raouf*
طاقم المتميزين
- رقم العضوية :
- 8218
- البلد/ المدينة :
- zeribet el oued
- العَمَــــــــــلْ :
- طالب
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 2067
- نقاط التميز :
- 2619
- التَـــسْجِيلْ :
- 24/12/2010
اسحاق مسنجر
يعود فن الخياطة اليدوية إلى أكثر من 20.000 سنة من الزمن. وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير منا في وقتنا الحاضر لا يدرك كم كان لظهور الإبرة من تأثير في الحضارة الحديثة، حيث أن الإبر قد تبدو أشياء مألوفة للبعض منا. وعلى كل حال فإنه ليس من الصعب على أحد تصور الكم الكبير من الأغراض التي تستخدم فيها الإبرة سواء في خياطة الملابس والأحذية والمواد المنزلية، وحتى الكتب التي نقرأها، كل ذلك يتم بواسط ة الإبرة. | |
صنعت أول إبرة خياطة من العظام أو قرون الحيوانات وأول خيط صُنع من عصب الحيوانات. ومع أن الإبر استخدمت منذ زمن بعيد إلا أنه من الصعب لأي شخص أن يعطيك تاريخاً كاملاً عنها نظراً لوجودها منذ أقدم العصور وكانت شائعة الاستخدام الأمر الذي ترك انطباعاً بعدم أهمية تسجيلها أو ذكرها في التاريخ. ولو حاولنا الرجوع للبدايات الأولى لظهور الإبر فسنجد أنفسنا فوراً أمام نتيجة مفادها بأن الإبر كانت ضرورية حتى في عصور ما قبل التاريخ كما هي ضرورية في يومنا هذا،حيث تم اكتشاف الإبر في قبور المصريين والمنازل المنحوتة قديماً، بعض الإبر صنعت من عظم السمك والخشب والعاج وكانت سميكة وثقيلة بالمقارنة مع الإبر الموجودة هذه الأيام. وعلى الرغم من أن بعضها يحتوي على ثقوب إما في نهايتها أو في الوسط فإن العديد منها مزود بخطاف في النهاية. وفي العصور الحديثة تم اكتشاف أن الهنود الحمر والقبائل البدائية كانت تستعمل العظام الرفيعة الموجودة في أجنحة الطيور كإبر لسحب الأعصاب عبر جلود الحيوانات لخياطة الملابس في الفصول الباردة. وحتى في العصور الحديثة مازال الغجر يستخدمون العظام المغلية بالزيت لتقسيتها كدبابس. بالرجوع إلى الإنجيل والقرآن الكريم للبحث عن أجوبة لاستفساراتنا سنجد أن الكتابين يشيران في طياتهما إلى الإبر. ففي الآية 7 السورة رقم 40 من القرآن الكريم نجد إشارة إلى الإبرة في هذه الآية. ووفقاً لواحد من أقدم الأحاديث التي استشهد بها الزمخشري في تفسيره المشهور للقرآن الكريم (التفسير الكشاف) والتي جاء فيها بأن آدم عليه السلام وهو أول كائن بشري قد جلب معه من الجنة خمسة أشياء مصنوعة من الحديد وهي: "سندان وزوج ملاقط ومطرقتان وأضخم وأصغر إبرة." وبناء على هذا الكلام فإن معرفة استخدام الإبرة قد أوحي به من الله إلى الإنسان إضافة إلى أمور أخرى. ولكونه أول الخلق كان عليه نقل معلوماته عن استعمالات الإبرة إلى من أتى بعده وبعد ذلك انتقلت إلى مناطق مختلفة من الأرض. وخلال عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان استعمال الإبرة شائعاً بين سكان الجزيرة العربية. خلال العصر البرونزي تم اكتشاف أنه باستخدام مواد جديدة يمكن الحصول على أفضل وأصغر الإبر، ومع ذلك فقد وجدت أبر كبيرة مصنوعة في اليونان تستخدم لتثبيت الفساتين الفضفاضة للنساء اليونانيات. أما بالنسبة للرومان فقد استخدموا الإبر المصنوعة من البرونز والعاج في العصر الحديدي وفي الحقبة المسيحية. ومن المحتمل أن قلة منهم استخدموا الإبر المصنوعة من الفضة. وقد اكتشفت الدبابيس الصغيرة المصنوعة من الفضة في قبور سكان البيرو الذي عاشوا في العصر البرونزي والتي اكتشفها الإسبان. | |
| |
يعتقد بأن الصينيين هم أول من أجادوا فن صناعة الإبرة الفولاذية، إلا أن بعض الباحثين يعزون نشأتها إلى الهند. وخلال العصر العباسي قام التجار العرب بمزاولة التجارة مع بلاد بعيدة من العالم للحصول على المعادن النادرة، حيث قاموا باستيراد الحديد المخلوط بشكل تقني مطور والذي كان يشبه الفولاذ من الهند ومن ثم قاموا بمعالجته وتشكيله ليصنعوا أدوات معدنية مختلفة مكملين بذلك فن صناعة الإبر في مراكز صنع الأسلحة في دمشق وطليطلة، تلك المدينتين اللتين حظيتا بالشهرة على مستوى العالم في صناعة السيوف والنصال. في هذه الأثناء تطور الطب العربي بسرعة ووصلت الجيوش العربية بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى مصر سنة 639 للميلاد ووصلت بعدها إلى شمال أفريقيا وفتحت إسبانيا. وفي عام 641م قام العرب بالاستيلاء على الإسكندرية الأمر الذي أدى إلى وقوع كم هائل من المخطوطات الطبية تحت أيديهم والتي تم ضمها وجمعها في مكتبة. وقد قامت الجيوش العربية بطريقة تدحض الفكرة الخاطئة المأخوذة عنهم لدى الكثيرين بإنقاذ هذه المخطوطات قبل احتراق المكتبية الشهيرة. وطور المسلمون شغفهم بالآثار الكلاسيكية حيث قاموا بترجمة الكثير من أقدم مخطوطات الطبية للرهبان النستوريين إلى العربية، وكانت من الثروات التي نقلوها معهم إلى إسبانيا. وخلال فترة حكمهم أصبحت مدينة قرطبة في إسبانية الإسلامية مركز تعليم الطب الرئيسي في العالم، ومن أعظم أساتذة علوم الطب في تلك الأيام كان أبوالقاسم الزهراوي (936-1013م) مؤلف كتاب التصريف. ولد في الزهراء بالقرب من قرطبة وعينه عبد الرحمن الثالث طبيباً في القصر نظراً للتميز الذي يتمتع به في مجال الجراحة. وخلال أيامه كانت قرطبة مدينة مكتظة بالسكان تضم خمسين مستشفى ومكتبة طبية تحوي 100.000 مجلد. وقد قام الزهراوي شخصياً بجمع أكثر من خمسمائة عمل في مجال الجراحة وكان جراحون من جميع أنحاء أوروبا يأتون لحضور دوراته الطبية، ويعتبر بأنه أول الجراحين في العالم والذي قام بتحرير الجراحة من أيدي المشعوذين وتطويرها لتصبح من أفضل العلوم التي برزت في ذلك الوقت. ويعد كتاب التفسير للزهراوي بحثاً متكاملاً حول الجراحة التي طبقت عملياً من قبل أطباء عرب متعلمين من الأندلس. يعتبر كتاب التصريف موسوعة في الطب والجراحة الحديثة، بحيث تم نشر الجزء الخاص من الموسوعة والمتعلق بالجراحة ليصبح أول عمل مستقل موثق بالأمثلة في هذا المجال، فقد احتوى على صور إيضاحية مرتبة بشكل رائع للأدوات الجراحية بما فيها الإبر الطبية الخاصة بتضميد الجروح، ويحتوي على وصف لعمليات الكسور والخلوع وحصى المثانة والغرغرينا وغيرها من الحالات. وجاء فيما بعد جاي دي شاولياك وهو أعظم الجراحين في القرون الوسطى ليترجم عمل الزهراوي، الأمر الذي مكّن الكتاب من شق طريقه إلى شتى المكتبات في أوروبا ليحل محل كتاب باول ايجينا "ايبيتيوم" الذي كان يستخدم على أساس أنه المرجع الأساسي للجراحة في أوروبا وبقي كتاب الزهراوي الكتاب الأكثر استخداماً في مجال الجراحة لمدة خمسة قرون تلت. بعد ذلك طبيب مسلم آخر حظي بالشهرة والتميز في مجال الطب والجراحة هو أبو مروان عبد الملك (1091-1161م)، الذي كان أشهر طبيب وجراح في العصور الوسطى. وقد أكد المؤرخون بأنه من أفضل الأطباء المسلمين بعد الرازي وجالينوس. ولد أبو مروان في إشبيلية وتخرج من جامعة قرطبة الطبية، وبعد فترة وجيزة قضاها في بغداد والقاهرة عاد إلى إسبانيا لممارسة الطب، حيث عمل لدى عبد المؤمن أول الخلفاء الموحدين كطبيب في القصر ومن ثم أصبح وزيراً. وإلى جانب كونه طبيباً متميزاً فقد قدم إسهامات واسعة هامة في مجال الجراحة وبرع في تشريح الجثث البشرية بمختلف الأدوات الجراحية المعروفة آنذاك، وكان يحيط بجميع تفاصيل التشريح ويستخدم أساليب متقنة في عملياته. ويعد أبو مروان أول شخص يقوم بعملية للقصبة الهوائية ويجري التغذية المباشرة من خلال المريء في حال استحالة التغذية الطبيعية. ومن بين كتب عدة كتبها كتاب "التيسير" والذي ترجم فيما بعد بشكل موسع وشكل إسهاماً كبيراً للنهضة التي شهدتها أوروبا في مجال الطب والجراحة والأدوات الجراحية. وخلال الفترة التي كان العرب يخرجون فيها من إسبانيا في القرن الخامس عشر نجحوا في أخذ معظم كتبهم الثمينة والمخطوطات التي تحتوي من المواضيع الأخرى على معلومات غنية تتعلق بالطب والجراحة. وقام الفاتحون من المسيحيون الإسبان بالمرور عليها باحتقار وكأنها كومة من النفايات، بينما قام العرب الذين تم رحلوا من البلاد والذين برعوا فيما بعد بصناعة الإبر واستخداماتها في الجراحة بحمل معرفتهم بذلك إلى أنحاء أخرى من العالم الإسلامي وقد وجدت هذه الوثائق طريقها إلى شبه الجزيرة العربية وفلسطين دون أن تمس بأي أذى. ويعتبر فن صناعة الإبر الموجودة في يومنا هذا حكراً للعرب الذين بدؤوا بتجارتها في مناطق متفرقة من أوروبا. |
عدل سابقا من قبل نجم الإسلام في الثلاثاء 28 ديسمبر - 12:44 عدل 1 مرات (السبب : تنظيم الموضوع)