منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


جلال الدين النوري

جلال الدين النوري

عضو مساهم
البلد/ المدينة :
تنس
العَمَــــــــــلْ :
عامل حرفي
المُسَــاهَمَـاتْ :
69
نقاط التميز :
233
التَـــسْجِيلْ :
11/09/2013
رغم أن هذا العصر قد نقل الإنسان إلى دائرة المادة واللهاث وراء اللقمة المغموسة بالعرق، فإن الكثيرين يبحثون عن مكاسبهم الخاصة عن طريق الاحتيال والأنانية والرياء والنفاق..
وظاهرة ارتكاب الأخطاء وربما الجرائم، بسرعة مغلفة بالتظاهر بالصدق، والاهتمام بالناس، أصبحت ظاهرة عامة لدى العديد من الناس..
فكثيراً ماتجد أن الإنسان يكلمك بلسان بجمل منمقة، وفي داخله يقطر السم..  إنه يرائي والمراءاة هي لغة العصر.. بدأت من المجاملة التي تطورت للتحول إلى النفاق، نفاق خبيث ينزل بالإنسان إلى أحط أوضاعه..
وحين يهتز الإنسان لدى حدوث مصيبة كبيرة في حياته، فإنه يعود لوعيه قليلاً، ولكن هذا الوعي يزول بابتعاد آثار المصيبة عنه مع الزمن، فيعود إلى أنانيته ونرجسيته..
 ولكن المصائب الكبيرة.. قد تعيد الإنسان إلى وعيه وإنسانيته بشكل كامل، خاصة إذا كانت هذه المصيبة تجربة موت، مباشرة يتوقف فيها القلب..
  وخلال هذه الفترة التي لاتتجاوز الدقائق يرى الإنسان شريط حياته المسجل بدقة، بكل أفراحه وأتراحه، بخيره وشره، وحين يعود إلى الحياة، قد يغير الكثير من منهجه في الحياة، ويصبح كائناً خيراً آخر..
(1)
حين تهيأت للشيخ (أكرم البليوني)  صورة امرأته التي ماتت أمامه قبل سنتين أحس بالرجفة تسري في عروقه وتخيل هذا الموت شبحاً مرعباً له أظافر طويلة وشعر منتفش، ولحية مخيفة ووجه متعفن.. وتخيل أن في فمه نابين طويلين ملمعين..
  لم يستطع كتم خوفه من تلك الصورة فأخذ يقرأ في قلبه بعض السور الكريمة، وهو يدعو الله أن يرضى عنه فلقد ارتكب آثاماً كثيرة في حياته..
 كان الشيخ أكرم يعيش في قرية كبيرة تربض على سفح جبل، وكان معروفاً بقوته ومركزه بين سكان القرية وسكان القرى المجاورة.. وكان الفلاحون يخافون منه ويلجؤون لاستشارته وعونه حين يحاصرون بالمشاكل المعقدة..
  وكان كثيراً مايتقاضى حتى مبالغ باهظة ترهق كاهل الفلاح، بحجة أنها لأولي الأمر الذين يتوسطهم لحل المشكلة..
  والذي رآه الشيخ (أكرم) الذي يقارب عمره الخامسة والستين، كان شيئاً خارقاً مدهشاً حول حياته بعد ذلك في اتجاه آخر..
  بدأت قصته إذن، وهو يشعر بالموت يدب في أوصاله، وقد تخيل ملك الموت يقترب منه.. وهو يسمع صوت تابعه عبد المولى يحكي للناس عن معجزات سيده..
- إنه رجل عظيم، قدم الكثير للناس، سوف نبني له (مقاماً) ضخماً يحج إليه الناس،  وأنا واثق أن زواره سيكونون أكثر من أن تستوعبهم قريتنا..
- (( هذا المنافق الخبيث، سيظل ينفض علي ركودي واستغفاري لذنوبي.. ياإلهي))
- آه ماذا أقول لكم؟  معجزاته كثيرة، وقد رأيت الكثير منها..
- حدثنا ياسيدي عن شجرة التين التي أثمرت في غير أوانها؟
- أقسم لكم أيها المستمعون الأعزاء، أنني شهدت في ذلك اليوم ماجعل شعر رأسي يقف منتصباً وماجعل عيني هاتين اللتين سيأكلهما الدود بعد موتي، تجحظان في ذعر..
- حدثنا عن ذلك.. حدثنا..
أخذ الشيخ يتأوه :  ((  آه ياعبد المولى، لماذا تتابع تعذيبي بأكاذيبك لماذا؟  أرحني من ذلك))
- إن شيخنا يتأوه..
-       إنه راض عنك ياعبد المولى، اسمعنا ماجرى مع شجرة التين..
-  عافاك الله ياسيدي أكرم.. هه.. سأحكي لكم أيها الناس ماجرى بالتفصيل.. كانت معجزة كبيرة.. تجمع عدد من الصبية حول جذع الشجرة الكبيرة في ضاحية القرية تعرفون شجرة التين تلك.. وبدأت سكاكينهم تشق قشرتها، فتدفق السائل الحليبي الأبيض كأنه دموع الشجرة التعيسة تستغيث من هؤلاء الأنذال.. اقترب شيخنا منهم ملهوفاً..
-       ابتعدوا يا أولاد ماذا تفعلون مع هذه الشجرة المباركة؟ حرام ياأبنائي..
-       ومادخلك أنت اتركنا نلعب، هل أنت تملك هذه الشجرة.؟
-       لا.. لست أملكها يابني ولكن حرام.. أنتم تقتلونها..
-       نحن نكتب أسماءنا على ساقها الضخم.. هذا لن يؤثر عليها..
-       ابتعدوا قلت لكم.. أنتم تقشرون ساقها..
-       لن نبتعد..
-       بل ستبتعدون وإلا استخدمت هذه العصا..
-       سيستخدم عكازته..
-       وسأضربكم بها إذا لم تبتعدوا عن الشجرة..
لحقهم فعلاً وهو يلوح بعكازته:
-       ابتعدوا أيها الملاعين.. واسمعوا مايقوله لكم..
-       ها.. الحقنا إذا استطعت..
-       سأضربك أيها الخبيث..
-       لنبتعد عنه، إنه يملك عصا طويلة.. هيا..
تقدم الشيخ من الشجرة، بعدما أبعد الأولاد مستخدماً عصاه وبدأ يتكلم إليها بعبارات حانية
-       لاتتألمي يامباركة، أقسمت عليك بحق خالقك أن تعودي إلى صفاءك ونضارتك كما كنت..
×           ×             ×
-       آه.. ماذا أقول لكم أيها الأخوان..
-       ماذا حدث ياسيدي؟
-  اهتزت الشجرة عندها وبدأت تتمايل في خشوع، مدت غصناً من أغصانها حتى تلامس قدم الشيخ فقبله بقدمه الشريف ورأيت عندها المعجزة التي كادت تطيح ببرود أعصابي..
-       ماذا حدث ياسيدي؟
-       امتد طرف الغصن الذي كسره الأولاد والتأم ثم أزهر وكبرت الثمرة..
-       ماشاء الله..
-  وماهي إلا لحظات حتى امتدت ثمار شهية ناضجة يقطر منها العسل.. تلقف الشيخ التقي إحداها ووضعها في فمه وأخذ يأكل وناداني..
-       ((  تعال ياعبد المولى وذق هذه الثمار الشهية التي أنعم الله بها علينا من هذه الشجرة المباركة)).
-       كان الوقت في أوائل الربيع ولم يكن أي من الناس يحلم بتذوق ثمار التين على الإطلاق..
بقلم :
د. طالـب عمـران m44
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى