لؤلؤة القرآن
عضو مساهم
- رقم العضوية :
- 50261
- البلد/ المدينة :
- الجزائر
- العَمَــــــــــلْ :
- طالبة
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 158
- نقاط التميز :
- 129
- التَـــسْجِيلْ :
- 14/06/2012
يا شهر رمضان ترفق دموع المحبين تدفق.
قلوبهم من ألم الفراق تشقق.
عسى وقفة للوداع تطفي من نار الشوق ما أحرق.
عسى توبة ساعة و إقلاع ..ترقع من الصيام ما تخرق.
عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق.
عسى أسير الأوزار يطلق.
عسى من استوجب النار يعتق.
فيجبر مكسور ويقبل تائـب ويعتق خطاء ويسعد من شقي
رمضان كيف ترحل عنا وقد كنت خير جليس لنا؟!
كنا بين قارئ وصائم ومنفق وقائم، وباكٍ ودامع، وداعٍ وخاشع.
رمضان فيك المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر،
كنت للمتقين روضةً وأنساً، وللغافلين قيداً وحبساً،
كيف ترحل عنا وقد ألفناك وأحببناك؟!
رمضان ألا تسمع لأنين العاشقين وآهات المحبين؟!
ذرِ الدموعَ نحيباً و ابكِ من أسفٍ *** على فراقِ ليالٍ ذاتِ أنوارِ
على ليالٍ لشهرِ الصومِ ما جُعلَتْ *** إلا لتمحيصِ آثامٍ و أوزارِ
يا لائمي في البُكا زدني به كَلفاً *** و اسمع غريبَ أحاديثٍ و أخبارِ
ما كان أحسنُنا و الشملُ مجتمعٌ *** منَّا المصلِّي و منَّا القانتُ القارِي
أياما معدودات
قال عز وجل{يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } (النور 44) ،
فبالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله بلوغه ،
واليوم نودعه بكل أسىً ، ونتلقى التعازي برحيله ،
فما أسرع مرور الليالي والأيام ، وكر الشهور والأعوام ،
والعمر فرصة لا تمنح للإنسان إلا مرة واحدة ، فإذا ما ذهبت هذه الفرصة وولت ، فهيهات أن تعود مرة أخرى .
قال عمر بن عبد العزيز : " إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل أنت فيهما "
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي "
سوق قام ثم انفض؟!!
قال الحسن البصري : ( إن الله جعل رمضان مضمار لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته فسبق قوم ففازوا ، وتخلف قوم فخابوا .
فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون )
رمضان سوق قام ثم انفض ، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ، فلله كم سجد فيه من ساجد ؟ وكم ذكر فيه من ذاكر ؟
وكم شكر فيه من شاكر ؟ وكم خشع فيه من خاشع ؟ وكم فرط فيه من مفرط ؟ وكم عصى فيه من عاص ؟ .
إذا ارتحل رمضان ، فما أسعد نفوس الفائزين ، وما ألذ عيش المقبولين ، وما أذل نفوس العصاة المذنبين ، وما أقبح حال المسيئين المفرطين !!.
كان سلفنا الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون سنتهم كلها في ذكر هذا الشهر
سَلامٌ مِنَ الرَّحمنِ كُلَّ أَوَانِ *** عَلَى خَيرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ
سَلامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيامِ فَإنَّهُ *** أَمَانٌ مِنَ الرَّحمنِ أيُّ أَمَانِ
تَرَحَّلْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ بِصَومِنَا *** وَقَد كُنتَ أَنوَارَاً بِكُلِّ مَكَانِ
لَئِنْ فَنِيَتْ أَيَّامُكَ الزُّهْرُ بَغْتَةً *** فَمَا الحُزْنُ مِن قَلْبِي عَلَيكَ بِفَانِ
عَلَيكَ سَلامُ اللهِ كُن شَاهِدَاً لَنَا *** بِخَيرٍ رَعَاكَ اللهُ مِن رَمَضَانِ
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسرولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه،
ولو حصل له كل مايلتذ به من المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه.
وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة).
العبرة بالخواتيم
كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يحملون همّ قبول العمل أكثر من همّ القيام بالعمل نفسه.
قال تعالى : {يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون }( المؤمنون 60)
قال عبد العزيز بن أبي رواد:
أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوا وقع عليهم الهمّ! أيقبل منهم أم لا؟
و قال علي رضي الله تعالى عنه:
[كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل،
ألم تسمعوا لقول الحق عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]].
و قال مالك بن دينار :
[الخوف على العمل ألا يتقبل ..أشدّ من العمل].
أيها المقبول هنيئاً لك ،
أيها المردود جبر الله مصيبتك "
عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال:
[من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟].
أيها المقبول هنيئاً لك! أيها المردود جبر الله مصيبتك!
ليت شعري من فيه يقبل منـا فيهنأ.. يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول أرغم الله أنفه بخزي شديد
فالعبرة بالخواتيم ،
قال تعالى : (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } (سورة النصر) ،
وأمر بذلك الحجيج بعد قضاء مناسكهم وانتهاء أعمال حجهم فقال سبحانه : (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } (البقرة 199) .
فإن من علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها ،
ومن علامات ردها العودة إلى المعاصي بعد الطاعات ،
وقد ضرب الله عز وجل في كتابه مثلاً لمن حسن عملُه
ثم انقلب على عقبه بعد ذلك ، وبدل الحسنات بالسيئات عياذاً بالله ،
قال سبحانه: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } ( البقرة 266) ،
فمثله كمثل شيخ كَبُرَ سِنُّه وضعف جسمه ولم يعد قادراً على العمل والتكسب ولديه صبية ضعفاء يحتاجون إلى رعايته، ولا يملك سببا للرزق إلا بستاناً من أجمل البساتين خضرة وبهاء ،
وفيه من النخيل والأعناب والثمرات والماء الجاري وغير ذلك مما يُمتع الأنظار، وتُسرُّ له النفوس ، وفي الوقت الذي اشتدت حاجته إليه وتعلق قلبه به أتى بستانه إعصار فيه نار فأحرق ما به من زرع وثمار ،
قال ابن عباس : " ضُربت لرجل غني يعمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " رواه البخاري .
إن من خالط الإيمان بشاشة قلبه لا يمكن أن يهجر الطاعات ، بعد أن ذاق حلاوتها وشعر بأنسها ولذتها ،
ولما سأل هرقل أبا سفيان عن المسلمين ، هل يرجعون عن دينهم بعد أن دخلوا فيه ؟ ، قال أبو سفيان : لا ، قال هرقل : وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب .
فيا من أَلِف الحق .. تمسك به هُديت ..، واستمر عليه
علامة قبول رمضان
أن تصل بعد الطاعة إلى رضا المعبود ،
و علامة الصدود أن تبعد- بالمعصية- عن المقصود .
من علامات قبول العمل المواصلة فيه ، والاستمرار عليه .. فاحكم أنت على صيامك ..
أمقبولٌ أممردود؟!!!
وقد سئلت عائشة رضي الله عنها كما في البخاري عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : " كان عمله ديمة "
أي مستمراً ، كالمطر الدائم الذي لا ينقطع ،
وتذكر أن عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله ،
وللحسنة أولاد .. وللسيئة أولاد
ما أحسن الحسنة بعد الحسنة و أقبح السيئة بعد الحسنة .
ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها .
النكسة أصعب من المرض الأول .
ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة
وما أفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة .
{فمن نكث فإنما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما.}
من تكرر منه نقض العهد أيوثق بمعاهدته؟!
قال الحسن البصري رحمه الله : " إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ثم قرأ قوله عز وجل (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } ( الحجر 99) .
القلب ينشط للقبيح ***وكم ينام عن الحسن
يا نفس ويحك ما الذي ***يرضيك في دنيا العفن ؟!
أولى بنا سفح الدموع *** و أن يــجلبنا الحـــزن
أولى بنا أن نرعــوي*** أولى بنا لبس ( الكفــــن)
أولى بنا قتل ( الهوى )*** في الصدر أصبح كالوثن
فأمامنا سفر طويل ***بــــعده يأتــــي الســــكن
إما إلى ( نار الجحيم ) ***أو الجنان : ( جنان عدن )
أقسمت ما هذي الحياة***بها المقام أو ( الوطـــن)
فلم التلوّن و الخداع ؟*** لم الدخول على ( الفتن ) ؟!
يكفي مصانعة الرعاع ***مع التقلـــب في المحن
تبا لهم مــن مــــعشر*** ألفوا معاقرة ( النــــتن)
بينا يدبّر للأمــــــين*** أخو الخيانة ( مؤتمن ) !
تبا لمن يتمـــــــلقون*** و ينطوون على ( دخن )
تبا لهم فنفـــــــــاقهم ***قد لطّخ ( الوجه الحسن)
تبا لمن باع ( الجنان ) ***لأجـــــل ( خضراء الدمن)
الخاسرون فى رمضان
في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال:
(آمين.. آمين.. آمين.. قيل: يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت: آمين. آمين. آمين. قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له؛ فدخل النار فأبعده الله -فكم هم أولئك المبعدين عن رحمة الله؟- قل: آمين. فقلت: آمين ...) الحديث.
متى يزرع من فرط وقت البذر، فلم يحصد غير الندم والخسار؟!
مساكين هؤلاء! فاتهم رمضان وفاتهم خير رمضان؛ فأصابهم الحرمان وحلت عليهم الخيبة والخسران،
قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، لا صيام ينفع ولا قيام يشفع، قلوب كالحجارة أو أشد قسوة، حالها في رمضان كحال أهل الشقوة،
لا الشاب منهم ينتهي عن الصبوة *** ولا الشيخ ينـزجر فيلحق بالصفوة.
أيها الخاسر! رحل رمضان وهو يشهد عليك بالخسران؛
فأصبح لك خصماً يوم القيامة!
رحل رمضان وهو يشهد عليك بهجر القرآن؛ فيا ويل من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان!
فيا من فرط في عمره وأضاعه!
كيف ترجو الشفاعة؟ أتعتذر برحمة الله؟ أتقول لنا: إن الله غفور رحيم؟ نعم.
لكن إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]
العاملين بالأسباب .. الخائفين المشفقين.
سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجمـاعات، فقال رضي الله تعالى عنه: [هو في النار].
فيا أيها الخاسر! نعم. رحل رمضان وربما خسرت خسارةً عظيمة، ولكن الحمد لله، فما زال الباب مفتوحاً والخير مفسوحاً، وقبل غرغرة الروح، ابكِ على نفسك وأكثر النوح، وقل لها:
ترحل الشهر وا لهفاه وانصرما*** واختص بالفوز في الجنات من خدما
وأصبح الغافل المسكين منكسراً ***مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البذار*** فما تراه يحصد إلا الهم والندما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته ***في شهره وبحبل الله معتصما
لا تكن كنتيا
يروى أن الإمام الصنعاني عبد الرزاق سأل يوماً معلمه معمر بن راشد الأزدي عن (الكنتي)
فقال معمر: الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء.
قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ (كنتي) كأنه نسب إلى قوله: كنت في شبابي كذا. قال:
فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا*** وشر خصال المرء كنت وعاجن
عجن الرجل إذا قام معتمداً على الأرض من الكبر.
وقد صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه كان يستعيذ بالله من (الحور بعد الكون) في دعاء سفره
وقد فسره الإمام الترمذي بـ(إنما هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعني الرجوع من شيء إلى شيء من الشر).
قال ابن الأثير: يعني: أعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات
قال أبو عمر بن عبد البر (يعني رجع عما كان عليه من الخير
كن ربانيا ... ولا تكن رمضانيا
فقد قيل لأحد الصالحين أيهما أفضل: رجب أم شعبان ؟ فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا !!
اثبت و تصطبر ورب نفسك وألزمها الصواب. املك زمام المبادرة.
رب رمضان رب الشهور كلها
لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد والحرص على الخيرات،
فالنفس لا تطيق ذلك، ورمضان له فضائل وخصائص
و لكنا نقول:
لا للانقطاع عن الأعمال الصالحة،
(*)باع قوم من السلف جارية ، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها..
فسألتهم.. فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان .
فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان !، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ، رودني إليهم.
كان الحسن يقول : عجبت لأقوام أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وجلس أولهم على آخرهم و يلعبون !!
وكان يقول : يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر ، والكبش يعتلف.
وكان أبو بكر بن عياش يقول : لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول : إنا لله.. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره
ولا يقول : ذهب عمري ،
كان لله أقوام يبادرون الأوقات ، ويحفظون الساعات ، ويلازمونها بالطاعات .
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها .
وقيل لعمرو بن هاني : لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم ؟
قال : مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع .
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة ، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي ، فتقول له أمه : يا بني ، قتلت قتيلاً؟ فيقول :أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي .
قال الجماني : لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته ، فقال: لا تبك ، وأشار إلى زواية في البيت ، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول : صم الدنيا واجعل فطرك الموت ،
الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات ، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم .
وقَد صُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّه *** ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي.
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في لآخرة وفواته ،
قال الله تعالى :{أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدُّّّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا }
لا للانقطاع
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ). متفق عليه
تقول عائشة رضي الله تعالى عنها:"كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة
لما سئل بشر الحافي - رحمه الله - عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخرمضان تركوا قال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان).
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون , فأن الله لا يمل حتى تملوا , وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل"[ رواه البخاري ومسلم ]
وليس في سياط التأديب للنفس أجود من سوط عزم , وإلا وَنَت وأَبَت ,لأن فساد الأمر في التردد .
والنفس من أعجب الأشياء مجاهدة
لأن أقواماً أطلقوها فيما تحب , فأوقعتهم فيما كرهوا .
وآخرين بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها , وإنما الحازم من تَعلمَ منه نفسُه الجد وحفظ الأصول ,
فإذا ما أفسح لها في مباحٍ ,لم تتجاسر أن تتعداه ,لأن تفقد النفس حياة , وإغفالها لون من ألوان القتل صبراً .
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .
فلنحرص ولو على القليل من صيام النفل، ولنداوم ولو على القليل من القيام، ولنقرأ كل يوم ولو القليل من القرآن،
ولنتصدق ولو بالقليل من المال والطعام، وهكذا في سائر الأعمال، ولنحيي بيوتنا ولنشجع أولادنا وأزواجنا.
* قال عبدالله بن عمرو بن العاص رصي الله عنهما : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا عبد الله ,لا تكن مثل فلان , كان يقوم الليل فترك قيم الليل " [متفق عليه ] .
ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس , فليداوم النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
وليستمع إلى قوله :" إن هذا الدين متين , فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى " [رواه أحمد ]
وعند البخاري في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
وقفة محاسبة قبل الرحيل
العاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور بالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، ولو كانت قليلة؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع.
العبادات فرضت فى الإسلام ليس للأداء بل لحكمة وهو تحقيق التقوى
ومن أعظم ثمار الصيام، تربية القلوب على مراقبة الله وتعويدها على الخوف والحياء منه.
ويقول القسطلاني -رحمه الله- معدداً ثمرات الصوم:
"ومنها رقة القلب وغزارة الدمع، وذلك من أسباب السعادة، فإن الشبع مما يذهب نور العرفان، ويقضى بالقسوة والحرمان "
وغاية الصيام التقوى؛ يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى. ولئن كانت فرائض الإسلام وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها سبيل التقوى، فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب.
فهل حققنا تقوى الله في أنفسنا ؟
ما الذي جنيناه من ثمارالطاعات هذا الشهر المبارك ؟
يا خادم الجسم كم تسعي لخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
هل قرأنا القرآن وتدبرناه وعملنا به ؟
هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية ؟
وما أحسن قول القائل :
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانهـا
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخـير لنفسك عصيانهـا
ومن أراد السعادة فليلزم عتبة العبادة ، وليجتنب الإساءة .
.يقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه:
( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل )
و يقول الحسن البصري رحمه الله :
( إذا لم تقدر على قيام الليل ، ولا صيام النهار ، فاعلم أنكمحروم ، قد كبلتك الخطايا والذنوب )
هل ربينا أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟
هنا مصنع الأبطال يصنع أمةً *** وينفخ فيها قــــوة الروح والـفــــــــكر.
ويخلع عنها كل قيد يعــوقها *** ويعلي منار الحق والصدق والصبر.
فقد حصل فيه من الأحداث التي غيرت مسار التاريخ ، وقلبت ظهر المجن ،
فنقلت الأمة من مواقع الغبراء ، إلى مواكب الجوزاء ، ورفعتها من مؤخرة الركب ، لتكون في محلا لصدارة والريادة
ففي معركة بدر الكبرى التقى جيشان عظيمان ، جيش محمد صلى الله عليه وسلم ، وجيش الكفر بقيادة أبي جهل في السنة الثانية من الهجرة وذلك في اليوم السابع عشر من رمضان ، وانتصر فيها جيش الإيمان على جيش الطغيان ،
ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود ، ونجم الكفر في أفول ، وأصبحت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ،
يقـــــول الله تعالى{وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍوَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [آل عمران:123] .
أبطـال بدر ياجباهاً شـــــــُرعت *** للشمس تحكي وجهها المصقولا
حطـمتم الشرك المصغر خده *** فارتد مشلول الخطى مخـذولا.
وفي سنة ستمائة وثمانيةً وخمسين ، فعل التتار بأهل الشام مقتلة عظيمة ، وتشرد من المسلمين من تشرد، وخربت الديار ،
فقام الملك المظفر قطز ، بتجهيز الجيوش ، لقتال التتار ، حتى حان اللقاء في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان
وأمر ألا يقاتلوا حتى تزول الشمس ،وتفيء الظلال ، وتهب الرياح ، ويدعوا الخطباء والناس في صلاتهم ، ثم تقابل الصفان ،
واقتتل الجيشان ، وحصلت معركة عظيمة ، سالت فيها دماء ، وتقطعت أشلاء ، ثم صارت الدائرة على القوم الكافرين ، وقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله ربالعالمين .
هل ربينا أنفسنا على كظم الغيظ وعدم الانتقام لأنفسنا وعدم الغضب إلا لله؟
وليكن شعـــارك الدائم
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران:134]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَالْغَضـَبِ "
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ،دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء " رواه الترمذي .
فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا ، والحلم والأناة دثارنا
.هل تغلبنا على أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟
خـــــل الـذنوب صغــــــــــيرها ***وكبيرها ذاك الـتقى
واصنع كماش فوق أرض*** الشوك يحذر ما يرى
لا تـحـقـرن صـغيرةً إن*** الجبـــــــالَ من الحـــــــــــصى
هل تعلمنا معنى العبودية والاستسلام لله جل وعلا في كل الأمور ؟
هل سعينا إلى الأخذ بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من النار ؟
يا قوم تصبروا و تشددوا فإنما هي ليالٍ تعد و إنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب
فيذهب به و لا يلتفت فانقلبوا بصالح الأعمال .
إن هذا الحق قد أجهد الناس و حال بينهم وبين شهواتهم
و إنما صبر على الحق : من عرف فضله و رجا عاقبته.
فرحة العيد
ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن إيمانه يزيد،
وخاف يوم الوعيد، واتقى ذا العرش المجيد.
تذكروا ذلكم الطفل اليتيم .. الذي ما وجد والداً يبارك له بالعيد ..، ولا يُقبَّله ، ولا يمسح على رأسه .. قتل أبوه في جرح من جراحِ هذه الأمة ..
الصوم يمنحنا مشاعر رحمة *** وتعاون وتعفف وسماح
قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسدإذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه مسلم (2586) .
نقول لبعضنا: عيد سعيد، وإخوان لنا عراة في الجليد، ودماء وجروح وصديد،
طفل شريد، وأب فقيد، وأم تئن تحت فاجر عنيد، صراخ وتهديد ووعيد،
وتذكروا تلكم الطفلة الصغيرة .. حينماترى بنات جيرنها يرتدين الجديد ..، وهي يتيمة الأب
إنها تخاطب فيكم مشاعركم ..، وأحاسيسكم .. إنها تقول لكم :
أنا طفلة صغيرة ..، أليس من حقي أن أفرح بهذا العيد .. من حقي أن ارتدي ثوباً حسناً لائقاً بيوم العيد .. من حقي .. أن أجد الحنان والعطف ..
أريد قبلة من والدي ..، ومسحة حانية على رأسي .. أريد حلوى ..، ولكن السؤال المرّ .. الذي لم أجد له جواباً حتى الآن هو .. أين والدي ؟ أين والدتي ؟!!
خاتمة
آن لثياب العصيان ، أن تخلع في رمضان ،
ليُلْبس الله العبد بعده ثياب الرضوان ،
ويجودعليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان
فاللهم تقبل منا رمضان
هاهو رمضان، رحل عنا بعد أن انقضت أيامه وتصرمت لياليه، ولسان حال الصائم منا يقول:
فيا شهر الصيام فدتك نفسـي ***تمهل بالرحيل والانتقال.
فما أدري إذا ما الحول ولـّى*** وعدت بقابل في خير حال.
أتلقاني مع الأحياء حياً أو*** أنك تلقني في اللحد بالي.
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد رحل ... ومن كان يعبد الله ؛ فإن الله باق لا يرحل .
أيها المعرض عنا *** إن إعراضك منا
لو أردناك جعلنا *** كلَّ ما فيك يردنا
عباد أعرضوا عنا *** بلا جرم ولا معنى
أساؤا ظنهم فينا *** فهلا أحسنوا الظن
فإن خانوا فما خنا...وإن عادوا فقد عدنا
وإن كانوا قد استغنوا *** فإنا عنهم أغنى
الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا رَمَضَانَ، واجعلنا من المقبولين الفائزين
اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور ، ومن الضلال بعد الهدى
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير
إعداد الفقير إلى الله أبو مسلم وليد برجاس
قلوبهم من ألم الفراق تشقق.
عسى وقفة للوداع تطفي من نار الشوق ما أحرق.
عسى توبة ساعة و إقلاع ..ترقع من الصيام ما تخرق.
عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق.
عسى أسير الأوزار يطلق.
عسى من استوجب النار يعتق.
فيجبر مكسور ويقبل تائـب ويعتق خطاء ويسعد من شقي
رمضان كيف ترحل عنا وقد كنت خير جليس لنا؟!
كنا بين قارئ وصائم ومنفق وقائم، وباكٍ ودامع، وداعٍ وخاشع.
رمضان فيك المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر،
كنت للمتقين روضةً وأنساً، وللغافلين قيداً وحبساً،
كيف ترحل عنا وقد ألفناك وأحببناك؟!
رمضان ألا تسمع لأنين العاشقين وآهات المحبين؟!
ذرِ الدموعَ نحيباً و ابكِ من أسفٍ *** على فراقِ ليالٍ ذاتِ أنوارِ
على ليالٍ لشهرِ الصومِ ما جُعلَتْ *** إلا لتمحيصِ آثامٍ و أوزارِ
يا لائمي في البُكا زدني به كَلفاً *** و اسمع غريبَ أحاديثٍ و أخبارِ
ما كان أحسنُنا و الشملُ مجتمعٌ *** منَّا المصلِّي و منَّا القانتُ القارِي
أياما معدودات
قال عز وجل{يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } (النور 44) ،
فبالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه ونسأل الله بلوغه ،
واليوم نودعه بكل أسىً ، ونتلقى التعازي برحيله ،
فما أسرع مرور الليالي والأيام ، وكر الشهور والأعوام ،
والعمر فرصة لا تمنح للإنسان إلا مرة واحدة ، فإذا ما ذهبت هذه الفرصة وولت ، فهيهات أن تعود مرة أخرى .
قال عمر بن عبد العزيز : " إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل أنت فيهما "
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي "
سوق قام ثم انفض؟!!
قال الحسن البصري : ( إن الله جعل رمضان مضمار لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته فسبق قوم ففازوا ، وتخلف قوم فخابوا .
فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون )
رمضان سوق قام ثم انفض ، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ، فلله كم سجد فيه من ساجد ؟ وكم ذكر فيه من ذاكر ؟
وكم شكر فيه من شاكر ؟ وكم خشع فيه من خاشع ؟ وكم فرط فيه من مفرط ؟ وكم عصى فيه من عاص ؟ .
إذا ارتحل رمضان ، فما أسعد نفوس الفائزين ، وما ألذ عيش المقبولين ، وما أذل نفوس العصاة المذنبين ، وما أقبح حال المسيئين المفرطين !!.
كان سلفنا الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون سنتهم كلها في ذكر هذا الشهر
سَلامٌ مِنَ الرَّحمنِ كُلَّ أَوَانِ *** عَلَى خَيرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ
سَلامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيامِ فَإنَّهُ *** أَمَانٌ مِنَ الرَّحمنِ أيُّ أَمَانِ
تَرَحَّلْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ بِصَومِنَا *** وَقَد كُنتَ أَنوَارَاً بِكُلِّ مَكَانِ
لَئِنْ فَنِيَتْ أَيَّامُكَ الزُّهْرُ بَغْتَةً *** فَمَا الحُزْنُ مِن قَلْبِي عَلَيكَ بِفَانِ
عَلَيكَ سَلامُ اللهِ كُن شَاهِدَاً لَنَا *** بِخَيرٍ رَعَاكَ اللهُ مِن رَمَضَانِ
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسرولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه،
ولو حصل له كل مايلتذ به من المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه.
وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة).
العبرة بالخواتيم
كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يحملون همّ قبول العمل أكثر من همّ القيام بالعمل نفسه.
قال تعالى : {يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون }( المؤمنون 60)
قال عبد العزيز بن أبي رواد:
أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوا وقع عليهم الهمّ! أيقبل منهم أم لا؟
و قال علي رضي الله تعالى عنه:
[كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل،
ألم تسمعوا لقول الحق عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]].
و قال مالك بن دينار :
[الخوف على العمل ألا يتقبل ..أشدّ من العمل].
أيها المقبول هنيئاً لك ،
أيها المردود جبر الله مصيبتك "
عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال:
[من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟].
أيها المقبول هنيئاً لك! أيها المردود جبر الله مصيبتك!
ليت شعري من فيه يقبل منـا فيهنأ.. يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول أرغم الله أنفه بخزي شديد
فالعبرة بالخواتيم ،
قال تعالى : (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } (سورة النصر) ،
وأمر بذلك الحجيج بعد قضاء مناسكهم وانتهاء أعمال حجهم فقال سبحانه : (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } (البقرة 199) .
فإن من علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها ،
ومن علامات ردها العودة إلى المعاصي بعد الطاعات ،
وقد ضرب الله عز وجل في كتابه مثلاً لمن حسن عملُه
ثم انقلب على عقبه بعد ذلك ، وبدل الحسنات بالسيئات عياذاً بالله ،
قال سبحانه: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } ( البقرة 266) ،
فمثله كمثل شيخ كَبُرَ سِنُّه وضعف جسمه ولم يعد قادراً على العمل والتكسب ولديه صبية ضعفاء يحتاجون إلى رعايته، ولا يملك سببا للرزق إلا بستاناً من أجمل البساتين خضرة وبهاء ،
وفيه من النخيل والأعناب والثمرات والماء الجاري وغير ذلك مما يُمتع الأنظار، وتُسرُّ له النفوس ، وفي الوقت الذي اشتدت حاجته إليه وتعلق قلبه به أتى بستانه إعصار فيه نار فأحرق ما به من زرع وثمار ،
قال ابن عباس : " ضُربت لرجل غني يعمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " رواه البخاري .
إن من خالط الإيمان بشاشة قلبه لا يمكن أن يهجر الطاعات ، بعد أن ذاق حلاوتها وشعر بأنسها ولذتها ،
ولما سأل هرقل أبا سفيان عن المسلمين ، هل يرجعون عن دينهم بعد أن دخلوا فيه ؟ ، قال أبو سفيان : لا ، قال هرقل : وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب .
فيا من أَلِف الحق .. تمسك به هُديت ..، واستمر عليه
علامة قبول رمضان
أن تصل بعد الطاعة إلى رضا المعبود ،
و علامة الصدود أن تبعد- بالمعصية- عن المقصود .
من علامات قبول العمل المواصلة فيه ، والاستمرار عليه .. فاحكم أنت على صيامك ..
أمقبولٌ أممردود؟!!!
وقد سئلت عائشة رضي الله عنها كما في البخاري عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : " كان عمله ديمة "
أي مستمراً ، كالمطر الدائم الذي لا ينقطع ،
وتذكر أن عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله ،
وللحسنة أولاد .. وللسيئة أولاد
ما أحسن الحسنة بعد الحسنة و أقبح السيئة بعد الحسنة .
ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها .
النكسة أصعب من المرض الأول .
ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة
وما أفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة .
{فمن نكث فإنما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما.}
من تكرر منه نقض العهد أيوثق بمعاهدته؟!
قال الحسن البصري رحمه الله : " إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ثم قرأ قوله عز وجل (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } ( الحجر 99) .
القلب ينشط للقبيح ***وكم ينام عن الحسن
يا نفس ويحك ما الذي ***يرضيك في دنيا العفن ؟!
أولى بنا سفح الدموع *** و أن يــجلبنا الحـــزن
أولى بنا أن نرعــوي*** أولى بنا لبس ( الكفــــن)
أولى بنا قتل ( الهوى )*** في الصدر أصبح كالوثن
فأمامنا سفر طويل ***بــــعده يأتــــي الســــكن
إما إلى ( نار الجحيم ) ***أو الجنان : ( جنان عدن )
أقسمت ما هذي الحياة***بها المقام أو ( الوطـــن)
فلم التلوّن و الخداع ؟*** لم الدخول على ( الفتن ) ؟!
يكفي مصانعة الرعاع ***مع التقلـــب في المحن
تبا لهم مــن مــــعشر*** ألفوا معاقرة ( النــــتن)
بينا يدبّر للأمــــــين*** أخو الخيانة ( مؤتمن ) !
تبا لمن يتمـــــــلقون*** و ينطوون على ( دخن )
تبا لهم فنفـــــــــاقهم ***قد لطّخ ( الوجه الحسن)
تبا لمن باع ( الجنان ) ***لأجـــــل ( خضراء الدمن)
الخاسرون فى رمضان
في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال:
(آمين.. آمين.. آمين.. قيل: يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت: آمين. آمين. آمين. قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له؛ فدخل النار فأبعده الله -فكم هم أولئك المبعدين عن رحمة الله؟- قل: آمين. فقلت: آمين ...) الحديث.
متى يزرع من فرط وقت البذر، فلم يحصد غير الندم والخسار؟!
مساكين هؤلاء! فاتهم رمضان وفاتهم خير رمضان؛ فأصابهم الحرمان وحلت عليهم الخيبة والخسران،
قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، لا صيام ينفع ولا قيام يشفع، قلوب كالحجارة أو أشد قسوة، حالها في رمضان كحال أهل الشقوة،
لا الشاب منهم ينتهي عن الصبوة *** ولا الشيخ ينـزجر فيلحق بالصفوة.
أيها الخاسر! رحل رمضان وهو يشهد عليك بالخسران؛
فأصبح لك خصماً يوم القيامة!
رحل رمضان وهو يشهد عليك بهجر القرآن؛ فيا ويل من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان!
فيا من فرط في عمره وأضاعه!
كيف ترجو الشفاعة؟ أتعتذر برحمة الله؟ أتقول لنا: إن الله غفور رحيم؟ نعم.
لكن إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]
العاملين بالأسباب .. الخائفين المشفقين.
سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجمـاعات، فقال رضي الله تعالى عنه: [هو في النار].
فيا أيها الخاسر! نعم. رحل رمضان وربما خسرت خسارةً عظيمة، ولكن الحمد لله، فما زال الباب مفتوحاً والخير مفسوحاً، وقبل غرغرة الروح، ابكِ على نفسك وأكثر النوح، وقل لها:
ترحل الشهر وا لهفاه وانصرما*** واختص بالفوز في الجنات من خدما
وأصبح الغافل المسكين منكسراً ***مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البذار*** فما تراه يحصد إلا الهم والندما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته ***في شهره وبحبل الله معتصما
لا تكن كنتيا
يروى أن الإمام الصنعاني عبد الرزاق سأل يوماً معلمه معمر بن راشد الأزدي عن (الكنتي)
فقال معمر: الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء.
قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ (كنتي) كأنه نسب إلى قوله: كنت في شبابي كذا. قال:
فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا*** وشر خصال المرء كنت وعاجن
عجن الرجل إذا قام معتمداً على الأرض من الكبر.
وقد صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه كان يستعيذ بالله من (الحور بعد الكون) في دعاء سفره
وقد فسره الإمام الترمذي بـ(إنما هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعني الرجوع من شيء إلى شيء من الشر).
قال ابن الأثير: يعني: أعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات
قال أبو عمر بن عبد البر (يعني رجع عما كان عليه من الخير
كن ربانيا ... ولا تكن رمضانيا
فقد قيل لأحد الصالحين أيهما أفضل: رجب أم شعبان ؟ فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا !!
اثبت و تصطبر ورب نفسك وألزمها الصواب. املك زمام المبادرة.
رب رمضان رب الشهور كلها
لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد والحرص على الخيرات،
فالنفس لا تطيق ذلك، ورمضان له فضائل وخصائص
و لكنا نقول:
لا للانقطاع عن الأعمال الصالحة،
(*)باع قوم من السلف جارية ، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها..
فسألتهم.. فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان .
فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان !، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ، رودني إليهم.
كان الحسن يقول : عجبت لأقوام أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وجلس أولهم على آخرهم و يلعبون !!
وكان يقول : يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر ، والكبش يعتلف.
وكان أبو بكر بن عياش يقول : لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول : إنا لله.. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره
ولا يقول : ذهب عمري ،
كان لله أقوام يبادرون الأوقات ، ويحفظون الساعات ، ويلازمونها بالطاعات .
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها .
وقيل لعمرو بن هاني : لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم ؟
قال : مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع .
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة ، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي ، فتقول له أمه : يا بني ، قتلت قتيلاً؟ فيقول :أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي .
قال الجماني : لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته ، فقال: لا تبك ، وأشار إلى زواية في البيت ، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول : صم الدنيا واجعل فطرك الموت ،
الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات ، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم .
وقَد صُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّه *** ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي.
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في لآخرة وفواته ،
قال الله تعالى :{أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدُّّّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا }
لا للانقطاع
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ). متفق عليه
تقول عائشة رضي الله تعالى عنها:"كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة
لما سئل بشر الحافي - رحمه الله - عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخرمضان تركوا قال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان).
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون , فأن الله لا يمل حتى تملوا , وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل"[ رواه البخاري ومسلم ]
وليس في سياط التأديب للنفس أجود من سوط عزم , وإلا وَنَت وأَبَت ,لأن فساد الأمر في التردد .
والنفس من أعجب الأشياء مجاهدة
لأن أقواماً أطلقوها فيما تحب , فأوقعتهم فيما كرهوا .
وآخرين بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها , وإنما الحازم من تَعلمَ منه نفسُه الجد وحفظ الأصول ,
فإذا ما أفسح لها في مباحٍ ,لم تتجاسر أن تتعداه ,لأن تفقد النفس حياة , وإغفالها لون من ألوان القتل صبراً .
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .
فلنحرص ولو على القليل من صيام النفل، ولنداوم ولو على القليل من القيام، ولنقرأ كل يوم ولو القليل من القرآن،
ولنتصدق ولو بالقليل من المال والطعام، وهكذا في سائر الأعمال، ولنحيي بيوتنا ولنشجع أولادنا وأزواجنا.
* قال عبدالله بن عمرو بن العاص رصي الله عنهما : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا عبد الله ,لا تكن مثل فلان , كان يقوم الليل فترك قيم الليل " [متفق عليه ] .
ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس , فليداوم النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
وليستمع إلى قوله :" إن هذا الدين متين , فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى " [رواه أحمد ]
وعند البخاري في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
وقفة محاسبة قبل الرحيل
العاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور بالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، ولو كانت قليلة؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع.
العبادات فرضت فى الإسلام ليس للأداء بل لحكمة وهو تحقيق التقوى
ومن أعظم ثمار الصيام، تربية القلوب على مراقبة الله وتعويدها على الخوف والحياء منه.
ويقول القسطلاني -رحمه الله- معدداً ثمرات الصوم:
"ومنها رقة القلب وغزارة الدمع، وذلك من أسباب السعادة، فإن الشبع مما يذهب نور العرفان، ويقضى بالقسوة والحرمان "
وغاية الصيام التقوى؛ يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى. ولئن كانت فرائض الإسلام وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها سبيل التقوى، فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب.
فهل حققنا تقوى الله في أنفسنا ؟
ما الذي جنيناه من ثمارالطاعات هذا الشهر المبارك ؟
يا خادم الجسم كم تسعي لخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
هل قرأنا القرآن وتدبرناه وعملنا به ؟
هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية ؟
وما أحسن قول القائل :
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانهـا
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخـير لنفسك عصيانهـا
ومن أراد السعادة فليلزم عتبة العبادة ، وليجتنب الإساءة .
.يقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه:
( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل )
و يقول الحسن البصري رحمه الله :
( إذا لم تقدر على قيام الليل ، ولا صيام النهار ، فاعلم أنكمحروم ، قد كبلتك الخطايا والذنوب )
هل ربينا أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟
هنا مصنع الأبطال يصنع أمةً *** وينفخ فيها قــــوة الروح والـفــــــــكر.
ويخلع عنها كل قيد يعــوقها *** ويعلي منار الحق والصدق والصبر.
فقد حصل فيه من الأحداث التي غيرت مسار التاريخ ، وقلبت ظهر المجن ،
فنقلت الأمة من مواقع الغبراء ، إلى مواكب الجوزاء ، ورفعتها من مؤخرة الركب ، لتكون في محلا لصدارة والريادة
ففي معركة بدر الكبرى التقى جيشان عظيمان ، جيش محمد صلى الله عليه وسلم ، وجيش الكفر بقيادة أبي جهل في السنة الثانية من الهجرة وذلك في اليوم السابع عشر من رمضان ، وانتصر فيها جيش الإيمان على جيش الطغيان ،
ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود ، ونجم الكفر في أفول ، وأصبحت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ،
يقـــــول الله تعالى{وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍوَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [آل عمران:123] .
أبطـال بدر ياجباهاً شـــــــُرعت *** للشمس تحكي وجهها المصقولا
حطـمتم الشرك المصغر خده *** فارتد مشلول الخطى مخـذولا.
وفي سنة ستمائة وثمانيةً وخمسين ، فعل التتار بأهل الشام مقتلة عظيمة ، وتشرد من المسلمين من تشرد، وخربت الديار ،
فقام الملك المظفر قطز ، بتجهيز الجيوش ، لقتال التتار ، حتى حان اللقاء في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان
وأمر ألا يقاتلوا حتى تزول الشمس ،وتفيء الظلال ، وتهب الرياح ، ويدعوا الخطباء والناس في صلاتهم ، ثم تقابل الصفان ،
واقتتل الجيشان ، وحصلت معركة عظيمة ، سالت فيها دماء ، وتقطعت أشلاء ، ثم صارت الدائرة على القوم الكافرين ، وقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله ربالعالمين .
هل ربينا أنفسنا على كظم الغيظ وعدم الانتقام لأنفسنا وعدم الغضب إلا لله؟
وليكن شعـــارك الدائم
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران:134]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَالْغَضـَبِ "
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ،دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء " رواه الترمذي .
فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا ، والحلم والأناة دثارنا
.هل تغلبنا على أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟
خـــــل الـذنوب صغــــــــــيرها ***وكبيرها ذاك الـتقى
واصنع كماش فوق أرض*** الشوك يحذر ما يرى
لا تـحـقـرن صـغيرةً إن*** الجبـــــــالَ من الحـــــــــــصى
هل تعلمنا معنى العبودية والاستسلام لله جل وعلا في كل الأمور ؟
هل سعينا إلى الأخذ بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من النار ؟
يا قوم تصبروا و تشددوا فإنما هي ليالٍ تعد و إنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب
فيذهب به و لا يلتفت فانقلبوا بصالح الأعمال .
إن هذا الحق قد أجهد الناس و حال بينهم وبين شهواتهم
و إنما صبر على الحق : من عرف فضله و رجا عاقبته.
فرحة العيد
ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن إيمانه يزيد،
وخاف يوم الوعيد، واتقى ذا العرش المجيد.
تذكروا ذلكم الطفل اليتيم .. الذي ما وجد والداً يبارك له بالعيد ..، ولا يُقبَّله ، ولا يمسح على رأسه .. قتل أبوه في جرح من جراحِ هذه الأمة ..
الصوم يمنحنا مشاعر رحمة *** وتعاون وتعفف وسماح
قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسدإذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه مسلم (2586) .
نقول لبعضنا: عيد سعيد، وإخوان لنا عراة في الجليد، ودماء وجروح وصديد،
طفل شريد، وأب فقيد، وأم تئن تحت فاجر عنيد، صراخ وتهديد ووعيد،
وتذكروا تلكم الطفلة الصغيرة .. حينماترى بنات جيرنها يرتدين الجديد ..، وهي يتيمة الأب
إنها تخاطب فيكم مشاعركم ..، وأحاسيسكم .. إنها تقول لكم :
أنا طفلة صغيرة ..، أليس من حقي أن أفرح بهذا العيد .. من حقي أن ارتدي ثوباً حسناً لائقاً بيوم العيد .. من حقي .. أن أجد الحنان والعطف ..
أريد قبلة من والدي ..، ومسحة حانية على رأسي .. أريد حلوى ..، ولكن السؤال المرّ .. الذي لم أجد له جواباً حتى الآن هو .. أين والدي ؟ أين والدتي ؟!!
خاتمة
آن لثياب العصيان ، أن تخلع في رمضان ،
ليُلْبس الله العبد بعده ثياب الرضوان ،
ويجودعليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان
فاللهم تقبل منا رمضان
هاهو رمضان، رحل عنا بعد أن انقضت أيامه وتصرمت لياليه، ولسان حال الصائم منا يقول:
فيا شهر الصيام فدتك نفسـي ***تمهل بالرحيل والانتقال.
فما أدري إذا ما الحول ولـّى*** وعدت بقابل في خير حال.
أتلقاني مع الأحياء حياً أو*** أنك تلقني في اللحد بالي.
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد رحل ... ومن كان يعبد الله ؛ فإن الله باق لا يرحل .
أيها المعرض عنا *** إن إعراضك منا
لو أردناك جعلنا *** كلَّ ما فيك يردنا
عباد أعرضوا عنا *** بلا جرم ولا معنى
أساؤا ظنهم فينا *** فهلا أحسنوا الظن
فإن خانوا فما خنا...وإن عادوا فقد عدنا
وإن كانوا قد استغنوا *** فإنا عنهم أغنى
الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا رَمَضَانَ، واجعلنا من المقبولين الفائزين
اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور ، ومن الضلال بعد الهدى
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير
إعداد الفقير إلى الله أبو مسلم وليد برجاس
للأمانة منقول