يوسف بن علي
عضو مساهم
- البلد/ المدينة :
- المدية
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 60
- نقاط التميز :
- 123
- التَـــسْجِيلْ :
- 28/10/2010
وأنا أغتنمها . . . المصلحة العموميّة فوق الحزازات الشّخصيّة
فاقصُص القصص لعلّهم يتذكّرون
وأنا أغتنمها . . .
المصلحة العموميّة فوق الحزازات الشّخصيّة ([1])
رجل عظيم له أثر جليل في فتح الجزائر ( المغربالوسط ) , فهو أوّل من وطئت معه خيول الإسلام هذه الأرض , ولكنّه مغمور فيالتّاريخ , لا يجري ذِكرُه على الألسنة , ولا تُعنى بتفصيل حياته الكُتب ,ذلك هو أبو المُهاجر دينار مولى مسلمة ابن مُخلّد الأنصاريّ رحمه الله .
استعمله مولاه مسلمة ابن مخلد والي مصر من قبلمًعاوية ــ على فتح إفريقيا ــ وعزل عُقبة بنُ نافع عنها , كان المغربالأدنى قد تمّ فتحه فوجّه أبو المُهاجر همّه إلى فتح المغرب الأوسط , بعدأن تولّى الأمر من يد عُقبة وأساء عزله ولكنّه خلاّه حُرّا طليقا .
كان كُسيلة من ملوك الأمازيغ بالمغرب الأوسط قد جمعجُموعا كثيرة وزحف بها لقتال المسلمين فكانت بينه وبين أبي المُهاجر معاركانتهت بانتصار المُسلمين وانهزام كُسيلة وجُموعه وظَفِر أبي المُهاجر به .
أسلم كُسيلة فاستبقاه أبو المُهاجر وقرّبه , وانتهىأبو المُهاجر من غزوه إلى تلمسان وقفل راجعا إلى القيروان العاصمةالإسلاميّة التّي كان أسّسها عُقبة , فبنى مدينة أخرى قُربها نقل إليهامركز الجيش والإمارة , فصارت القيروان في حُكم الخربة .
أفضت الخلافة إلى يزيد بنُ مُعاوية فأعاد عُقبة إلىإمارة إفريقيا فقدمها سنة 62للهجرة فتناول الإمارة من يد أبي المُهاجروعزله وزاد فاعتقله ونكب صاحبه كُسيلة الذي كان اعتصم بالإسلام ورجع مركزالجيش والإمارة إلى القيروان .
سار عُقبة في جيشه في المغرب الوسط وكانت له فيهحُروب , إذ لم تكن غزوة أبي المُهاجر إلاّ تمهيدا للفتح , ثمّ توجّه إلىالمغرب الأقصى حتّى انتهى إلى المُحيط الأطلانطيقي , ولم يكن هذا الفتحالسّريع المُدهش قد استأصل قُوّة جُموع الوطن أيضا , ففي عودة عُقبة إلىالقيروان من هذا الفتح هبطت إليه كاهنة جبل أوراس في جُموع كثيرة وهو فيقلّة من أصحابه فكانت الوقعة الكُبرى التي استُشهد فيها عُقبة وصحبه وقالفيها أبو المُهاجر كلمته الكبيرة الخالة التي جعلناها عُنوانا لهذه القصّة.
كان عُقبة في فُتوحه مُستصحبا معه أبا المُهاجروصاحبه كُسيلة مُعتقلين , وكان يُذيق كُسيلة أنواع الإهانة والإذلال وكانأبو المُهاجر يُحذره عاقبة تلك المُعاملة المُخالفة لما كان عليه النّبيّصلّى الله عليه وآله وسلّم في مُعاملته للأسرى ولعُظماء النّاس .
لقد صدق ظنّ أبي المُهاجر فإنّ كُسيلة لمّا رأىقلّة جماعة عُقبة لرُجوع الجُيوش قبله إلى القيروان أرسل إلى قومه يُعلمهمبذلك فجرّأهم ذلك على مُلاقاته والنّزول إلى قتاله بعد ما كان الخوفوالرّعب قد ألجأهم إلى شعاف الجبال , فكانت تلك الوقعة .
علم عُقبة أنّه مُستشهد لا محالة فسرّح أباالمُهاجر من مُعتقله وأمره باللّحوق بالقيروان ليتولّى أمر النّاس لعلمهبسُهولة الوُصول عليه لحُسن علاقته مع كُسيلة وحُسن سُمعته عند قومهويغتنم عُقبة الشّهادة فنسي أبو المُهاجر كلّ ما كان فيه وكلّ ما لحقه منعُقبة وقال له : << وأنا أغتنمها أيضا >> ونزل المُعترك كأصحابه واختاروا الموت الشّريف على الأسر والهوان ( [2] ) فاستشهدوا عن آخرهم وكانوا زُهاء ثلاثمائة من الصّحابة والتّابعين رضي الله عنهم .
العبرة :
عندما تَكمل في القادة أخلاق الرّجولة ويتّحدون فيالإيمان بالمصلحة المُشتركة العُليا , وفي السّعي لغاية واحدة ــ لا يحولبينهم وبين القيام بجلائل أعمالهم والبلوغ إلى غاياتهم , ما تقلّ السّلامةمنه بين البشر من الحزازات الشّخصيّة وأن نالهم من ذلك ما لا بدّ منه منأثره السيئ في طريق سعيهم وسُرعة وُصولهم .
فسوء مُعاملة أبي المُهاجر لعُقبة كانت نتيجتهمُعاملة عُقبة له التّي تجاوزتها في الإهانة , حتّى ارتكب عُقبة ذلكالمركب القبيح الوخيم العاقبة في مُعاملة كُسيلة , لكنّ القائِدينالعظيمين كانا يُؤمنان إيمانا واحدا بالمصلحة المُشتركة العُليا , ويعملانلغاية واحدة هي إعلاء كلمة الإسلام واغتنام الشّهادة في سبيله , فلم يألأبو المُهاجر في نُصح عُقبة وهو تحت قُيود الاعتقال ولم يتوقّف عُقبة فيسراح أبي المُهاجر ليتولّى الإمارة بالقيروان ولكنّ الغاية الكُبرى عندأبي المُهاجر ــ كما هي عند مثله ــ هي الموت في سبيل الله والفوزبالشّهادة , فقال : << وأنا أغتنمها أيضا >>وما كانت تلك الوقعة التّي خسر بها الجيش الإسلامي أولئك الأبطال إلاّأثرا لازما لتلك الحزازات الشّخصيّة والنّقائص البشريّة , ولكلّ شيء أثرهفي هذه الحياة .
القُدوة :
ضرب أبو المُهاجر القائد العظيم أسمى مثل في نِسيانالنّفس , والزّهد التّام في الحياة الدّنيا ورئاستها , والرّغبة الصّادقةفي نيل الشّهادة , كما ضرب أسمى مثل في الشّجاعة والإقدام والتّضامنالتّام مع الأصحاب في وقت الشّدّة وطرح كلّ أمر شخصيّ إزّاء الصّالحالمُشترك العام , فرحمه الله وجازاه الله وجازى من معه عن الإسلام وعنّاخير الجزاء .
مجلّة الشّهاب الجُزء الثالث المُجلّد الخامس عشر : ( [1](
: راجع << تاريخ الجزائر في القديم والحديث >> للأستاذ الميلي.( [2] (
من هنا
فاقصُص القصص لعلّهم يتذكّرون
وأنا أغتنمها . . .
المصلحة العموميّة فوق الحزازات الشّخصيّة ([1])
رجل عظيم له أثر جليل في فتح الجزائر ( المغربالوسط ) , فهو أوّل من وطئت معه خيول الإسلام هذه الأرض , ولكنّه مغمور فيالتّاريخ , لا يجري ذِكرُه على الألسنة , ولا تُعنى بتفصيل حياته الكُتب ,ذلك هو أبو المُهاجر دينار مولى مسلمة ابن مُخلّد الأنصاريّ رحمه الله .
استعمله مولاه مسلمة ابن مخلد والي مصر من قبلمًعاوية ــ على فتح إفريقيا ــ وعزل عُقبة بنُ نافع عنها , كان المغربالأدنى قد تمّ فتحه فوجّه أبو المُهاجر همّه إلى فتح المغرب الأوسط , بعدأن تولّى الأمر من يد عُقبة وأساء عزله ولكنّه خلاّه حُرّا طليقا .
كان كُسيلة من ملوك الأمازيغ بالمغرب الأوسط قد جمعجُموعا كثيرة وزحف بها لقتال المسلمين فكانت بينه وبين أبي المُهاجر معاركانتهت بانتصار المُسلمين وانهزام كُسيلة وجُموعه وظَفِر أبي المُهاجر به .
أسلم كُسيلة فاستبقاه أبو المُهاجر وقرّبه , وانتهىأبو المُهاجر من غزوه إلى تلمسان وقفل راجعا إلى القيروان العاصمةالإسلاميّة التّي كان أسّسها عُقبة , فبنى مدينة أخرى قُربها نقل إليهامركز الجيش والإمارة , فصارت القيروان في حُكم الخربة .
أفضت الخلافة إلى يزيد بنُ مُعاوية فأعاد عُقبة إلىإمارة إفريقيا فقدمها سنة 62للهجرة فتناول الإمارة من يد أبي المُهاجروعزله وزاد فاعتقله ونكب صاحبه كُسيلة الذي كان اعتصم بالإسلام ورجع مركزالجيش والإمارة إلى القيروان .
سار عُقبة في جيشه في المغرب الوسط وكانت له فيهحُروب , إذ لم تكن غزوة أبي المُهاجر إلاّ تمهيدا للفتح , ثمّ توجّه إلىالمغرب الأقصى حتّى انتهى إلى المُحيط الأطلانطيقي , ولم يكن هذا الفتحالسّريع المُدهش قد استأصل قُوّة جُموع الوطن أيضا , ففي عودة عُقبة إلىالقيروان من هذا الفتح هبطت إليه كاهنة جبل أوراس في جُموع كثيرة وهو فيقلّة من أصحابه فكانت الوقعة الكُبرى التي استُشهد فيها عُقبة وصحبه وقالفيها أبو المُهاجر كلمته الكبيرة الخالة التي جعلناها عُنوانا لهذه القصّة.
كان عُقبة في فُتوحه مُستصحبا معه أبا المُهاجروصاحبه كُسيلة مُعتقلين , وكان يُذيق كُسيلة أنواع الإهانة والإذلال وكانأبو المُهاجر يُحذره عاقبة تلك المُعاملة المُخالفة لما كان عليه النّبيّصلّى الله عليه وآله وسلّم في مُعاملته للأسرى ولعُظماء النّاس .
لقد صدق ظنّ أبي المُهاجر فإنّ كُسيلة لمّا رأىقلّة جماعة عُقبة لرُجوع الجُيوش قبله إلى القيروان أرسل إلى قومه يُعلمهمبذلك فجرّأهم ذلك على مُلاقاته والنّزول إلى قتاله بعد ما كان الخوفوالرّعب قد ألجأهم إلى شعاف الجبال , فكانت تلك الوقعة .
علم عُقبة أنّه مُستشهد لا محالة فسرّح أباالمُهاجر من مُعتقله وأمره باللّحوق بالقيروان ليتولّى أمر النّاس لعلمهبسُهولة الوُصول عليه لحُسن علاقته مع كُسيلة وحُسن سُمعته عند قومهويغتنم عُقبة الشّهادة فنسي أبو المُهاجر كلّ ما كان فيه وكلّ ما لحقه منعُقبة وقال له : << وأنا أغتنمها أيضا >> ونزل المُعترك كأصحابه واختاروا الموت الشّريف على الأسر والهوان ( [2] ) فاستشهدوا عن آخرهم وكانوا زُهاء ثلاثمائة من الصّحابة والتّابعين رضي الله عنهم .
العبرة :
عندما تَكمل في القادة أخلاق الرّجولة ويتّحدون فيالإيمان بالمصلحة المُشتركة العُليا , وفي السّعي لغاية واحدة ــ لا يحولبينهم وبين القيام بجلائل أعمالهم والبلوغ إلى غاياتهم , ما تقلّ السّلامةمنه بين البشر من الحزازات الشّخصيّة وأن نالهم من ذلك ما لا بدّ منه منأثره السيئ في طريق سعيهم وسُرعة وُصولهم .
فسوء مُعاملة أبي المُهاجر لعُقبة كانت نتيجتهمُعاملة عُقبة له التّي تجاوزتها في الإهانة , حتّى ارتكب عُقبة ذلكالمركب القبيح الوخيم العاقبة في مُعاملة كُسيلة , لكنّ القائِدينالعظيمين كانا يُؤمنان إيمانا واحدا بالمصلحة المُشتركة العُليا , ويعملانلغاية واحدة هي إعلاء كلمة الإسلام واغتنام الشّهادة في سبيله , فلم يألأبو المُهاجر في نُصح عُقبة وهو تحت قُيود الاعتقال ولم يتوقّف عُقبة فيسراح أبي المُهاجر ليتولّى الإمارة بالقيروان ولكنّ الغاية الكُبرى عندأبي المُهاجر ــ كما هي عند مثله ــ هي الموت في سبيل الله والفوزبالشّهادة , فقال : << وأنا أغتنمها أيضا >>وما كانت تلك الوقعة التّي خسر بها الجيش الإسلامي أولئك الأبطال إلاّأثرا لازما لتلك الحزازات الشّخصيّة والنّقائص البشريّة , ولكلّ شيء أثرهفي هذه الحياة .
القُدوة :
ضرب أبو المُهاجر القائد العظيم أسمى مثل في نِسيانالنّفس , والزّهد التّام في الحياة الدّنيا ورئاستها , والرّغبة الصّادقةفي نيل الشّهادة , كما ضرب أسمى مثل في الشّجاعة والإقدام والتّضامنالتّام مع الأصحاب في وقت الشّدّة وطرح كلّ أمر شخصيّ إزّاء الصّالحالمُشترك العام , فرحمه الله وجازاه الله وجازى من معه عن الإسلام وعنّاخير الجزاء .
مجلّة الشّهاب الجُزء الثالث المُجلّد الخامس عشر : ( [1](
: راجع << تاريخ الجزائر في القديم والحديث >> للأستاذ الميلي.( [2] (
من هنا