Jalili
عضو جديد
- البلد/ المدينة :
- Kufur Yasif
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 32
- نقاط التميز :
- 128
- التَـــسْجِيلْ :
- 28/06/2011
قصتان: شجرة المتاعب؛ النافذة
ترجمة بروفيسور حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
كنت قد تسلّمتُ هاتين القصتين القصيرتين إلكترونيا من صديق لبناني وارتأيتُ نقلهما للعربية ليطلع عليهما القارى العربي. في القصتين مجهولتي الكاتب مسحة عطرة من الحكمة البسيطة والانسانية العميقة نحو الآخر.
شجرة المتاعب
اكتريت نجارا لمساعدتي في ترميم بيت قديم في المزرعة. وبعد أن انتهى من يوم عمله المضني الأول وجد أن إطاراً مفرّغا (منفّسا) من الهواء قد أدّى إلي تضييع ساعة عمل وكما أن مِنشاره الكهربائي تعطّل وكذلك شاحنته الخفيفة والقديمة.
أرجعتُ النجّار بسيارتي إلى بيته وكان صامتا كالحجر. عند وصولنا إلى بيته دعاني للدخول والتعرّف على عائلته. وعند توجهنا نحو الباب الأمامي توقّف النجّار برهة قصيرة من الزمن بجانب شجرة ولمس بكفّيه رؤوس الأغضان. وحال فتح الباب تحوّل النجار بصورة مدهشة. ولّى الوجوم والعبوس من على وجهه وارتسمت ابتسامة عريضة على محياه وعانق ولديه الصغيرين طبع قبلة حارّة على وجنة زوجته. بعد ذلك رافقني إلى السيارة ومررنا بالشجرة ذاتها ولم أستطع كبت حبّ الاستطلاع فنبق سؤال عمّا رأيته يفعل من قبلُ.
آهٍ، هذه شجرة متاعبي، أجاب. أعلم أن لا مندوحة من مواجهة المتاعب والمنغصات في العمل إلا أنّ هناك أمرا واحدا مؤكّدا، لا غبارَعليه وهو: المتاعب والمنغصات لا دخل لها في البيت مع زوجتي وأولادي. إنّي أعلّقتلك الهموم على الشجرة كل مساء عند عودتي إلى البيت. وفي الصباح التقطها من جديد، ومن الطريف المضحك، أضاف النجار مبتسماً، عندما أخرج في الصباح لالتقط تلك الهموم والمتاعب أجدها أقلّ عددا مما تركت آخر مرة.
النافذة
مريضان يعانيان من مرض عُضال يقبعان في غرفة واحدة في المستشفى. كان يُسمح لأحدهما أن يجلس على سريره ساعة واحدة كل عصر ليتسنّى تفريغ السائل من رئتيه، وكان سريره بجانب النافذة الوحثيدة في الغرفة. أما الرجل الآخر فكان عليه تمضية البوقت كله مستلقيا على ظهره. تحادث الرجلان طوال ساعات وساعات من دون انقطاع، عن زوجتيهما وأسرتيهما ومنزليهما ومهنتيهما والخدمج العسكرية وأماكن الإجازة والاستجمام.
وفي كل يوم بعض الظهر عند جلوس الرجل الذي بجانب النافذة كان يقضي الوقت واصفا لجاره في الغرفة كل ما كان ممكنا رؤيته خارة النافذة. في ثمل هذه الفترات ذات الساعة كان المريض المستلقي يحسّ بالحياة والبهجة تدبان في كيانه عند استماعه لما يجري من نشاط وتغيير في العالم الخارجي.
كانت النافذة مطلة على حديقة عامّة فيها بحيرة جميلة حيث يسبح البط والإوزّ والفية يطلقون مجسّمات القوارب على سطح الماء. عشّاق في عنفوان الشباب يتمشون متشابكي الذراعين وسط زهور ذات كل ألوان قوس القزح. أشجار ضخمة تضفي روعة وتألقا على المنظر ومشهد جميل لأفق المدينة يتجلّى عن بعد. وعند وصف الرجل الذي بجانب النافذة كل هذا بتفاصيل فاتنة كان بميسور المريض المستلقي في الجانب الآخر من الحجرة أن يغمض عينيه ليتخيّل تلك المناظر الخلابة الأخّاذة بكل مجامع الإحساس والشعور.
وذات عصر دافىء وصف الرجل الذي بجانب النافذة عرضا عسكريا مرّ من هناك. وبالرغم من أن الرجل الاخر لم يتمكن من سماع الجوقة الموسيقية إلا أنه كان في مقدوره أن يرى رؤية القلب كل ما كان يسرده عليه الرجل الثاني بكل دقة وتفصيل.
مضت أيام وأسابيع وذات صباح جاءت ممرضة لإحضار الماء للاستحمام وإذا بالرجل الذي بجانب النافذة جثة هامدة. قضى نحبه بكل هدوء وسكينة أثناء النوم. حزنت الممرضة عليه حزنا شديدا ونقلت الجثة إلى مكان آخرَ في المستشفى. وفي أقرب فرصة سانحة طلب المريض المتبقي أن يُنقل إلى السرير المحاذي للنافذة وقامت المريضة بتلبية تلك الرغبة بكل ترحاب وسرور.
ببطىء ووجع واضحين اتّكأ الرجل على كوعه ليلقي نظرته الأولى على العالم الخارجي ليمتّعَ ناظريه. إثر جهد جهيد تمّ له إلقاء نظرة متفحصة للخارج فارتطمت بجدار أبيض شاحب اللون. سأل الرجل الممرضةَ ما الذي أرغم زميله المتوفّى لوصف كل تلك المناظر الفاتنة خارج الغرفة. ردّت الممرضة: ذلك الرجل، رحمه الله، كان ضريرا ولم ير حتى ذلك الجدار. وأردفت قائلة: ربما قصد أن يشجعك ويشد على يديك في معاناتك!
الخاتمة
ثمة سعادة عظيمة في إسعاد الآخرين رغم ظروفنا الخاصّة. الحزن المشارك فيه ينتصف، أما السعادة المشارك فيها فتتضاعف. إذا نويت أن تشعر بالغنى فعُدَّ كل الأشياء التي بحوزتك والتي لا تُقتنى بمال!
Today is a gift, that’s why it is called the present
سُمّي الحاضر حاضرا لحضور هبة الله!
ترجمة بروفيسور حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
كنت قد تسلّمتُ هاتين القصتين القصيرتين إلكترونيا من صديق لبناني وارتأيتُ نقلهما للعربية ليطلع عليهما القارى العربي. في القصتين مجهولتي الكاتب مسحة عطرة من الحكمة البسيطة والانسانية العميقة نحو الآخر.
شجرة المتاعب
اكتريت نجارا لمساعدتي في ترميم بيت قديم في المزرعة. وبعد أن انتهى من يوم عمله المضني الأول وجد أن إطاراً مفرّغا (منفّسا) من الهواء قد أدّى إلي تضييع ساعة عمل وكما أن مِنشاره الكهربائي تعطّل وكذلك شاحنته الخفيفة والقديمة.
أرجعتُ النجّار بسيارتي إلى بيته وكان صامتا كالحجر. عند وصولنا إلى بيته دعاني للدخول والتعرّف على عائلته. وعند توجهنا نحو الباب الأمامي توقّف النجّار برهة قصيرة من الزمن بجانب شجرة ولمس بكفّيه رؤوس الأغضان. وحال فتح الباب تحوّل النجار بصورة مدهشة. ولّى الوجوم والعبوس من على وجهه وارتسمت ابتسامة عريضة على محياه وعانق ولديه الصغيرين طبع قبلة حارّة على وجنة زوجته. بعد ذلك رافقني إلى السيارة ومررنا بالشجرة ذاتها ولم أستطع كبت حبّ الاستطلاع فنبق سؤال عمّا رأيته يفعل من قبلُ.
آهٍ، هذه شجرة متاعبي، أجاب. أعلم أن لا مندوحة من مواجهة المتاعب والمنغصات في العمل إلا أنّ هناك أمرا واحدا مؤكّدا، لا غبارَعليه وهو: المتاعب والمنغصات لا دخل لها في البيت مع زوجتي وأولادي. إنّي أعلّقتلك الهموم على الشجرة كل مساء عند عودتي إلى البيت. وفي الصباح التقطها من جديد، ومن الطريف المضحك، أضاف النجار مبتسماً، عندما أخرج في الصباح لالتقط تلك الهموم والمتاعب أجدها أقلّ عددا مما تركت آخر مرة.
النافذة
مريضان يعانيان من مرض عُضال يقبعان في غرفة واحدة في المستشفى. كان يُسمح لأحدهما أن يجلس على سريره ساعة واحدة كل عصر ليتسنّى تفريغ السائل من رئتيه، وكان سريره بجانب النافذة الوحثيدة في الغرفة. أما الرجل الآخر فكان عليه تمضية البوقت كله مستلقيا على ظهره. تحادث الرجلان طوال ساعات وساعات من دون انقطاع، عن زوجتيهما وأسرتيهما ومنزليهما ومهنتيهما والخدمج العسكرية وأماكن الإجازة والاستجمام.
وفي كل يوم بعض الظهر عند جلوس الرجل الذي بجانب النافذة كان يقضي الوقت واصفا لجاره في الغرفة كل ما كان ممكنا رؤيته خارة النافذة. في ثمل هذه الفترات ذات الساعة كان المريض المستلقي يحسّ بالحياة والبهجة تدبان في كيانه عند استماعه لما يجري من نشاط وتغيير في العالم الخارجي.
كانت النافذة مطلة على حديقة عامّة فيها بحيرة جميلة حيث يسبح البط والإوزّ والفية يطلقون مجسّمات القوارب على سطح الماء. عشّاق في عنفوان الشباب يتمشون متشابكي الذراعين وسط زهور ذات كل ألوان قوس القزح. أشجار ضخمة تضفي روعة وتألقا على المنظر ومشهد جميل لأفق المدينة يتجلّى عن بعد. وعند وصف الرجل الذي بجانب النافذة كل هذا بتفاصيل فاتنة كان بميسور المريض المستلقي في الجانب الآخر من الحجرة أن يغمض عينيه ليتخيّل تلك المناظر الخلابة الأخّاذة بكل مجامع الإحساس والشعور.
وذات عصر دافىء وصف الرجل الذي بجانب النافذة عرضا عسكريا مرّ من هناك. وبالرغم من أن الرجل الاخر لم يتمكن من سماع الجوقة الموسيقية إلا أنه كان في مقدوره أن يرى رؤية القلب كل ما كان يسرده عليه الرجل الثاني بكل دقة وتفصيل.
مضت أيام وأسابيع وذات صباح جاءت ممرضة لإحضار الماء للاستحمام وإذا بالرجل الذي بجانب النافذة جثة هامدة. قضى نحبه بكل هدوء وسكينة أثناء النوم. حزنت الممرضة عليه حزنا شديدا ونقلت الجثة إلى مكان آخرَ في المستشفى. وفي أقرب فرصة سانحة طلب المريض المتبقي أن يُنقل إلى السرير المحاذي للنافذة وقامت المريضة بتلبية تلك الرغبة بكل ترحاب وسرور.
ببطىء ووجع واضحين اتّكأ الرجل على كوعه ليلقي نظرته الأولى على العالم الخارجي ليمتّعَ ناظريه. إثر جهد جهيد تمّ له إلقاء نظرة متفحصة للخارج فارتطمت بجدار أبيض شاحب اللون. سأل الرجل الممرضةَ ما الذي أرغم زميله المتوفّى لوصف كل تلك المناظر الفاتنة خارج الغرفة. ردّت الممرضة: ذلك الرجل، رحمه الله، كان ضريرا ولم ير حتى ذلك الجدار. وأردفت قائلة: ربما قصد أن يشجعك ويشد على يديك في معاناتك!
الخاتمة
ثمة سعادة عظيمة في إسعاد الآخرين رغم ظروفنا الخاصّة. الحزن المشارك فيه ينتصف، أما السعادة المشارك فيها فتتضاعف. إذا نويت أن تشعر بالغنى فعُدَّ كل الأشياء التي بحوزتك والتي لا تُقتنى بمال!
Today is a gift, that’s why it is called the present
سُمّي الحاضر حاضرا لحضور هبة الله!