يعقوب
طاقم مستشاري المنتدى
- رقم العضوية :
- 530
- البلد/ المدينة :
- زريبة الوادي
- العَمَــــــــــلْ :
- مدرسة مطالعي لتعليم السياقة
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 1858
- نقاط التميز :
- 2187
- التَـــسْجِيلْ :
- 07/04/2010
تضافرت جهود الأمم لإيجاد مرجعية فكرية وثقافية لحقوق الإنسان، لارتباط حقوق الإنسان بتراثها، وشغلت قضية حقوق الإنسان حيزا كبيرا عبر التاريخ لدى مختلف النظريات الفلسفية والسياسية، وتعاليم الأديان، وباتت الزاوية الأكثر وضوحاً في القانون الدولي. ولقد تداخلت عوامل كثيرة منذ القدم في عملية تطوير الحقوق والحريات والتي تدور في حلقة علاقة الفرد بالسلطة بمختلف أشكالها.
فأنصار الحضارات القديمة الفرعونية وحضارة ما بين النهرين والهيلينية (اليونان والرومان) يرجعون حقوق الإنسان إلى تراث هذه الحضارات رغم أن هذه الحضارات كانت تعلي من شأن السلطة الدينية على حساب حقوق الأفراد، وكانت تقوم على تقسيم الأفراد طبقاً لطبقات اجتماعية.
أيضا ساهمت الديانات السماوية في تشكيل الجذور الروحية لحقوق الإنسان .
وانضم إلى أنصار الحضارات القديمة والديانات السماوية أنصار النظريات الفلسفية الكبرى مثل مدرسة القانون الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي :
فنظرية القانون الطبيعي تدور حول فكرة أن الطبيعة هي الحجر الأساسي للطبيعة ولصلاحية النظام القانوني للمجتمعات المنظمة وهذه الطبيعة تجعل كل البشر متساويين ومتشابهين لأنهم جميعاً يمتلكون العقل.
ومن أبرز مفكري نظرية القانون الطبيعي: شيشرون (106-43ق.م) والقديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر وهيجوجرسيوس (1583-1645) وصمويل بوفندروف (1623-1694).
أما نظرية العقد الاجتماعي: فتعتبر امتداد لنظرية القانون الطبيعي إذ تصور خروج الإنسان من حالته الفطرية ليصبح عضواً في مجتمع منظم. وهي تقوم على فكرة العقد القائم على اتفاق الجماعة لإقامة نوع من التنظيم الذي يضمن لها الأمن والاستقرار، وأنصار العقد الاجتماعي يفسرون ظاهرة وجود سلطة والدولة ون نشأتها تكون نتيجة اتفاق بين الأفراد تعاقدياً، في إطار المجتمع.
وبرزت نظرية العقد الاجتماعي في القرن السابع والثامن عشر مع بروز الأفكار الليبرالية في أوروبا.
وفكرة العقد الاجتماعي استعملت أساساً عند الكثير من المفكرين والفلاسفة لمقاومة السلطة المطلقة واستبداد الأمراء والملوك ولضمان حرية الفرد من تسلط الحاكم، وبصورة مغايرة استخدم البعض أفكار العقد الاجتماعي ليبرر أنظمة الحكم الاستبدادي والحق المطلق للملوك.
ومن أبرز مفكري هذه النظرية: توماس هوبز (1588-1679) وجون لوك (1632-1704) وجان جاك روسو (1712-1778) ومونتيسكيو (1689-1755) وفولتير (1694-1778).
إضافة للأفكار والاجتهادات التي وردت في الحضارات القديمة وتعاليم الأديان السماوية ونظريات الفلاسفة والمفكرين، فلا نستطيع أن نغفل المرجعيات القانونية لحقوق الإنسان قبل مرحلة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خاصةً في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
الشرعة العظمى ( المجنا كارتا- ( magna carta 1215: أصدرها الملك جون ابن الملك هنري الثاني ملك إنجلترا وعرفت بالعهد الأعظم وهذا العهد هو رمز سيادة الدستور على الملك وجاء فيها "لن يقبض على رجل حر أو يسجن أو يشرد أو ينفى أو يقتل أو يحطم بأي وسيلة إلا بعد محاكمة قانونية من نظرائه أو طبقاً لقوانين البلاد وكذلك لن نبيع رجلاً أو ننكر وجوده أو نغمضه حقاً أو نظلمه".
وتحتوي المجنا كارتا على 63 مادة منها ما ينظم العلاقات بين الملك والبارونات ويكرس حقوق الإقطاعيين وحمايتهم من تدخل الملك ورجاله ومنها ما يتعلق بحريات دينية وتأمين امتيازات الكنيسة ومنها ما ينص على حقوق وحريات سياسية ومدنية مختلفة للشعب الإنجليزي وخاصةً ضمانة الحرية الشخصية دون تمييز الطبقات الاجتماعية وتأمين العدالة بواسطة قضاء مستقل ونزيه . ولأعضاء الفاعلية لهذه الوثيقة قررت المادة 25 منها إنشاء هيئة مؤلفة من 25 نبيلاً عهد إليها مراقبة تنفيذ بنودها.
عريضة الحقوق " Petition of Right " صدرت عام 1628 في إنجلترا وهي عريضة رفعها البرلمان للملك شارل الأول يذكره فيها بحقوق وحريات الشعب الإنجليزي وتأكد في العريضة عن مبدأين أساسيين: احترام الحرية الشخصية وحفظها عن طريق منع التوقيف التعسفي بدون محاكمة وعدم فرض ضرائب جديدة بدون مراقبة البرلمان. وجاء فيها " لا يسجن أي شخص إلا بتهمة حقيقية محددة ولا تعلن الأحكام العرفية وقت السلم".
مذكرة الإيباس كوربس " habeas corpus "التي صدرت عام 1679 والتي تعني "إليك جسدك" في إنجلترا لتأكيد حماية الحرية الشخصية من تعسف الإدارة. وتتعلق الوثيقة أساساً بحقوق المتهم وعدم اعتقاله بصورة تعسفية كما تؤكد على قواعد وأصول المحاكمة العاجلة ومعاملة الموقفين والسجناء وخاصةً بما يتعلق بالتوقيف الاحتياطي وتقصيره إلى أدنى حد ممكن. ونصت على "الأمر الذي يصدره القاضي أي هيئة المحكمة إلى المسئول الذي يتولى سجن شخص ما ليحضر السجين فوراً إلى المحكمة لتنظر بأمر قانونية سجنه وتتولى محاكمته هي أو محكمة أخرى"، كما تضمن قانون الإيباس كوربس عقوبات شديدة بحق كل قاضي أو أي مسئول آخر يخالف أحكامه في إصدار أو تنفيذ أمر إحضار السجين كما تضمن إلزام المخالف بتعويض لمصلحة السجين.
شرعة الحقوق “ Bill of Right " صدرت في إنجلترا وأكدت أنه ليس للملك سلطة إيقاف القوانين أو الإعفاء من تطبيقها وليس له فرض ضرائب من غير موافقة البرلمان ونصت على حق الرعايا في تقديم العرائض والالتماسات للملك دون أن يرتب على ذلك نتائج معينة كالسجن أو الملاحقة. كما جعلت الشرعة عملية انتخاب أعضاء البرلمان تجرى بطريقة حرة ونصت على حصانة النائب بأن لا تحق ملاحقته عن كل ما يقوله ويكتبه أثناء الجلسات وأمام أي هيئة خارج إطار البرلمان نفسه.
إعلان فيرجينيا 1776 : جاء نتيجة استقلال ولاية فيرجينيا عن العرش البريطاني وكان له أهمية بالغة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وأكد الإعلان على الحرية الدينية بالإضافة إلى الحريات الشخصية والسياسية ومن أهمها المساواة وعدم التمييز بين المواطنين وحرية الانتخابات وحق الملكية للمصلحة العامة والحق في حرية الرأي والتعبير وإلغاء العقوبات الجسيمة .
إعلان الاستقلال 1776 : صدر عقب استقلال المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشر عن بريطانيا وأكد الإعلان الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان ونص على " يولد جميع الناس أحراراً وقد وهبها الناس حقوقاً لا يعقل أن يتخلى عنها من بين هذه الحقوق الحق في الحياة والحرية والبحث عن السعادة ويجب على الحكومات القائمة أن تعمل على ضمان هذه الحقوق وأن تمد سلطانها العادل من رضا المحكومين ومن حق الشعب إذا ما خلت الحكومة بهدف من هذه الأهداف أن يغيرها أو يلغيها ثم يقيم بدلاً منها حكومة يضع أسسها على مبادئ وينظم سلطانها بالصيغة التي تحقق له المن والسعادة .
شرعة الحقوق 1791: وهي عبارة عن عشرة تعديلات أدخلت على الدستور الأمريكي لعام 1791 وأهم هذه التعديلات:
- الحرية الدينية: فلا يحق للكونجرس إصدار قوانين تعرقل وجود أي دين أو يمنع حرية ممارسة الشعائر.
-حرية الرأي قولاً وكتابةً وحرية الصحافة والتجمع وتقديم العرائض والملتمسات.
-حرمة الحياة الشخصية وضمانات المحاكمة العادلة وإلغاء العقوبات القاسية.
إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789: تجاوز إعلان حقوق الإنسان والمواطن حدود فرنسا وأخذ حقه عالمياً وهو يعبر عن أربعة مبادئ أساسية.
- يولد الناس ويظلون أحراراً متساويين في الحقوق.
- حرية الرأي والتعبير.
- حق المواطنين في إدارة بلادهم.
- التوازن بين حقوق الأفراد من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى.
تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان في ظل نشأة الأمم المتحدة:
وقد ظلت قضية حقوق الإنسان على مدى عقود طويلة شأنا داخليا ومسألة لصيقة بالدول ومن ثم فلا يجوز للقانون الدولي أن يهتم بها أو حتى يقترب منها، إلا أن مع بداية عصر التنظيم الدولي بقيام "عصبة الأمم" في أعقاب الحرب العالمية الأولى شهدت قضية حقوق الإنسان نقلة نوعية حين اتجه الاهتمام نحو توفير الحماية من خلال آليات معينة أهمها المعاهدات الدولية. ومع ذلك فقد ظل الاهتمام بقضية حقوق الإنسان في إطار عصبة الأمم جزئيا ومحدود النطاق والفاعلية. ولذلك يمكن القول دون تجاوز أن ميثاق الأمم المتحدة هو أول وثيقة في تاريخ البشرية تشير بصراحة ووضوح كاملين إلي مسئولية المجتمع الدولي ككل في إقرار وحماية حقوق الإنسان ووضع نظام دولي عاما وشاملا لتحديد مضمون هذه الحقوق والعمل على ابتكار آليات مختلفة لحمايتها ودعمها.
خطت الأمم المتحدة خطوات كبيرة إلي الأمام في سبيل الإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بإصدارها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948م ، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في العام 1965م، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام 1966م ، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في العام 1979م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في العام 1984م ، اتفاقية حقوق الطفل في العام 1989م والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في الثامن عشر من ديسمبر 1990م.
ميثاق الأمم المتحدة 1945: لم يسبق صدور ميثاق الأمم المتحدة اهتمام دولي بقضية حقوق الإنسان ففي عهد عصبة الأمم لم تحظى قضية حقوق الإنسان بالاهتمام المأمول عدا اتفاقيات دولية في إطار منظمة العمل الدولية والاتفاقيات الدولية التي تحظر الرق، وغيرها من الاتفاقيات التي نظمت قوانين وأعراف الحرب "لاهاي – جنيف".
وعقب الحرب العالمية الثانية وما شاهدته البشرية من ويلات الحرب التي خلفت ورائها ملايين الضحايا بين قتلي ومصابين وجرحي ولاجئين وأسري برزت الحاجة قوية لصياغة حقوق الإنسان علي أساس قانوني ورفع مكانتها القانونية في العلاقات الدولية.
في 6 يناير 1941 وجه فرانكلين روزفلت الرئيس الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية رسالة شهيرة إلي مؤتمر الولايات المتحدة وكان ضمنها إشارة إلي الحريات الإنسانية الأربع "القول – العبادة – الحماية من العوز – العيش بمأمن من الخوف".
وفي 14 أغسطس 1941: وقع روزفلت مع رئيس الوزراء البريطاني ونستن تشرشل ميثاقاً يؤكدون فيه ضرورة حماية جميع الناس من الخوف والحاجة.
وفي 1 يناير 1942: وقع ممثلي 26 دولة إعلان الأمم المتحدة وسجلوا فيه "الدفاع عن الحياة والحرية والاستقلال والحرية الدينية وضمان حقوق الإنسان والعدالة البشرية في بلادهم وسائر البلاد".
في مؤتمر دومبارتون أكس بين أغسطس وسبتمبر 1944 تم الاقتراح بإنشاء هيئة دولية عامة متخصصة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الدولية إضافة إلي "العمل علي احترام حقوق الإنسان" إلا أن حقوق الإنسان لم تحتل مكانة مميزة بل كانت محددة وطغي علي المؤتمر مقترحات من أجل منظمة دولية عامة تدعي الأمم المتحدة بدلاً من عصبة الأمم.
في 26 يونيو 1945 في سان فرانسيسكو: جاء ميثاق الأمم المتحدة ليتوج ثمرة الجهود الدولية المبذولة ويؤكد في ديباجته مسئولية أعضاء المنظمة الدولية علي "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت علي الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف" كما أكد ميثاق الأمم المتحدة علي إيمان شعوب الأمم المتحدة "بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية" وعلي بيان "الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي" وذلك بغرض الدفع "بالرقي الاجتماعي قدماً" ورفع "مستوي الحياة في جو من الحرية أفسح" ولتحقيق هذه الغايات عزموا علي "أن نأخذ علي أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار" .
ولإعطاء مسألة حقوق الإنسان المزيد من الأهمية في الميثاق ومن باب أولي التأكيد علي ذلك من مقاصد الهيئة الدولية ومبادئها نصت الفقرة الثانية من المادة الأولي علي "تعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع علي ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال".
وفي إطار تحديد الميثاق لصلاحيات الجمعية العامة ودورها في إعداد دراسات وتوصيات تقضي الفقرة "ب" من المادة 13/1 "إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعانة علي تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس واللغة والدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
وأكد الميثاق في مجال التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي بموجب الفقرة "ج" من المادة 55 ضرورة "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً.
وبديهي أن التعاون الدولي لن يكون له أدني تأثير بدون تعهد الدول علي ذلك بموجب المادة 56 "يتعهد جميع الأعضاء أن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين".
وعهد الميثاق لأحد الأجهزة الرئيسية بالهيئة الدولية. وهو المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وحدد اختصاصاته بموجب الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 62 "2 – وله أن يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها. 3 – وله أن يعقد مشروعات اتفاقات لتعرض علي الجمعية العامة عن المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصاته.
ومن ضمن صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المادة 68 إنشاء "لجاناً للشئون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان ، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه " . (انشأ لاحقا لجنة حقوق الإنسان عام 1946)
ولتحسين أداء المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدوره له التنسيق مع المنظمات غير الحكومية بموجب المادة 71 "للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئة غير الحكومية التي تعني بالمسائل الداخلة في اختصاصاته وهذه الترتيبات قد يجريها المجلس مع هيئات دولية كما أنه قد يجريها إذا رأي ذلك ملائماً مع هيئات أهلية وبعد التشاور مع عضو الأمم المتحدة ذي الشأن .(وهو ما يعرف بمنح الصفة الاستشارية للمنظمات غير الحكومية)
فأنصار الحضارات القديمة الفرعونية وحضارة ما بين النهرين والهيلينية (اليونان والرومان) يرجعون حقوق الإنسان إلى تراث هذه الحضارات رغم أن هذه الحضارات كانت تعلي من شأن السلطة الدينية على حساب حقوق الأفراد، وكانت تقوم على تقسيم الأفراد طبقاً لطبقات اجتماعية.
أيضا ساهمت الديانات السماوية في تشكيل الجذور الروحية لحقوق الإنسان .
وانضم إلى أنصار الحضارات القديمة والديانات السماوية أنصار النظريات الفلسفية الكبرى مثل مدرسة القانون الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي :
فنظرية القانون الطبيعي تدور حول فكرة أن الطبيعة هي الحجر الأساسي للطبيعة ولصلاحية النظام القانوني للمجتمعات المنظمة وهذه الطبيعة تجعل كل البشر متساويين ومتشابهين لأنهم جميعاً يمتلكون العقل.
ومن أبرز مفكري نظرية القانون الطبيعي: شيشرون (106-43ق.م) والقديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر وهيجوجرسيوس (1583-1645) وصمويل بوفندروف (1623-1694).
أما نظرية العقد الاجتماعي: فتعتبر امتداد لنظرية القانون الطبيعي إذ تصور خروج الإنسان من حالته الفطرية ليصبح عضواً في مجتمع منظم. وهي تقوم على فكرة العقد القائم على اتفاق الجماعة لإقامة نوع من التنظيم الذي يضمن لها الأمن والاستقرار، وأنصار العقد الاجتماعي يفسرون ظاهرة وجود سلطة والدولة ون نشأتها تكون نتيجة اتفاق بين الأفراد تعاقدياً، في إطار المجتمع.
وبرزت نظرية العقد الاجتماعي في القرن السابع والثامن عشر مع بروز الأفكار الليبرالية في أوروبا.
وفكرة العقد الاجتماعي استعملت أساساً عند الكثير من المفكرين والفلاسفة لمقاومة السلطة المطلقة واستبداد الأمراء والملوك ولضمان حرية الفرد من تسلط الحاكم، وبصورة مغايرة استخدم البعض أفكار العقد الاجتماعي ليبرر أنظمة الحكم الاستبدادي والحق المطلق للملوك.
ومن أبرز مفكري هذه النظرية: توماس هوبز (1588-1679) وجون لوك (1632-1704) وجان جاك روسو (1712-1778) ومونتيسكيو (1689-1755) وفولتير (1694-1778).
إضافة للأفكار والاجتهادات التي وردت في الحضارات القديمة وتعاليم الأديان السماوية ونظريات الفلاسفة والمفكرين، فلا نستطيع أن نغفل المرجعيات القانونية لحقوق الإنسان قبل مرحلة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خاصةً في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
الشرعة العظمى ( المجنا كارتا- ( magna carta 1215: أصدرها الملك جون ابن الملك هنري الثاني ملك إنجلترا وعرفت بالعهد الأعظم وهذا العهد هو رمز سيادة الدستور على الملك وجاء فيها "لن يقبض على رجل حر أو يسجن أو يشرد أو ينفى أو يقتل أو يحطم بأي وسيلة إلا بعد محاكمة قانونية من نظرائه أو طبقاً لقوانين البلاد وكذلك لن نبيع رجلاً أو ننكر وجوده أو نغمضه حقاً أو نظلمه".
وتحتوي المجنا كارتا على 63 مادة منها ما ينظم العلاقات بين الملك والبارونات ويكرس حقوق الإقطاعيين وحمايتهم من تدخل الملك ورجاله ومنها ما يتعلق بحريات دينية وتأمين امتيازات الكنيسة ومنها ما ينص على حقوق وحريات سياسية ومدنية مختلفة للشعب الإنجليزي وخاصةً ضمانة الحرية الشخصية دون تمييز الطبقات الاجتماعية وتأمين العدالة بواسطة قضاء مستقل ونزيه . ولأعضاء الفاعلية لهذه الوثيقة قررت المادة 25 منها إنشاء هيئة مؤلفة من 25 نبيلاً عهد إليها مراقبة تنفيذ بنودها.
عريضة الحقوق " Petition of Right " صدرت عام 1628 في إنجلترا وهي عريضة رفعها البرلمان للملك شارل الأول يذكره فيها بحقوق وحريات الشعب الإنجليزي وتأكد في العريضة عن مبدأين أساسيين: احترام الحرية الشخصية وحفظها عن طريق منع التوقيف التعسفي بدون محاكمة وعدم فرض ضرائب جديدة بدون مراقبة البرلمان. وجاء فيها " لا يسجن أي شخص إلا بتهمة حقيقية محددة ولا تعلن الأحكام العرفية وقت السلم".
مذكرة الإيباس كوربس " habeas corpus "التي صدرت عام 1679 والتي تعني "إليك جسدك" في إنجلترا لتأكيد حماية الحرية الشخصية من تعسف الإدارة. وتتعلق الوثيقة أساساً بحقوق المتهم وعدم اعتقاله بصورة تعسفية كما تؤكد على قواعد وأصول المحاكمة العاجلة ومعاملة الموقفين والسجناء وخاصةً بما يتعلق بالتوقيف الاحتياطي وتقصيره إلى أدنى حد ممكن. ونصت على "الأمر الذي يصدره القاضي أي هيئة المحكمة إلى المسئول الذي يتولى سجن شخص ما ليحضر السجين فوراً إلى المحكمة لتنظر بأمر قانونية سجنه وتتولى محاكمته هي أو محكمة أخرى"، كما تضمن قانون الإيباس كوربس عقوبات شديدة بحق كل قاضي أو أي مسئول آخر يخالف أحكامه في إصدار أو تنفيذ أمر إحضار السجين كما تضمن إلزام المخالف بتعويض لمصلحة السجين.
شرعة الحقوق “ Bill of Right " صدرت في إنجلترا وأكدت أنه ليس للملك سلطة إيقاف القوانين أو الإعفاء من تطبيقها وليس له فرض ضرائب من غير موافقة البرلمان ونصت على حق الرعايا في تقديم العرائض والالتماسات للملك دون أن يرتب على ذلك نتائج معينة كالسجن أو الملاحقة. كما جعلت الشرعة عملية انتخاب أعضاء البرلمان تجرى بطريقة حرة ونصت على حصانة النائب بأن لا تحق ملاحقته عن كل ما يقوله ويكتبه أثناء الجلسات وأمام أي هيئة خارج إطار البرلمان نفسه.
إعلان فيرجينيا 1776 : جاء نتيجة استقلال ولاية فيرجينيا عن العرش البريطاني وكان له أهمية بالغة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وأكد الإعلان على الحرية الدينية بالإضافة إلى الحريات الشخصية والسياسية ومن أهمها المساواة وعدم التمييز بين المواطنين وحرية الانتخابات وحق الملكية للمصلحة العامة والحق في حرية الرأي والتعبير وإلغاء العقوبات الجسيمة .
إعلان الاستقلال 1776 : صدر عقب استقلال المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشر عن بريطانيا وأكد الإعلان الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان ونص على " يولد جميع الناس أحراراً وقد وهبها الناس حقوقاً لا يعقل أن يتخلى عنها من بين هذه الحقوق الحق في الحياة والحرية والبحث عن السعادة ويجب على الحكومات القائمة أن تعمل على ضمان هذه الحقوق وأن تمد سلطانها العادل من رضا المحكومين ومن حق الشعب إذا ما خلت الحكومة بهدف من هذه الأهداف أن يغيرها أو يلغيها ثم يقيم بدلاً منها حكومة يضع أسسها على مبادئ وينظم سلطانها بالصيغة التي تحقق له المن والسعادة .
شرعة الحقوق 1791: وهي عبارة عن عشرة تعديلات أدخلت على الدستور الأمريكي لعام 1791 وأهم هذه التعديلات:
- الحرية الدينية: فلا يحق للكونجرس إصدار قوانين تعرقل وجود أي دين أو يمنع حرية ممارسة الشعائر.
-حرية الرأي قولاً وكتابةً وحرية الصحافة والتجمع وتقديم العرائض والملتمسات.
-حرمة الحياة الشخصية وضمانات المحاكمة العادلة وإلغاء العقوبات القاسية.
إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789: تجاوز إعلان حقوق الإنسان والمواطن حدود فرنسا وأخذ حقه عالمياً وهو يعبر عن أربعة مبادئ أساسية.
- يولد الناس ويظلون أحراراً متساويين في الحقوق.
- حرية الرأي والتعبير.
- حق المواطنين في إدارة بلادهم.
- التوازن بين حقوق الأفراد من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى.
تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان في ظل نشأة الأمم المتحدة:
وقد ظلت قضية حقوق الإنسان على مدى عقود طويلة شأنا داخليا ومسألة لصيقة بالدول ومن ثم فلا يجوز للقانون الدولي أن يهتم بها أو حتى يقترب منها، إلا أن مع بداية عصر التنظيم الدولي بقيام "عصبة الأمم" في أعقاب الحرب العالمية الأولى شهدت قضية حقوق الإنسان نقلة نوعية حين اتجه الاهتمام نحو توفير الحماية من خلال آليات معينة أهمها المعاهدات الدولية. ومع ذلك فقد ظل الاهتمام بقضية حقوق الإنسان في إطار عصبة الأمم جزئيا ومحدود النطاق والفاعلية. ولذلك يمكن القول دون تجاوز أن ميثاق الأمم المتحدة هو أول وثيقة في تاريخ البشرية تشير بصراحة ووضوح كاملين إلي مسئولية المجتمع الدولي ككل في إقرار وحماية حقوق الإنسان ووضع نظام دولي عاما وشاملا لتحديد مضمون هذه الحقوق والعمل على ابتكار آليات مختلفة لحمايتها ودعمها.
خطت الأمم المتحدة خطوات كبيرة إلي الأمام في سبيل الإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بإصدارها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948م ، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في العام 1965م، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام 1966م ، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في العام 1979م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في العام 1984م ، اتفاقية حقوق الطفل في العام 1989م والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في الثامن عشر من ديسمبر 1990م.
ميثاق الأمم المتحدة 1945: لم يسبق صدور ميثاق الأمم المتحدة اهتمام دولي بقضية حقوق الإنسان ففي عهد عصبة الأمم لم تحظى قضية حقوق الإنسان بالاهتمام المأمول عدا اتفاقيات دولية في إطار منظمة العمل الدولية والاتفاقيات الدولية التي تحظر الرق، وغيرها من الاتفاقيات التي نظمت قوانين وأعراف الحرب "لاهاي – جنيف".
وعقب الحرب العالمية الثانية وما شاهدته البشرية من ويلات الحرب التي خلفت ورائها ملايين الضحايا بين قتلي ومصابين وجرحي ولاجئين وأسري برزت الحاجة قوية لصياغة حقوق الإنسان علي أساس قانوني ورفع مكانتها القانونية في العلاقات الدولية.
في 6 يناير 1941 وجه فرانكلين روزفلت الرئيس الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية رسالة شهيرة إلي مؤتمر الولايات المتحدة وكان ضمنها إشارة إلي الحريات الإنسانية الأربع "القول – العبادة – الحماية من العوز – العيش بمأمن من الخوف".
وفي 14 أغسطس 1941: وقع روزفلت مع رئيس الوزراء البريطاني ونستن تشرشل ميثاقاً يؤكدون فيه ضرورة حماية جميع الناس من الخوف والحاجة.
وفي 1 يناير 1942: وقع ممثلي 26 دولة إعلان الأمم المتحدة وسجلوا فيه "الدفاع عن الحياة والحرية والاستقلال والحرية الدينية وضمان حقوق الإنسان والعدالة البشرية في بلادهم وسائر البلاد".
في مؤتمر دومبارتون أكس بين أغسطس وسبتمبر 1944 تم الاقتراح بإنشاء هيئة دولية عامة متخصصة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الدولية إضافة إلي "العمل علي احترام حقوق الإنسان" إلا أن حقوق الإنسان لم تحتل مكانة مميزة بل كانت محددة وطغي علي المؤتمر مقترحات من أجل منظمة دولية عامة تدعي الأمم المتحدة بدلاً من عصبة الأمم.
في 26 يونيو 1945 في سان فرانسيسكو: جاء ميثاق الأمم المتحدة ليتوج ثمرة الجهود الدولية المبذولة ويؤكد في ديباجته مسئولية أعضاء المنظمة الدولية علي "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت علي الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف" كما أكد ميثاق الأمم المتحدة علي إيمان شعوب الأمم المتحدة "بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية" وعلي بيان "الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي" وذلك بغرض الدفع "بالرقي الاجتماعي قدماً" ورفع "مستوي الحياة في جو من الحرية أفسح" ولتحقيق هذه الغايات عزموا علي "أن نأخذ علي أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار" .
ولإعطاء مسألة حقوق الإنسان المزيد من الأهمية في الميثاق ومن باب أولي التأكيد علي ذلك من مقاصد الهيئة الدولية ومبادئها نصت الفقرة الثانية من المادة الأولي علي "تعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع علي ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال".
وفي إطار تحديد الميثاق لصلاحيات الجمعية العامة ودورها في إعداد دراسات وتوصيات تقضي الفقرة "ب" من المادة 13/1 "إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعانة علي تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس واللغة والدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
وأكد الميثاق في مجال التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي بموجب الفقرة "ج" من المادة 55 ضرورة "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً.
وبديهي أن التعاون الدولي لن يكون له أدني تأثير بدون تعهد الدول علي ذلك بموجب المادة 56 "يتعهد جميع الأعضاء أن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين".
وعهد الميثاق لأحد الأجهزة الرئيسية بالهيئة الدولية. وهو المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وحدد اختصاصاته بموجب الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 62 "2 – وله أن يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها. 3 – وله أن يعقد مشروعات اتفاقات لتعرض علي الجمعية العامة عن المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصاته.
ومن ضمن صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المادة 68 إنشاء "لجاناً للشئون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان ، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه " . (انشأ لاحقا لجنة حقوق الإنسان عام 1946)
ولتحسين أداء المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدوره له التنسيق مع المنظمات غير الحكومية بموجب المادة 71 "للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئة غير الحكومية التي تعني بالمسائل الداخلة في اختصاصاته وهذه الترتيبات قد يجريها المجلس مع هيئات دولية كما أنه قد يجريها إذا رأي ذلك ملائماً مع هيئات أهلية وبعد التشاور مع عضو الأمم المتحدة ذي الشأن .(وهو ما يعرف بمنح الصفة الاستشارية للمنظمات غير الحكومية)