منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


avatar

djoudi hachemi

عضو متميز
رقم العضوية :
2696
البلد/ المدينة :
setif
المُسَــاهَمَـاتْ :
1665
نقاط التميز :
2554
التَـــسْجِيلْ :
07/10/2010
اسأل نفسك بجرأة.. لمن تعمل؟

اسأل نفسك بجرأة.. لمن تعمل؟

الإخلاص هو أن تحدد وجهة العمل الحقيقية
وسط ذلك الزحام الذي يصمّ الآذان ينسى المرء نفسه في دوامة الحياة ومشاكلها، ولا يجلس مع نفسه جلسة صادقة -دون رتوش أو "تزويق" أو ادّعاء- يعرّيها من أوهامها وأكاذيبها، ويسأل نفسه، من هو؟ ولماذا خُلِق، وإلى أين يمضي؟

والسؤال الطبيعي الذي سيخرج به من هذه الجلسة -والذي يحتاج لإجابة صادقة تماماً- هل هو مخلص النية في عمله، ولمن يعمل أصلا؟

هل يعمل لنفسه، أم للناس، أم لله؟

الإخلاص.. روح الأعمال وسرّ قبولها عند الله، وبعضنا يعرف قصة أبي حامد الغزالي، والذي طلب منه أحدهم أن يوصيه قبل وفاته، فقال له: "عليك بالإخلاص.. عليك بالإخلاص".

فما زال يرددها حتى مات!

لكن.. لماذا الإخلاص تحديداً؟

ما الذي يتميز به، ولمَ يعتبر روح العبادة، والمقصد الأساسي منها؟

الإخلاص -بدايةً- هو أن تحدد وجهة العمل الحقيقية.

فلو كنت تعمل من أجل الناس فسيهمّك أن ترى نظرات الرضا في عيونهم، وتسمع كلمات المديح والإطراء لشخصك، وربما تقوم مؤسسة ما بإعطائك جائزة قيمة، ينشرح بها صدرك، وتقبل بها على العمل أكثر وأكثر بجدّ وتفانٍ.

لا بأس.. والإنسان يفرح بالتكريم، ويثلج صدره، ويزيل من على لسانه طعم المرارة.. هل من أحد يحبّ الجحود والنكران؟

لا أعتقد..

لكن على مستوى آخر.. فهناك أفق أعلى وأسمى...

فليس كل البشر يتّصف بالوفاء، وليس كل البشر يعطون الناس حقوقهم، وحتى لو فعلوا فإن التكريم محدود، يأخذ فترة قصيرة من الزمن، ثم يهوي إلى مجاهل النسيان.. لهذا فإن محاولة أن تكون في بؤرة الضوء، وأن تذكّر الناس بعملك من أجل أن تُكّرم وتأخذ حقك عملية مرهقة جداً...

ولا بأس أيضاً.. فالحياة تعب وكبد، وتحتاج لمثابرة ومجاهدة.. ولكل شيء ثمن..

لكن...

لماذا لا تحدد وجهتك، ولماذا لا يكون الله هو مقصدك وسبيلك؟

إنك إن نزعت من قلبك كل شريك لله، فلا الناس، ولا مديحهم وكلامهم المعسول، ولا تكريمهم مهما بلغ عظمه يعنيك في شيء.. المهم أن يرضى الله عنك، وأن يكون عملك لله خالصاً من كل شائبة، وصافياً من كل شبهة..

إنك إن فعلت هذا ضمنت أن تأخذ أجرك كاملاً غير منقوص، وفضل الله من بعد ذلك لا يبلغ مداه أحد، ولا يصل لحدوده تفكير العقل..

لا بد أن تعرف -أخي الكريم- أن الإخلاص هو نسيج العبادة وروحها؛ لأن الله أغنى الشركاء عن الشرك، وعندما يقوم الناس لرب العالمين سيُطلب من المرائين والمشركين -في أعمالهم- أن يأخذوا أجرهم ممن أشركوا في عملهم هذا.. فهناك الله.. وهناك المجتمع والناس... إلخ.

والله أغنى الشركاء عن ذلك، وستكون هناك الحسرة مضاعفة؛ فلا المرائي نال أجراً من الله، أو ممن أشرك معه، بالإضافة إلا أنه سيرى أن الإخلاص ثوابه العظيم والكبير سيكون حسرة في قلب كل من أتت له فرصة أن يتخلق به ولم يفعل.

إن الله -كما قال العلامة محمد الغزالي عن الإخلاص في كتابه النافع الماتع "خلق المسلم- يقبل نصف العمل، لكنه لا يقبل نصف النية.

بمعنى -والله تعالى أعلم- أنك قد يكون عندك قدر وطاقة أن تصلي عشرين ركعة تهجداً، لكنك تصلي عشرة فقط، ونيتك أنك تفعل هذا لله خالصاً لوجهه الكريم، فهذا هو نصف العمل، وهو مقبول إن شاء الله.

لكن إن صلّيت عشرة أو عشرين، وأشركت مع الله؛ بمعنى أن تحبّ أن يراك أحد البشر فيبدي إعجابه بك، ويمدح تقواك، فإن عملك مردود عليك!

ومع الأسف فإن البعض يفعلون هذا فعلا؛ فترى أحدهم في المسجد يطيل ركوعه وسجوده، لكن ربما يعود للبيت فيصلي بسرعة ينقر صلاته نقر الديك!

ويوم القيامة عندما تنكشف الحقائق، وتبرز الخفايا نرى الرجل الذي قُتل في معركة يسأله الله عن جهاده، فيقول بأنه فعل هذا من أجل الله، ودفاعاً عن دينه، فيكذبه الله بأنه فعل هذا من أجل أن يُقال شجاع، وقد قيل، ويُلقى به في النار!

ويؤتى بالرجل يُسأل عن العلم، فيقول بأنه فعل هذا من أجل الله، فيُكذّب بأنه فعل هذا من أجل أن يُقال عالم، وقد قيل، ويُلقى به في النار.

وهكذا...

الأمر إذن خطير، ولا يحتمل التهاون أو الخذلان.

الإخلاص قد يكون في الأمور التي نفعلها في حياتنا بشكل تقليدي؛ فإنك إن تزوّجت حتى تحصّن فرجك، وتغضّ بصرك، جُعل هذا في ميزان حسناتك.

وإنك إن عملت بجدّ واجتهاد حتى تعول أسرتك، وتحميهم من الحرام، فهذا في ميزان حسناتك.

كل فعل صغير إن قصدت به وجه الله، وجعلته وجهتك ومبتغاك فأنت مأجور عليه بإذن الله.

فتّش في قلبك عن مقصدك ولمن تعمل، وجاهد ليكن وجه الله هو غايتك؛ فعند الله الأجر العظيم، ولا تضيع عنده الأعمال مهما صغرت.

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [سورة الأنبياء].
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى