RITAJ
عضو متميز
- رقم العضوية :
- 12689
- البلد/ المدينة :
- biskra
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 2950
- نقاط التميز :
- 3208
- التَـــسْجِيلْ :
- 21/02/2011
حرمة الدماء
إن حرمة الدماء عند اللـه عظيمة ، لذا كان أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء .
ففى الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم: قال :
(( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء )) ([1]) .
أرجو أن ينتبه إخواننا إذ أنه لا تعارض بين هذا الحديث :
(( أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة فى الدماء )) .
وبين الحديث الصحيح الذى رواه أصحاب السنن وفيه يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم::
(( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة )) ([2]) .
إذاً كيف نزيل هذا التعارض بين الحديثين ؟!
قال أهل العلم : أما الصلاة هى أول حق لله يقضى اللـه فيه ، وأما الدماء هو أول حق يقضى اللـه فيه للعباد ، ولذلك جمعت رواية النسائى بين الأمرين فى لفظ واحد فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم::
(( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة وأول ما يقضى فيه بين العباد فى الدماء )) .
فاللـه هو خالق الإنسان وواهب الحياة له ، فلا يجوز لأحد أن يسلب الحياة إلا خالقها وواهبها ، أو بأمر شرعه هو سبحانه وتعالى فى نطاق الحدود ، يقول اللـه عز وجل : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } [الأنعام : 151] .
واللـه لو سمعت الأمة هذه الأحاديث التى سأذكرها الآن ما رأينا هذه البرك من الدماء هنا وهناك ، إذ أننا نرى الآن الدماء لا حرمة لها ، يُقتل كل يوم العشرات بل المئات بل الألوف بدون مبالغة وهذه من علامات الساعة كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (( بين يدى الساعة يكثر الهرج )) قالوا: وما الهرج يارسول اللـه قال (( القتل القتل )) ([3]) وفى لفظ (( لا يدرى القاتل فيما قتل ولا يدرى المقتول فيما قتل )) .
اللـه عز وجل يقول : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ }
[ الأنعام : 151]
وهذا الحق واضح محدود لاغموض فيه ولا لبس ، حدده المصطفى فقال والحديث رواه البخارى ومسلم من حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم::
(( لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا اللـه إلا اللـه وأن محمد رسول اللـه إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزانى ، و النفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة )) ([4]) هذه هى الحالات الثلاثة التى يحل فيها دم المسلم .
الحالة الأولى : القصاص ( النفس بالنفس )
والقصاص يقوم به ولى أمر المسلم ، أو من ينوب عنه ، إذ أن الأمر ليس متروكاً للأفراد حتى يتحول المجتمع إلى فوضى ، القصاص فيه حياة المجتمع ، فإن القاتل إن علم أنه سيقتل سيفكر ألف مرة قبل أن يتطاول على النفس التى خلقها رب الأرض والسماء ، لذا نجد أن حياة المجتمع فى القصاص أليس اللـه هو القائل : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [ البقرة : 179 ] .
والله لو وقفتم على حجم القضايا التى عُرضت على المحاكم فى العام الماضى لانخلعت القلوب ، فإن عدد القضايا أمام المحاكم زاد على ثلاثين مليون من القضايا ، وهذا عدد ضخم ما يقرب من نصف هذا الشعب ترى لما ؟! لأن الحدود ضاعت ، لأن الظالم أو القاتل يستطيع بماله أو بسلطانه أن يقدم رشوه لرجل فاسق ضال مضل ويخرج من جريمته النكراء ، والأمم لا تضيع إلا بهذه المجاملات الباطلة .
قال النبى صلى الله عليه وسلم:لأسامة يوم أن تقدم ليشفع فى امرأة مخزومية شريفة سرقت (( واللـه لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها أنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد )) ([5]) .
الحالة الثانية : الثيب الزانى
الثيب : هو المحصن الذى رزقه اللـه بزوجة فى الحلال الطيب ، فترك زوجته فى الحلال ، وراح يرتع فى مستنقع الرذيلة الآثم العفن ، فدنس العرض وانتهك الشرف ، فهذا يقتل رجماً حتى الموت ، وقد يستصعب الإنسان منا هذا الحكم ، ولكنه سيقول يقتل ثم يقتل ثم يقتل إن مست كرامته أو انتهك عرضه أو دنس شرفه .
الحالة الثالثة : الردة
إن الذى يترك دين الإسلام بعد أن منَّ اللـه به عليه ، هذا يقتل لقول النبى صلى الله عليه وسلم: كما فى صحيح البخارى من حديث ابن عباس :
(( من بدل دينه فاقتلوه )) ([6]) .
ولقول النبى صلى الله عليه وسلم:فى الحديث الذى نحن بصدده :
(( التارك لدينه المفارق للجماعة )) .
هذه هى الحالات الثلاثة التى يجوز فيها لولى الأمر المسلم ، أو من ينوب عنه أن يسفك الدم فى حدود الشرع التى حددها اللـه جل وعلا .
أما فيما عدا ذلك فإن قتل النفس البريئة أمر تشيب له الرؤوس .
اسمع وتدبر قول اللـه: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [ النساء : 93 ]
اللـه أكبر !! انظروا إلى حرمة الدماء !
فى صحيح البخارى من حديث ابن عمر أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم:قال :
(( لا يزال المؤمن فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً )) قال : وقال ابن عمر (( إن من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حل )) ([7]) .
وفى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والحاكم والنسائى وصححه الألبانى فى صحيح الجامع أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم:قال :
(( كل ذنب عسى اللـه أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً )) ([8]) .
وفى الحديث الذى رواه النسـائى وصححه الألبانى فى صحيح الجامع من حديث بريدة أنه صلى الله عليه وسلم: قال :
(( قتل المؤمن أعظم عند اللـه من زوال الدنيا )) ([9]) .
وفى الحديث الذى رواه النسائى والبخارى فى التاريخ وصححه الألبانى من حديث عمر بن الحمق الخذاعى أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم:قال :
(( من أمن رجلاً على دمه فقتله فإنا بريء من القاتل وإذا كان المقتول كافراً )) ([10]) .
هذه حرمة الدماء عند رب الأرض والسموات ، لذلك كانت الدماء هى أول شىء يقضى فيه اللـه بين العباد .
بل اسمع إلى هذا الحديث البليغ العجيب لمشهد القتيل مع قاتله فى أرض المحشر ، والحديث رواه النسائى بسند حسن يقول النبى صلى الله عليه وسلم:: (( يجئ المقتول متعلقاً بالقاتل يوم القيامة وأوداجه تشخب (·) دما بين يدى اللـه فيقول : يارب ! سل هذا فيما قتلنى ؟ حتى يدنيه من العرش)) فذكرو لابن عباس التوبة ، فتلى هذه الآية : { وَمن يَقتُل مُؤمِنًا متَعَمِّدًا } قال : (( ما نســخت هــذه الآية ولا بدلت ، وأنى له التوبة ؟ )) ([11]) .
رابعاً : القصاص بين المؤمنين
هل يحدث قصاص بين أهل التوحيد والإيمان ؟!!
نعم.. نعم.. ألم أقل لك أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الفاضلة أنه لن يدخل الجنة أحد ولو كان موحداً لله مطيعاً لله متبعا لرسول اللـه أبداً ، وعنده مظلمة لأخيه .
اسمع لحبيبك النبى محمد صلى الله عليه وسلم:هذا الحديث الذى رواه البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم:قال :
(( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيتقاضون مظالم كانت بينهم فى الدنيا ، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بالدخول إلى الجنة ، فو الذى نفس محمد بيده ، لأحدكم بمسكنه فى الجنة أدل بمنزله كان فى الدنيا )) ([12]) .
([1]) رواه البخارى رقم (6861) الديات فما فاتحته ، ومسلم رقم (1678) فى القسامة ، والترمذى رقم (1396) فى الديات .
([2]) رواه النسائى ( 7/ 83 ) فى تحريم الدم ، وهو فى صحيح الجامع (2527) .
([3]) رواه البخارى رقم (7061) فى العلم ، باب ظهور الفتن ، ومسلم رقم (2672) فى العلم ، باب رفع العلم وقبضة وظهور الجهل ، وأبو داود رقم (4255) فى الفتن .
([4]) رواه البخارى رقم (6878) فى الديات ، باب قول الله تعالى : ( النفس بالنفس والعين بالعين ) ومسلم رقم (1676) فى القسامة ، باب ما يباح به دم المسلم ، وأبو داود رقم (4352) فى الحدود ، والترمذى رقم (1402) فى الديات ، و النسائى (7/90، 91)
([5]) رواه البخارى رقم (6787) فى الحدود ، باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع ، ومسلم رقم (1688) فى الحدود ، باب قطع السارق الشريف وغيره ، والترمذى رقم (1430) فى الحدود ، وأبو داود (4373) ، والنسائى (8/74،75) .
([6]) رواه البخارى رقم (6922) فى استتابه المرتدين ، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، ومالك فى الموطأ (2/736) فى الأقضية ، والترمذى رقم (1458) فى الحدود ، باب ما جاء فى المرتد ، وأبو داود رقم (4351) فى الحدود ، والنسائى (7/104،105) .
([7]) رواه البخارى رقم (6862) فى الديات فى فاتحته .
([8]) رواه أحمد فى المسند رقم (16849) والنسائى (7/81) فى تحريم الدم فى فاتحته وهو فى صحيح الجامع .
([9]) رواه النسائى (7/ 83) فى تحريم الدم ، باب تعظيم الدم ، وهو فى صحيح الجامع (4361) .
(1) صححه شيخنا الألبانى فى الصحيحة رقم (441) وهو فى صحيح الجامع (6103) .
(·) أوداجه : عروق عنقه * تشخب : تسيل
([11]) رواه الترمذى رقم (3032) فى التفسير ، والنسائى (7/85، 87) فى تحريم الدم وأخرجه أحمد فى المسند (23004، 23058) وهو فى صحيح الجامع (8031) .
([12]) رواه البخارى رقم (2440) فى المظالم ، باب قصاص المظالم .
منقول