الله يهديكم ، أنسيتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". متفق عليه .
إن السمع والطاعة لولاة الأمر من أعظم واجبات الدين والخروج عليهم من أعظم الذنوب ، والخروج على ولاة الأمر لا يقتصر على الخروج عليهم بالسلاح فقط .
قال الشيخ صالح السدلان حفظه الله ((]إن الخروج لا يقتصر على الخروج بقوة السلاح ، أو التمرد بالأساليب المعروفة فقط ، بل إن الخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح ، إن الخروج بالكلمة واستغلال وسائل الإعلام والاتصال للتنفير والتحميس والتشديد يربي الفتنة في القلوب )) اعتقاد أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لـ يوسف الطريفي ص 60
أولاً : الآيات الدالة على وجوب السمع والطاعة لولي الأمر
قال الله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً ( 58) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا(59) )) سورة النساء .
((قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية :قال العلماء : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الآية الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولى الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ، إلا أن يأمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم كما أمر الله ورسوله ، قال تعالى (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) سورة المائدة (2) .
وإذا كانت قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل : فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة .)) السياسة الشرعية 1/17
(( قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسيره ج/1 ص393
وأمر بطاعة أولي الأمر وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ، ورغبة فيما عنده ، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول ، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله ومن يطعه فقد أطاع الله ، وأما أولو الأمر فشرط المر في بطاعتهم أن لا يكون في معصية )) اعتقاد أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لـ يوسف الطريفي ص14 .
وقال ابن كثير في الآية (( والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء )) تفسير ابن كثير 1/518 .
وقال تعالى (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا ))وبين النبي صلى لله عليه وسلم هذه الآية فقال: ((عليكم بالجماعة،وإياكم والفرقة))الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن ل الشيخ صالح آل الشيخ ص25
ومن الأحاديث التي وردت في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وهي كثيرة ومنها :
1-عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من كره من أميره شيئاً فليصبر،فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية))أخرجه البخاري كتاب الفتن ( 7053) ومسلم في كتاب الإمارة (1849) .
2- عن جنادة بن أبي أمية:دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض،قلنا : أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال (( دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة ،في منشطنا ومكرهنا،وعسرنا ويسرنا ،وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله ،(( إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان)) أخرجه البخاري في كتاب الفتن (7055،7056) ومسلم في كتاب الفتن(1709).
وقال الشيخ عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم في كتاب معاملة الحكام في الكتاب والسنة ص73 ( قال العلماء كما حكى النووي معناه : تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ، فإن كانت معصية ، فلا سمع ولاطاعة)قال : والأثرة : الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم .أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يعطوكم حقكم مما عندهم .
3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي ، كأن رأسه زبيبة )) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام (7142) .
4- عن أسيد بن حضير (( أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ فقال : إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض )) أخرجه البخاري (3792،7057) ومسلم في كتاب الإمارة (1845) .
5-وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يكون بعدي أئمة لايهتدون بهداي ،ولايستنون بسنتي ،وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس ،قال قلت كيف أصنع ؟يارسول الله إن أدركت ذلك قال : ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع )) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة (1847) .
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ،ثم مات، مات ميتة جاهلية ، ومن قتل تحت راية عمية ، يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها ، لايتحاش من مؤمنها ،ولايفي بذي عهدها ,فليس مني )) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة (1848)
7- عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم،ويفرق كلمتكم فاقتلوه))رواه مسلم في كتاب الإمارة (1852).
8- وأخرج مسلم في صحيحه أن سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فماذا تأمرنا ؟ فأعرض عنه ،ثم سأله ، فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ماحملوا وعليكم ما حملتم )) .
9- وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولاطاعة ))
وقد انعقد إجماع الصحابة وأئمة السلف على عدم الخروج على السلطان واستقر مذهبهم على هذا.
ومن أقوال السلف المأثورة في هذا الباب ما يلي :
1- قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تولى الخلافة أمام الناس : (( أيها الناس القوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق ، والضعيف فيكم القوي عندي حتى آخذ له الحق ، أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا سمع ولا طاعة ))
2- أخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : كان عمر رضي الله عنه إذا استعمل رجلاً كتب في عهده : (( اسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم )) القولين السابقين من كتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لـ يوسف الطريفي ص 22 .
3- أخرج الآجري بإسناد صحيح عن سويد بن غفلة قال : قال لي عمر بن الخطاب
(( لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام وإن كان عبداً حبشياً ، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر ، وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل : سمعاً وطاعة دمي دون ديني ))
4- عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس:آمر إمامي بالمعروف ؟ قال ابن عباس : إن خشيت أن يقتلك فلا،فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه،ولاتغتب إمامك))أخرجه ابن أبي شيبة .
5-وقال عبدالله بن مسعود لرضي الله عنه في خطبة له (( أيها الناس :عليكم بالطاعة
والجماعة،فإنها حبل الله الذي أمر به،وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة )) 6- قال الفضيل ابن عياض رحمه الله (( لوكانت لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام ، فقيل له وكيف ذلك يا أبا علي ؟ قال : متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد )) حلية الأولياء . (8/ 91)
7- قال الحسن البصري رحمه الله تعالى (( هم يلون من أمورنا خمساً : الجمعة ، والجماعة ، والعيد والثغور ، والحدود ، والله لا يستقيم الدين إلا بهم ، وإن جاروا وظلموا ، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون ، مع أن طاعتهم والله لغبطة ، وإن فرقتهم لكفر ))
8- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (( ولهذا كان الشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف، وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الفساد في القتال ، والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة ، فلا يدفع أعظم الفاسدين بالتزام أدناهما ، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته ))
9- أخرج ابن زنجوية في كتاب الأموال عن أبي إدريس الخولاني أنه قال (( إياكم والطعن على الأئمة فإن الطعن عليهم هي الحالقة،حالقة الدين ليس حالقة الشعر ، ألا إن الطاعنين هم الخائبون وشرار الأشرار ))
10- وأخرج القرطبي في تفسيره 5/262 عن سهل بن عبدالله التستري رحمه الله أنه قال
(( لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء ، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم ، وإن استخفوا بهذين الأمرين أفسدوا دنياهم وأخراهم )) .
11- وعن سماك بن الوليد الحنفي أنه لقي ابن عباس بالمدينة ، فقال ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا ، ويشتموننا ، ويعتدون علينا في صدقاتنا ، ألا نمنعهم ؟ قال ابن عباس : لا أعطهم يا حنفي يا حنفي ، الجماعة الجماعة ، إنما هلكت الأمم الماضية بتفرقها ، أما سمعت الله عز وجل يقول (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) .
12- قال الأوزاعي : (( كان يقلل : خمس كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان : لزوم الجماعة ، واتباع السنة ، وعمارة المساجد ، وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله ))
13- وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن محمد بن المنكدر قال (( بلغ ابن عمر أن يزيد أن يزيد بن معاوية بويع له ، فقال ابن عمر : إن كان خيراً رضينا وإن كان شراَ صبرنا ))
14- وأخرج اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة 1/151 : أن سفيان الثوري رحمه الله قال : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل إمام بر وفاجر ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل ))
15-وقال أبو الحسن بن علي البربهاري – رحمه الله في شرح السنة : (( والسمع والطاعة للأمة فيما يحب الله ويرضى ، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ، ورضاهم به فهو أمير المؤمنين ، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام ، براً أو فاجراً .....هكذا قال الإمام أحمد بن حنبل ، ولا يحل قتال السلطان ، ولا الخروج عليه ، وإن جار ، وليس في السنة قتال السلطان، ولا الخروج عليه فإن فيه فساد الدنيا والدين ، وقال أيضاً (( إذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله )) .
16- قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته (( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ، مالم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ))
17- وقال ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية (( وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم
، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ، ومضاعفة الأجور، ...... )) .
18- قال الإمام أبو عبدالله محمد بن أبي زمنين في كتابه أصول السنة (( ومن قول أهل السنة : أن السلطان ظل الله في الأرض ... )) .
19- قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ رحمه الله كما في الدرر السنية
9/ 25 (( وأهل العلم مع هذه الحوادث متفقون على : طاعة من تغلب عليهم في المعروف ، يرون إنفاذ حكمه وصحة إمامته ، ولا يختلف في ذلك اثنان ، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف وتفريق الأمة ،وإن كان الأئمة ظلمة فسقة مالم يروا كفراً بواحاً ، ونصوصهم في ذلك موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم ))
20- قال سماحة الشيخ المفتي العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله في كتاب ( المعلوم من العلاقة بين الحاكم والمحكوم )
(( الواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لأحد أن ينزع يداً من طاعة بل يجب على الجميع السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف ....))
21- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى عضو هيئة كبار العلماء في شرح العقيدة الواسطية 2/338 (( فإنه يجب علينا طاعة ولاة الأمور، وإن كانوا عصاة ،
فنقيم معهم الحج والجهاد ، وكذلك الجمع ، ولو كانوا فجاراً )) . الآثار السابقة من كتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لـ يوسف الطريفي .
إذا فهم ما تقدم من النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر ، وتحريم منازعته ، والخروج عليه وأن المصالح وأن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة.
تبين أن الخروج عن طاعة ولي الأمر ، والافتيات عليه ، بغزو أو غيره ، معصية ، ومشاقة لله ورسوله ، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة