نجم الإسلام
طاقم الإشراف العام
- رقم العضوية :
- 192
- العَمَــــــــــلْ :
- التربية و التعليم
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 5608
- نقاط التميز :
- 8397
- التَـــسْجِيلْ :
- 06/06/2009
أفريقيا وتحديات الألفية الثالثة
حسن البطري
تأليف : د. عبد الوهاب عثمان شيخ موسى
صدر حديثا كتاب (افريقيا وتحديات الالفية الثالثة)
لمؤلفه الدكتور عبد الوهاب شيخ موسى، واهمية الكتاب تنبع اولا من ان مؤلفه خبير اقتصاد ي له من الخبرات العلمية والعملية في مجالي الاقتصاد والسياسة، درس الاقتصاد والتاريخ وتخصص في الاقتصاد الكلي، وتدرج في وظائف وزارة المالية المختلفة، وترأس مجالس ادارات بنوك وشركات ومؤسسات. ومثل وزارة المالية في عدد من مجالس ادارات المصارف.
والمؤلف عمل وزيرا للمالية بالاقليم الشمالي (82-81)، ووزيرا اتحاديا للصناعة ( 88- 89) ووزيرااتحاديا للمالية والاقتصاد الوطني (2000-96م). وكان عضوا بالجمعية التأسيسة (89-86). وعضوا بالمجلس الوطني.
والمؤلف مشهود له في الاوساط الاكاديمية، بالاسهامات النظرية والدراسات الرصينة والاوراق المحكمة. وشارك في منتديات اقليمية ودولية. ومنحته عدد من الجامعات الدكتوراة الفخرية، لانجازاته الاقتصادية. وكرمته الدولة بوسام الجمهورية ووسام الانجاز السياسي وجائزة الشهيد الزبير للتميز والانجاز العلمي.
واهمية الكتاب تنبع ثانية من موضوعه، اذ انه يفتح بابا للدارسين والباحثين، فالموضوع مازال بكرا والدراسات فيه محدودة. والحاجة اليه ماسة لصناع القرار والمؤسسات البحثية والمختصين والمهتمين.
ويحاول كتاب (أفريقيا وتحديات الألفية الثالثة) ان يبرز التحديات التي تواجه القارة الافريقية، في احداث تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تمكنها من ردم الفجوات الشاسعة، بينها وبين العالم من حولها، اذ ان التعايش مع الواقع الدولي الراهن، يتطلب من القارة القفز فوق مراحل مرت بها القارات والاقاليم الاخرى من مرحلة اقتصادات تقليدية معتمدة على عوامل الانتاج التقليدية، الى مرحلة انتاج متشبع بمدخلات تقنيات حديثة.
ويشير الكتاب الى التحديات التاريخية التي تعود جذورها الي عهد الاستعمار، ثم العوامل الداخلية والاقليمية التي أفشلت كل عوامل العمل المشترك لاحداث تحولات اقتصادية سياسية واجتماعية.
كما يشير الكتاب للتحديات والتطورات السياسية الدولية التي تواجه القارة. والتي برزت خلال العقود الثلاثة الماضية، وما صاحبها من ازمات اقتصادية انعكست آثارها سلبا على الاوضاع في القارة، الى جانب دورها في تراجع اهميتها الاستراتيجية، كل هذه التحديات بجانب الافتقار الى الارادة السياسية القومية، أفشلت كل جهود ومبادرات القارة في إحداث التحولات الاقتصادية والاجتماعية. وانقاذ شعوبها من مآسي المرض والفقر والجهل. ومازالت هذه التحديات ماثلة تهدد الجهود المستقبلية، ما لم تتحرك القارة الى محاصرة الحروب والصراعات القبلية والاقليمية. وإبداء الارادة السياسية النافذه لتصميم وتنفيذ برامج عملية تنفذ على مستوى القارة. وتهدف الى ازاحة سياج العزلة والتهميش. وتمكن شعوب القارة من تحقيق تطلعاتها الى العيش الكريم .
ويحلل المؤلف الاسباب الداخلية والخارجية التي افضت الى حالة التخلف والتردي التي تعيشها القارة. ويبرز التحليل اهم الاسباب الداخلية لتخلف القارة. وهي المشاكل التي ورثتها القارة من مخلفات الحكم الاستعماري خلال قرن كامل من الزمان. ومرد هذه المشاكل الى النزاعات القبلية والحروب الاهلية التي بذر بذورها الاستعمار من خلال رسم حدود جغرافية مصطنعة بين الدول المجاورة لم تأخذ في الاعتبار التدخل السكاني بينها والانشطة الاقتصادية المشتركة بين القبائل المشتركة. وذلك الى جانب تركيز الادارات الاستعمارية جهودها على نهب موارد القارة وتوجيه اقتصادها لخدمة مصالحها مما يؤدي الى الكوارث الطبيعية التي دمرت البنيات الاساسية لاقتصاديات كثير من دول القارة.
اما حول الاسباب الخارجية لتخلف القارة، فيشير المؤلف في تحليله الى التحولا ت الاقتصادية التي صاحبت التغيرات السياسية والازمات الاقتصادية التي شهدها العالم خلال العقود الثلاثة الماضية. والتي تتمثل في ازمتي البترول في عام 1973م واوائل عقد الثمانيات. وما صاحب ذلك من ازمات اقتصادية في الاسواق العالمية. وشهد عقد التسعينات تحولات سياسية حادة زادت من حدة الاستضعاف الاقتصادي والسياسي للقارة. وقد حدث ذلك في اعقاب انتهاء الحرب الباردة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفتت الاتحاد السوفيتي. واتجاه الاتحاد الاوروبي الى احتضان دول اوروبا الشرقية، حيث فقدت القارة الافريقية اهميتها الاستراتيجية. وتراجعت اسبقيتها في تدفقات الموارد المالية من المصادر التاريخية.
ومن العوامل الخارجية التي اثرت على النمو والاستقرار الاقتصادي في الدول الافريقية في الفترة بعد الاستقلال، علاقتها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فالبرغم من ان مجالات واختصاصات عمل المؤسستين تبدو مختلفة، الا انهما تخدمان اهداف وسياسات الدول الكبرى - مجموعة الدول السبع - والتي تسيطر على سياسات واستراتيجيات عمل المؤسستين. وترتبط تلك الاهداف بمصالح المؤسسات المالية والاقتصادية الكبري. واهم تلك الاهداف الحفاظ على استقرار الاسواق المالية الدولية. وخلق وتوسيع فرص الاستثمار العالية الربحية لمؤسسات الدول الصناعية، لذا نرى سياسات وتوجهات المؤسستين تتغير من وقت لآخر وفق المتغيرات الدولية. ولاهمية ايجاد تناسق بين سياسات المؤسستين، برزت برامج التكييف الهيكلي
structrual adjustment programs والتي
طبقت بصورة واسعة في الدول الافريقية. وقد كانت المساعدات التي تقدمها هاتان المؤسستان مرتبطه بصورة اساسية بهذه البرامج. ويعتبر النجاح فيها جواز المرور الى الدول المانحة والاسواق العالمية الدولية.
ومن اكبر التحديات التي تواجه الدول الافريقية الفجوة التكنولوجية والمعلوماتية بينها وبين الدول الصناعية. وافتقار القارة الى وسائل الارتقاء بانتاجها ورفع مستوى الحياة لشعوبها، لذا فإن ابرز العوائق امام الاقتصاد الافريقي في مواجهة تداعيات العولمة والصمود امام المنافسة الجائرة، يتمثل في الفجوة المعلوماتية والافتقار الى التقنيات الحديثة. ويشير المؤلف في تحليله الى ضرورة مواجهة مخاطر التهميش التي تواجه القارة، فحالة التهميش والعزلة التي تعاني منها افريقيا وشعوبها اليوم، ليست حالة استثنائية او مرتبطة بمرحلة طارئة او مؤقتة. وضعف قدرة البلاد الافريقية على اعادة تجميع قواها وترتيب اوضاعها الاقتصادية والسياسية من اجل التصدي لتلك الحالة، من شأنه ان يوسع فجوات النمو بينها وبين العالم الخارجي، فتؤدي الى مزيد من التهميش والعزلة والفقر والاختلال الامني والاضطراب السياسي، كما حدث في كثير من الدول الافريقية، خاصة في دول جنوب الصحراء، حيث بلغ عدد المواطنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر حوالي300 مليون نسمة بمستوى دخل الفرد 0.65 دولار او اقل في اليوم. ويمثل هذا الرقم ما يعادل حوالي نصف سكان افريقيا. ومازال هذا الرقم في ارتفاع.
ويشكل فقراء الريف 80% من جملة فقراء افريقيا، مما يشير الى الفوارق الكبيرة في توزيع الدخول بين القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وبين المناطق المختلفة. ومما يعمق معاناة شعوب البلاد تفشي الامراض المعدية والوبائية كالملاريا ومرض نقص المناعة المكتسبة، التي تصطاد ضحايها من الشباب الذين يشكلون عصب القوى العاملة في البلاد. وبالتالي تأثيرها السالب على الانتاج، علما بأن مكافحة هذه الاوبئة والامراض تستنزف موارد مالية عالية، مما يضيف الى اعباء موارد الميزانيات الشحيحة والتي تعاني اصلا من الضمور، الي جانب المشاكل الاجتماعية التي تخلفها تلك الامراض مثل الارامل والايتام (let overs).
مع مطلع الالفية الثالثة وجدت افريقيا نفسها أمام تحديات كبرى لا لردم الفجوات المتنامية بينها وبين الاقاليم الاخري في العالم وازاحة سياج العزلة والتهميش الذي يحول دون اندماجها في المجتمع الدولي فحسب، بل ايضا لايقاف الحروب والنزاعات المحلية والاقليمية ومحاصرة حالات الفقر والجوع والمرض والجهل عن كاهل شعوبها. وتأسيس اطر مؤسسية وآليات للتعاون والتكامل الاقليمي والقاري وايقاف الحروب الاهلية ..الخ.
ومواجهة تلك التحديات تتطلب كاسبقية اولى اعادة هيكلية مؤسسية على المستوى المحلي والاقليمي والقاري. واجراء مراجعة شاملة لنظم واطر الحكم في الدول الافريقية. وفي المفاهيم التي تحكم النظم السياسية والادارية. واجراء تعديلات جوهرية في النماذج المتبعة في عمليات تصميم برامج التنمية وتنفيذها، تستند على اطر ومبادئ الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
وعلى خلفية التطورات الدولية والمتلاحقة والمتسارعة، اصبح التكامل الاقليمي يمثل الاطار الافضل لتحريك الجهود الافريقية لاحداث التحول المنشود. ومن خلال محاصرة المشاكل الداخلية التي تعتري التحولات الاقتصادية والاجتماعية في القارة، كما ان التعاون الاقليمي يمثل الوسيلة الاوفق لازاحة سياج التهميش الاقتصادي والعزلة السياسية عن افريقيا، خاصة بعد ان اصبحت التكتلا ت الاقتصادية الاقليمية هي السمة الغالبة في المجتمعات الدولية. ويمثل نجاح الاتحاد الاوروبي ومنظمة أسيان asean في آسيا المفتاح للتطورات الاقتصادية التي شهدتها القارتان.
لذا فإن قدرة القارة على التحرك الداخلي في اطار تكامل اقليمي وقاري، تمثل احد التحديات التي تواجه القارة. وتكمن مواجهة تلك التحديات في قدرة أفريقيا على التغلب على العوامل التي أدت الى فشل المحاولات التي بذلتها منظمة الوحدة الافريقية ومؤتمرات قمم الرؤساء.
فمازالت تلك التحديات تهدد بقاء الاتحاد الافريقي. ويواجه تلك التحديات ايضا تحقيق اهداف الشراكة الجديدة للتنمية في افريقيا NEPADوالاطار الثاني الذي يجب ان تشمله اعادة الهيكلة المؤسسية هو انشاء آلية لتحقيق الاستقرار والامن السياسي.
اذ أن عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ترتبط -اليوم - ارتباطا وثيقا بالاستقرار والأمن السياسي، فقد اهتمت اوروبا بعملية (هلسنكي) في تحقيق الاتحاد الاوروبي وتعميق التكامل الاقتصادي والسياسي. وما كان يمكن أن يتيسر لنمور آسيا ان تبلغ مستوى النمو الاقتصادي الذي وصلته، لولا تأسيسها - مسبقا - آليات فض النزاعات التي استطاعت ان تحقق حالات استقرار امني وسياسي في المنطقة، حيث أمكن في ظلها تحقيق الطفرة الاقتصاديةالكبرى التي مثلت معجزة عظمى. والاطار الثالث الذي يجب أن تشمله اعادة الهيكلة المؤسسية، هو نظم الحكم ومفاهيم الدول الافريقية حول البعد الشعبي في عمليات التنمية، فمن أهم أسباب فشل برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية في كثير من الدول الافريقية، انها تمت بقرارات فوقية في اطار التخطيط المركزي، او باملاءات من الممولين الخارجيين، او من خلال برامج مفروضة على الحكومات، كما يجب ان تشمل اعادة الهيكلة المؤسسية توازن الاقتصاد الكلي ومصادر التمويل.
إن عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي السريعة والحقيقية والقادرة على مخاطبة المشاكل والازمات الكبرى التي تواجه أفريقيا، يجب ان تتم في اطار برامج قفزة كبرى Big push شاملة ومنسقة ومستدامة (مشروع مارشال أفريقي).
ويتضح لنا من تجارب أوروبا وآسيا، ان اعادة التعمير الاولى بعد الدمار الذي سببته الحرب، استدعت توفير موارد مالية هائلة، امكن توفيرها من خلال (مشروع مارشال)، كما امكن توفير تمويل مشروع النهضة الصناعية الكبرى في آسيا من خلال مشروع (كولومبو). وفي المقابل فإن المساعدات التي قدمت لافريقيا لم يتم استخدامها في برنامج اقليمي متكامل. وذهبت موارد القروض والمساعدات التي تم استخدامها في الاطار القطري - على قلتها - في تمويل معدات عسكرية او سلع استهلاكية.
ولكي تلعب المساعدات الخارجية دورا مهماً في التنمية والتحولات الاقتصادية، بمثابة ما حدث في اوروبا وآسيا، فلابد من هيكلة التمويل الخارجي ليوظف ليعمل من خلال مشروعات اقليمية تفضي الى نهضة اقتصادية واجتماعية في القارة.
ويعتقد المؤلف أن استراتيجية وبرامج الأولويات التي حققتها مبادرة الشراكة الجديدة NEPAD يمكن ان تحقق هذا الهدف، اذا ما تم تفعيل آلية حشد الموارد وازالة الثغرات التي تكتنفها. وتوفير الارادة السياسية التي تؤكد الالتزام ببرامج المبادرة وموجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويدعو المؤلف الى فتح قنوات جديدة للعلاقات الاقتصادية مع دول الجنوب. وخاصة مع دول الاسواق الناشئة في آسيا، مثل الصين وماليزيا وكوريا الجنوبية.
ويرى المؤلف أنه يمكن خلق شراكة ذكية بين القارتين آسيا وافريقيا، مع امكانية تطوير العلاقات الجنوبية - الجنوبية لتمتد الى دول أمريكا اللاتينية.
ويقول المؤلف ان الرؤية الثاقبة والاستقراء الحصيف لمجريات التحولات الاقتصادية والسياسية في الساحة الدولية الآن، يؤكد ان دولتي الصين والهند سوف تلعبان دورا طليعيا في قيادة الاقتصاد الدولي خلال العقود القادمة، مما يجعل إرساء اسس وقواعد التعاون مع تلك الدول، يصب في خانة التخطيط الاستراتيجي السليم.
كتاب (أفريقيا وتحديات الألفية الثالثة) لمؤلفه الدكتور عبد الوهاب عثمان شيخ موسى، يقع في «230» صفحة من القطع الكبرى. ويحتوي على سبعة فصول: الجذور التاريخية لمشاكل افريقيا. والعوامل الداخلية للتخلف. والعوامل الخارجية. وافريقيا وتحديات الالفية الثالثة. وجهود التكامل على المستوى القاري. والشراكة الجديدة للتنمية في افريقيا NEPAD ومبادرة الشراكة الجديدة وتحديات التمويل.
كما يشتمل الكتاب على جداول وملاحق وثبت للمراجع. ومهد للكتاب البروفيسور أحمد علي الامام مستشار رئيس الجمهورية لشؤون التأصيل ورئيس مجمع الفقه الاسلامي. وقدم له البروفيسور حسن مكي عميد مركز البحوث والدراسات الافريقية بجامعة افريقيا العالمية.
حسن البطري
تأليف : د. عبد الوهاب عثمان شيخ موسى
صدر حديثا كتاب (افريقيا وتحديات الالفية الثالثة)
لمؤلفه الدكتور عبد الوهاب شيخ موسى، واهمية الكتاب تنبع اولا من ان مؤلفه خبير اقتصاد ي له من الخبرات العلمية والعملية في مجالي الاقتصاد والسياسة، درس الاقتصاد والتاريخ وتخصص في الاقتصاد الكلي، وتدرج في وظائف وزارة المالية المختلفة، وترأس مجالس ادارات بنوك وشركات ومؤسسات. ومثل وزارة المالية في عدد من مجالس ادارات المصارف.
والمؤلف عمل وزيرا للمالية بالاقليم الشمالي (82-81)، ووزيرا اتحاديا للصناعة ( 88- 89) ووزيرااتحاديا للمالية والاقتصاد الوطني (2000-96م). وكان عضوا بالجمعية التأسيسة (89-86). وعضوا بالمجلس الوطني.
والمؤلف مشهود له في الاوساط الاكاديمية، بالاسهامات النظرية والدراسات الرصينة والاوراق المحكمة. وشارك في منتديات اقليمية ودولية. ومنحته عدد من الجامعات الدكتوراة الفخرية، لانجازاته الاقتصادية. وكرمته الدولة بوسام الجمهورية ووسام الانجاز السياسي وجائزة الشهيد الزبير للتميز والانجاز العلمي.
واهمية الكتاب تنبع ثانية من موضوعه، اذ انه يفتح بابا للدارسين والباحثين، فالموضوع مازال بكرا والدراسات فيه محدودة. والحاجة اليه ماسة لصناع القرار والمؤسسات البحثية والمختصين والمهتمين.
ويحاول كتاب (أفريقيا وتحديات الألفية الثالثة) ان يبرز التحديات التي تواجه القارة الافريقية، في احداث تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تمكنها من ردم الفجوات الشاسعة، بينها وبين العالم من حولها، اذ ان التعايش مع الواقع الدولي الراهن، يتطلب من القارة القفز فوق مراحل مرت بها القارات والاقاليم الاخرى من مرحلة اقتصادات تقليدية معتمدة على عوامل الانتاج التقليدية، الى مرحلة انتاج متشبع بمدخلات تقنيات حديثة.
ويشير الكتاب الى التحديات التاريخية التي تعود جذورها الي عهد الاستعمار، ثم العوامل الداخلية والاقليمية التي أفشلت كل عوامل العمل المشترك لاحداث تحولات اقتصادية سياسية واجتماعية.
كما يشير الكتاب للتحديات والتطورات السياسية الدولية التي تواجه القارة. والتي برزت خلال العقود الثلاثة الماضية، وما صاحبها من ازمات اقتصادية انعكست آثارها سلبا على الاوضاع في القارة، الى جانب دورها في تراجع اهميتها الاستراتيجية، كل هذه التحديات بجانب الافتقار الى الارادة السياسية القومية، أفشلت كل جهود ومبادرات القارة في إحداث التحولات الاقتصادية والاجتماعية. وانقاذ شعوبها من مآسي المرض والفقر والجهل. ومازالت هذه التحديات ماثلة تهدد الجهود المستقبلية، ما لم تتحرك القارة الى محاصرة الحروب والصراعات القبلية والاقليمية. وإبداء الارادة السياسية النافذه لتصميم وتنفيذ برامج عملية تنفذ على مستوى القارة. وتهدف الى ازاحة سياج العزلة والتهميش. وتمكن شعوب القارة من تحقيق تطلعاتها الى العيش الكريم .
ويحلل المؤلف الاسباب الداخلية والخارجية التي افضت الى حالة التخلف والتردي التي تعيشها القارة. ويبرز التحليل اهم الاسباب الداخلية لتخلف القارة. وهي المشاكل التي ورثتها القارة من مخلفات الحكم الاستعماري خلال قرن كامل من الزمان. ومرد هذه المشاكل الى النزاعات القبلية والحروب الاهلية التي بذر بذورها الاستعمار من خلال رسم حدود جغرافية مصطنعة بين الدول المجاورة لم تأخذ في الاعتبار التدخل السكاني بينها والانشطة الاقتصادية المشتركة بين القبائل المشتركة. وذلك الى جانب تركيز الادارات الاستعمارية جهودها على نهب موارد القارة وتوجيه اقتصادها لخدمة مصالحها مما يؤدي الى الكوارث الطبيعية التي دمرت البنيات الاساسية لاقتصاديات كثير من دول القارة.
اما حول الاسباب الخارجية لتخلف القارة، فيشير المؤلف في تحليله الى التحولا ت الاقتصادية التي صاحبت التغيرات السياسية والازمات الاقتصادية التي شهدها العالم خلال العقود الثلاثة الماضية. والتي تتمثل في ازمتي البترول في عام 1973م واوائل عقد الثمانيات. وما صاحب ذلك من ازمات اقتصادية في الاسواق العالمية. وشهد عقد التسعينات تحولات سياسية حادة زادت من حدة الاستضعاف الاقتصادي والسياسي للقارة. وقد حدث ذلك في اعقاب انتهاء الحرب الباردة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفتت الاتحاد السوفيتي. واتجاه الاتحاد الاوروبي الى احتضان دول اوروبا الشرقية، حيث فقدت القارة الافريقية اهميتها الاستراتيجية. وتراجعت اسبقيتها في تدفقات الموارد المالية من المصادر التاريخية.
ومن العوامل الخارجية التي اثرت على النمو والاستقرار الاقتصادي في الدول الافريقية في الفترة بعد الاستقلال، علاقتها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فالبرغم من ان مجالات واختصاصات عمل المؤسستين تبدو مختلفة، الا انهما تخدمان اهداف وسياسات الدول الكبرى - مجموعة الدول السبع - والتي تسيطر على سياسات واستراتيجيات عمل المؤسستين. وترتبط تلك الاهداف بمصالح المؤسسات المالية والاقتصادية الكبري. واهم تلك الاهداف الحفاظ على استقرار الاسواق المالية الدولية. وخلق وتوسيع فرص الاستثمار العالية الربحية لمؤسسات الدول الصناعية، لذا نرى سياسات وتوجهات المؤسستين تتغير من وقت لآخر وفق المتغيرات الدولية. ولاهمية ايجاد تناسق بين سياسات المؤسستين، برزت برامج التكييف الهيكلي
structrual adjustment programs والتي
طبقت بصورة واسعة في الدول الافريقية. وقد كانت المساعدات التي تقدمها هاتان المؤسستان مرتبطه بصورة اساسية بهذه البرامج. ويعتبر النجاح فيها جواز المرور الى الدول المانحة والاسواق العالمية الدولية.
ومن اكبر التحديات التي تواجه الدول الافريقية الفجوة التكنولوجية والمعلوماتية بينها وبين الدول الصناعية. وافتقار القارة الى وسائل الارتقاء بانتاجها ورفع مستوى الحياة لشعوبها، لذا فإن ابرز العوائق امام الاقتصاد الافريقي في مواجهة تداعيات العولمة والصمود امام المنافسة الجائرة، يتمثل في الفجوة المعلوماتية والافتقار الى التقنيات الحديثة. ويشير المؤلف في تحليله الى ضرورة مواجهة مخاطر التهميش التي تواجه القارة، فحالة التهميش والعزلة التي تعاني منها افريقيا وشعوبها اليوم، ليست حالة استثنائية او مرتبطة بمرحلة طارئة او مؤقتة. وضعف قدرة البلاد الافريقية على اعادة تجميع قواها وترتيب اوضاعها الاقتصادية والسياسية من اجل التصدي لتلك الحالة، من شأنه ان يوسع فجوات النمو بينها وبين العالم الخارجي، فتؤدي الى مزيد من التهميش والعزلة والفقر والاختلال الامني والاضطراب السياسي، كما حدث في كثير من الدول الافريقية، خاصة في دول جنوب الصحراء، حيث بلغ عدد المواطنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر حوالي300 مليون نسمة بمستوى دخل الفرد 0.65 دولار او اقل في اليوم. ويمثل هذا الرقم ما يعادل حوالي نصف سكان افريقيا. ومازال هذا الرقم في ارتفاع.
ويشكل فقراء الريف 80% من جملة فقراء افريقيا، مما يشير الى الفوارق الكبيرة في توزيع الدخول بين القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وبين المناطق المختلفة. ومما يعمق معاناة شعوب البلاد تفشي الامراض المعدية والوبائية كالملاريا ومرض نقص المناعة المكتسبة، التي تصطاد ضحايها من الشباب الذين يشكلون عصب القوى العاملة في البلاد. وبالتالي تأثيرها السالب على الانتاج، علما بأن مكافحة هذه الاوبئة والامراض تستنزف موارد مالية عالية، مما يضيف الى اعباء موارد الميزانيات الشحيحة والتي تعاني اصلا من الضمور، الي جانب المشاكل الاجتماعية التي تخلفها تلك الامراض مثل الارامل والايتام (let overs).
مع مطلع الالفية الثالثة وجدت افريقيا نفسها أمام تحديات كبرى لا لردم الفجوات المتنامية بينها وبين الاقاليم الاخري في العالم وازاحة سياج العزلة والتهميش الذي يحول دون اندماجها في المجتمع الدولي فحسب، بل ايضا لايقاف الحروب والنزاعات المحلية والاقليمية ومحاصرة حالات الفقر والجوع والمرض والجهل عن كاهل شعوبها. وتأسيس اطر مؤسسية وآليات للتعاون والتكامل الاقليمي والقاري وايقاف الحروب الاهلية ..الخ.
ومواجهة تلك التحديات تتطلب كاسبقية اولى اعادة هيكلية مؤسسية على المستوى المحلي والاقليمي والقاري. واجراء مراجعة شاملة لنظم واطر الحكم في الدول الافريقية. وفي المفاهيم التي تحكم النظم السياسية والادارية. واجراء تعديلات جوهرية في النماذج المتبعة في عمليات تصميم برامج التنمية وتنفيذها، تستند على اطر ومبادئ الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
وعلى خلفية التطورات الدولية والمتلاحقة والمتسارعة، اصبح التكامل الاقليمي يمثل الاطار الافضل لتحريك الجهود الافريقية لاحداث التحول المنشود. ومن خلال محاصرة المشاكل الداخلية التي تعتري التحولات الاقتصادية والاجتماعية في القارة، كما ان التعاون الاقليمي يمثل الوسيلة الاوفق لازاحة سياج التهميش الاقتصادي والعزلة السياسية عن افريقيا، خاصة بعد ان اصبحت التكتلا ت الاقتصادية الاقليمية هي السمة الغالبة في المجتمعات الدولية. ويمثل نجاح الاتحاد الاوروبي ومنظمة أسيان asean في آسيا المفتاح للتطورات الاقتصادية التي شهدتها القارتان.
لذا فإن قدرة القارة على التحرك الداخلي في اطار تكامل اقليمي وقاري، تمثل احد التحديات التي تواجه القارة. وتكمن مواجهة تلك التحديات في قدرة أفريقيا على التغلب على العوامل التي أدت الى فشل المحاولات التي بذلتها منظمة الوحدة الافريقية ومؤتمرات قمم الرؤساء.
فمازالت تلك التحديات تهدد بقاء الاتحاد الافريقي. ويواجه تلك التحديات ايضا تحقيق اهداف الشراكة الجديدة للتنمية في افريقيا NEPADوالاطار الثاني الذي يجب ان تشمله اعادة الهيكلة المؤسسية هو انشاء آلية لتحقيق الاستقرار والامن السياسي.
اذ أن عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ترتبط -اليوم - ارتباطا وثيقا بالاستقرار والأمن السياسي، فقد اهتمت اوروبا بعملية (هلسنكي) في تحقيق الاتحاد الاوروبي وتعميق التكامل الاقتصادي والسياسي. وما كان يمكن أن يتيسر لنمور آسيا ان تبلغ مستوى النمو الاقتصادي الذي وصلته، لولا تأسيسها - مسبقا - آليات فض النزاعات التي استطاعت ان تحقق حالات استقرار امني وسياسي في المنطقة، حيث أمكن في ظلها تحقيق الطفرة الاقتصاديةالكبرى التي مثلت معجزة عظمى. والاطار الثالث الذي يجب أن تشمله اعادة الهيكلة المؤسسية، هو نظم الحكم ومفاهيم الدول الافريقية حول البعد الشعبي في عمليات التنمية، فمن أهم أسباب فشل برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية في كثير من الدول الافريقية، انها تمت بقرارات فوقية في اطار التخطيط المركزي، او باملاءات من الممولين الخارجيين، او من خلال برامج مفروضة على الحكومات، كما يجب ان تشمل اعادة الهيكلة المؤسسية توازن الاقتصاد الكلي ومصادر التمويل.
إن عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي السريعة والحقيقية والقادرة على مخاطبة المشاكل والازمات الكبرى التي تواجه أفريقيا، يجب ان تتم في اطار برامج قفزة كبرى Big push شاملة ومنسقة ومستدامة (مشروع مارشال أفريقي).
ويتضح لنا من تجارب أوروبا وآسيا، ان اعادة التعمير الاولى بعد الدمار الذي سببته الحرب، استدعت توفير موارد مالية هائلة، امكن توفيرها من خلال (مشروع مارشال)، كما امكن توفير تمويل مشروع النهضة الصناعية الكبرى في آسيا من خلال مشروع (كولومبو). وفي المقابل فإن المساعدات التي قدمت لافريقيا لم يتم استخدامها في برنامج اقليمي متكامل. وذهبت موارد القروض والمساعدات التي تم استخدامها في الاطار القطري - على قلتها - في تمويل معدات عسكرية او سلع استهلاكية.
ولكي تلعب المساعدات الخارجية دورا مهماً في التنمية والتحولات الاقتصادية، بمثابة ما حدث في اوروبا وآسيا، فلابد من هيكلة التمويل الخارجي ليوظف ليعمل من خلال مشروعات اقليمية تفضي الى نهضة اقتصادية واجتماعية في القارة.
ويعتقد المؤلف أن استراتيجية وبرامج الأولويات التي حققتها مبادرة الشراكة الجديدة NEPAD يمكن ان تحقق هذا الهدف، اذا ما تم تفعيل آلية حشد الموارد وازالة الثغرات التي تكتنفها. وتوفير الارادة السياسية التي تؤكد الالتزام ببرامج المبادرة وموجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويدعو المؤلف الى فتح قنوات جديدة للعلاقات الاقتصادية مع دول الجنوب. وخاصة مع دول الاسواق الناشئة في آسيا، مثل الصين وماليزيا وكوريا الجنوبية.
ويرى المؤلف أنه يمكن خلق شراكة ذكية بين القارتين آسيا وافريقيا، مع امكانية تطوير العلاقات الجنوبية - الجنوبية لتمتد الى دول أمريكا اللاتينية.
ويقول المؤلف ان الرؤية الثاقبة والاستقراء الحصيف لمجريات التحولات الاقتصادية والسياسية في الساحة الدولية الآن، يؤكد ان دولتي الصين والهند سوف تلعبان دورا طليعيا في قيادة الاقتصاد الدولي خلال العقود القادمة، مما يجعل إرساء اسس وقواعد التعاون مع تلك الدول، يصب في خانة التخطيط الاستراتيجي السليم.
كتاب (أفريقيا وتحديات الألفية الثالثة) لمؤلفه الدكتور عبد الوهاب عثمان شيخ موسى، يقع في «230» صفحة من القطع الكبرى. ويحتوي على سبعة فصول: الجذور التاريخية لمشاكل افريقيا. والعوامل الداخلية للتخلف. والعوامل الخارجية. وافريقيا وتحديات الالفية الثالثة. وجهود التكامل على المستوى القاري. والشراكة الجديدة للتنمية في افريقيا NEPAD ومبادرة الشراكة الجديدة وتحديات التمويل.
كما يشتمل الكتاب على جداول وملاحق وثبت للمراجع. ومهد للكتاب البروفيسور أحمد علي الامام مستشار رئيس الجمهورية لشؤون التأصيل ورئيس مجمع الفقه الاسلامي. وقدم له البروفيسور حسن مكي عميد مركز البحوث والدراسات الافريقية بجامعة افريقيا العالمية.