الرحبة
طاقم المتميزين
- رقم العضوية :
- 548
- البلد/ المدينة :
- الجزائر
- العَمَــــــــــلْ :
- استاذ
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 8556
- نقاط التميز :
- 25056
- التَـــسْجِيلْ :
- 14/04/2010
من “القابلية للإستعمار” إلى “القابلية للإستبداد والفساد”
طرح مالك بن نبي فكرة “القابلية للإستعمار” محملا شعبنا مسؤولية تعرضه للإستعمار وإستمراره لمدة طويلة، فكان يقول أنه لو لم نكن متخلفين ولم نخرج بعد من عصور إنحطاط الحضارة الإسلامية الذي دخلت فيه مند عصر بن خلدون أو ما يسميه مجتمع “مابعد الموحدين”، وكان يقول أنه لايكفي طرد الإستعمار لنحل كل مشاكل تخلفنا كما كا يروج الكثير آنذاك، بل لا بد من إحداث ثورة في ذهنية الإنسان مستندا على قول الله سبحانه تعالى “أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
تعرض بن نبي للتهميش والإقصاء والتشويه بسبب فكرته تلك آنذاك التي أسيء فهمها، وتم تأويلها بأنه لايناهض الإستعمار رغم نضالاته الكبيرة ضده بمختلف كتاباته، مما عرضه لرقابة أفكاره الخطيرة خاصة من لويس ماسينيون الذي كلف بمتابعتها ومحاربتها بأساليب خبيثة، وشعر بن نبي بمحاولات إستعمارية لتشويهها وتحريفها عن فهمها الصحيح كي لاتنتشر في المجتمع، وتؤخذ كقاعدة عمل، وساعده في ذلك للأسف وبدون وعي وبأـسلوب طفولي الكثير من المناضلين ضد الإستعمار، فكان بن نبي يشبه بعض مطالب الأحزاب الوطنية ومشاركتها في الإنتخابات الإستعمارية بأنها تشبه زردات الطرقية وتمد في عمر الإستعمار أكثر من مقاومته.
يعتبر بن نبي مؤسس لمدرسة نقد الذات المبنية على تحميل مسؤولية مأساتنا وضعفنا للذات قبل تحميلها للآخر الذي هو سلوك الضعفاء وهروب إلى الأمام وتهرب من المسؤولية، وبدأت هذه المدرسة تتوسع اليوم في منطقتنا، وقد تبين صحة طرح بن نبي بعد ذلك، فنحن سنواصل اليوم نفس طرح بن نبي الذي تأثرنا به كثيرا في نقد مجتمعاتنا من أجل إستئصال سلبياتها وتغييرها إلى الأحسن، ونضيف لما قاله عن “القابلية للإستعمار” فكرتي أن مجتمعنا أيضا يعاني من “قابلية للإستبداد” و”قابلية للفساد”، وبأنه لايكفي تغيير النظام كما يعتقد البعض لحل كل مشاكلنا، بل العملية تحتاج إلى تغيير عميق جدا في ذهنيات شعبنا وثورة فكرية وأخلاقية، ويمكن أن نورد الكثير من الأمثلة البسيطة المؤلمة التي تدل على هذه القابليات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر وجود أناس يقولون لك أننا نناضل من أجل الحريات والديمقراطية، لكنهم عاجزون على مواجهة تعسف ودكتاتورية مسؤولهم المباشر، بل تجدهم يتملقون له بشتى الأساليب الإذلالية، ومن الممكن جدا أن تجدههم ينتقدون ما يسمونهم “شياتو السلطة”، لكنهم نسوا أنفسهم بأنهم يمارسون “الشياتة” لأبسط أبسط مسؤول طمعا في مكاسب هينة جدا جدا مقارنة بما يكسبه شياتو السلطة، كما تجد آخرون يقولون أنهم يناضلون من أجل بناء مجتمع مسلم، لكنهم لايتوانون على النهب والكذب وأخذ الرشاوي ثم يبررون فعلتهم بالقول “أنها إكرامية”.
أن تشريح هذه الممارسات تدفعنا إلى عدم تعليق الأمال على هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم “مناضلون”، وبأنه لن يأتي أي تغيير إيجابي على أيديهم للأسف الشديد، فأقصى ما يحققونه هو تكرار نفس ممارسات النظام الإستبدادية والإستغلالية إن لم تكن أبشع منها، ولهذا نحتاج اليوم إلى التفكير الجدي في طرق أخرى أكثر فعالية لتحقيق التغيير الإيجابي وبناء مجتمع خال من كل أصناف الإستبداد والإستغلال، فقد ثبت أن بن نبي كان صادقا فيما قاله من قبل، وهل سيثبت المستقبل صدق ما نحذر منه اليوم؟.
البروفسور رابح لونيسي
المصدر
https://www.sabqpress.net/opinion/28006.html