الزنا فاحشة وساء سبيلا وعلى المجتمات قفل أبوابه، لكن القتل بالرجم ظلم عظيم صنعه الإنسان. ونتكلم في القضية.
أولا - فلسفة الرجم:
الأصل في الرجم ذكوري يرجع لسبب أن حقد الذكر على الزانية أعظم من حقد الأنثى على الزاني. فالرجل هو الأقوى المسيطر المنفق والسيد الحامي لعش الزوجية فتكون خيانة المرأة "الضعيفة التابعة" أشد وطأة وأنكى على الرجل من وطأة خيانة "السيد" للمرأة.
لكن الأهم هو أن المرأة تكفي الرجل جنسيا لكن الرجل في حالات كثيرة لأسباب فيسيولوجية (غاية في الخصوصية) غير قادر على ذلك. فزنا المرأة يطعن صميم الذكورة (والعكس غير صحيح)، فيستبيح دمها بأقسى العقوبات باسم الشرائع وخاصة أنه المسيطر الأقوى فيكون غيظه مضاعفا.
فالمرأة تفهم زنا الزوج من منظور خيانة العشرة من دون المساس بأنوثتها الفسيولوجية. لكن الرجل يعتبر ذلك طعنا في صميم فحولته، بالاضافة لخيانة العشرة والسيادة المفترضة.
دليل تحرف الشرائع قسرا نحياه كل الأزمنة فنقرأ كثيرا عن جرائم الشرف وندرك أنها جريمة في الدين ولكن يبررها الكثير من منظور اجتماعي أو قبلي بل وحتى قانوني فنجد أحكاما مخففة للغاية للمجرم أشبه ما تكون بالتدليل.
فالمغدور يقول ببساطة فلتذهب الشريعة للجحيم ولاذهب معها ولكن سأنتقم لشرفي. والكل يوافقه ولو بالصمت بما فيه محقق القضية.
يعنى الناس لا تقبل بتشريع يتساوى فيه الذكر والأنثى (وخاصة في القضايا التي تمس السيادية والفحولة الذكورية) فتضرب عرض الحائط به وليتبوأ كل مقعده من النار ... لا يهم فهذا "خط أحمر" من الإنسان للشريعة بمثابة تحدي صارخ لله تعالى كما تحدي إبليس الله تعالى، فالكرامة أولا.
لذا ما أن ينزل تشريع بعقوبة الزنا إلا ويمسح من أول يوم. ولن يفتح أحد فمه كما لا يفعل هذه الأيام في تجريم جرائم الشرف لأنه ببساطة سيتهم في "رجولته ونخوته".
لكن الحق أحق أن يتبع ...
ثانيا – الشرائع الإلهية:
يعتقد الكثير أن الرجم أصلا من التوراة وهذا لا يصح إذ جاء في حق اليهود:
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ... (المائدة: 45) ... فالنفس بالنفس لا غير.
وبالنسبة للقرآن فالأمر محسوم في أكثر من موضع صراحة:
في مطلع النور (أي الوضوح والبيان): سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون (1) الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ... (النور:2).
عبارة "سورة أنزلناها وفرضناها" أي مفروضة فرضا مع التذكير أن "فرض سورة" لم ينزل في غير هذا الموضع من القرآن.
والعبارة "الزانية والزاني" معرفة عامة لا تقبل التقسيم والاستثناء والتأويل.
الآية تقول أن من تُحصن من ملك اليمين بالزواج ثم تأتي الفاحشة تعاقب بنصف عقوبة المتزوجة الحرة. والرجم لا ينتصف فقال الرواة إن الإحصان هنا هو الإسلام! أو أن المحصنات هن الحرائر لا المتزوجات!
ثالثا – مبدأ الجزاء من جنس العمل
يستهل القرآن الكريم بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" أي القرآن كله قائم على اسمه تعالى الرحمن الرحيم.
فاسم "الرحمن" مصدر كل الشرائع والنظم والسنن الكونية والرجم لا يتفق مع الرحمة.
الله عز وجل أودع الكون سننا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، يبنى عليها نظام الحياة، فالعاقل من يساير السنن ولا يصادمها، ومن هذه القواعد والسنن التشريعية أن الجزاء من جنس العمل. فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر: (جَزَاءً وِفَاقاً) (النبأ:26).
وقد وردت الأدلة الشرعية الكثيرة المرشدة لهذه القاعدة:
- فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (البقرة:194).
والقتل جرم في الإسلام إلا لمن أزهَقَ نفسا بغير ((حق)):
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (المائدة:32)
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا (( بالحق)) ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (الأنعام:151)
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا (( بالحق)) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (الإسراء:33)
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا (( بالحق)) ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (الفرقان:68)
ربط تعالى قتل النفس بالحق في كل هذه الآيات ونعلم أن الحق واحد (فقط) وحدده تعالى حصرا بازهاق نفس، لا غير. بمعنى لا تزهق نفس إلا بجريمة واحدة هي "القتل" عمدا لا غير.
رابعا – الرويات المكذوبة
قصة رجم رجل اسمه "ماعز" !!!
من الرويات التي بنى عليها حد الرجم ما جاء في البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم أن رجلا يدعى "ماعز" زنا بعد إحصان، فاعترف، فرجمه النبي صلي الله عليه وسلم. لا نريد الإطالة فالحدث لا يستحق ابتداء من اسم الرجل ولكن نذكر بعض التناقضات التي تمتلئ بها الرويات ومنها:
قيل أن ماعزا كان يعلم أن عقوبته الرجم، وقيل أنه لم يكن يعلم.
قيل أن ماعزا أتي النبي بالمسجد واعترف له، وقيل عكس ذلك أنه اعترف عندما لقيه في الطريق.
قيل أنه اعترف بالزنا بنفسه، وقيل عكس ذلك أن النبي استدرجه للإعتراف.
وقيل أن النبي كان يعلم المرأة المزني بها، وقيل عكس ذلك.
قيل أنه عندما أتى النبي رده مرتين، وقيل ثلاثاً، وقيل أربعاً.
قيل أنه اعترف بعد المرة الرابعة، وقيل اعترف من المرة الأولي.
قيل أن ماعز اعترف أربع مرات متتالية في يوم واحد، وقيل اعترف أربع مرات كل يوم مرة.
وقيل حُفر له، وقيل هرب بعد بدء الرجم.
قيل أنه مات بصخور الرجم، وقيل أنه مات بعظمة بعير ضربه بها أحدهم عند هروبه.
قيل تمني النبي هرب ماعز، وقيل لم يتمن.
قصة القردة الزانية !!!
"حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال : رأيت في الجاهلية قردة إجتمع عليها قردة زنت فرجموها فرجمتها معهم"
يعني أننا تركنا القرآن والعقل وأخذنا بروايات ماعز وقردة! ولن أعلق على هذه الرواية كي لا أنزل بمستوي عقول القراء أكثر مما فعلت لحد الآن.
ومثل هذه التناقضات تحويها قصة أمرأة أخرى زنت ورجمت ولا نجد من داع لإطالة الموضوع بتفصيلها.
الحق واحد واضح وهو ما جاء في القرآن والباطل متعدد متناقض وهو حرفه الأولون بأهوائهم.
خامسا – الآيات القرآنية "المنسوخة"
روي البخاري ومسلم وغيرهما أن عمر بن الخطاب قال:
"إن الله قد بعث محمداً ص بالحقِ، وأنزلَ عليه الكتاب، فكان مما أُنزِلَ عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ص ورجمنا بعده، فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجدُ الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق"......
وهذا يعني أن الرجم نزل كآية في كتاب الله، معرفة بإضافتها له: (آية الرجم).
وبوَّب البخاري في كتابه باب "الشهادة تكون عند الحاكم" قال فيه:
قال عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي!
بمعنى أن القرآن الآن تنقصه آية الرجم!
وكما كانت الرويات متعارضة في قصص الرجم فهي لا تقل تناقضا في آية الرجم المزعومة ونسرد متونها كالتالي:
• الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
• الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة.
• الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
•الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
• إذا زنيا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
• إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
فأي نص نقبل؟
سادسا: الجاهلية القرشية الأعرابية في الإسلام:
امتطت الجاهلية الأعرابية الإسلام من آخر العهد النبوي وعلى ظهره تم إدخال آلآف المرويات التي تتطابق كليا مع الفكر الجاهلي، وضل الكثير وتشوهت صورة الإسلام الحقيقي.
فالقوم اتخذوا القرآن مهجورا لأنه لا يحقق ثقافة الجاهلية وجعلوا كتابا آخر (أو آلآف الكتب) ينافسه يختارون منه ما يشاؤون: أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (ن:38)
فلا نزال ندرس حلاوة الخمر والتفنن في إظهار مفاتن المرأة والتباهي بالظلم والكِبر والبغي في حصة الأدب مع تحريم ذلك ونبذه في حصة مادة الدين التالية في مدارسنا.
ولمن يقول إننا بحاجة لهذه الجاهليات للحفظ على اللغة فقد أجحف في حق القرآن الكريم.
لذا فمن ينظر لأخلاقنا وقرآننا يجد هوة واسعة وتناقضات محيرة كثيرا ما تكلم الناس عنها ولكنها حصرت في إما عدم صلاحية الإسلام (الملحدين) أو عدم تشددنا فيه كما ينبغي (الحركات الإسلامية).
ولاثبات هذا كذلك وللمفاجاء والتناقض أن ما نفهمه من "المرويات" هو محاربة أمور محددة بضراوة من أهمها:
((العلم والابداع)) ((الجمال والفن بأشكاله)) ((التقدم)) ((المرأة)) والأخطر ((الرحمة)) فنجد وكأن الإسلام نزل لمحاربة هذه الأمور بينما القرآن يأمر بالعكس تماما ...
ولاكمال التناقض نجد روايات كثيرة لاثبات الصبغة الجاهلية في الإسلام:
السبب في نجاح الجاهلية طبيعي وهو أن خطف سفينة عملاقة يتم بسهولة متى تواجد الخاطف في "كبينة القيادة".
ولأن معظم المسلمين عجم أصبحوا يدينون للجاهلية التي تعمل بضراوة واستمرارية على تأصيل أن الدين عربي وأن الفضل له في نشره ولذا كان لزاما على "الموالي والعبيد" الانصياع له. وهذا تعليل لكون جميع أصحاب ما يسمى بالصحاح الستة من الأعاجم . لكن الحق أن الفضل لله تعالى وحده وما لأحد سواه فضل فيه، لا في نشره ولا تطبيقه وعدا ذلك تجارة بالدين.
لكن ما سبب ظلم المرويات للمرأة بالتحديد؟
أكثر ما يميز الجاهلية تحقير المرأة وودئها وجعلها متاعا. ولما جاء الإسلام بعدله كان لزاما التركيز على قضيتها لاعادة الأمور لنصابها.
وظُلم الرجل للمرأة ليس أمراً طارئاً في مجتمعات محددة في أزمنة محددة. بل هو يحدث دوما وباستمرار. والسبب أن الإنسان خُلق ظلوما، والظالم بطبيعة الحال لا يظلم الأقوى منه، وإلا لكان مغوارا شجاعاً. ولكن الظلمَ يقع دوما على الأضعف والأصغر والأفقر، سواء كان فردا أو عائلة أو أقلية أو دولة ضعيفة.
ولأن المرأة أضعف جسديا من الرجل، ولأن جنس الإنسان ظلوم برجاله ونسائه، أصبح ظلم المرأة واقعاً لا محالة ابتداءً من زمن آدم، إلى قيام الساعة.
طبعاً الشرائع السماوية تنصف المرأة من هذا الظلم المبين. لكن الإشكال أن فهم الأديان واستنباط أحكامها وتطبيق هذه الأحكام يفعله القوي – أي الرجل – فيستنبط من الشرائع ويختار من الآراء ما يظلم به المرأة فيحق عليه القول : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} ...
فليس التاريخ هو الذي يكتبه الأقوياء المنتصرون فقط، بل حتى الشرائع السماوية يستنبط الأقوياء المنتصرون منها ما يشاءون ويطبقوا منها ما يشتهون. والتاريخ بكامله يشهد على هذا.
ولأن الظالم يعبد القوي ويتقوى على الضعيف نجد ظلم المرأة مظلومة على مدار التاريخ ابتداء من تهمتها بإغواء آدم وجعلها للشيطان قرينا. ثم لو نزلت شريعة لحمايتهن فسرعان ما تستبدل بتأويلات تناسب ظلمهم. لذا فلا نتعجب من رجل يؤذي أمه أو زوجته أو ابنته فالظلم أعمى.
وأخيرا فقد بينا الحق ونحن مسؤولون عنه يوم الحساب، ولكن الناس لا تبحث عن الحق بل تبحث عما تريد. وأنا أبرأ إليه تعالى مما يفترون على الإسلام وعلى سيدنا محمد ذي الخلق العظيم ، وأشهد أنه ما كان له أن يقذف رجلا ولا إمرأة بحجر وما كان له أن يخالف القرآن، وهو المرسل رحمة للعالمين.