haminou
عضو جديد
- البلد/ المدينة :
- cherchell
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 2
- نقاط التميز :
- 4
- التَـــسْجِيلْ :
- 20/11/2010
بسم الله الرّحمان الرّحيم ، الحمد لله ; و الصّلاة و السّلام على رسول الله و على آله و أصحابه و من اهتدى بهداه ; أما بعد ، فإني أشكر الله عزّ و جلّ على منّه علينا بهذا اللّقاء في الأخوّة في الله ; للتّواصي بالحقّ و التّناصح و التّعاون على البرّ و التّقوى ، و أسأل الله العظيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم و أن يعيننا جميعا على التفقّه في الدّين ويصلح قلوبنا و أعمالنا و يعيذنا من الفتن و شرور أنفسنا و نزغات الشيطان .
ـ إخوة الإيمان ، نظرا لما نراه في مجتمعنا خاصة ، و سائر أنحاء العالم عامة ; من قلة تحصيل للعلم وعدم التفقه في الدّين من قبل النّاس ، و طغيان الجهل على قلوب وعقول النّاس ، و طغيان الشرك بجميع أنواعه على المجتمعات أعاذنا الله تعالى منه و باعده منّا كما باعد بين السّماء و الأرض ; من الطواف حول قبور الأولياء و كبار مشايخ القرى و القبائل ، و اعتقاد النفع و الضّر فيها ، و الذبح لغير الله ، و النذر لغيره ، و تعليق التمائم ، و اتباع المشعوذين و السّحرة و المنجّمين ، و الحلف بغير الله ، و الرياء والتطيّر، و تعليق الصبّار على أسطح المنازل ; و كل ما شابه ذلك من الطّواغيت المتّبعة ; فإن الأمر خطير فالعالم يتحوّل إلى ما كان عليه في العصور السّابقة , بل و أكثر لأن مشركو زماننا أغلظ شركًًًًا من الأولّين ، لأنّ الأوّلين يشركون في الرّخاء ، و يخلصون في الشدّة ، و مشركو زماننا شِركهم دائم في الرّخاء و الشّدّة ; والدّليل قوله تعالى : [ فإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِِلََى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ] [ العنكبوت 65 ] .
ـ لهذا و بتأييد من الله و عون منه ; شرعت في شرح كتاب التّوحيد لشيخ الإسلام مجدّد التّوحيد محمّد بن عبد الوهّاب رحمه اللّه تعالى ، و اعتمدت في ذلك على مجموعة من شروحات كبار العلماء من جملتهم : - الشّيخ العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ، و هو غنيّ عن التّعريف - عبد العزيز بن باز رحمه الله ( رئيس هيئة كبار العلماء و اللّجنة الدّائمة للإفتاء سابقا )، - العلاّمة عبد الرّحمان بن ناصر بن السّعدي رحمه الله ; صاحب التّفسير المشهور : ( تيسير الكريم الرّحمان في تفسير كلام المنّان ) ، - فضيلة الشّيخ صالح بن عبد العزيز آل الشّيخ حفظه الله ( وزير الشّؤون الدّينية و الأوقاف بالمملكة السّعودية ) ، الشّيخ الإمام عبد الرّحمان بن حسن آل الشّيخ حفظه الله (عضو في هيئة كبار العلماء بالمملكة ) و اجتهدت في حوصلتها( شروحات كتب الأئمة المذكورين سالفا ) ، و سأشرحها لكم بقدر الإستطاعة بإذن الله تعالى ، فاجتهدوا في تحصيل العلم النافع و التفقّه في الدّين رحمكم الله و أصلح شأنكم ، و بالأخصّ علم العقيدة و التّوحيد لإنّه دين الأنبياء عليهم السّلام و أوّل دعوتهم ، و منهج السلف الصالح( الصّحابة ) و أئمة الدعوة و الخلفاء المهديين الصّالحين ; فاعتنوا بهذا الكتاب جزاكم الله و غفر ذنوبكم .
ـ كما هو معلوم ; فإن الله عزّ و جلّ إنّما خلق الخلق لحكمة عظيمة ، و غاية حميدة ; و هي أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا ; و يمتثلوا لأوامره و يجتنبوا نواهيه ، بهذا أمروا ، و بهذا أرسلت الرّسل ، و نزّلت الكتب . قال عزّ و جلّ : [ و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدونِ ] [الذاريات 56] .
ـ والعبادة كما قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : ( العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى و يرضاه من الأقوال و الأفعال الظاهرة و الباطنة ) .
ـ و التوحيد جزء من العبادة لهذا نجد في تفاسير السلف ; كتفسير ابن عبّاس : أن : يعبدون يعني : ( يوحدون ) و هذا تفسير صحابي و هذا التفسير هو تفسير الشيء ببعض أجزائه ، وتفسير الشيء ببعض أجزائه جائز وقد جاء عن السلف مثل قوله تعالى : [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ] [الأعلى] : قال : "صلى"
- التوحيد : لغة : مصدر، و المصدر هو ما جاء ثالثا من الفعل ، وحّد ، يوحّد ، توحيدا ; إذا جعل الشّيء واحدًا تقول وحّدْتُ المُتَكَلِّمَ إذَا جَعَلْتهُ وَاحِدًا و وَحَّدَ المسلمون الله إذا جَعلوا المَعبود وَاحدًا وَهُو الله عَزَّ وَ جَلَّ .
شرعا :إفراد الله سبحانه بما يختصّ به من الرّبوبية والألوهية والأسماء والصّفات . و قد اجتمعت في قوله تعالى : [ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِِ وَ مَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًا ] [ مريم : 65 ]
- القسم الأوّل : توحيد الرّبوبية :
معناه توحيد الله بأفعالهو أفعال الله كثيرة منها: الخلق، والرَّزق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الملك، والنفع ، والضَّر، والشفاء ، والإجارة ؛ يُجِير ولا يُجَارُ عليه ، وإجابة دعوة المُضْطَر، وإجابة دعوة الدَّاعي، ونحو ذلك من أفراد الربوبية . فالمتفرد بذلك على الكمال هو الله جل وعلا . فتوحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله سبحانه .
من العلماء من قال :
توحيد الربوبية : هو إفراد الله عزّ وجلّ بالخَلْقِ ، والمُلْكَ ، والتّدْبِير .
[b]فإفراده بالخلق :أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى : [ ألا له الخلق والأمر ][ الأعراف : 54 ] ، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى :[ هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ] [ فاطر : 03 ]؛ فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله ، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي .
- أما ما ورد من إثبات خلق غير الله ؛ كقوله تعالى [ فتبارك الله أحسن الخالقين ] [ المؤمنون : 14 ] ; وكقوله عليه الصّلاة و السّلام في المصورين: يقال لهم "أحيوا ما خلقتم" -البخاري- . فهذا ليس خلقاً حقيقة ، وليس إيجاداً بعد عدم ، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال ، وأيضاً ليس شاملاً ، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه ، ومحصور بدائرة ضيقة ؛ فلا ينافي قولنا : إفراد الله بالخلق .
وأما إفراد الله بالملك :
فأن نعتقد أنّه لا يملك الخلق إلا خالقهم ؛ كما قال تعالى : [ ولله ملك السماوات والأرض ] [ آل عمران : 19 ] ، وقال تعالى : [ قل من بيده ملكوت كل شيء ] [ المؤمنون : 88 ]
[b]وأمّا ما ورد من إثبات الملكيّة لغير الله؛ كقوله تعالى :[ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ] [ المؤمنون : 06 ]، وقال تعالى : [ أو ما ملكتم مفتاحه ] [ النور: 61 ] فهو ملك محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات ؛ فالإنسان يملك ما تحت يده ، ولا يملك ما تحت يد غيره ، وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف ؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك ، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً ، فمثلاً : لو أراد أن يحرق ماله ، أو يعذب حيوانه ؛ قلنا : لا يجوز، أما الله سبحانه ، فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً .
وأما إفراد الله بالتدبير:
فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى : [ ] [ قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون . فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون] [ يونس : 31].
وأما تدبير الإنسان ؛ فمحصور بما تحت يده ، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً . وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلّى الله عليه و سلّم ، بل كانوا مقرين به ، قال تعالى : [ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ] [ الزخرف : 9 ] ، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم ؛ فلم يقل أحد من المخلوقين : إن للعالم خالقين متساويين .
فلم يجحد أحد توحيد الربوبية ، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك ، إلا ما حصل من فرعون ؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة ؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده ، قال تعالى حكاية عنه : ][ فقال أنا ربكم الأعلى ] [ النازعات : 24 ] ، ] [ما علمت لكم من إله غيري ] [ القصص : 38 ] . وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره ؛ كما قال تعالى : ] [ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ][ النمل : 14 ] ، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره : ][ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض ] [ الإسراء : 102 ]؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله عز و جل .
القسم الثاني : توحيد الألوهية :
مأخوذ من أَلَهَ, يَأْلَهُ, إِلهة, وأُلوهة، إذا عَبَدَ مع المحبة والتعظيم . يُقال : تألّه ، إذا عبد معظِّما محبا ؛ فإنّ الألوهة : عبادة فيها المحبة والتعظيم والرضى بالحال والرجاء والرغب والرهب . فمصدر ألَه ، يأله, ألوهة ، وإلهة ، ولهذا قيل توحيد الإلهية ، وقيل توحيد الألوهية ، وهما مصدران لـ : أَلَهَ يَأْلَهُ . ومعنى أَلَهَ في لغة العرب : عبد مع المحبة والتعظيم ، والتألُّه العبادة على ذاك النحو ، قال الراجز :
لله دَرُّ الغانيات المـُــدَّهِ ***** سبَّحْن واسترجعن من تألُّهي
يعني من عبادتي ، فتوحيد الإلـهية ، أو توحيد الألوهية هو توحيد العبادة ، يعني جَعْل العبادة لواحد وهو الله جل جلاله .
- والعبادة أنواع ، والعبادة يفعلها العبد ، والله جل وعلا هو المستحق للألوهة وللعبادة ؛ يعني هو ذو الألوهة وهو ذو العبادة على خلقه أجمعين .
توحيد الألوهية هو توحيد الله بأفعال العبد ؛ أفعالك متنوعة التي تفعلها تقربا ، فإذا توجّهت بها لواحد وهو الله جلّ وعلا كنت موحّدا توحيد الإلهية ، فإذا توجه العبد بها لله ولغيره ، كان مشركا في هذه العبادة .
- ويقال له : توحيد العبادة باعتبارين ؛ فاعتبار إضافته إلى الله يسمى : توحيد الألوهية ، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى : توحيد العبادة .
وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة .
فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى : [ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ] [لقمان: 30] .
والعبادة تطلق على شيئين:
* الأول : التعبد : بمعنى التذلل لله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه ؛ محبة وتعظيماً .
* الثاني : المتعبد به ؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " .
مثال ذلك : الصلاة ؛ ففعلها عبادة ، وهو التعبد ، ونفس الصلاة عبادة ، وهو المتعبد به .
فإفراد الله بهذا التوحيد : أن تكون عبداً لله وحده تفرده بالتذلل ؛ محبة وتعظيماً ، وتعبده بما شرع ، قال تعالى : [ لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً ] [ الإسراء : 22 ] . وقال تعالى : [ الحمد لله رب العالمين ] [ الفاتحة : 2] ؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له ؛ فهو الإله لأنه رب العالمين ، وقال تعالى: [ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ][ البقرة : 21 ] ؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة.
- إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده ؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد ، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وتعبده ، وهو بحاجة إلى دعائك ، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه ؛ فهو لا يملك لنفسه نفعاً لا ضراً ؛ فكيف يملكه لغيره ؟!
- وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى:[ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون] [الأنبياء: 25].
ومع هذا ؛ فأتباع الرسل قلة ، قال عليه الصلاة والسلام : " فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي ليس معه أحد "-البخاري-
• تنبيه :
من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية ، وكأنما يخاطبون أقواماً ينكرون وجود الرب وإن كان يوجد من ينكر الرب ، لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة!!.
- ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون ، وهم مشركون ، ولا يعلمون .
يتبع الشرح فيما بعد ان شاء الله تعالى
ـ إخوة الإيمان ، نظرا لما نراه في مجتمعنا خاصة ، و سائر أنحاء العالم عامة ; من قلة تحصيل للعلم وعدم التفقه في الدّين من قبل النّاس ، و طغيان الجهل على قلوب وعقول النّاس ، و طغيان الشرك بجميع أنواعه على المجتمعات أعاذنا الله تعالى منه و باعده منّا كما باعد بين السّماء و الأرض ; من الطواف حول قبور الأولياء و كبار مشايخ القرى و القبائل ، و اعتقاد النفع و الضّر فيها ، و الذبح لغير الله ، و النذر لغيره ، و تعليق التمائم ، و اتباع المشعوذين و السّحرة و المنجّمين ، و الحلف بغير الله ، و الرياء والتطيّر، و تعليق الصبّار على أسطح المنازل ; و كل ما شابه ذلك من الطّواغيت المتّبعة ; فإن الأمر خطير فالعالم يتحوّل إلى ما كان عليه في العصور السّابقة , بل و أكثر لأن مشركو زماننا أغلظ شركًًًًا من الأولّين ، لأنّ الأوّلين يشركون في الرّخاء ، و يخلصون في الشدّة ، و مشركو زماننا شِركهم دائم في الرّخاء و الشّدّة ; والدّليل قوله تعالى : [ فإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِِلََى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ] [ العنكبوت 65 ] .
ـ لهذا و بتأييد من الله و عون منه ; شرعت في شرح كتاب التّوحيد لشيخ الإسلام مجدّد التّوحيد محمّد بن عبد الوهّاب رحمه اللّه تعالى ، و اعتمدت في ذلك على مجموعة من شروحات كبار العلماء من جملتهم : - الشّيخ العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ، و هو غنيّ عن التّعريف - عبد العزيز بن باز رحمه الله ( رئيس هيئة كبار العلماء و اللّجنة الدّائمة للإفتاء سابقا )، - العلاّمة عبد الرّحمان بن ناصر بن السّعدي رحمه الله ; صاحب التّفسير المشهور : ( تيسير الكريم الرّحمان في تفسير كلام المنّان ) ، - فضيلة الشّيخ صالح بن عبد العزيز آل الشّيخ حفظه الله ( وزير الشّؤون الدّينية و الأوقاف بالمملكة السّعودية ) ، الشّيخ الإمام عبد الرّحمان بن حسن آل الشّيخ حفظه الله (عضو في هيئة كبار العلماء بالمملكة ) و اجتهدت في حوصلتها( شروحات كتب الأئمة المذكورين سالفا ) ، و سأشرحها لكم بقدر الإستطاعة بإذن الله تعالى ، فاجتهدوا في تحصيل العلم النافع و التفقّه في الدّين رحمكم الله و أصلح شأنكم ، و بالأخصّ علم العقيدة و التّوحيد لإنّه دين الأنبياء عليهم السّلام و أوّل دعوتهم ، و منهج السلف الصالح( الصّحابة ) و أئمة الدعوة و الخلفاء المهديين الصّالحين ; فاعتنوا بهذا الكتاب جزاكم الله و غفر ذنوبكم .
ـ كما هو معلوم ; فإن الله عزّ و جلّ إنّما خلق الخلق لحكمة عظيمة ، و غاية حميدة ; و هي أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا ; و يمتثلوا لأوامره و يجتنبوا نواهيه ، بهذا أمروا ، و بهذا أرسلت الرّسل ، و نزّلت الكتب . قال عزّ و جلّ : [ و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدونِ ] [الذاريات 56] .
ـ والعبادة كما قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : ( العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى و يرضاه من الأقوال و الأفعال الظاهرة و الباطنة ) .
ـ و التوحيد جزء من العبادة لهذا نجد في تفاسير السلف ; كتفسير ابن عبّاس : أن : يعبدون يعني : ( يوحدون ) و هذا تفسير صحابي و هذا التفسير هو تفسير الشيء ببعض أجزائه ، وتفسير الشيء ببعض أجزائه جائز وقد جاء عن السلف مثل قوله تعالى : [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ] [الأعلى] : قال : "صلى"
- التوحيد : لغة : مصدر، و المصدر هو ما جاء ثالثا من الفعل ، وحّد ، يوحّد ، توحيدا ; إذا جعل الشّيء واحدًا تقول وحّدْتُ المُتَكَلِّمَ إذَا جَعَلْتهُ وَاحِدًا و وَحَّدَ المسلمون الله إذا جَعلوا المَعبود وَاحدًا وَهُو الله عَزَّ وَ جَلَّ .
شرعا :إفراد الله سبحانه بما يختصّ به من الرّبوبية والألوهية والأسماء والصّفات . و قد اجتمعت في قوله تعالى : [ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِِ وَ مَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًا ] [ مريم : 65 ]
- القسم الأوّل : توحيد الرّبوبية :
معناه توحيد الله بأفعالهو أفعال الله كثيرة منها: الخلق، والرَّزق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الملك، والنفع ، والضَّر، والشفاء ، والإجارة ؛ يُجِير ولا يُجَارُ عليه ، وإجابة دعوة المُضْطَر، وإجابة دعوة الدَّاعي، ونحو ذلك من أفراد الربوبية . فالمتفرد بذلك على الكمال هو الله جل وعلا . فتوحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله سبحانه .
من العلماء من قال :
توحيد الربوبية : هو إفراد الله عزّ وجلّ بالخَلْقِ ، والمُلْكَ ، والتّدْبِير .
[b]فإفراده بالخلق :أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى : [ ألا له الخلق والأمر ][ الأعراف : 54 ] ، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى :[ هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ] [ فاطر : 03 ]؛ فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله ، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي .
- أما ما ورد من إثبات خلق غير الله ؛ كقوله تعالى [ فتبارك الله أحسن الخالقين ] [ المؤمنون : 14 ] ; وكقوله عليه الصّلاة و السّلام في المصورين: يقال لهم "أحيوا ما خلقتم" -البخاري- . فهذا ليس خلقاً حقيقة ، وليس إيجاداً بعد عدم ، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال ، وأيضاً ليس شاملاً ، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه ، ومحصور بدائرة ضيقة ؛ فلا ينافي قولنا : إفراد الله بالخلق .
وأما إفراد الله بالملك :
فأن نعتقد أنّه لا يملك الخلق إلا خالقهم ؛ كما قال تعالى : [ ولله ملك السماوات والأرض ] [ آل عمران : 19 ] ، وقال تعالى : [ قل من بيده ملكوت كل شيء ] [ المؤمنون : 88 ]
[b]وأمّا ما ورد من إثبات الملكيّة لغير الله؛ كقوله تعالى :[ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ] [ المؤمنون : 06 ]، وقال تعالى : [ أو ما ملكتم مفتاحه ] [ النور: 61 ] فهو ملك محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات ؛ فالإنسان يملك ما تحت يده ، ولا يملك ما تحت يد غيره ، وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف ؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك ، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً ، فمثلاً : لو أراد أن يحرق ماله ، أو يعذب حيوانه ؛ قلنا : لا يجوز، أما الله سبحانه ، فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً .
وأما إفراد الله بالتدبير:
فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى : [ ] [ قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون . فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون] [ يونس : 31].
وأما تدبير الإنسان ؛ فمحصور بما تحت يده ، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً . وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلّى الله عليه و سلّم ، بل كانوا مقرين به ، قال تعالى : [ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ] [ الزخرف : 9 ] ، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم ؛ فلم يقل أحد من المخلوقين : إن للعالم خالقين متساويين .
فلم يجحد أحد توحيد الربوبية ، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك ، إلا ما حصل من فرعون ؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة ؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده ، قال تعالى حكاية عنه : ][ فقال أنا ربكم الأعلى ] [ النازعات : 24 ] ، ] [ما علمت لكم من إله غيري ] [ القصص : 38 ] . وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره ؛ كما قال تعالى : ] [ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ][ النمل : 14 ] ، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره : ][ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض ] [ الإسراء : 102 ]؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله عز و جل .
القسم الثاني : توحيد الألوهية :
مأخوذ من أَلَهَ, يَأْلَهُ, إِلهة, وأُلوهة، إذا عَبَدَ مع المحبة والتعظيم . يُقال : تألّه ، إذا عبد معظِّما محبا ؛ فإنّ الألوهة : عبادة فيها المحبة والتعظيم والرضى بالحال والرجاء والرغب والرهب . فمصدر ألَه ، يأله, ألوهة ، وإلهة ، ولهذا قيل توحيد الإلهية ، وقيل توحيد الألوهية ، وهما مصدران لـ : أَلَهَ يَأْلَهُ . ومعنى أَلَهَ في لغة العرب : عبد مع المحبة والتعظيم ، والتألُّه العبادة على ذاك النحو ، قال الراجز :
لله دَرُّ الغانيات المـُــدَّهِ ***** سبَّحْن واسترجعن من تألُّهي
يعني من عبادتي ، فتوحيد الإلـهية ، أو توحيد الألوهية هو توحيد العبادة ، يعني جَعْل العبادة لواحد وهو الله جل جلاله .
- والعبادة أنواع ، والعبادة يفعلها العبد ، والله جل وعلا هو المستحق للألوهة وللعبادة ؛ يعني هو ذو الألوهة وهو ذو العبادة على خلقه أجمعين .
توحيد الألوهية هو توحيد الله بأفعال العبد ؛ أفعالك متنوعة التي تفعلها تقربا ، فإذا توجّهت بها لواحد وهو الله جلّ وعلا كنت موحّدا توحيد الإلهية ، فإذا توجه العبد بها لله ولغيره ، كان مشركا في هذه العبادة .
- ويقال له : توحيد العبادة باعتبارين ؛ فاعتبار إضافته إلى الله يسمى : توحيد الألوهية ، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى : توحيد العبادة .
وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة .
فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى : [ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ] [لقمان: 30] .
والعبادة تطلق على شيئين:
* الأول : التعبد : بمعنى التذلل لله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه ؛ محبة وتعظيماً .
* الثاني : المتعبد به ؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " .
مثال ذلك : الصلاة ؛ ففعلها عبادة ، وهو التعبد ، ونفس الصلاة عبادة ، وهو المتعبد به .
فإفراد الله بهذا التوحيد : أن تكون عبداً لله وحده تفرده بالتذلل ؛ محبة وتعظيماً ، وتعبده بما شرع ، قال تعالى : [ لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً ] [ الإسراء : 22 ] . وقال تعالى : [ الحمد لله رب العالمين ] [ الفاتحة : 2] ؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له ؛ فهو الإله لأنه رب العالمين ، وقال تعالى: [ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ][ البقرة : 21 ] ؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة.
- إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده ؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد ، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وتعبده ، وهو بحاجة إلى دعائك ، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه ؛ فهو لا يملك لنفسه نفعاً لا ضراً ؛ فكيف يملكه لغيره ؟!
- وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى:[ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون] [الأنبياء: 25].
ومع هذا ؛ فأتباع الرسل قلة ، قال عليه الصلاة والسلام : " فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي ليس معه أحد "-البخاري-
• تنبيه :
من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية ، وكأنما يخاطبون أقواماً ينكرون وجود الرب وإن كان يوجد من ينكر الرب ، لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة!!.
- ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون ، وهم مشركون ، ولا يعلمون .
يتبع الشرح فيما بعد ان شاء الله تعالى
عدل سابقا من قبل haminou في الثلاثاء 28 ديسمبر - 17:36 عدل 5 مرات