LOTFI
طاقم المتميزين
- رقم العضوية :
- 2
- البلد/ المدينة :
- الوطن العربي الجريح
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 7902
- نقاط التميز :
- 11950
- التَـــسْجِيلْ :
- 09/06/2008
كيف تكتب مقالا
كيف تكتب مقالا
كيف تكتب مقالا ؟ رائعة الكاتب / فهد عامر الأحمدي
أولا : لماذا يجب أن تتعلم كتابة المقالات؟
لأن كتابة المقالات من أقوى وأسرع وسائل التعبير ونقل آرائك وأفكارك لعامة الناس.. ولأنه إبداع ذاتي وتعبير وجداني يجب أن تسأل نفسك (قبل أن تسأل: كيف أكتب مقالا؟) ماذا لدي كي أقدمه للناس وأخبرهم به؟
..هل تملك مثلا رأيا يستحق الطرح، أو فكرة تستحق المناقشة، أو معلومة تستحق النشر، أو تجربة يمكن الاستفادة منها... باختصار يجب أن تملك شيئا يستحق الكتابة ويستحق أن يخصص الناس وقتهم لقراءته.. فبدون هذا الشرط سيدرك القارئ أنك تكتب لمجرد "الاستعراض" أو تكرار أفكار يعرفها من قبل، وتتحول بسرعة لماركة سيئة لن يلتفت إليها مجددا..
ويخطئ من يظن أن المقال فن خاص بالصحف كونه (وسيلة تعبير) قد تظهر كافتتاحيات، ومقدمات تلفزيونية، ومدونات إلكترونية، ولابد نحتاجها عاجلا أم آجلا لنقل أفكارنا وتجاربنا للآخرين.. ومهما تغيرت وسائل الإعلام يظل المقال هو الأصل والجوهر كونه إبداعاً إنسانياً ذاتياً لايمكن لأي آلة أو كمبيوتر خلقه من العدم (في حين قد يتم تناقله بصيغ ووسائل إلكترونية مختلفة)!!
والمقال بطبيعته قصير وسريع بحكم صغر المساحة وسرعة العمل الذي تتميز به الصحف والمواقع الالكترونية ووسائل الإعلام عموما.. ولأنه صغير نسبيا يعتمد غالبا على مناقشة موضوع واحد دون التفرع للأمور الجانبية.. ورغم تميزه ب"وحدة الموضوع" إلا أن مواضيعه ذاتها تتنوع بتنوع المجالات والاهتمامات الإنسانية (وبالتالي توجد مقالات سياسية واجتماعية وعلمية وأدبية ووو...)!!
... والمقالات عموما إما شخصية ذاتية ، أو منهجية موضوعية:
- فالمقال الشخصي يميل إلى العفوية والتلقائية ويعبر عن رأي الكاتب ونظرته للموضوع دون إيراد الكثير من الحقائق والشواهد والمعلومات المساندة (مثل معظم المقالات التي تقرأها في الصحف).
- أما المقال المنهجي فأكثر جهدا وتنظيما ويتضمن تحليلاً واستشهادا بمصادر ومعلومات تؤيد فكرة ورأي الكاتب (مثل معظم مقالات هذه الزاوية)!!
ومع هذا لا يمكن الجزم بأن هناك مقالات شخصية أو منهجية (100%) كون معظم المقالات تتضمن مزيجا متفاوتا من الرأي والمعلومة.. ولكنها في النهاية تعبر عن شخصية الكاتب وتبرز رأيه ونظرته للأمور.. وهذا الامتزاج بشخصية الكاتب هو مايميز "المقال" عن التقارير المجردة والأخبار المحايدة التي تصاغ دون التأثر بشخصية محررها (وهو أيضا الفرق بين الكاتب والمحرر الصحفي)!!
... وفكرة المقال يجب أن تتشكل برأسك وتمتزج بشخصيتك قبل وقت معقول من نثرها على الورق.. فبقدر ماتكون الفكرة واضحة وناضجة في رأسك (بل ومختمرة فيه منذ وقت طويل) تخرج قوية ومتماسكة ومؤثرة في القراء. وبقدر ماتكون ضبابية ومقتبسة ومتسرعة تخرج ركيكة ومفككة وصعبة في كتابتها وقراءتها.. ولهذا السبب لا أستطيع شخصيا كتابة أفكار ينقلها إلي الآخرون لأنها ببساطة لم تتشكل في ذهني أو تصبح جزءا من شخصيتي.. كما لا أستطيع الجلوس على الكمبيوتر فجأة ثم أسأل نفسي "ماذا سأكتب اليوم" كون الفكرة يجب أن تمر بفترة "حبل" قد تستمر عدة أيام (وربما شهوراً وسنوات مثل هذه السلسلة)!!
... وفي الحقيقة، المرهق في كتابة المقالات ليس الكتابة ذاتها بل العثور على فكرة يومية قادرة على جذب القراء والإضافة لرصيدهم.. وبعد امتلاك الفكرة المميزة (وصياغتها بأسلوبك الأدبي الخاص) يجب البحث عن المعلومات والمصادر والاستشهادات التي تدعم رأيك وتظهر مقالك بطريقة قوية ومقنعة!
... وبهذه التركيبة يمكن تشبيه المقال الجيد بمثلث متساوي الأضلاع، تأتي (الفكرة) على قمته ثم (أسلوب) الكاتب على يمينه ثم (المصادر) على يساره.. ورغم أهمية "المصادر" إلا أن البحث فيها عملية مرهقة وبطيئة وبمثابة بحث مصغر يضطر معظم الكتاب لتجاوزه والالتفاف حوله، وأحيانا الاستعاضة عنه بالعزف على وتر حساس أو رفع مستوى الزعيق الفردي (وهذا بالمناسبة من أسرار المهنة)!!
ثانيا : كيف تكتب عنواناً يصعب تجاهله؟
يتكون المقال من خمسة عناصر رئيسة هي:
العنوان، والمقدمة، والموضوع، والخاتمة، والقفلة النهائية..
وجميعها عناصر مهمة وبديهية لايخلو منها المقال الجيد ولا يستغني عنها الكاتب الخبير.. ولكن، رغم بساطتها الظاهرة يتفاوت الكُتاب في وعيها واستغلالها وصياغتها بطريقة تخدم مواضيعهم وأفكارهم..
خذ كمثال "العنوان" الذي يحرص الجميع على صياغته بطريقة تعبر عن موضوع المقال، غير أن الأهم في نظري هو عمله كوسيلة جذب ولوحة إعلانات براقة تلفت انتباه القارئ وتقنعه بالدخول لمعرفة التفاصيل..
ففي هذه الأيام (حيث تتزاحم وسائل الإعلام على استقطاب الجمهور وتزدحم الصحف بأنواع المقالات والعناوين)، لديك أربع ثوان فقط لجذب انتباه إنسان يقلب الصحيفة بسرعة.. وإن لم يكن عنوانك جذابا ومميزا عن بقية العناوين سيتجاهل مقالك ويستمر في تقليب الجريدة مكتفيا بالعناوين العريضة (وبالتالي ستتلاشى جهودك بطرفة عين)!!
لهذا السبب يجب أن تهتم بوضع عناوين جذابة ومميزة تقنع القارئ بالتوقف وتخصيص جزء من وقته لقراءة كامل المقال.. وأمر كهذا يتطلب التغيير والتبديل وتجربة عدد كبير من العناوين حتى تصل لأفضل خيار ممكن، بحيث يظهر عنوانك الخاص كإبداع شخصي لم يكتشفه كاتب قبلك..
ويمكن القول أن أفضل عنوان هو الذي تضعه بعد الانتهاء من كتابة المقال وليس قبل البدء به (خصوصا أنك قد تكتشف أنه مجرد جملة أو جزء من فقرة ذكرتها خلال كتابة التفاصيل)..
لهذا السبب تعلمت شخصيا وضع (عناوين) لمقالاتي:
الأول خاص يتضمن كلمات تسهل حفظه واسترجاعه إلكترونيا، والثاني تسويقي عام يظهر في الصحيفة بهدف جذب القراء وإقناعهم بقراءة التفاصيل!!
... ورغم كثرة الخيارات، وتعدد الأذواق، ونسبية الآراء اكتشفت شخصيا أن أكثر العناوين جذبا للقراء هي:
= التي تتضمن سردا عدديا أو ترتيبا تسلسليا مثل:
أجمل (....) في العالم،
أخطر عشرة (....) تعجل بوفاتك،
أهم خمسين (....) في التاريخ،
7 أسرار لاتعرفها عن (....)!!
= وكذلك العناوين التي تعزف على وتر "كيف تفعل كذا وكذا" مثل:
كيف تكتب (عنوانا) يصعب تجاهله؟
كيف تحقق (....) قبل سن الأربعين؟
كيف تكسب (....) خلال شهرين؟
كيف تسافر الى (فنلندا) ب250 ريالا فقط؟
= وكذلك العناوين التي تتضمن تساؤلات غريبة أو يهتم القراء بأجوبتها مثل:
(من) يضمن استثماراتنا في البنوك؟
(لماذا) لا تذهب الخراف إلى الطبيب؟
(كيف) بدأت موضة طيحني ؟
(أين) تذهب المطلقة بعد سن الخمسين؟
= وهناك أيضا العناوين التي تتضمن إقرارا جريئا أو صادما مثل:
في حينا دكان مخدرات..
مكة ليست مركزا للكون!
"أيها السادة أنتم حمير"
عاهر بحكم الوراثة.
(ملعون أبو المحافظ).
= وكذلك العناوين التي تتلاعب (وتتكئ) على أقوال شائعة مثل:
في العجلة (البدانة)...
الشرطة في خدمة (النصب)...
العقل السليم في الجسم (العليل)...
المكتوب على (الجبين) لازم تشوفه العين...
أما في حال كان موضوعك جذابا ومشوقا بطبعه، فضع عنوانا يؤكد هذه الميزة.. مثل:
ظواهر حيرت العلماء.
أحلام غيرت التاريخ.
حين أمطرت السماء ضفادع.
المسلمون أول من اكتشف أمريكا...
... وبطبيعة الحال، هذه مجرد أمثلة للتوضيح والاقتداء وليس من الضروري الالتزام بها أو حصر نفسك بإطارها.. المهم فعلا هو: أن تبتعد عن العناوين التقليدية والمملة أو التي تقدم صورة كاملة للموضوع.. ولتذكر في المقابل أن العنوان الجذاب (عنوان غير تقليدي وغير مسبوق) يهدف في المقام الأول إلى إثارة فضول القارئ وجذبه لقراءة مقالك خلال أربع ثوان لا غير!!
ثالثا : كيف تكتب المقدمة؟
كنا في آخر مقال قد تحدثنا عن أهمية العنوان وكيف تختاره بطريقة تجعل من الصعب تجاهله.. أما المقدمة فهي الجزء المتضمن نبذه سريعة (ودون تفصيل) تمهد فيه لموضوعك الرئيسي وتخبر القراء بما ستخبرهم به بالتفصيل..
ومقال بلا مقدمة يشبه مشاهدتك لفيلم (من منتصفه) فتتملكك الحيرة ويخفى عليك السياق فتعمد الى تغيير القناة.. ونفس الأمر ينطبق على الكتابة كون دخولك مباشرة في صلب الموضوع (متجاهلا المقدمة والتمهيد) يجعل القارئ حائرا بخصوص هدفك وفكرتك ودوافع طرحك!
وفي المقابل؛ لا يجب أن تطول مقدمتك إلى حد "تطفيش" القارئ أو التفرع لقضايا لن تناقشها لاحقا.. فكما لا يجب أن تتجاوز مقدمة أي فيلم 30 دقيقة على الأكثر (وإلا سيصاب المشاهد بالملل ويتساءل أين القصة) يجب أن تمهد لفكرتك خلال 30 ثانية فقط (وإلا سيصاب القارئ بالملل ويقلب الصفحة)!!
... وإن كانت مهمة العنوان هي لفت انتباه القارئ، فإن مهمة المقدمة هي الاحتفاظ به وتهيئته للدخول في التفاصيل. ولفعل هذا يجب أن تخبر القراء في المقدمة (بما ستخبرهم به في الموضوع) ولكن بطريقة مختصرة وجذابة ومشوقة تضمن بقاءهم حتى النهاية..
وهناك طرق كثيرة لبدء المقدمة بطريقة مميزة كأن تبدأ مثلا:
= بقضية تهم القارئ مثل:
لست وحدك من يعاني من تبخر الراتب (أو) لماذا تشعر أحيانا بأنك أقل الناس حظا...
= أو طرح سؤال غريب مثل:
لماذا لا تذهب الخراف إلى الطبيب؟ (أو) هل يصدر البركان صوتا لو لم يسمعه أحد؟!!
= أو البدء بموقف طريف أو تركيبة أدبية لطيفة مثل:
باستثناء المنديل الذي أحمله لم أتعود دس أنفي في أمور لا تخصني (أو) لم تكن المرة الأولى التي أركب فيها منطاد هواء ساخن، ولكنها المرة الأولى التي يسألني أحد عن السيدة عائشة على هذا الارتفاع..
= أو البدء بإحصائية أو رقم مفاجئ مثل:
22% من المواطنين فقط يملكون منازل خاصة بهم (أو) في عام 1947 شاهد العالم أول طبق حقيقي طائر (أو) 60% من الرجال معرضون لتضخم البروستاتا بعد سن الخمسين...
= كما يمكنك أسر القارئ مباشرة بزخم معلوماتي مدهش مثل:
أثبتت الدراسات أن النساء يعشن أطول من الرجال؛ وسكان الجبال أكثر من السهول؛ وأهل القرى أكثر من المدن، وغير المدخنين أكثر من المدخنين؛ والمتزوجون أطول عمرا من العزاب؛ والنحاف أكثر من السمان؛ والكائنات الكبيرة أكثر من الصغيرة.. واليابانيون أكثر من أي شعب بالعالم!!
..... وعلى نفس السياق يمكن أن تبدأ مقدمتك ب: قصة، أو استشهاد، أو تجربة، أو تعليق، أو فكرة، أو أي شيء آخر بشرط أن يكون جذابا ومشوقا ويقنع القارئ بالبقاء (لمعرفة سر العمر الطويل لليابانيين، أو تضخم البروستاتا لدى الرجال، أو علاقة البالون بزواج السيدة عائشة)!
... وفي الحقيقة؛ مساحة هذه الزاوية لا تسمح بسرد أمثلة لمقدمات أكثر طولا وبالتالي أرجو اعتبار النماذج أعلاه مجرد اختصارات أو افتتاحيات للمقدمات ذاتها...
وأنا على أي حال لا أفضل أن تتجاوز المقدمة 20% من حجم الموضوع وأرى أنه كلما (قصر طولها وارتفعت جاذبيتها) حققت هدفها بشكل أفضل واحتفظت بالقارئ لوقت أطول.. والكاتب الخبير يمكنه تحقيق هذين المطلبين منذ البداية في حين يمكن للكاتب المبتدئ الدخول مباشرة في الموضوع (متجاهلا المقدمة مؤقتا) ثم العود لصياغتها من وحي السياق أو تحوير أفضل فقرة ونقلها كمقدمة!!
رابعا : جسد المقال
بعد أن ينجح (العنوان) في جذب القارئ، وتنجح (المقدمة) في تهيئته للفكرة وإقناعه بالبقاء لمعرفة النهاية، ندخل في العنصر الثالث وهو (الموضوع) أو جسد المقال ذاته..
وبطبيعة الحال لن يخبرك أحد بوجود حد فاصل بين هذه العناصر الثلاثة سواء في المقالات التي تكتبها أو تقرأها ولكنك ستعرف أنك غادرت "المقدمة" ودخلت في "الموضوع" حين تبدأ بالتفصيل والشرح والتحليل والاستشهاد وإخبار القارئ برأيك وموقفك!
ولتقريب الفكرة سأستعرض معكم نموذجين كتبتهما سابقا يوضحان العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة..
ففي مقال (لماذا يكثر الطلاق في بلاد الأحباب؟) نلاحظ منذ البداية وجود عنوان جذاب ومسجوع يلفت انتباه القارئ من بين عشرات العناوين التي تمتلئ بها الصحيفة..
وبعد هذا العنوان تأتي (المقدمة) التي تمهد للفكرة وتخبر القارئ بما سنناقشه لاحقا، وتبدأ كالتالي:
هناك مفارقة حقيقية فيما يخص الزواج والطلاق بين المجتمعات الشرقية والغربية...
فالزواج في الغرب قرار شخصي وفعل فردي ويفترض وجود الحب قبل الزواج...
أما في الشرق فقرار عائلي يختار فيه الأهل الطرف المناسب اعتمادا على معايير تقليدية قد لا تدخل ضمنها العواطف المسبقة...
والعجيب أن النوع الأول يتمتع بنسبة طلاق أعلى رغم أنه قرار شخصي وخاضع لحب مسبق في حين تقل نسبة الطلاق في النوع الثاني (رغم انتفاء الخيار الشخصي وعدم وجود معرفة مسبقة بين الزوجين)...
وبعد هذه المقدمة نبدأ بالدخول في العنصر الثالث (جسد المقال) حيث تفصيل وتفسير هذه الظاهرة وإبداء الرأي حولها:
... وأنا شخصيا أرى أن اختلاف مفهوم الزواج والهدف من الارتباط هو سبب التفاوت بين نسبة الطلاق في الشرق والغرب..
فدافع زواج الأول في الغرب هو الحب والوقوع في العشق، ثم يأتي في المقام الثاني تكوين الأسرة وتربية الأطفال...
أما في المجتمعات الشرقية فالهدف الأول من الزواج هو تكوين الأسرة وتربية الأولاد والحفاظ على نسل العائلة، ثم يأتي الحب لاحقا نتيجة العشرة الجميلة بين الزوجين...
وهكذا حين يخف الحب بين الزوجين (في الحالة الأولى)، يختفي الرابط الأساسي للزواج ولا يبقى أمام الطرفين غير الانفصال بعكس الحالة الثانية .......... (إلى نهاية الموضوع)
*** *** ***
أما النموذج الثاني فمقال كتبته بعد انتهاء مباريات كأس العالم في جنوب أفريقيا تحت عنوان (أفيون الشعوب الحقيقي) .. وبعد جذب القارئ بهذا العنوان الصريح والغريب تبدأ المقدمة بالشكل التالي:
انتهت منافسات كأس العالم وانتهى معها شهر كامل من الهوس والغفلة اللذيذة..
"الهوس" لأنها الحالة الوحيدة التي تستولي فيها كرة القدم على عقول الأمم بمختلف لغاتها وثقافاتها.. و"الغفلة" لأنها الفترة الوحيدة التي تنسى فيها شعوب العالم مشاكلها الداخلية، وتغض الطرف عن كافة المشاكل والمصائب الدولية....
بعد ذلك ندخل في صلب الموضوع حيث التفاصيل وتقديم أمثلة تؤيد وجهة نظر الكاتب:
فحين استضافت ايطاليا كأس العالم عام 1934 قال موسوليني "لم اتصور أن ولاء الايطاليين لهذه اللعبة يفوق ولاءهم لإيطاليا واحزابها الوطنية، سنفعل ما بوسعنا لاستضافة البطولة القادمة"...
وبعد فوز انجلترا بكأس العالم 1966 كتب وزير الاقتصاد "هذا النصر سيخفف الضغوط على الجنيه الاسترليني ويحد من عمليات المتاجرة ضده"... وحين فازت البرازيل بكأس 1970 بكى توستاو لأنهم حسب قوله ألهوا الشعب البرازيلي وسمحوا للعسكر بتعزيز سلطتهم التي اغتصبوها للتو...
أما الجنرالات في الارجنتين ففعلوا المستحيل لاستضافة كأس العالم عام 1978، ودفعوا الرشاوى لتحقيق الفوز لمجرد صرف نظر الأرجنتينيين عنهم ....(إلى آخر الأمثلة التي تثبت رأي الكاتب)!!
*** *** ***
بقيت ملاحظة مهمة أرجو أن تتذكرها حتى النهاية؛ وهي أن معظم الكتاب يكتبون بالسليقة وبطريقة عفوية ولا يتعمدون وقد لايعون وجود هذه التقسيمات أصلا.. ولكن من يحلل ويمنهج المقالات الجيدة والمسبوكة يكتشف وجودها ويلاحظ مهارة الكاتب في الانطلاق من المقدمة حتى الخاتمة بطريقة منطقية تستحق الدراسة والاحتذاء فعلا!
خامسا : كيف تغلق المقال؟
بعد العنوان، والمقدمة، والموضوع، ينتهي المقال بخاتمة (وقفلة نهائية) توضح كل شيء..
ومهمة الخاتمة هي إغلاق المقال بطريقة تلخص الموضوع وتؤكد رأي الكاتب وتجيب عن أسئلة القارئ. كما يجب أن تتضمن رأيك بصراحة ووضوح وماذا تتوقع من القراء أن يعتقدوا ويفهموا ويفكروا بشأنه.. وهي طريقتك الفريدة في إنهاء المقال بشكل مُرضٍ ومريح للقراء.. كما أنها فرصتك الأخيرة والقصيرة لتأكيد وجهة نظرك وتقديمها كمكافأة للقارئ (نظير بقائه حتى النهاية وتحمله لكافة التفاصيل)!!
... وتكمن أهمية الخاتمة (ليس فقط في تلخيص وتأكيد الفكرة الأساسية) بل وفي موقعها ووجودها في نهاية المقال.. فنحن ننتظر دائما نهايات الأشياء، ونتذكر خواتيم الأفعال، ونحكم على نتائج الأمور.. وحين تقرأ مقالا جميلا تغيب خاتمته فجأة بسبب البتر أو التمزيق تشعر بالضيق والإحباط (وكأن الإرسال انقطع فجأة أثناء متابعة مباراة جميلة)!!
ولأن الخاتمة مسؤولة عن تشكيل الرأي النهائي للقارئ، وتحديد موقفه من الكاتب، يجب أن تصاغ بحذر وحرفية ومن خلال تجربة عدد كبير من الفقرات والجمل، حتى تصل لأفضل صياغة تجمع بين قوة التأثير، وسهولة التذكر، وحُسن الانطباع..
ورغم أن كل كاتب يفعل ذلك بأسلوبه الخاص إلا أن خاتمة المقالات تتضمن غالبا:
= اختصارا وتأكيدا للفكرة الرئيسة (ولكن بصياغة مختلفة).
= أو معلومة أخيرة (تؤكد الفكرة وتزيدها قوة).
= أو طرفة وتعليقاً ساخراً (يحفظ مقالك في الذاكرة لفترة طويلة).
= أو إيراد مصادر وعناوين تهم القارئ (ويتوسع من خلالها لاحقا).
= أو طرح سؤال قوي ومفتوح (يمنح فكرتك بعدا أعظم ونظرة أشمل).
= أو استشهاداً بنص أو حادثة أو قصة معروفة (تثبت تأييد الآخرين لوجهة نظرك).
= أو حتى انعطافا مفاجئا وقفزا لاستنتاج غير متوقع....كما سنرى في النموذج التالي:
ففي مقال (رجال خضر قتلوا الرئيس) استعرضت كتابا جديدا حول اغتيال الرئيس كينيدي ادعى مؤلفه تعاون المخابرات الأمريكية مع رجال خضر، هبطوا من كوكب سازيوس، لقتل الرئيس بعد تهديده بفضح العلاقة بين الطرفين (......). وحتى نهاية المقال أعتقد القراء أنني أتحدث فعلا عن هذا الكتاب السخيف قبل أن أختم المقال بالفقرة التالية:
..... والآن؛ أيها السادة استمعوا لما سأقوله جيدا:
ليس المهم تصديق أو تكذيب هذا الادعاء.. المهم فعلا هو أن كتابا تافها كهذا حقق أرباحا فاقت ال50 مليون دولار بفضل الاقبال على القراءة في أمريكا وضخامة سوق النشر هناك..
وفي المقابل يصعب على أي كتاب جاد لدينا توزيع 3000 نسخة وربح أكثر من 15 ألف ريال خلال فترة توزيعه الطويلة!!!
( ولهذا السبب بالذات لا تسألوني مجددا ..... لماذا لا تظهر مقالاتك في كتاب!؟؟)
أيضا سبق أن كتبت مقالا بعنوان (معجزة عناقيد النمل) تحدثت فيه عن مهارة النمل في بناء مدن مدفونة ومعقدة تحت الأرض يتجاوز طولها طابقين أو ثلاثة.. وقلت في الخاتمة:
... وما يدعو للتأمل أن النمل كان ينفذ (نفس المخطط) ويسير على (نفس التصميم) منذ كان الانسان بدائيا متخلفا يسكن الكهوف وصدوع الجبال.. ولكن.. لأن مامن نملة تمردت على واقعها أو قدمت إبداعا يضيف لحياتها استمرت بالبناء تحت الأرض في حين وصل البشر إلى حدود الفضاء!!
(...... أعني... بعض البشر...)
*** *** ***
وهذا أيها السادة عن خاتمة المقال (وأيضا خاتمة هذه السلسلة التعليمية)..
... أما بخصوص القفلة النهائية فهي بمثابة (خاتمة الخاتمة) التي لا تستغرق أكثر من جملة أو سطر واحد وتفهم من سياق الخاتمة ذاتها..
ولأنها آخر ما سيراه الناس في مقالك يجب أن تتضمن أكبر تركيز من السخرية والطرافة والصراحة بحيث لا ينساها القارئ ويبتسم كلما تذكرها ويغفر لك من أجلها.
ولأن المساحة لا تتسع لتقديم الأمثلة أحيلك إلى آخر سطر بين قوسين (في نهاية النموذجين السابقين) وكلي ثقة بأنك ستتذكر "الانطباع" الذي تغلق به مقالات حول العالم
أولا : لماذا يجب أن تتعلم كتابة المقالات؟
لأن كتابة المقالات من أقوى وأسرع وسائل التعبير ونقل آرائك وأفكارك لعامة الناس.. ولأنه إبداع ذاتي وتعبير وجداني يجب أن تسأل نفسك (قبل أن تسأل: كيف أكتب مقالا؟) ماذا لدي كي أقدمه للناس وأخبرهم به؟
..هل تملك مثلا رأيا يستحق الطرح، أو فكرة تستحق المناقشة، أو معلومة تستحق النشر، أو تجربة يمكن الاستفادة منها... باختصار يجب أن تملك شيئا يستحق الكتابة ويستحق أن يخصص الناس وقتهم لقراءته.. فبدون هذا الشرط سيدرك القارئ أنك تكتب لمجرد "الاستعراض" أو تكرار أفكار يعرفها من قبل، وتتحول بسرعة لماركة سيئة لن يلتفت إليها مجددا..
ويخطئ من يظن أن المقال فن خاص بالصحف كونه (وسيلة تعبير) قد تظهر كافتتاحيات، ومقدمات تلفزيونية، ومدونات إلكترونية، ولابد نحتاجها عاجلا أم آجلا لنقل أفكارنا وتجاربنا للآخرين.. ومهما تغيرت وسائل الإعلام يظل المقال هو الأصل والجوهر كونه إبداعاً إنسانياً ذاتياً لايمكن لأي آلة أو كمبيوتر خلقه من العدم (في حين قد يتم تناقله بصيغ ووسائل إلكترونية مختلفة)!!
والمقال بطبيعته قصير وسريع بحكم صغر المساحة وسرعة العمل الذي تتميز به الصحف والمواقع الالكترونية ووسائل الإعلام عموما.. ولأنه صغير نسبيا يعتمد غالبا على مناقشة موضوع واحد دون التفرع للأمور الجانبية.. ورغم تميزه ب"وحدة الموضوع" إلا أن مواضيعه ذاتها تتنوع بتنوع المجالات والاهتمامات الإنسانية (وبالتالي توجد مقالات سياسية واجتماعية وعلمية وأدبية ووو...)!!
... والمقالات عموما إما شخصية ذاتية ، أو منهجية موضوعية:
- فالمقال الشخصي يميل إلى العفوية والتلقائية ويعبر عن رأي الكاتب ونظرته للموضوع دون إيراد الكثير من الحقائق والشواهد والمعلومات المساندة (مثل معظم المقالات التي تقرأها في الصحف).
- أما المقال المنهجي فأكثر جهدا وتنظيما ويتضمن تحليلاً واستشهادا بمصادر ومعلومات تؤيد فكرة ورأي الكاتب (مثل معظم مقالات هذه الزاوية)!!
ومع هذا لا يمكن الجزم بأن هناك مقالات شخصية أو منهجية (100%) كون معظم المقالات تتضمن مزيجا متفاوتا من الرأي والمعلومة.. ولكنها في النهاية تعبر عن شخصية الكاتب وتبرز رأيه ونظرته للأمور.. وهذا الامتزاج بشخصية الكاتب هو مايميز "المقال" عن التقارير المجردة والأخبار المحايدة التي تصاغ دون التأثر بشخصية محررها (وهو أيضا الفرق بين الكاتب والمحرر الصحفي)!!
... وفكرة المقال يجب أن تتشكل برأسك وتمتزج بشخصيتك قبل وقت معقول من نثرها على الورق.. فبقدر ماتكون الفكرة واضحة وناضجة في رأسك (بل ومختمرة فيه منذ وقت طويل) تخرج قوية ومتماسكة ومؤثرة في القراء. وبقدر ماتكون ضبابية ومقتبسة ومتسرعة تخرج ركيكة ومفككة وصعبة في كتابتها وقراءتها.. ولهذا السبب لا أستطيع شخصيا كتابة أفكار ينقلها إلي الآخرون لأنها ببساطة لم تتشكل في ذهني أو تصبح جزءا من شخصيتي.. كما لا أستطيع الجلوس على الكمبيوتر فجأة ثم أسأل نفسي "ماذا سأكتب اليوم" كون الفكرة يجب أن تمر بفترة "حبل" قد تستمر عدة أيام (وربما شهوراً وسنوات مثل هذه السلسلة)!!
... وفي الحقيقة، المرهق في كتابة المقالات ليس الكتابة ذاتها بل العثور على فكرة يومية قادرة على جذب القراء والإضافة لرصيدهم.. وبعد امتلاك الفكرة المميزة (وصياغتها بأسلوبك الأدبي الخاص) يجب البحث عن المعلومات والمصادر والاستشهادات التي تدعم رأيك وتظهر مقالك بطريقة قوية ومقنعة!
... وبهذه التركيبة يمكن تشبيه المقال الجيد بمثلث متساوي الأضلاع، تأتي (الفكرة) على قمته ثم (أسلوب) الكاتب على يمينه ثم (المصادر) على يساره.. ورغم أهمية "المصادر" إلا أن البحث فيها عملية مرهقة وبطيئة وبمثابة بحث مصغر يضطر معظم الكتاب لتجاوزه والالتفاف حوله، وأحيانا الاستعاضة عنه بالعزف على وتر حساس أو رفع مستوى الزعيق الفردي (وهذا بالمناسبة من أسرار المهنة)!!
ثانيا : كيف تكتب عنواناً يصعب تجاهله؟
يتكون المقال من خمسة عناصر رئيسة هي:
العنوان، والمقدمة، والموضوع، والخاتمة، والقفلة النهائية..
وجميعها عناصر مهمة وبديهية لايخلو منها المقال الجيد ولا يستغني عنها الكاتب الخبير.. ولكن، رغم بساطتها الظاهرة يتفاوت الكُتاب في وعيها واستغلالها وصياغتها بطريقة تخدم مواضيعهم وأفكارهم..
خذ كمثال "العنوان" الذي يحرص الجميع على صياغته بطريقة تعبر عن موضوع المقال، غير أن الأهم في نظري هو عمله كوسيلة جذب ولوحة إعلانات براقة تلفت انتباه القارئ وتقنعه بالدخول لمعرفة التفاصيل..
ففي هذه الأيام (حيث تتزاحم وسائل الإعلام على استقطاب الجمهور وتزدحم الصحف بأنواع المقالات والعناوين)، لديك أربع ثوان فقط لجذب انتباه إنسان يقلب الصحيفة بسرعة.. وإن لم يكن عنوانك جذابا ومميزا عن بقية العناوين سيتجاهل مقالك ويستمر في تقليب الجريدة مكتفيا بالعناوين العريضة (وبالتالي ستتلاشى جهودك بطرفة عين)!!
لهذا السبب يجب أن تهتم بوضع عناوين جذابة ومميزة تقنع القارئ بالتوقف وتخصيص جزء من وقته لقراءة كامل المقال.. وأمر كهذا يتطلب التغيير والتبديل وتجربة عدد كبير من العناوين حتى تصل لأفضل خيار ممكن، بحيث يظهر عنوانك الخاص كإبداع شخصي لم يكتشفه كاتب قبلك..
ويمكن القول أن أفضل عنوان هو الذي تضعه بعد الانتهاء من كتابة المقال وليس قبل البدء به (خصوصا أنك قد تكتشف أنه مجرد جملة أو جزء من فقرة ذكرتها خلال كتابة التفاصيل)..
لهذا السبب تعلمت شخصيا وضع (عناوين) لمقالاتي:
الأول خاص يتضمن كلمات تسهل حفظه واسترجاعه إلكترونيا، والثاني تسويقي عام يظهر في الصحيفة بهدف جذب القراء وإقناعهم بقراءة التفاصيل!!
... ورغم كثرة الخيارات، وتعدد الأذواق، ونسبية الآراء اكتشفت شخصيا أن أكثر العناوين جذبا للقراء هي:
= التي تتضمن سردا عدديا أو ترتيبا تسلسليا مثل:
أجمل (....) في العالم،
أخطر عشرة (....) تعجل بوفاتك،
أهم خمسين (....) في التاريخ،
7 أسرار لاتعرفها عن (....)!!
= وكذلك العناوين التي تعزف على وتر "كيف تفعل كذا وكذا" مثل:
كيف تكتب (عنوانا) يصعب تجاهله؟
كيف تحقق (....) قبل سن الأربعين؟
كيف تكسب (....) خلال شهرين؟
كيف تسافر الى (فنلندا) ب250 ريالا فقط؟
= وكذلك العناوين التي تتضمن تساؤلات غريبة أو يهتم القراء بأجوبتها مثل:
(من) يضمن استثماراتنا في البنوك؟
(لماذا) لا تذهب الخراف إلى الطبيب؟
(كيف) بدأت موضة طيحني ؟
(أين) تذهب المطلقة بعد سن الخمسين؟
= وهناك أيضا العناوين التي تتضمن إقرارا جريئا أو صادما مثل:
في حينا دكان مخدرات..
مكة ليست مركزا للكون!
"أيها السادة أنتم حمير"
عاهر بحكم الوراثة.
(ملعون أبو المحافظ).
= وكذلك العناوين التي تتلاعب (وتتكئ) على أقوال شائعة مثل:
في العجلة (البدانة)...
الشرطة في خدمة (النصب)...
العقل السليم في الجسم (العليل)...
المكتوب على (الجبين) لازم تشوفه العين...
أما في حال كان موضوعك جذابا ومشوقا بطبعه، فضع عنوانا يؤكد هذه الميزة.. مثل:
ظواهر حيرت العلماء.
أحلام غيرت التاريخ.
حين أمطرت السماء ضفادع.
المسلمون أول من اكتشف أمريكا...
... وبطبيعة الحال، هذه مجرد أمثلة للتوضيح والاقتداء وليس من الضروري الالتزام بها أو حصر نفسك بإطارها.. المهم فعلا هو: أن تبتعد عن العناوين التقليدية والمملة أو التي تقدم صورة كاملة للموضوع.. ولتذكر في المقابل أن العنوان الجذاب (عنوان غير تقليدي وغير مسبوق) يهدف في المقام الأول إلى إثارة فضول القارئ وجذبه لقراءة مقالك خلال أربع ثوان لا غير!!
ثالثا : كيف تكتب المقدمة؟
كنا في آخر مقال قد تحدثنا عن أهمية العنوان وكيف تختاره بطريقة تجعل من الصعب تجاهله.. أما المقدمة فهي الجزء المتضمن نبذه سريعة (ودون تفصيل) تمهد فيه لموضوعك الرئيسي وتخبر القراء بما ستخبرهم به بالتفصيل..
ومقال بلا مقدمة يشبه مشاهدتك لفيلم (من منتصفه) فتتملكك الحيرة ويخفى عليك السياق فتعمد الى تغيير القناة.. ونفس الأمر ينطبق على الكتابة كون دخولك مباشرة في صلب الموضوع (متجاهلا المقدمة والتمهيد) يجعل القارئ حائرا بخصوص هدفك وفكرتك ودوافع طرحك!
وفي المقابل؛ لا يجب أن تطول مقدمتك إلى حد "تطفيش" القارئ أو التفرع لقضايا لن تناقشها لاحقا.. فكما لا يجب أن تتجاوز مقدمة أي فيلم 30 دقيقة على الأكثر (وإلا سيصاب المشاهد بالملل ويتساءل أين القصة) يجب أن تمهد لفكرتك خلال 30 ثانية فقط (وإلا سيصاب القارئ بالملل ويقلب الصفحة)!!
... وإن كانت مهمة العنوان هي لفت انتباه القارئ، فإن مهمة المقدمة هي الاحتفاظ به وتهيئته للدخول في التفاصيل. ولفعل هذا يجب أن تخبر القراء في المقدمة (بما ستخبرهم به في الموضوع) ولكن بطريقة مختصرة وجذابة ومشوقة تضمن بقاءهم حتى النهاية..
وهناك طرق كثيرة لبدء المقدمة بطريقة مميزة كأن تبدأ مثلا:
= بقضية تهم القارئ مثل:
لست وحدك من يعاني من تبخر الراتب (أو) لماذا تشعر أحيانا بأنك أقل الناس حظا...
= أو طرح سؤال غريب مثل:
لماذا لا تذهب الخراف إلى الطبيب؟ (أو) هل يصدر البركان صوتا لو لم يسمعه أحد؟!!
= أو البدء بموقف طريف أو تركيبة أدبية لطيفة مثل:
باستثناء المنديل الذي أحمله لم أتعود دس أنفي في أمور لا تخصني (أو) لم تكن المرة الأولى التي أركب فيها منطاد هواء ساخن، ولكنها المرة الأولى التي يسألني أحد عن السيدة عائشة على هذا الارتفاع..
= أو البدء بإحصائية أو رقم مفاجئ مثل:
22% من المواطنين فقط يملكون منازل خاصة بهم (أو) في عام 1947 شاهد العالم أول طبق حقيقي طائر (أو) 60% من الرجال معرضون لتضخم البروستاتا بعد سن الخمسين...
= كما يمكنك أسر القارئ مباشرة بزخم معلوماتي مدهش مثل:
أثبتت الدراسات أن النساء يعشن أطول من الرجال؛ وسكان الجبال أكثر من السهول؛ وأهل القرى أكثر من المدن، وغير المدخنين أكثر من المدخنين؛ والمتزوجون أطول عمرا من العزاب؛ والنحاف أكثر من السمان؛ والكائنات الكبيرة أكثر من الصغيرة.. واليابانيون أكثر من أي شعب بالعالم!!
..... وعلى نفس السياق يمكن أن تبدأ مقدمتك ب: قصة، أو استشهاد، أو تجربة، أو تعليق، أو فكرة، أو أي شيء آخر بشرط أن يكون جذابا ومشوقا ويقنع القارئ بالبقاء (لمعرفة سر العمر الطويل لليابانيين، أو تضخم البروستاتا لدى الرجال، أو علاقة البالون بزواج السيدة عائشة)!
... وفي الحقيقة؛ مساحة هذه الزاوية لا تسمح بسرد أمثلة لمقدمات أكثر طولا وبالتالي أرجو اعتبار النماذج أعلاه مجرد اختصارات أو افتتاحيات للمقدمات ذاتها...
وأنا على أي حال لا أفضل أن تتجاوز المقدمة 20% من حجم الموضوع وأرى أنه كلما (قصر طولها وارتفعت جاذبيتها) حققت هدفها بشكل أفضل واحتفظت بالقارئ لوقت أطول.. والكاتب الخبير يمكنه تحقيق هذين المطلبين منذ البداية في حين يمكن للكاتب المبتدئ الدخول مباشرة في الموضوع (متجاهلا المقدمة مؤقتا) ثم العود لصياغتها من وحي السياق أو تحوير أفضل فقرة ونقلها كمقدمة!!
رابعا : جسد المقال
بعد أن ينجح (العنوان) في جذب القارئ، وتنجح (المقدمة) في تهيئته للفكرة وإقناعه بالبقاء لمعرفة النهاية، ندخل في العنصر الثالث وهو (الموضوع) أو جسد المقال ذاته..
وبطبيعة الحال لن يخبرك أحد بوجود حد فاصل بين هذه العناصر الثلاثة سواء في المقالات التي تكتبها أو تقرأها ولكنك ستعرف أنك غادرت "المقدمة" ودخلت في "الموضوع" حين تبدأ بالتفصيل والشرح والتحليل والاستشهاد وإخبار القارئ برأيك وموقفك!
ولتقريب الفكرة سأستعرض معكم نموذجين كتبتهما سابقا يوضحان العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة..
ففي مقال (لماذا يكثر الطلاق في بلاد الأحباب؟) نلاحظ منذ البداية وجود عنوان جذاب ومسجوع يلفت انتباه القارئ من بين عشرات العناوين التي تمتلئ بها الصحيفة..
وبعد هذا العنوان تأتي (المقدمة) التي تمهد للفكرة وتخبر القارئ بما سنناقشه لاحقا، وتبدأ كالتالي:
هناك مفارقة حقيقية فيما يخص الزواج والطلاق بين المجتمعات الشرقية والغربية...
فالزواج في الغرب قرار شخصي وفعل فردي ويفترض وجود الحب قبل الزواج...
أما في الشرق فقرار عائلي يختار فيه الأهل الطرف المناسب اعتمادا على معايير تقليدية قد لا تدخل ضمنها العواطف المسبقة...
والعجيب أن النوع الأول يتمتع بنسبة طلاق أعلى رغم أنه قرار شخصي وخاضع لحب مسبق في حين تقل نسبة الطلاق في النوع الثاني (رغم انتفاء الخيار الشخصي وعدم وجود معرفة مسبقة بين الزوجين)...
وبعد هذه المقدمة نبدأ بالدخول في العنصر الثالث (جسد المقال) حيث تفصيل وتفسير هذه الظاهرة وإبداء الرأي حولها:
... وأنا شخصيا أرى أن اختلاف مفهوم الزواج والهدف من الارتباط هو سبب التفاوت بين نسبة الطلاق في الشرق والغرب..
فدافع زواج الأول في الغرب هو الحب والوقوع في العشق، ثم يأتي في المقام الثاني تكوين الأسرة وتربية الأطفال...
أما في المجتمعات الشرقية فالهدف الأول من الزواج هو تكوين الأسرة وتربية الأولاد والحفاظ على نسل العائلة، ثم يأتي الحب لاحقا نتيجة العشرة الجميلة بين الزوجين...
وهكذا حين يخف الحب بين الزوجين (في الحالة الأولى)، يختفي الرابط الأساسي للزواج ولا يبقى أمام الطرفين غير الانفصال بعكس الحالة الثانية .......... (إلى نهاية الموضوع)
*** *** ***
أما النموذج الثاني فمقال كتبته بعد انتهاء مباريات كأس العالم في جنوب أفريقيا تحت عنوان (أفيون الشعوب الحقيقي) .. وبعد جذب القارئ بهذا العنوان الصريح والغريب تبدأ المقدمة بالشكل التالي:
انتهت منافسات كأس العالم وانتهى معها شهر كامل من الهوس والغفلة اللذيذة..
"الهوس" لأنها الحالة الوحيدة التي تستولي فيها كرة القدم على عقول الأمم بمختلف لغاتها وثقافاتها.. و"الغفلة" لأنها الفترة الوحيدة التي تنسى فيها شعوب العالم مشاكلها الداخلية، وتغض الطرف عن كافة المشاكل والمصائب الدولية....
بعد ذلك ندخل في صلب الموضوع حيث التفاصيل وتقديم أمثلة تؤيد وجهة نظر الكاتب:
فحين استضافت ايطاليا كأس العالم عام 1934 قال موسوليني "لم اتصور أن ولاء الايطاليين لهذه اللعبة يفوق ولاءهم لإيطاليا واحزابها الوطنية، سنفعل ما بوسعنا لاستضافة البطولة القادمة"...
وبعد فوز انجلترا بكأس العالم 1966 كتب وزير الاقتصاد "هذا النصر سيخفف الضغوط على الجنيه الاسترليني ويحد من عمليات المتاجرة ضده"... وحين فازت البرازيل بكأس 1970 بكى توستاو لأنهم حسب قوله ألهوا الشعب البرازيلي وسمحوا للعسكر بتعزيز سلطتهم التي اغتصبوها للتو...
أما الجنرالات في الارجنتين ففعلوا المستحيل لاستضافة كأس العالم عام 1978، ودفعوا الرشاوى لتحقيق الفوز لمجرد صرف نظر الأرجنتينيين عنهم ....(إلى آخر الأمثلة التي تثبت رأي الكاتب)!!
*** *** ***
بقيت ملاحظة مهمة أرجو أن تتذكرها حتى النهاية؛ وهي أن معظم الكتاب يكتبون بالسليقة وبطريقة عفوية ولا يتعمدون وقد لايعون وجود هذه التقسيمات أصلا.. ولكن من يحلل ويمنهج المقالات الجيدة والمسبوكة يكتشف وجودها ويلاحظ مهارة الكاتب في الانطلاق من المقدمة حتى الخاتمة بطريقة منطقية تستحق الدراسة والاحتذاء فعلا!
خامسا : كيف تغلق المقال؟
بعد العنوان، والمقدمة، والموضوع، ينتهي المقال بخاتمة (وقفلة نهائية) توضح كل شيء..
ومهمة الخاتمة هي إغلاق المقال بطريقة تلخص الموضوع وتؤكد رأي الكاتب وتجيب عن أسئلة القارئ. كما يجب أن تتضمن رأيك بصراحة ووضوح وماذا تتوقع من القراء أن يعتقدوا ويفهموا ويفكروا بشأنه.. وهي طريقتك الفريدة في إنهاء المقال بشكل مُرضٍ ومريح للقراء.. كما أنها فرصتك الأخيرة والقصيرة لتأكيد وجهة نظرك وتقديمها كمكافأة للقارئ (نظير بقائه حتى النهاية وتحمله لكافة التفاصيل)!!
... وتكمن أهمية الخاتمة (ليس فقط في تلخيص وتأكيد الفكرة الأساسية) بل وفي موقعها ووجودها في نهاية المقال.. فنحن ننتظر دائما نهايات الأشياء، ونتذكر خواتيم الأفعال، ونحكم على نتائج الأمور.. وحين تقرأ مقالا جميلا تغيب خاتمته فجأة بسبب البتر أو التمزيق تشعر بالضيق والإحباط (وكأن الإرسال انقطع فجأة أثناء متابعة مباراة جميلة)!!
ولأن الخاتمة مسؤولة عن تشكيل الرأي النهائي للقارئ، وتحديد موقفه من الكاتب، يجب أن تصاغ بحذر وحرفية ومن خلال تجربة عدد كبير من الفقرات والجمل، حتى تصل لأفضل صياغة تجمع بين قوة التأثير، وسهولة التذكر، وحُسن الانطباع..
ورغم أن كل كاتب يفعل ذلك بأسلوبه الخاص إلا أن خاتمة المقالات تتضمن غالبا:
= اختصارا وتأكيدا للفكرة الرئيسة (ولكن بصياغة مختلفة).
= أو معلومة أخيرة (تؤكد الفكرة وتزيدها قوة).
= أو طرفة وتعليقاً ساخراً (يحفظ مقالك في الذاكرة لفترة طويلة).
= أو إيراد مصادر وعناوين تهم القارئ (ويتوسع من خلالها لاحقا).
= أو طرح سؤال قوي ومفتوح (يمنح فكرتك بعدا أعظم ونظرة أشمل).
= أو استشهاداً بنص أو حادثة أو قصة معروفة (تثبت تأييد الآخرين لوجهة نظرك).
= أو حتى انعطافا مفاجئا وقفزا لاستنتاج غير متوقع....كما سنرى في النموذج التالي:
ففي مقال (رجال خضر قتلوا الرئيس) استعرضت كتابا جديدا حول اغتيال الرئيس كينيدي ادعى مؤلفه تعاون المخابرات الأمريكية مع رجال خضر، هبطوا من كوكب سازيوس، لقتل الرئيس بعد تهديده بفضح العلاقة بين الطرفين (......). وحتى نهاية المقال أعتقد القراء أنني أتحدث فعلا عن هذا الكتاب السخيف قبل أن أختم المقال بالفقرة التالية:
..... والآن؛ أيها السادة استمعوا لما سأقوله جيدا:
ليس المهم تصديق أو تكذيب هذا الادعاء.. المهم فعلا هو أن كتابا تافها كهذا حقق أرباحا فاقت ال50 مليون دولار بفضل الاقبال على القراءة في أمريكا وضخامة سوق النشر هناك..
وفي المقابل يصعب على أي كتاب جاد لدينا توزيع 3000 نسخة وربح أكثر من 15 ألف ريال خلال فترة توزيعه الطويلة!!!
( ولهذا السبب بالذات لا تسألوني مجددا ..... لماذا لا تظهر مقالاتك في كتاب!؟؟)
أيضا سبق أن كتبت مقالا بعنوان (معجزة عناقيد النمل) تحدثت فيه عن مهارة النمل في بناء مدن مدفونة ومعقدة تحت الأرض يتجاوز طولها طابقين أو ثلاثة.. وقلت في الخاتمة:
... وما يدعو للتأمل أن النمل كان ينفذ (نفس المخطط) ويسير على (نفس التصميم) منذ كان الانسان بدائيا متخلفا يسكن الكهوف وصدوع الجبال.. ولكن.. لأن مامن نملة تمردت على واقعها أو قدمت إبداعا يضيف لحياتها استمرت بالبناء تحت الأرض في حين وصل البشر إلى حدود الفضاء!!
(...... أعني... بعض البشر...)
*** *** ***
وهذا أيها السادة عن خاتمة المقال (وأيضا خاتمة هذه السلسلة التعليمية)..
... أما بخصوص القفلة النهائية فهي بمثابة (خاتمة الخاتمة) التي لا تستغرق أكثر من جملة أو سطر واحد وتفهم من سياق الخاتمة ذاتها..
ولأنها آخر ما سيراه الناس في مقالك يجب أن تتضمن أكبر تركيز من السخرية والطرافة والصراحة بحيث لا ينساها القارئ ويبتسم كلما تذكرها ويغفر لك من أجلها.
ولأن المساحة لا تتسع لتقديم الأمثلة أحيلك إلى آخر سطر بين قوسين (في نهاية النموذجين السابقين) وكلي ثقة بأنك ستتذكر "الانطباع" الذي تغلق به مقالات حول العالم
كيف تكتب مقالا