القرآن ماء الحياة الحقيقية فبهذا القرآن إذن وحده تتم الحياة، ولا سبيل إلى الحياة الثانية بالمعنى الصحيح إلا بماء الحياة. والماء الذي يتم به الإحياء هو هذا القرآن الكريم النازل من عند الله عز وجل، ولا سبيل إلى إحياء الإنسان الفرد ولا الإنسان الأمة بغير هذا الماء. إن الله تعالى جعل الماء سبباً للحياتَين: الحياة العادية المادية ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾(الأنبياء:30)، والحياة الروحية هي أيضاً من الماء الذي عبَّر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بالغيث بصريح العبارة: "مَثَل ما بعثني به اللهُ من الهدى والعلم كمَثَل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفةٌ طيِّبةٌ..." (رواه البخاري). فهذا الماء هو غيث الأرواح فعلاً، كما يفعل الماء في الأرض فتنتشر الرحمة ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾(الروم:50). وإذا نزل غيثُ القرآن في القلوب وامتزج بها وُلدت ولادة جديدة، وولد الإنسانُ الولادة الجديدة ليحيا الحياة الطيبة التي تسمى في منطق القرآن "الحياة الحقيقية". وجميع أجزاء القرآن هي مُحْيِيات قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾(البقرة:179). هذا حُكْم من الأحكام فيه عنصر من عناصر الحياة. أما قوله تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾(الأنفال:24). فدعوة للحياة بصفة عامة. فكل ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنةٍ هو مما يحيي هذا الإنسان، ومما تجب الاستجابةُ إليه لنحصُل على الحياة.