Jalili
عضو جديد
- البلد/ المدينة :
- Kufur Yasif
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 32
- نقاط التميز :
- 128
- التَـــسْجِيلْ :
- 28/06/2011
نحو بناء تربية لغوية عربية شمولية
عرض ومراجعة
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
كُتيّب ذو ستّ وأربعين صفحة، يحمل هذا العُنوان بقلم الأستاذ محمد أمارة، صدر مؤخراً عن الكلية الأكاديمية بيت بيرل، المعهد الأكاديمي العربي للتربية، الينبوع-مركز أبحاث اللغة، التربية والثقافة في المجتمع العربي في إسرائيل. مساهمة الأستاذ أمارة في هذا المجال، الوضع اللغوي للأقلية العربية الفلسطينية في البلاد معروفة حتى للقاصي. وصلتني في هذه الأيام نسخة من هذه الورقة، كان صديقي الدكتور علي وتد، رئيس المعهد الأكاديمي العربي للتربية في بيت بيرل، قد تكرّم بإرسالها إليّ.
يحاول الكاتب في هذه الورقة وصف مكانة العربية في البلاد واقتراح الوسائل لتعزيز مكانتها وترسيخها لا سيما إزاء التحديات الجسام التي تواجهها داخليا وخارجيا. داخليا نرى وجود الازدواج اللغوي، لغة محكية من جهة ولغة معيارية من ناحية أخرى، المستوى الثقافي بل قل التعليمي المنخفض لا سيما في أوساط الأمهات وهن أولى المربيات، وخارجيا موجة العبرنة والتعبرن الكاسحة لأسباب سياسية واجتماعية ومعيشية وليس نتيجة عدم قدرة العربية العامية أو المعيارية على التعبير عن بعض الأفكار والأحاسيس. زد إلى ذلك موجة العولمة الهادرة والمتسارعة وهذا يتمّ عبر التأثير العبري قلبا وقالبا. من نافلة القول إن وضع اللغة العربية المعيارية شفويا في البلاد بائس وتعيس، فلا أهلها في غالبيتهم يسعون جدياً لإتقانها واستخدامها بشكل سليم في مجالاتها ولا حكومة بلادهم ومؤسساتها المختلفة تقدم أي عون أو دفع يقود إلى تحسين حالها، إذ أن كل شيء رسمي يتمّ التعامل معه بلغة البلاد المهيمنة، اللغة العبرية الحديثة التي بدأت تظهر كلغة محكية في أواخر القرن التاسع عشر.
الكل يعلم أن السلطات في البلاد تنظر إلى الأقلية القومية العربية الأصلانية في البلاد وتتعامل معها كمجموعة غير متناسقة من المواطنين الحاضرين الغائبين، مسلمين، مسيحيين، دروز، بدو. وانطلاقا من البديهية القائلة بأن اللغة، أية لغة آدمية طبيعية، ما هي إلا رمز الثقافة والكيان والهوية القومية لناطقيها، وعليه فكل المؤسسات الإسرائيلية اليهودية في البلاد التي لا تعترف بالوجود العربي القومي الجمعي تسعى دوما وبمنهجية من أجل إخماد جذوة اللغة وجعلها أداة تواصل اجتماعي فقط. من الصعب حقّاً تفهّم سياسة حكومة تنوي، كما تدّعي، إبرام اتفاقيات سلام مع جاراتها في حين تعاملها غير الديمقراطي لا بل المجحف مع خُمس سكّانها واختفاء العربية في الفضاء العام في البلاد.
يقدم الأستاذ أمارة بعد شرحه للخلفية اللغوية السائدة في البلاد مقترحاتٍ ذات بال كثيرة من أجل إحياء العربية المعيارية وتطويرها وتعزيزها وحبذا لو فرّق المؤلف بين نمطي العربية الرئيسين، المعيارية والمحكية (وقعت بعض الهفوات اللغوية وغيرها مثل ص. ٧ ملحوظة ١؛ ص. ١٠: ادعاء البعض أن العربية المعيارية لا تصلح علميا وأنها متخلفة بعيد عن أسس اللسانيات إذ لا وجود للغة “راقية” وأخرى “متخلفة” وكان لا بد من الإشارة الواضحة لذلك؛ ١١ ملحوظة ٧؛ ١٢؛ ١٥؛ ١٨؛ ٢٠؛ “فإسرائيل، التي أحيت العبرية منذ سنوات ص. ٢٠-٢١؛ ٢٣؛ ٢٧؛ حبذا لو استبدلنا لفظة ”لقب” الشائعة في أوساطنا العربية بمفردة “شهادة” أنظر مثلا ص. ٣٦؛) وشرح للقارىء ولو باختصار ما المقصود من “لغة عملية ونفعيّة” (ص. ٣٨). أميل إلى الاعتقاد أن فهم القاعدة اللغوية يؤدي إلى حفظها وتذويتها بالممارسة وليس العكس صحيحا، كما أنني لا أرى صعوبة كبيرة في الإملاء اللهم باستثناء مكان كتابة الهمزة وقضية الحروف الشمسية والحروف القمرية وأل التعريف، العربية لغة فونيطيقية لحد بعيد جدا كالفنلندية في هذه الجزئية (أنظر ص. ٢٠).
هذا يذكّرني مثلا بالقانون الفنلندي القاضي بوجوب إثبات معرفة جيدة للغة الفنلندية من قبل كل أجنبي ينوي الحصول على الجنسية الفنلندية، وهذه المعرفة تتجلّى في اجتياز امتحان رسمي طويل ومفصّل يضمّ صرف اللغة ونحوها ومعجمها العامي والفصيح.
لا ريب أن أهمّ عامل لتحقيق هذه الغاية هو المعلّم، حامل رسالة التربية والتعليم. هذا النمط اللغوي ليس في حالة صحّية جيّدة، إذ أنّ تأثير العبرية والعربية المحكية بلهجاتها، المدنية والفلاحية والبدوية طاغٍ عليه. أضف إلى ذلك نفور قسم كبير جداً من الطلاب العرب الثانويين من موضوع العربية وخصوصاً القواعد واختيارهم مثلا ثلاث وحدات في امتحانات البجروت بدلاً من أربع أو خمس وحدات. يبدو لي أن ذلك النفور سببه في الأساس أساليب تعليمية تقليدية تلقينية عفا عليها الدهر (قارن ص. ٢٦). أضف إلى ذلك قلة المحفزّات في تعلّم العربية المعيارية في البلاد، إذ أن كل المواضيع الجامعية العلمية أو الأدبية تتطلب إجادة اللغة العبرية، إذ بدون ذلك لا يقبل الطالب الراغب في الالتحاق بالجامعة. قَبول الطالب لقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعات الإسرائيلية أيضا يتطلب إجادة العبرية أولا. هذا يذكّرني بما قاله أحد أساتذتي في قسم اللغة العبرية في جامعة القدس قبل أربعة عقود ونيف. “ألا تعرفون أن أهم اللغات السامية هي الألمانية”؟ كان ذلك في حلقة دراسية للماجستير، سيمينار، وطلب منا نحن الطلاب قراءة مقال بالألمانية حول الدراسات السامية المقارنة لتتم مناقشته في خلال اللقاء الأسبوعي. عندما تبين للأستاذ جهل جميعنا آنذاك بالألمانية قال قولته “وسحب حاله” وغادر غرفة التدريس.
وضع العربي في البلاد صعب جدا من الناحية العملية فإذا أراد أن يدرس الهندسة على أنواعها، الطب، المحاماة، العلوم، التمريض وحتى اللغة العربية، كما أسلفنا، عليه أولا أن يتقن بشكل مرض اللغة العبرية حديثا وقراءة وكتابة. الخوف كل الخوف أن تصبح العربية المعيارية لغة الدين فقط في الجامع والكنيسة بالنسبة لمعظم عرب البلاد بعد قرن من الزمان مثلا. أشير مثلا إلا أن نسبة العربية على الشبكة العنكبوتية لا تتعدى 0.4% بالرغم من وجود أكثر من ٤٢٠ مليونا من العرب. أما بصدد اللغة المحكية فمصيرها لن يكون باهرا كذلك إذا ما استمرّت في طريقها الحالي المتسارع في التآكل نحو الانبطاح أمام التعبرن والعبرنة والتأسرل منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا. تعكس هذه الظاهرة اللغوية لدى عرب البلاد أزمة هوية واضحة المعالم وتزداد حدّة بمرور الزمن. عندما أقول ذلك لا أعني إقحام مفردات عبرية بعد بضع كلمات عربية فحسب بل أقصد أيضا استخدام كلمات عربية بروح عبرية تصف الموقف اليهودي وبنحو عبري مثل: هذا غير مقبول عليّ، متى رأى الكتاب النور، بشكل جارف، وماذا مع الفضة، ولكن المشكلة بأل التعريف، بقرات مقدسة، القطار الخفيف، خطة إشفاء، سيارة جمع النفايات تعلو في النار في شوارع شفاعمرو، وكان اللقاء بأربع أعين، إزا بنشتغل صعب، رحنا وسكّرنا معه على …، على يد طبيب عسكري إسرائيلي الذي حدد بدوره أن إصابتهم خفيفة، نجد الرجال معرضين اكثر لمجالات التي تستوجب الرسمية، حرب الأيام الستة، حرب التحرير، طهارة السلاح. مثل هذه الاستعمالات، calque, قد يعسُر فهمُها على الإخوة العرب في الأقطار العربية الذين لا يعرفون العبرية.
أشار الأستاذ أمارة أيضا إلى بعض الاقتراحات بغية تعزيز مكانة العربية المكتوبة مثل: مشروع تعريب جماهيري (ص. ٤)؛ مساهمة الأحزاب العربية والمجتمع المدني والبلديات والمجالس العربية في تبني العربية المعيارية فعلا قبل القول في المعاملات والمراسلات (ص. ١٣)؛ دور البيت والمحيط (ص. ٢١)؛ دور المجامع اللغوية؛ تشجيع الطلاب على دراسة العربية في الجامعات (ص. ٣٦)؛ مواجهة العبرنة بسن قوانين مساعدة (ص. ٢٩). أنا شخصيا لا أومن كثيرا بمثل هذا الإجراء بالنسبة للغة فالقانون يجب أن يكون داخليا عند المرء، وازع ضمير مرهف، وهذا لا يتأتى إلا بعد عملية تربوية تراكمية طويلة. قد يكون القول بأن العربية المعيارية والعربية المحكية ليستا في “حالة صراع” صحيحا ولكن ينبغي أن يقال أن هنالك تفاعلا بينهما والصراع بين هذين النمطين اللغويين يعيشه ويقاسيه كل عربي لفترة طويلة جدا (أنظر ص. ٣٨).
أخيرا أودّ المساهمة في ذكر بعض الاقتراحات في هذا السياق:
١) محاولة تطبيق تجربة الدكتور مصطفى الدنان في تعلم العربية المعيارية الميسّرة منذ مرحلة الروضة حيث يوافق أولياء الأمور على ذلك ويتعاونون مع المربي أو المربية.
٢) أعتقد، كما كتبت في مناسبة سابقة، أنه حبذا لو تعلّم الطفل العربي اللغة العربية فقط في خلال السنوات الأربع الأولى، حتى نهاية الصف الرابع وبعد ذلك يبدأ بدراسة العبرية والإنجليزية. السيطرة على لغة الأم عامل جوهري في اكتساب لغات أخرى (قارن ما ورد في ص. ٣١ حيث يوجد خطأ بخصوص بداية تعلم الطفل العربي للعبرية).
٣) لا مندوحة من إقامة جامعة عربية في البلاد، وحتى تحقيق هذا الحلم القديم الجديد، على كليات التربية العربية الأربع في البلاد، كالمعهد الأكاديمي العربية للتربية في بيت بيرل، القيام بمهمة الجامعة ورسالتها بل وأكثر، أقصد تأهيل طالب اللغة العربية وآدابها خير تأهيل ممكن وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة شبه مفرغة. لا نذيع سرا إذا ما قلنا إن أقسام اللغة العربية وآدابها في جامعات البلاد لا تؤهل مثل هذا الكادر التدريسي المطلوب، إذ أن كل شيء في العملية التدريسية يتم بالعبرية، ترجمة من العربية للعبرية في الأساس. ينبغي على مدرسي المواد الأخرى في المدارس كالتاريخ والجغرافيا أن يكونوا على دراية جيدة بأسس قواعد العربية واستخدام نمط ميسّر من العربية المعيارية الحديثة (MSA).
٤) ضرورة متابعة النضال بغية اعتبار العربية لغة رسمية ثانية في البلاد فعلا، على أرض الواقع، لا قولا فحسب.
٥) ضرورة جمع وتوثيق التراث الشعبي الفلسطيني.
٦) حبذا لو بدأ النواب العرب في الكنيست أو بعضهم بإلقاء كلماتهم بالعربية المعيارية إذ أن استخدامهم العبرية (قد تكون أسهل للبعض) لا تقنع الأعضاء اليهود الذين لا يعرفون العربية.
يبدو لي أن سُبل حماية لغتنا العربية، لغة الإسلام العربي والمسيحية العربية، وتطويرها وإعلاء شأنها يتوقّف بالدرجة الأولى على ناطقيها إذا هم أفلحوا وتقدموا وأنتجوا وأبدعوا نمت لغتهم وتطورت وتعمقت واتسعت. وزارة التريبة والتعليم في البلاد هي بمثابة “جيش دفاع” للغة العبرية أما بالنسبة للعربية فالرسالة ملقاة أساساً على عاتق أهلها وبالدرجة الأولى على معلّمي الضاد.
عرض ومراجعة
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
كُتيّب ذو ستّ وأربعين صفحة، يحمل هذا العُنوان بقلم الأستاذ محمد أمارة، صدر مؤخراً عن الكلية الأكاديمية بيت بيرل، المعهد الأكاديمي العربي للتربية، الينبوع-مركز أبحاث اللغة، التربية والثقافة في المجتمع العربي في إسرائيل. مساهمة الأستاذ أمارة في هذا المجال، الوضع اللغوي للأقلية العربية الفلسطينية في البلاد معروفة حتى للقاصي. وصلتني في هذه الأيام نسخة من هذه الورقة، كان صديقي الدكتور علي وتد، رئيس المعهد الأكاديمي العربي للتربية في بيت بيرل، قد تكرّم بإرسالها إليّ.
يحاول الكاتب في هذه الورقة وصف مكانة العربية في البلاد واقتراح الوسائل لتعزيز مكانتها وترسيخها لا سيما إزاء التحديات الجسام التي تواجهها داخليا وخارجيا. داخليا نرى وجود الازدواج اللغوي، لغة محكية من جهة ولغة معيارية من ناحية أخرى، المستوى الثقافي بل قل التعليمي المنخفض لا سيما في أوساط الأمهات وهن أولى المربيات، وخارجيا موجة العبرنة والتعبرن الكاسحة لأسباب سياسية واجتماعية ومعيشية وليس نتيجة عدم قدرة العربية العامية أو المعيارية على التعبير عن بعض الأفكار والأحاسيس. زد إلى ذلك موجة العولمة الهادرة والمتسارعة وهذا يتمّ عبر التأثير العبري قلبا وقالبا. من نافلة القول إن وضع اللغة العربية المعيارية شفويا في البلاد بائس وتعيس، فلا أهلها في غالبيتهم يسعون جدياً لإتقانها واستخدامها بشكل سليم في مجالاتها ولا حكومة بلادهم ومؤسساتها المختلفة تقدم أي عون أو دفع يقود إلى تحسين حالها، إذ أن كل شيء رسمي يتمّ التعامل معه بلغة البلاد المهيمنة، اللغة العبرية الحديثة التي بدأت تظهر كلغة محكية في أواخر القرن التاسع عشر.
الكل يعلم أن السلطات في البلاد تنظر إلى الأقلية القومية العربية الأصلانية في البلاد وتتعامل معها كمجموعة غير متناسقة من المواطنين الحاضرين الغائبين، مسلمين، مسيحيين، دروز، بدو. وانطلاقا من البديهية القائلة بأن اللغة، أية لغة آدمية طبيعية، ما هي إلا رمز الثقافة والكيان والهوية القومية لناطقيها، وعليه فكل المؤسسات الإسرائيلية اليهودية في البلاد التي لا تعترف بالوجود العربي القومي الجمعي تسعى دوما وبمنهجية من أجل إخماد جذوة اللغة وجعلها أداة تواصل اجتماعي فقط. من الصعب حقّاً تفهّم سياسة حكومة تنوي، كما تدّعي، إبرام اتفاقيات سلام مع جاراتها في حين تعاملها غير الديمقراطي لا بل المجحف مع خُمس سكّانها واختفاء العربية في الفضاء العام في البلاد.
يقدم الأستاذ أمارة بعد شرحه للخلفية اللغوية السائدة في البلاد مقترحاتٍ ذات بال كثيرة من أجل إحياء العربية المعيارية وتطويرها وتعزيزها وحبذا لو فرّق المؤلف بين نمطي العربية الرئيسين، المعيارية والمحكية (وقعت بعض الهفوات اللغوية وغيرها مثل ص. ٧ ملحوظة ١؛ ص. ١٠: ادعاء البعض أن العربية المعيارية لا تصلح علميا وأنها متخلفة بعيد عن أسس اللسانيات إذ لا وجود للغة “راقية” وأخرى “متخلفة” وكان لا بد من الإشارة الواضحة لذلك؛ ١١ ملحوظة ٧؛ ١٢؛ ١٥؛ ١٨؛ ٢٠؛ “فإسرائيل، التي أحيت العبرية منذ سنوات ص. ٢٠-٢١؛ ٢٣؛ ٢٧؛ حبذا لو استبدلنا لفظة ”لقب” الشائعة في أوساطنا العربية بمفردة “شهادة” أنظر مثلا ص. ٣٦؛) وشرح للقارىء ولو باختصار ما المقصود من “لغة عملية ونفعيّة” (ص. ٣٨). أميل إلى الاعتقاد أن فهم القاعدة اللغوية يؤدي إلى حفظها وتذويتها بالممارسة وليس العكس صحيحا، كما أنني لا أرى صعوبة كبيرة في الإملاء اللهم باستثناء مكان كتابة الهمزة وقضية الحروف الشمسية والحروف القمرية وأل التعريف، العربية لغة فونيطيقية لحد بعيد جدا كالفنلندية في هذه الجزئية (أنظر ص. ٢٠).
هذا يذكّرني مثلا بالقانون الفنلندي القاضي بوجوب إثبات معرفة جيدة للغة الفنلندية من قبل كل أجنبي ينوي الحصول على الجنسية الفنلندية، وهذه المعرفة تتجلّى في اجتياز امتحان رسمي طويل ومفصّل يضمّ صرف اللغة ونحوها ومعجمها العامي والفصيح.
لا ريب أن أهمّ عامل لتحقيق هذه الغاية هو المعلّم، حامل رسالة التربية والتعليم. هذا النمط اللغوي ليس في حالة صحّية جيّدة، إذ أنّ تأثير العبرية والعربية المحكية بلهجاتها، المدنية والفلاحية والبدوية طاغٍ عليه. أضف إلى ذلك نفور قسم كبير جداً من الطلاب العرب الثانويين من موضوع العربية وخصوصاً القواعد واختيارهم مثلا ثلاث وحدات في امتحانات البجروت بدلاً من أربع أو خمس وحدات. يبدو لي أن ذلك النفور سببه في الأساس أساليب تعليمية تقليدية تلقينية عفا عليها الدهر (قارن ص. ٢٦). أضف إلى ذلك قلة المحفزّات في تعلّم العربية المعيارية في البلاد، إذ أن كل المواضيع الجامعية العلمية أو الأدبية تتطلب إجادة اللغة العبرية، إذ بدون ذلك لا يقبل الطالب الراغب في الالتحاق بالجامعة. قَبول الطالب لقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعات الإسرائيلية أيضا يتطلب إجادة العبرية أولا. هذا يذكّرني بما قاله أحد أساتذتي في قسم اللغة العبرية في جامعة القدس قبل أربعة عقود ونيف. “ألا تعرفون أن أهم اللغات السامية هي الألمانية”؟ كان ذلك في حلقة دراسية للماجستير، سيمينار، وطلب منا نحن الطلاب قراءة مقال بالألمانية حول الدراسات السامية المقارنة لتتم مناقشته في خلال اللقاء الأسبوعي. عندما تبين للأستاذ جهل جميعنا آنذاك بالألمانية قال قولته “وسحب حاله” وغادر غرفة التدريس.
وضع العربي في البلاد صعب جدا من الناحية العملية فإذا أراد أن يدرس الهندسة على أنواعها، الطب، المحاماة، العلوم، التمريض وحتى اللغة العربية، كما أسلفنا، عليه أولا أن يتقن بشكل مرض اللغة العبرية حديثا وقراءة وكتابة. الخوف كل الخوف أن تصبح العربية المعيارية لغة الدين فقط في الجامع والكنيسة بالنسبة لمعظم عرب البلاد بعد قرن من الزمان مثلا. أشير مثلا إلا أن نسبة العربية على الشبكة العنكبوتية لا تتعدى 0.4% بالرغم من وجود أكثر من ٤٢٠ مليونا من العرب. أما بصدد اللغة المحكية فمصيرها لن يكون باهرا كذلك إذا ما استمرّت في طريقها الحالي المتسارع في التآكل نحو الانبطاح أمام التعبرن والعبرنة والتأسرل منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا. تعكس هذه الظاهرة اللغوية لدى عرب البلاد أزمة هوية واضحة المعالم وتزداد حدّة بمرور الزمن. عندما أقول ذلك لا أعني إقحام مفردات عبرية بعد بضع كلمات عربية فحسب بل أقصد أيضا استخدام كلمات عربية بروح عبرية تصف الموقف اليهودي وبنحو عبري مثل: هذا غير مقبول عليّ، متى رأى الكتاب النور، بشكل جارف، وماذا مع الفضة، ولكن المشكلة بأل التعريف، بقرات مقدسة، القطار الخفيف، خطة إشفاء، سيارة جمع النفايات تعلو في النار في شوارع شفاعمرو، وكان اللقاء بأربع أعين، إزا بنشتغل صعب، رحنا وسكّرنا معه على …، على يد طبيب عسكري إسرائيلي الذي حدد بدوره أن إصابتهم خفيفة، نجد الرجال معرضين اكثر لمجالات التي تستوجب الرسمية، حرب الأيام الستة، حرب التحرير، طهارة السلاح. مثل هذه الاستعمالات، calque, قد يعسُر فهمُها على الإخوة العرب في الأقطار العربية الذين لا يعرفون العبرية.
أشار الأستاذ أمارة أيضا إلى بعض الاقتراحات بغية تعزيز مكانة العربية المكتوبة مثل: مشروع تعريب جماهيري (ص. ٤)؛ مساهمة الأحزاب العربية والمجتمع المدني والبلديات والمجالس العربية في تبني العربية المعيارية فعلا قبل القول في المعاملات والمراسلات (ص. ١٣)؛ دور البيت والمحيط (ص. ٢١)؛ دور المجامع اللغوية؛ تشجيع الطلاب على دراسة العربية في الجامعات (ص. ٣٦)؛ مواجهة العبرنة بسن قوانين مساعدة (ص. ٢٩). أنا شخصيا لا أومن كثيرا بمثل هذا الإجراء بالنسبة للغة فالقانون يجب أن يكون داخليا عند المرء، وازع ضمير مرهف، وهذا لا يتأتى إلا بعد عملية تربوية تراكمية طويلة. قد يكون القول بأن العربية المعيارية والعربية المحكية ليستا في “حالة صراع” صحيحا ولكن ينبغي أن يقال أن هنالك تفاعلا بينهما والصراع بين هذين النمطين اللغويين يعيشه ويقاسيه كل عربي لفترة طويلة جدا (أنظر ص. ٣٨).
أخيرا أودّ المساهمة في ذكر بعض الاقتراحات في هذا السياق:
١) محاولة تطبيق تجربة الدكتور مصطفى الدنان في تعلم العربية المعيارية الميسّرة منذ مرحلة الروضة حيث يوافق أولياء الأمور على ذلك ويتعاونون مع المربي أو المربية.
٢) أعتقد، كما كتبت في مناسبة سابقة، أنه حبذا لو تعلّم الطفل العربي اللغة العربية فقط في خلال السنوات الأربع الأولى، حتى نهاية الصف الرابع وبعد ذلك يبدأ بدراسة العبرية والإنجليزية. السيطرة على لغة الأم عامل جوهري في اكتساب لغات أخرى (قارن ما ورد في ص. ٣١ حيث يوجد خطأ بخصوص بداية تعلم الطفل العربي للعبرية).
٣) لا مندوحة من إقامة جامعة عربية في البلاد، وحتى تحقيق هذا الحلم القديم الجديد، على كليات التربية العربية الأربع في البلاد، كالمعهد الأكاديمي العربية للتربية في بيت بيرل، القيام بمهمة الجامعة ورسالتها بل وأكثر، أقصد تأهيل طالب اللغة العربية وآدابها خير تأهيل ممكن وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة شبه مفرغة. لا نذيع سرا إذا ما قلنا إن أقسام اللغة العربية وآدابها في جامعات البلاد لا تؤهل مثل هذا الكادر التدريسي المطلوب، إذ أن كل شيء في العملية التدريسية يتم بالعبرية، ترجمة من العربية للعبرية في الأساس. ينبغي على مدرسي المواد الأخرى في المدارس كالتاريخ والجغرافيا أن يكونوا على دراية جيدة بأسس قواعد العربية واستخدام نمط ميسّر من العربية المعيارية الحديثة (MSA).
٤) ضرورة متابعة النضال بغية اعتبار العربية لغة رسمية ثانية في البلاد فعلا، على أرض الواقع، لا قولا فحسب.
٥) ضرورة جمع وتوثيق التراث الشعبي الفلسطيني.
٦) حبذا لو بدأ النواب العرب في الكنيست أو بعضهم بإلقاء كلماتهم بالعربية المعيارية إذ أن استخدامهم العبرية (قد تكون أسهل للبعض) لا تقنع الأعضاء اليهود الذين لا يعرفون العربية.
يبدو لي أن سُبل حماية لغتنا العربية، لغة الإسلام العربي والمسيحية العربية، وتطويرها وإعلاء شأنها يتوقّف بالدرجة الأولى على ناطقيها إذا هم أفلحوا وتقدموا وأنتجوا وأبدعوا نمت لغتهم وتطورت وتعمقت واتسعت. وزارة التريبة والتعليم في البلاد هي بمثابة “جيش دفاع” للغة العبرية أما بالنسبة للعربية فالرسالة ملقاة أساساً على عاتق أهلها وبالدرجة الأولى على معلّمي الضاد.