعتبر صحيحة شرعا، وهي إجمالا أن يخلو عقد البيع من العيوب الستة وهي الجهالة، والإكراه والتوقيت، والغرر، والضرر، والشروط المفسدة.
أولا – الجهالة :
ويراد بها الجهالة الفاحشة أو التي تقضي إلى نزاع يتعذر حله وهو النزاع الذي تتساوى فيه حجة الطرفين بالاستناد إلى الجهالة، والجهالة أربعة أنواع :
1 – جهالة المبيع جنسا او نوعا أو قدرا بالنسبة إلى المشتري.
2 – جهالة الثمن كذلك : فلا يصح بيع الشيء بثمن مثله، أو بما سيستقر عليه السعر.
3 – جهالة الآجال كما في الثمن المؤجل، أو في خيار الشرط، حيث يجب أن تكون المدة معلومة وإلا فسد العقد.
4 – الجهالة في وسائل التوثيق، كما لو اشترط البائع تقديم كفيل أو رهن بالثمن المؤجل فيجب أن يكونا معينيين وإلا فسد العقد.
وبالموازاة مع ذلك، نجد الفصل 58 من ق.ل.ع. قد نص على أن الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه. ويسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابل للتحديد فيما بعد.
ثانيا – الإكراه :
وهو حمل المستكره على أمر يفعله وهو نوعان :
إما إكراه ملجئ أو تام : وهو الذي يجد المستكره نفسه مضطرا به لفعل الأمر المكره عليه، وذلك كالتهديد بالقتل أو الضرب الذي يخشى منه ضياع عضو وصورة بيع التلجئة أو بيع الأمانة : هي أن يخاف الإنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك، فيتظاهر هو بيعه لثالث فرارا منه ويتم العقد مستوفيا أركانه وشرائطه.
وإما إكراه غير ملجئ أو ناقص : كالتهديد بالحبس أو الضرب أو إيقاع الظلم به كمنع ترقيته في وظيفته أو إنزاله درجة.
ثالثا : التوقيت :
وهو أن يؤقت البيع بمده كما لو قال : بعتك هذا الثوب شهرا أو سنة، فيكون البيع فاسدا لأن ملكية العين لا تقبل التأقيت، ولأن عقد البيع كما سبق وأن قلت هو من عقود التمليك.
رابعا - الغرر :
والمراد به الاحتمال أي غرر واحتمال الوصف، كما لو باع بقرة على أنها تحلب قدرا معينا لأنه موهوم التحقق فقد ينقص، أما لو باعها على أنها حلوب دون تحديد مقدار، فإنه شرط صحيح وأما غرر الوجود فهو مبطل للبيع لنهي النبي (صلى) عن بيع الغرر : وهو ما كان المبيع فيه محتملا للوجود والعدم، كبيع نتاج النتاج، وبيع الحمل الموجود.
خامسا – الضرر :
ويراد به ما إذا كان تسليم المبيع لا يمكن إلا بإدخال ضرر البائع، فيما سوى المبيع من ماله، كما لو باع جذعا معينا في سقف مبني أو ذراعا من ثوب يضره التبعيض، فإن التنفيذ يقضي بهدم ما حول الجذع وتعطيل الثوب.
سادسا - الشرط المفسد :
وهو كل شرط فيه نفع لأحد المتبايعين، إذا لم يكن قد ورد به الشرع، أو جرى به العرف، أو يقتضيه العقد، أو يلائم مقتضاه، مثل أن يبيع سيارة على أن يستخدمها شهرا بعد البيع، أو دارا على أن يظل مقيما بها مدة معينة، أو أن يشترط المشتري على البائع في صلب العقد أن يقرضه مبلغا من المال.
والشرط الفاسد إذا وجد في عقد من عقود المعاوضات المالية كالبيع والإجارة والقسمة مثلا أفسده، ولكنه يكون لغوا في العقود الأخرى مثل التبرعات والتوثيقات والزواج، وتكون هذه العقود حينئذ صحيحة.
أما الشروط الخاصة : فهي التي تخص بعض أنواع البيع دون بعض وهي :
1 – القبض في بيع المنقولات : أي أنه إذا باع شخص شيئا من المنقولات التي كان قد اشتراها، يشترط لصحة بيعه أن يكون قد قبضها من بائعها الأول، لأن المنقول يكثر هلاكه فيكون في بيعه ثانية قبل قبضه غرر، أما إذا كان عقارا فيجوز بيعه قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما سيأتي.
2 – معرفة الثمن الأول إذا كان البيع مرابحة أو تولية أو وضعية أو اشتراكا.
3 – التقابض في البدلين قبل الافتراق إذا كان البيع صرفا.
4 – توافر شرط السلم إذا كان البيع سلما.
5 – المماثلة في البدلين إذا كان المال ربويا والخلو عن شبهة الربا.
6 – القبض في الديون الثابتة في الذمة كالمسلم فيه، ورأس المال وبيع شيء يدين على غير البائع، فلا يصح بيعها من غير من عليه الدين إلا بعد قبضها.
الفقرة الثانية : شروط لزوم البيع
وهي التي تأتي بعد شرائط الانعقاد والنفاذ، فيشترط للزوم البيع : خلوه من أحد الخيارات التي تسوغ لأحد العاقدين فسخ العقد : مثل خيار الشرط والوصف والنقد ولتعيين، والرؤية، والعيب والغبن مع التغرير فإذا وجد في البيع شيء من هذه الخيارات منع لزومه في حق من له الخيار فكان له أن يفسخ البيع أو أن يقبله، إلا إذا حدث مانع من ذلك.
وهذه هي شروط البيع بأنواعها الأربعة فإذا فقد شيء من شرائط الانعقاد بطل البيع، أو من شرائط الصحة فسد، أو من شرائط النفاذ توقف، أو من شرائط اللزوم كان لمن له الخيار فسخه. وعليه فإنه يمكن القول كخلاصة لهذا المبحث أن الانعقاد يقابله البطلان، والنفاذ يقابله التوقف، والصحة يقابلها الفساد واللزوم يقابله عدم اللزوم أي التخيير.
المبحث الثاني : البيوع وأحكامها
المطلب الأول : الأحكام العامة للبيوع الصحيحة وبيع السلم "نموذجا"
الفقرة الأولى : الأحكام العامة للبيوع الصحيحة
يمكن حصر أصول هذا القسم في أربع جمل :
أولا : أحكام وجود العيب في المبيع
ثانيا : في ضمان المبيعات
ثالثا : في معرفة الأشياء التي تتبع المبيع من التي لا تتبعه
رابعا : في اختلاف المتبايعين
وهو ما سنناقشه على التوالي.
أولا – أحكام وجود العيب في المبيع :
الأصل في وجود العيب في المبيع هو الرد تأكيدا لقوله تعالى "إلا أن تجارة عن تراضي منكم"، الآية، وحديث المصراة المشهور.
وبالنظر لكثرة الفروع المحيطة بهذا القسم ستقتصر دراستنا على أهمها.
أ – في معرفة العقود التي يجب فيها الرد بوجود العيب في العقود من التي لا يجب فيها.
أما العقود التي يجب فيها الرد للعيب حكم بلا خلاف هي عقود المعاوضة، لأن العقود التي ليس المقصود فيها المعاوضة لا تأثير للعيب فيها كالهبات لغير الثواب والصدقات، وأما ما بين هذين الصنفين من العقود أي ما جمع قصد المكارمة والمعاوضة مثل هبة الثواب، فالأظهر في المذهب أنه لا يحكم فيها بوجود العيب، وقد قيل يحكم به إذا كان العيب مفسدا.
ب – في معرفة العيوب التي توجب الحكم، وما شرطها الموجب للحكم فيه.
v العيوب التي توجب الحكم :
فمنها عيوب في النفس، ومنها عيوب في البدن، والعيوب التي توجب الحكم هنا هي التي فقدها نقص في أصل الخلقة، أما العيوب التي لا تعتبر في حكم ذلك أي تعتبر كمالات وليس فقدها نقص مثل الصنائع.
والمثال الواضح والبارز في هذا المضمار ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصروا الإبل والبقر، فمن فعل ذلك فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر"، الحديث والتصرية عن مالك والشافعي عيب وهي حقن اللبن في الثدي أياما حتى يوهم ذلك أن الحيوان ذو لبن غزير، فقالوا : أن الخيار يثبت للمشتري في التصرية، وهذا دال على عيب مؤثر، ويمكن اعتباره أيضا تدليس.
والأصل في المتلفات إما القيم وإما المثل، وإعطاء صاع من تمر في لبن ليس قيمة ولا مثل ومنها بيع الطعام المجهول؛ أي الجزاف بالمكيل المعلوم، لأن اللبن الذي دلس به البائع غير معلوم القدر، وأيضا فإنه يقل ويكثر، والعوض هنا محدود.
v أما شرط العيب الموجب للحكم به :
هو أن يكون حادثا قبل أمد التبايع باتفاق الجمهور، أو في العهدة عند من يقول بها، ولقد انفرد مالك بالقول بالعهدة دون سائر فقهاء الأمصار، وسلفه في ذلك أهل المدينة الفقهاء السبعة، ومعنى العهدة أن كل عيب حدث فيها عند المشتري فهو من البائع، وهي عند القائلين بها عهدتان : عهدة الثلاثة أيام، وذلك في جميع العيوب الحادثة فيها عند المشتري، وعهدة السنة من العيوب الثلاثة : الجذام والبرص والجنون.
ب - في معرفة حكم العيب الموجب إذا كان المبيع لم يتغير :
إذا وجدت العيوب، فإن لم يتغير المبيع بشيء من العيوب عند المشتري فلا يخلو ان يكون في عقار او عروض أو حيوانـ فإنه كان في حيوان فلا خلاف أن المشتري مخير بين أن يرد المبيع ويأخذ الثمن أو يمسك ولا شيء له، وأما إن كان عقار فمالك يفرق في ذلك بين العيب اليسير والكثير فيقول : إذا كان العيب يسيرا لم يجب الرد ووجبت قيمة العيب، وإن كان كثيرا وجب الرد.
وفي هذا الباب فرعان مشهوران من قبل التبعيض :
أحدهما هل إذا اشترى المشتري أنواعا من المبيعات في صفقة واحدة فوجد أحدها معيبا، فهل يرجع بالجميع، أو بالذي وجد فيه العيب ؟ فقال قوم : ليس له إلا يرد بالجميع أو يمسك وبه قال أبو ثور والأوزاعي، إلا أن يكون سمى ما لكل واحد من تلك الأنواع من القيمة، فإن هذا مما لا خلاف فيه أنه يرد المبيع بعينه فقط، وإنما الخلاف إن لم يسم. وقال قوم : يرد المعيب بحصته من الثمن وذلك بالتقدير وقال به سفيان والثوري، وروى عن الشافعي القولان معا.
أما مالك فقد فرق فقال : ينظر في المعيب، فإن كان ذلك وجه الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع، وإن لم يكن وجه الصفقة رد بقيمته، أما أبو حنيفة فقد فرق تفريقا آخر وقال : إن وجد العيب قبل القبض رد الثمن، وإن وجده بعد القبض رد المعيب بحصته في الثمن.
المسألة الثانية : لو اشترى اثنان فصاعدا سلعة من واحد فوجدا عيبا فيريد أحدهما الرجوع ويأبى الآخر، فأجاب أبو محمد بن حزم الأندلسي في كتابه المحلي بالآثار أن أيهما شاء أن يرد رده وأيهما شاء أن يمسك أمسك، لأنه يعتبر صفقة كل واحد منهما غير صفقة الآخر.
ثانيا – في ضمان المبيعات :
الأصل في البيع هو الضمان، والدليل على ذلك هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن رجل ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فرده عليه، فقال البائع : يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال ((الخراج بالضمان)) ذكره أبو داوود.
فهذا أصل متفق عليه، أما اختلاف العلماء فهو في البيع بشرط البراءة، وصورته أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم، واختلف العلماء في ذلك فقال أبو حنيفة : يجوز البيع بالبراءة من كل عيب سواء علمه البائع أو لم يعلمه، سماه أو لم يسمه، أبصره أو لم يبصره، وقال الشافعي في أشهر قوليه وهو المنصور عند أصحابه لا يبرأ البائع إلا في عيب يريه للمشتري.
ولمالك ثلاثة أقوال : أحدهما –هو الذي ذكرنا أنه المجتمع عليه عندهم، وهو مثل قول الشافعي حرفا حرفا، وهو قوله في الموطأ.
ثانيهما : أنه لا يبرأ بذلك إلا في الرقيق خاصة، فيبرأ مما لم يعلم، ولا يبرأ مما علم فكتم، وإنما في سائر الحيوان وغير الحيوان، فلا يبرأ به من عيب أصلا.
والثالث : وهو الذي رجع إليه، وهو أنه لا ينتفع بالبراءة إلا في ثلاثة أشياء فقط:
1 – بيع السلطان للمغنم، أو على مفلس
2 – العيب الخفيف خاصة في الرقيق لكل أحد
3 – فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة.
وذهب بعض المتقدمين، منهم : عطاء، وشريح، إلى أنه لا يبرأ أحد وإن باع البراءة، إلا من عيب بينه ووضع يده عليه.
ثالثا - في تابعات المبيعات :
سنكتفي بذكر أهم المسائل شهرة في هذا الباب وهي بيع النخيل وفيها الثمر في متى يتبع الأصل ومتى لا يتبعه ؟
جمهور الفقهاء على أن من باع نخلا فيها ثمر قبل أن يؤبر فإن الثمر للمشتري وإذا كان البيع بعد الإبار فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، والثمار كلها في هذا المعنى أي معنى النخيل، وهذا أكله لثبوت حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع". والإبار عند الفقهاء ان يجعل طلع ذكور النخل في طلع إناثها، وفي سائر الشجر أن تنور وتعقد.
رابعا : إذا اتفق المتبايعان على البيع واختلفا في مقدار الثمن ولم تكن هناك بينة : ففقهاء الأمصار متفقون على أنهما يتحالفان ويتفاسخان بالجملة ومختلفون في التفصيل، أعني في الوقت الذي يحكم فيه بالإيمان والتفاسخ، فقال أبو حنيفة : أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم تفت عين السلعة، فإن فاتت فالقول قول المشتري مع يمينه، وقال الشافعي ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وأشهب صاحب مالك : يتحالفان في كل وقت، وأما مالك فعنه روايتان، إحداهما أنهما يتحالفان ويتفاسخان قبل القبض وبعد القبض القول قول المشتري، والرواية الثانية مثل قول أبو حنيفة.
الفقرة الثانية : بيع السلم "نموذجا"
مشروعيته : السلم مشروع في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
أما الكتاب : فقد فسرت به أية الدين : وهي قوله تعالى "يا أيها الذي آمنوا إذا تدانيتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" الآية ، قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية.
أما السنة : فما روى عن أبي عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال : "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم"‚.
أما الإجماع : فقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه عن أهل السلم على أن السلم جائز ، لأن بالناس حاجة إليه ، لأن أرباب الزروع والتجارات يحتاجون إلى النفقة على الزروع ونحوها حتى تنضج، فجوز لهم السلم دفعا للحاجة .
تعريفه :
عرفه الشافعية والحنابلة بقولهم : هو العقد على موصوف بذمة مؤجل بثمن مقبوض مجلس العقد.
أما المالكية فقد عرفوه على أنه بيع يتقدم فيه رأس المال ويتأخر المثمن لأجل‚وعرفه ابن عرفه على أنه عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير تماثل العوضين .
أما القوانين الوضعية ومنها التشريع المغربي فقد عرفه في الفصل 613 ق.ل.ع. على انه ...
شروطه : يجوز السلم بشروط، منها ما يشترك فيه الرأس المال والمسلم فيه ، ومنها ما ينفرد به رأس المال ، ومنه ما يتفرد المسلم به.
فأما الشروط المشتركة فهي :
"1" أن يكون كل واحد منهما مما يصح تملكه وبيعه تحرزا من الخمر والخنزير وغير ذلك،
"2" أن يكونا مختلفين جنسا تجوز فيه النسيئة بينها فلا يجوز تسليم الذهب والفضة أحدهما في الآخر لأن ذلك ربا ، ويجوز تسليم الذهب والفضة في الحيوانات والعروض والطعام .
ويجوز تسليم العروض بعضها في بعض وتسليم الحيوان بعضه في بعض بشرط أن تختلف فيه الأغراض والمنافع، فلا يجوز مع اتفاق الأغراض والمنافع ، لأنه يؤول إلى سلف جر منفعة.
أما الشروط التي ينفرد بها رأس المال فهو أن يكون نقدا ويجوز تأخيره لغير شرط. ويجوز بشرط ثلاثة أيام ونحوها، وذهب أبو حنيفة إلى أن من شرطه التقابض في المجلس كالصرف.
أما الشروط التي في المسلم فيه أن يكون مؤخرا إلى أجل معلوم وأقله ما تختلف فيه الأسواق كالخمسة عشر يوما ونحوها أو أن يكون القبض ببلد أخر ولا حد لأكثره إلى ما ينتهي الغرر لطوله وأجازه الشافعي على الحلول ويجوز أن يكون الأجل إلى الحصاد أو الجذاذ.
أن يكون مطلقا في الذمة فلا يجوز في شيء معين كزرع قرية بعينها.
أن يكون مما يوجد جنسه عند الأجل اتفاقا سواء وجد العقد أولم يوجد واشترط أبو حنيفة أن يوجد عند العقد والأجل.
وقد أفرد المشرع المغربي شروطا نظمها في كل من الفصول614-615-616-617 من ق.ل.ع.تتطابق إلى حدود كبيرة مع ما نظمه الفقه الإسلامي، لكن مع اختلاف بسيط ضمن في الفقرة الثانية من الفصل 613 وهو وجوب إثبات عقد السلم كتابة، وهو شرط إثبات وليس شرط انعقاد، وهو يختلف من عقد السلم في الفقه الإسلامي لأن القاعدة العامة في التصرفات والمعاملات هي الرضائية، ولكن تطور الحياة وتداخل المعاملات وكثرتها وضعف الذمم، لذلك كان المشرع المغربي موفقا فيما نحاه من ضرورة الإثبات بالكتابة.
*أداة المسلم فيه أو تنفيذ بيع السلم.
وتوجد في نقطة فروع كثيرة، لكن نذكر منها المشهور فقط
1- اختلف الفقهاء فمن أسلم في شيء من الثمر، فلما حل الأجل تعذر تسليمه حتى عدم ذلك المسلم فيه وخرج زمانه، فقال الجمهور : إذا وقع ذلك كان المسلم بالخيار بين أن يأخذ الثمن أو يصير إلى العام المقبل، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأبو قاسم، وحجتهم أن العقد وقع على موصوف في الذمة فهو باق على أصله، وليس من شرط جوازه أن يكون من ثمار هذه السنة، وإنما هو شيء شرطه المسلم فهو في ذلك بالخيار.
وقال أشهب وهو من أصحاب مالك : ينفسخ السلم ضرورة ولا يجوز التأخير.
2- اختلف الفقهاء أيضا في الشراء برأس المال المسلم إليه شيئا بعد الإقالة بما لا يجوز قبل الإقالة، فمن الفقهاء من لم يجزه أصلا، ورأى أن الإقالة ذريعة إلى أن يجوز من ذلك ما لا يجوز به ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه، إلا أن أبي حنيفة لا يجوز مطلقا أو على الإطلاق، إذا كان عنده لا يجوز بيع السلم فيه قبل القبض على الإطلاق، ومالك يمنع ذلك في المواضيع التي بيع فيه قبل القبض، ومن الفقهاء من أجازه، وبه قال الشافعي والثورى : وحجتهم أن بالإقالة قد ملك رأس ماله، فإذا ملكه جاز أن يشتري به ما أحب، والظن الردئ بالمسلمين غير جائز.
المطلب الثاني : الأحكام العامة للبيوع غير الصحيحة وبيع الغرر "نموذج"
الفقرة الأولى : الأحكام العامة للبيوع غير الصحيحة
فعقد البيع من حيث حكمة أو وصفه الذي يعطيه الشارع له، بناء على مقدار استيفائه لأركانه وشروطه، يتقسم عند جمهور الفقهاء إلى صحيح وغير صحيح، فالصحيح هو ما استوفى شروطه وأركانه وغير الصحيح هو ما اختل فيه ركن من أركانه أو شرط من شروطه، ولا يترتب عليه أي أثر، ويشمل الباطل والفاسد وهما بمعنى واحد.
فالفقهاء متفقون على البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقد فيها أو نماء أو نقصان أو حوالة سوق أم حكمها الرد، أي أن يرد البائع الثمنه والمشتري المتمون واختلفوا إذا قبضت وتصرف فيها بعتق أو بيع أو رهن أو غير ذلك من سائر التصرفات هل ذلك فوت يوجب القيمة، وكذلك إذا نمت أو نقصت فقال الشافعي، ليس ذلك كله فوتا ولا شبهة ملك في البيع الفاسد وأن الواجب الرد.
وقال مالك كل ذلك فوتا يوجب القيمة إلا ما روى عنه ابن وهب ليس بفوت، وربما صح عنه بعض البيوع الفاسدة لخفة الكراهة في ذلك، ومثله قال أبو حنيفة.
فالشافعية تشبه المبيع الفاسد بمكان الربا والغرر بالفاسد بمكان التحريم عينه كبيع الخمر والخنزير فليس عندهم فيه فوت.
واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبض، أي شرط السلف، هل يصح البيع أم لا ؟ فقال أبو حنيفة والشافعي : البيع مفسوخ ، وقال مالك وأصحابه : البيع غير مفسوخ، إلا أن عبد الحكم فال : البيع مفسوخ .وقد روى من مالك مثل قول الجمهور.
وحجة الجمهور أن النهي يتضمن فساد المنهي فإذا انعقد البيع فاسدا لم يصححه بعد رفع الشرط الذي من قبله وقع الفساد، كما أن رفع السبب المفسد في المحسوسات بعد فساد الشيء ليس يقتضي عودة الشيء إلى ما كان عليه قبل الفساد من الوجود فاعلمه.
وروى أن محمد بن احمد بن سهل البرمكي سأل عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق المالكي فقال له: ما الفرق بين السلف والبيع وبين رجل باع غلاما بمائة دينار وزق خمر، فلما انعقد البيع بينهما قال: أنا أدع الزق، وهذا البيع مفسوخ من العلماء بإجماع، فوجب أن يكون السلف كذلك.
الفقرة الثانية: بيع الغرر "نموذجا"
الغرر في اللغة: هي الخطر، والتغرير، وأصل الغرر لغة: هو ماله ظاهر محبوب، وباطن مكروه، ولذلك سميت الدنيا متاع الغرور.
أما الغرر في اصطلاح الفقهاء : لقد ذكر فقهاء المذاهب تعريفات للغرر متقاربة نسبيا بينها‚.
فقال السرخسي الحنفي: الغرر ما يكون مستور العاقبة.
وقال القرافي المالكي في كتابه "الفروق" الجزء الثاني، ص 285 أصل الغرر: ما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته.
وقال الشيرازي الشافعي: في كتابه المهذب، الجزء 1 ص262 أن الغرر هو ما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته.
أما ابن تميمة فقال في كتابه مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تميمة أن الغرر هو المجهول العاقبة.
حكم بيع الغرر:
السنة فما روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم" نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر. رواه الجماعة إلا البخاري".
وعن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر" رواه أحمد.
وقال الإمام النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من الأصول يدخل تحته مسائل كثيرة جدا، ويستثنى من الغرر أمران :
أحدهما : ما يدخل في المبيع تبعا، بحيث لو أفرد، لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعا للبناء.
الثاني : ما يتسامح بمثل العادة، إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه كدخول الحمام بالأجر.
وقد اتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرض، مثل بيع اللبن في الضرع، والسمك في الماء، والطير في الهواء قبل صيدهما، وبيع ما للغير على أن يشتريه فيسلمه والدليل ما روي عن حكم ابن حزام قال : "قلت يا رسول الله (صلى) يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق، فقال رسول الله (صلى) : "لا تبع ما ليس عندك""، رواه الخمسة.
ومن البيع غير الصحيحة بسبب الغرر المزابنة : وهو بيع الرطب أو العنب على النخل بثمر مقطوع، أو زبيب مثل كيله خرصا أي بتقديره حزرا أو تخمينا، وبيع المحاقلة : أي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا، لأن النبي (صلى) "نهى عن المزابنة والمحاقلة" أخرجه البخاري ومسلم، لما في ذلك من الربا لجهالة مقدار المبيع، إذ أنه كما هو معلوم يشترط التماثل حقيقة في الاموال الربوية، لكن الحاجة رخص الشافعية والحنابلة والظاهرية بيع العرايا.
v الغرر اليسير :
لقد ذكر القرافي في كتابه "الفروق" أن الغرر والجهالة ثلاثة أقسام :
ü كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء
ü قليل جائز إجماعا
ü متوسط اختلف فيه : هل يلحق بالأول أو الثاني، فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير، ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل، ولقد أجاز الحنفية ما يشتمل على غرر يسير، أما المالكية والحنابلة والشافعية فقد أجازوا مطلقا كل ما فيه غرر يسير، أو تدعو إليه الضرورة.
أما المشرع المغربي فقد نظمه في الفصول من 1092 إلى 1097 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، والملاحظة الأساسية التي يلاحظ عليه أنه قد قصر عقود الغرر على المراهنة والمقامرة فقط وأفرد لهما حكم البطلان المطلق، ويتبين أن حكمهما مأخوذ من الشريعة الإسلامية لاشتراكهما في نفس العلة وهي الجهالة.