أحمد بوبيدي
طاقم المشرفين
- رقم العضوية :
- 38633
- البلد/ المدينة :
- اولاد حملة
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 7513
- نقاط التميز :
- 9326
- التَـــسْجِيلْ :
- 18/03/2012
لا ريب أن النقلة الأخلاقية عنصر حيوي لاستكمال
البناء الحضاري , وأساس كل مشروع يهدف إلى تحقيق النهضة , أو على الأقل
توفير شروطها .لذا تستمد منظومة القيم لكل أمة أو جماعة أهميتها ومشروعيتها
من كونها حارسة للهوية , و صائنة للانتماء , وإطارا مرجعيا للمبادرة
الفردية و الجماعية .
من هذا المنطلق يكتسب الدفاع عن الأخلاق الإسلامية وجاهته وضرورته في
عالم يُصر على استنبات قيم جديدة تلغي الفروق العقدية و الفكرية , وتهمل
الخصوصيات الحضارية للأمم .فتحت مسمى "الإنسانية " و "الكونية" يجري
الالتفاف بخبث ودهاء على المنبع الذي تنهل منه الأخلاق الإسلامية سماتها
وتفردها , كما يتم , في الآن ذاته, التحريض على الفكاك منها بدعوى انغلاقها
وعجزها عن التلاؤم مع شروط الانتساب للعالم المتقدم !
وإذ نثمن الجهود التي تُبذل في الوقت الحاضر لاستعادة الشخصية الإسلامية ,
وحفز المسلم المعاصر على التمسك بقيمه , وتوجيه سلوكه ومعاملاته بما يضمن
تحقيق مراد الله تعالى من بعثة الرسل و إنزال الكتب , لا يسعنا في المقابل
إلا التنبيه على ضرورة التقدم خطوة إلى الأمام ,وكشف التلازم بين التخلق
بأخلاق الإسلام وتشكيل نسق حضاري قائم على العطاء و الإبداع و التحرر من
الخرافة و الوهم .
إن للأخلاق الإسلامية أثرها على الفرد و المجتمع , وهذا أمر بَين لا يحتاج
منا إلى تدليل , لكن ما يُعوز المسلم في الوقت الراهن هو استجلاء فعاليتها
في ردم صور التبعية و التخلف , و الانجذاب المفرط صوب قيم الغرب وتمثلاته
.فالحديث مثلاعن خلق الإيثار و الحياء في عالم مُشبع بمظاهر الأنانية
المفرطة و التحرر من العفة , لن يُحقق مبتغاه بركونه إلى تحريك الوجدان ,و
الحنين إلى مجتمع السلف الصالح الذي أفلح في تطبيقها و تمثلها. وهذا ما
يضعنا أمام تحد كبير قوامه : تأكيد الفعالية الحضارية للأخلاق الإسلامية.
جاء في الحديث النبوي الشريف أن "الإيمان بضع وستون شعبة و الحياء شعبة من
الإيمان " (1) وتخصيص الحياء هنا بالذكر دون غيره من الشعب تأكيد على عظم
شأنه وعلو قدره , فهو السجية التي بها قوام الدين وعليها مداره .لذا نلمح
في ورود الأحاديث بشأنه حرصا نبويا على التحذير من مغبة التفريط فيه , لأنه
الحائل دون الانسلاخ من الدين بالكلية, كقوله صلى الله عليه وسلم " إن مما
أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (2) .
و الحياء كما يُعرفه الإمام النووي رحمه الله " انقباض وخشية يجدها
الإنسان من نفسه عندما يُطلع منه على قبيح " (3) . بيد أن هذا التعريف يقصر
في الحقيقة عن بلوغ المراد من الحياء كما ألمحت إليه جملة من الأحاديث
الشريفة , فحصول الانقباض هنا برأي الإمام مرتبط بانكشاف المعصية للآخرين ,
وبالتالي فهو أقرب للحرج بتعبيرنا المعاصر , بينما خلق الحياء ينطوي على
بُعد وقائي يصون النفس من الوقوع في الإثم , أو حتى التفكير فيه !
أما الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي فيرى أن الحياء خُلق " يتولد من
مطالعة نعم الله و رؤية التقصير في شكرها " (4) . و يميز بين نوعين من
الحياء : فطري يُنعم الله تعالى به على من يشاء من عباده , وآخر يكتسبه
المرء من معرفته بعظمة الله وقربه و اطلاعه على خلقه ,وعلمه بخائنة الأعين
وما تخفي الصدور . وحديث الإمام هنا عن الحالة الناشئة من مطالعة النعم
ورؤية التقصير يُكسب الحياء دلالة أعمق تتخطى حدود الذات صوب تحقيق
الفاعلية الحضارية المنشودة , فلا تكون الغاية فقط تزكية النفس بل تمتد إلى
تحريك الهمم للنهوض بواجب الاستخلاف . فمن تفكر في الموجودات , وشاهد
عناصر التكريم الرباني , ثم استعرض حاله في الإقبال و الإدبار تولد في نفسه
الحياء من الله , وأدرك عظم تقصيره في تحقيق مراد الله .
فالعالِم المسلم يستحي من الله أن تشيع الخرافة و الجهل و ألوان البدع في
بلاد المسلمين ثم لا يبذل وسعه للتصدي لها وكشف زيغها و انحرافها عن المنهج
الرباني .
و الطبيب المسلم يستحي من الله أن يُرى فاتر الهمة في تخفيف ألم أو
إجراء فحوص لمرضى يفترشون ردهة المستوصف , بينما الآلاف من أطباء الملل
الأخرى يجوبون القرى المنكوبة و الأدغال الموحشة باسم الإنسانية أو باسم
المسيح!
و المُزارع المسلم يستحي من الله أن يُطعم الأمة ما التاث من نبات الأرض
بالسموم و المبيدات الضارة , فلاتشغله مكاسب الربح عن طلب الحلال و إعفاف
النفس واستحضار مراقبة الله تعالى .
و الأمة الموصوفة بالخيرية و الشهود الحضاري تستحي أن تُرى عالة على الأمم
الأخرى في مطعمها وملبسها وسائر ضرورات حياتها . فتستحث همم أبنائها ,
وقواهم المعنوية و المادية ليتصرفوا في الكون وفق منهج رباني ضمن لسلفهم
الريادة والتمكين.
أما تمييز الإمام بين الحياء الفطري و المكتسب فيُحيل ضمنا على ما
يتطلبه ترسيخ الحياء في سلوك الفرد من جهد تربوي يقع على عاتق الأسرة
باعتبارها المحضن الأول . غير أنه جهد لا ينبغي أن يقف عند صيغ الاحتشام
التي تحمل الأسرة صغارها على مراعاتها امتثالا لأمر إلهي , أو لما جرى عليه
العرف و العادة .بل يجب أن يمتد إلى منظومة الأفكار و التصورات التي تحكم
علاقته بخالقه أولا , وبالخلق ثانيا , وبالكون ثالثا .
فحياؤه من خالقه , وهو أعلى خصال الإيمان , يحثه على التعاطي بإيجابية
مع مبدأ التسخير الذي جعل كل عناصر الكون خادمة له , فيُبادر للعطاء و
البناء و الإبداع . كما يُجنبه الانصياع لدواعي الفساد التي حذره الحق
سبحانه من عواقبها , وضرب له من الأمثال ,و ساق له من الأخبار ما فيه
غُنية وكفاية .
وحياؤه من الخلق يحمله على التمسك بالمثل و القيم الأخلاقية التي تكمن
فيها قوة المجتمع الإسلامي , كما يُلزمه بالسعي إلى توثيق عرى الأخوة
الإيمانية , ونبذ صور التناحر و العداوة و البغضاء التي تفت عضد الأمة
,وتعرضها للهزات و الاضطرابات.
أما حياؤه من الكون فلأنه الكتاب المنظور الذي يحوي بديع صنع الله
ودلائل عظمته , فيُدرك أن مسؤوليته تجاهه تفرض تسخيرعناصره لما يحقق له
المنفعة دون مجاوزة حد الاعتدال و التوسط .وبذلك يتجنب مغبة الانزلاق خلف
تصور غربي عدائي يزعم مركزية الوجود الإنساني , وحقه المطلق في استنزاف
محيطه الحيوي وتدجينه .
إن أهم خصائص الحضارة الإسلامية أنها حضارة إيمانية متجددة, يُشكل الدين
أقوى دوافع قيامها وازدهارها (5) لذا فإن شعب الإيمان التي تفوق الستين
شعبة بنص الحديث الشريف تشكل لبنات التجديد الحضاري , وركائز مهمة لتقوية
كيان الأمة وتجديد عطائها واستئناف مهمتها في نشر قيم الإسلام وتعاليمه
السمحة. ومحاولتنا لتأكيد الفعالية الحضارية لخلق الحياء هي في الواقع دعوة
لإرساء منظور جديد للأخلاق الإسلامية لا يحصر غايتها في تزكية النفس ,
والحؤول دون انقيادها لدواعي الانحلال و التردي , بل يطمح في جعلها قاعدة
صلبة لتجديد أساليب الحياة العامة في شتى المرافق و المجالات , واعتمادها
منطلقا للإرادة الحرة التي تروم تقويم الأوضاع , وترشيد الجهود ,
والاستجابة الكفؤة لمطلب التحدي الحضاري .
البناء الحضاري , وأساس كل مشروع يهدف إلى تحقيق النهضة , أو على الأقل
توفير شروطها .لذا تستمد منظومة القيم لكل أمة أو جماعة أهميتها ومشروعيتها
من كونها حارسة للهوية , و صائنة للانتماء , وإطارا مرجعيا للمبادرة
الفردية و الجماعية .
من هذا المنطلق يكتسب الدفاع عن الأخلاق الإسلامية وجاهته وضرورته في
عالم يُصر على استنبات قيم جديدة تلغي الفروق العقدية و الفكرية , وتهمل
الخصوصيات الحضارية للأمم .فتحت مسمى "الإنسانية " و "الكونية" يجري
الالتفاف بخبث ودهاء على المنبع الذي تنهل منه الأخلاق الإسلامية سماتها
وتفردها , كما يتم , في الآن ذاته, التحريض على الفكاك منها بدعوى انغلاقها
وعجزها عن التلاؤم مع شروط الانتساب للعالم المتقدم !
وإذ نثمن الجهود التي تُبذل في الوقت الحاضر لاستعادة الشخصية الإسلامية ,
وحفز المسلم المعاصر على التمسك بقيمه , وتوجيه سلوكه ومعاملاته بما يضمن
تحقيق مراد الله تعالى من بعثة الرسل و إنزال الكتب , لا يسعنا في المقابل
إلا التنبيه على ضرورة التقدم خطوة إلى الأمام ,وكشف التلازم بين التخلق
بأخلاق الإسلام وتشكيل نسق حضاري قائم على العطاء و الإبداع و التحرر من
الخرافة و الوهم .
إن للأخلاق الإسلامية أثرها على الفرد و المجتمع , وهذا أمر بَين لا يحتاج
منا إلى تدليل , لكن ما يُعوز المسلم في الوقت الراهن هو استجلاء فعاليتها
في ردم صور التبعية و التخلف , و الانجذاب المفرط صوب قيم الغرب وتمثلاته
.فالحديث مثلاعن خلق الإيثار و الحياء في عالم مُشبع بمظاهر الأنانية
المفرطة و التحرر من العفة , لن يُحقق مبتغاه بركونه إلى تحريك الوجدان ,و
الحنين إلى مجتمع السلف الصالح الذي أفلح في تطبيقها و تمثلها. وهذا ما
يضعنا أمام تحد كبير قوامه : تأكيد الفعالية الحضارية للأخلاق الإسلامية.
جاء في الحديث النبوي الشريف أن "الإيمان بضع وستون شعبة و الحياء شعبة من
الإيمان " (1) وتخصيص الحياء هنا بالذكر دون غيره من الشعب تأكيد على عظم
شأنه وعلو قدره , فهو السجية التي بها قوام الدين وعليها مداره .لذا نلمح
في ورود الأحاديث بشأنه حرصا نبويا على التحذير من مغبة التفريط فيه , لأنه
الحائل دون الانسلاخ من الدين بالكلية, كقوله صلى الله عليه وسلم " إن مما
أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (2) .
و الحياء كما يُعرفه الإمام النووي رحمه الله " انقباض وخشية يجدها
الإنسان من نفسه عندما يُطلع منه على قبيح " (3) . بيد أن هذا التعريف يقصر
في الحقيقة عن بلوغ المراد من الحياء كما ألمحت إليه جملة من الأحاديث
الشريفة , فحصول الانقباض هنا برأي الإمام مرتبط بانكشاف المعصية للآخرين ,
وبالتالي فهو أقرب للحرج بتعبيرنا المعاصر , بينما خلق الحياء ينطوي على
بُعد وقائي يصون النفس من الوقوع في الإثم , أو حتى التفكير فيه !
أما الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي فيرى أن الحياء خُلق " يتولد من
مطالعة نعم الله و رؤية التقصير في شكرها " (4) . و يميز بين نوعين من
الحياء : فطري يُنعم الله تعالى به على من يشاء من عباده , وآخر يكتسبه
المرء من معرفته بعظمة الله وقربه و اطلاعه على خلقه ,وعلمه بخائنة الأعين
وما تخفي الصدور . وحديث الإمام هنا عن الحالة الناشئة من مطالعة النعم
ورؤية التقصير يُكسب الحياء دلالة أعمق تتخطى حدود الذات صوب تحقيق
الفاعلية الحضارية المنشودة , فلا تكون الغاية فقط تزكية النفس بل تمتد إلى
تحريك الهمم للنهوض بواجب الاستخلاف . فمن تفكر في الموجودات , وشاهد
عناصر التكريم الرباني , ثم استعرض حاله في الإقبال و الإدبار تولد في نفسه
الحياء من الله , وأدرك عظم تقصيره في تحقيق مراد الله .
فالعالِم المسلم يستحي من الله أن تشيع الخرافة و الجهل و ألوان البدع في
بلاد المسلمين ثم لا يبذل وسعه للتصدي لها وكشف زيغها و انحرافها عن المنهج
الرباني .
و الطبيب المسلم يستحي من الله أن يُرى فاتر الهمة في تخفيف ألم أو
إجراء فحوص لمرضى يفترشون ردهة المستوصف , بينما الآلاف من أطباء الملل
الأخرى يجوبون القرى المنكوبة و الأدغال الموحشة باسم الإنسانية أو باسم
المسيح!
و المُزارع المسلم يستحي من الله أن يُطعم الأمة ما التاث من نبات الأرض
بالسموم و المبيدات الضارة , فلاتشغله مكاسب الربح عن طلب الحلال و إعفاف
النفس واستحضار مراقبة الله تعالى .
و الأمة الموصوفة بالخيرية و الشهود الحضاري تستحي أن تُرى عالة على الأمم
الأخرى في مطعمها وملبسها وسائر ضرورات حياتها . فتستحث همم أبنائها ,
وقواهم المعنوية و المادية ليتصرفوا في الكون وفق منهج رباني ضمن لسلفهم
الريادة والتمكين.
أما تمييز الإمام بين الحياء الفطري و المكتسب فيُحيل ضمنا على ما
يتطلبه ترسيخ الحياء في سلوك الفرد من جهد تربوي يقع على عاتق الأسرة
باعتبارها المحضن الأول . غير أنه جهد لا ينبغي أن يقف عند صيغ الاحتشام
التي تحمل الأسرة صغارها على مراعاتها امتثالا لأمر إلهي , أو لما جرى عليه
العرف و العادة .بل يجب أن يمتد إلى منظومة الأفكار و التصورات التي تحكم
علاقته بخالقه أولا , وبالخلق ثانيا , وبالكون ثالثا .
فحياؤه من خالقه , وهو أعلى خصال الإيمان , يحثه على التعاطي بإيجابية
مع مبدأ التسخير الذي جعل كل عناصر الكون خادمة له , فيُبادر للعطاء و
البناء و الإبداع . كما يُجنبه الانصياع لدواعي الفساد التي حذره الحق
سبحانه من عواقبها , وضرب له من الأمثال ,و ساق له من الأخبار ما فيه
غُنية وكفاية .
وحياؤه من الخلق يحمله على التمسك بالمثل و القيم الأخلاقية التي تكمن
فيها قوة المجتمع الإسلامي , كما يُلزمه بالسعي إلى توثيق عرى الأخوة
الإيمانية , ونبذ صور التناحر و العداوة و البغضاء التي تفت عضد الأمة
,وتعرضها للهزات و الاضطرابات.
أما حياؤه من الكون فلأنه الكتاب المنظور الذي يحوي بديع صنع الله
ودلائل عظمته , فيُدرك أن مسؤوليته تجاهه تفرض تسخيرعناصره لما يحقق له
المنفعة دون مجاوزة حد الاعتدال و التوسط .وبذلك يتجنب مغبة الانزلاق خلف
تصور غربي عدائي يزعم مركزية الوجود الإنساني , وحقه المطلق في استنزاف
محيطه الحيوي وتدجينه .
إن أهم خصائص الحضارة الإسلامية أنها حضارة إيمانية متجددة, يُشكل الدين
أقوى دوافع قيامها وازدهارها (5) لذا فإن شعب الإيمان التي تفوق الستين
شعبة بنص الحديث الشريف تشكل لبنات التجديد الحضاري , وركائز مهمة لتقوية
كيان الأمة وتجديد عطائها واستئناف مهمتها في نشر قيم الإسلام وتعاليمه
السمحة. ومحاولتنا لتأكيد الفعالية الحضارية لخلق الحياء هي في الواقع دعوة
لإرساء منظور جديد للأخلاق الإسلامية لا يحصر غايتها في تزكية النفس ,
والحؤول دون انقيادها لدواعي الانحلال و التردي , بل يطمح في جعلها قاعدة
صلبة لتجديد أساليب الحياة العامة في شتى المرافق و المجالات , واعتمادها
منطلقا للإرادة الحرة التي تروم تقويم الأوضاع , وترشيد الجهود ,
والاستجابة الكفؤة لمطلب التحدي الحضاري .