منتدى وادي العرب الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


avatar

allel ali

عضو جديد
البلد/ المدينة :
djelfa-algerie
العَمَــــــــــلْ :
prof
المُسَــاهَمَـاتْ :
45
نقاط التميز :
74
التَـــسْجِيلْ :
28/10/2010
شرح حديث
جبريل عليه السلام
محمد بن صالح العثيمين


نص الحديث:عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -قال:

"بينما نحن عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لايرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : "الإسلام، أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً". قال: صدقت . قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإن يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان". قال: ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي: "يا عمر أتدري من السائل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".

-إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى، ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: سأل جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم ، عن الإيمان بعد أن سأله عن الإسلام قال: فأخبرني عن الإيمان؟ فقال:

"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".

والإيمان هو: "الاعتراف المستلزم للقبول والإذعان"

أما مجرد أن يؤمن الإنسان بالشيء بدون أن يكون لديه قبول وإذعان، فهذا ليس بإيمان، بدليل أن المشركين مؤمنون بوجود الله ومؤمنون بأن الله هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر للأمور، وكذلك أيضاً فإن الواحد منهم قد يقر برسالة النبي، صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون مؤمناً، فهذا أبو طالب عم النبي، صلى الله عليه وسلم ، كان يقر بأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، صادق وأن دينه حق يقول:

لقد علموا أن ابننا لامكذب لدينا ولايعنى بقول الأباطل

وهذا البيت من لاميته المشهورة الطويلة التي قال عنها ابن كثير: ينبغي أن تكون إحدى المعلقات في الكعبة، ويقول أيضاً:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لرأيتني سمحاً بذاك مبينا


فهذا إقرار بأن دين الرسول، صلى الله عليه وسلم ، حق، لكن لم ينفعه ذلك، لأنه لم يقبله ولم يذعن له فكان ـ والعياذ بالله ـ بعد شفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم ، في ضحضاح من نار، وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ـ نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم من النار ـ وهو أهون الناس عذاباً لكنه يرى أنه أشدهم عذاباً، وكونه يرى أنه أشدهم عذاباً، فهذا تعذيب نفسي قلبي، لأن الإنسان إذا رأى غيره مثله في العذاب أو دونه يهون عليه ماهو فيه، ولهذا قال تعالى:

]ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون[(1).

وعلى هذا فنقول: إن الإيمان ليس مجرد الاعتراف، بل لابد من الاعتراف المستلزم للقبول والإذعان، ولقد عجبت أيما عجب حينما صعد جاجارين الروسي إلى الفضاء، وقال بعد أن صعد الفضاء ورأى وشاهد الآيات العظيمة، قال: إن لهذا الكون مدبراً، ومع ذلك فلم يؤمن.

الركن الأول: الإيمان بالله

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أن تؤمن بالله". والإيمان بالله - عز وجل - يتضمن الإيمان بأربعة أمور:

1-الإيمان بوجود الله، 2-والإيمان بربوبية الله. 3-والإيمان بألوهية الله.4-والإيمان بأسمائه وصفاته.

أولاً: الإيمان بوجود الله:وهو أن تؤمن بأن الله تعالى موجود.والدليل على وجوده العقل، والحس والفطرة، والشرع.

أولاً: الدليل العقلي:

فالدليل العقلي على وجود الله ـ عزوجل ـ أن نقول: هذا الكون الذي أمامنا ونشاهده على هذا النظام البديع الذي لا يمكن أن يضطرب ولا يتصادم ولا يسقط بعضه بعضاً بل هو في غاية ما يكون من النظام

]لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار[(2)

فهل يعقل أن هذا الكون العظيم بهذا النظام البديع يكون خالقاً لنفسه؟ كلا لا يعقل، لأنه لا يمكن أن يكون خالقاً لنفسه إذ إن معنى ذلك أنه عدم أوجد موجوداً، ولا يمكن للعدم أن يوجد موجوداً، إذاً فيستحيل أن يكون هذا الكون موجداً لنفسه، ولا يمكن أيضاً أن يكون هذا الكون العظيم وجد صدفة، لأنه على نظام بديع مطرد، وما جاء صدفة فالغالب أنه لا يطرد ولا يمكن أن يأتي صدفة لكن على التنزل.

ويذكر عن أبي حنيفة - رحمه الله - وكان معروفاً بالذكاء أنه جاءه قوم دهريون يقولون له: أثبت لنا وجود الله

فقال: دعوني أفكر، ثم قال لهم: إني أفكر في سفينة أرست في ميناء دجلة وعليها حمل فنزل الحمل بدون حمال، وانصرفت السفينة بدون قائد، فقالوا : كيف تقول مثل ذلك الكلام فإن ذلك لا يعقل ولايمكن أن نصدقه؟ فقال: إذا كنتم لا تصدقون بها فكيف تصدقون بهذه الشمس، والقمر، والنجوم، والسماء، والأرض، كيف يمكن أن تصدقوا أنها وجدت بدون موجد؟!. وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل العقلي بقوله:

] أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون[(1).

وسئل أعرابي فقيل له: بم عرفت ربك؟

والأعرابي لا يعرف إلا ما كان أمامه فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟بلى.

ثانياً: الدليل الحسي:

فهو ما نشاهده من إجابة الدعاء مثلاً فالإنسان يدعو الله ويقول : ياالله فيجيب الله دعاءه ويكشف سوءه ويحصل له المطلوب وهو إنما قال: ياالله إذاً هناك رب سمع دعاءه، وأجابه، وما أكثر ما نقرأ نحن المسلمين في كتاب الله أنه استجاب لأنبياء الله:

]ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له[(2).

]وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له[(3).

والآيات في هذا كثيرة والواقع يشهد بهذا.

ثالثاً: الدليل الفطري:

فإن الإنسان بطبيعته إذا أصابه الضر قال: (يا الله) حتى إننا حدثنا أن بعض الكفار الموجودين الملحدين إذا أصابه الشيء المهلك بغتة يقول على فلتات لسانه: (يا الله) من غير أن يشعر، لأن فطرة الإنسان تدله على وجود الرب ـ عز وجل ـ

]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[(4).

رابعاً: الدليل الشرعي:

وأما الأدلة الشرعية فحدث ولاحرج، كل الشرع إذا تأمله الإنسان علم أن الذي أنزله وشرعه هو الرب - عز وجل - قال الله تعالى:

]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً[(5)

فائتلاف القرآن وعدم تناقضه وتصديق بعضه بعضاً كل ذلك يدل على أن القرآن نزل من عند الله - عز وجل - وكون هذا الدين بل كون جميع الأديان التي أنزلها الله - عز وجل - موافقة تماماً لمصالح العباد دليل أنها من عند الله ـ عز وجل ـ.ولكن حصل على جميع الأديان تحريف وتبديل وتغيير من المخالفين لشرائعه:

]يحرفون الكلم عن مواضعه[(1)

لكن الدين الذي نزل على الأنبياء كله يشهد بوجود الله - عز وجل - وحكمته وعلمه.

ثانياً: الإيمان بربويته:

ومعنى (الرب): أي الخالق، والمالك، والمدبر، فهذا معنى ربوبية الله ـ عز وجل ـ، ولا يغني واحد من هذه الثلاثة عن الآخر، فهو الخالق الذي أوجد الأشياء من عدم

]بديع السموات والأرض[(2).

]الحمد لله فاطر السموات والأرض[(3)

فالذي أوجد الكون من العدم هو الله الخالق، المالك أي خلق الخلق وانفرد بملكه له كما انفرد بخلقه له، وتأمل قول الله تعالىفي سورة الفاتحة:

]مالك يوم الدين[.

وفي قراءة أخرى سبعية:

]ملك يوم الدين[(4)

وهي قراءة سبعية متواترة، وإذا جمعت بين القراءتين ظهر معنى بديع، الملك أبلغ من المالك في السلطة والسيطرة، لكن الملك أحياناً يكون ملكاً بالاسم لا بالتصرف، وحينئذ يكون ملكاً غير مالك، فإذا اجتمع أن الله تعالى: ملك ومالك تم بذلك الأمر: الملك، والتدبير.

ولهذا نقول: إن الله - عز وجل - منفرد بالملك، كما انفرد بالخلق، كذلك أيضاً منفرد بالتدبير، فهو المدبر لجميع الأمور وهذا بإقرار المشركين، فإنهم إذا سئلوا من يدبر الأمور؟ فسيقولون: الله فهو المنفرد بالتدبير:

]يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه[(5).



سئل أعرابي: بم عرفت ربك؟

قال: بنقض العزائم وصرف الهمم.

فالإنسان يعزم أحياناً على الشيء عزماً وتصميماً أكيداً وفي لحظة يجد نفسه قد عزم على تركه ونقض العزم، وقد يهم الإنسان بالشيء متجهاً إليه ثم ينصرف بدون سبب، وهذا يدل على أن للأشياء مدبراً فوق تدبيرك أنت، وهو الله ـ عز وجل ـ.

فإن قال قائل:

كيف تقول : إن الله منفرد بالخلق، مع أنه أثبت الخلق للمخلوق وسمى المخلوق خالقاً. قال سبحانه:

]ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين[(6)

وفي الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، يقال للمصورين: "أحيوا ما خلقتم"؟.

فالجواب: أن خلق الإنسان ليس خلقاً في الحقيقة، لأن الخلق هو الإيجاد من العدم، والإنسان عندما يخلق لا يوجد من عدم، لكن يغير الشيء من صورة إلى صورة أخرى.

وكذلك (الملك) فإن قال قائل: كيف تقول: إن الله منفرد بالملك مع أن الله سبحانه أثبت الملك لغيره فقال:]إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم[(1)

وقال: ]أو ماملكتم مفاتحه[؟(2).

فالجواب: أن يقال: إن ملك الإنسان ليس كملك الله، لأن ملك الله - عز وجل - شامل لكل شيء، ولأن ملك الله تعالىملك مطلق غير مقيد، أما ملك الإنسان للشيء فهو غير شامل، فمثلاً الساعة التي معي لا تملكها أنت، والساعة التي معك لا أملكها أنا، فهو ملك محدود ليس شاملاً، كذلك أيضاً ليس ملكاً مطلقاً فأنا لا يمكنني أن أتصرف في ساعتي كما أريد؛ لأنني مقيد بالشرع الذي هو المصلحة، فلو أراد إنسان تكسير ساعته مثلاً فإن ذلك لا يجوز ولا يملك شرعاً أن يفعل ذلك، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، نهى عن إضاعة المال فكيف بإتلافه؟



ولهذا قال العلماء: إن الرجل لو كان بالغاً عاقلاً له زوجة وأولاد، وهو سفيه في المال لا يتصرف فيه تصرف الرشيد فإنه يحجر على ماله.



لكن الله - عز وجل - يتصرف في ملكه كما يشاء، يحيي ويميت، ويمرض ويشفي، ويغني ويفقر، ويفعل ما يشاء على أننا نؤمن بأنه - عز وجل - لا يفعل الشيء إلا لحكمة.

إذاً فهناك فارق بين ملك الخالق وملك المخلوق. وبهذا عرفنا أن قولنا: إن الله منفرد بالملك قول صحيح لا يستثنى منه شيء.

وكذلك التدبير، فإنه قد يكون للإنسان، فإنه يدبر مثل أن يدبر خادمه أو مملوكه، أو سيارته، أو ماشيته فله تدبير، لكن هذا التدبير ليس كتدبير الله، فهو تدبير ناقص ومحدود. ناقص إذ لا يملك التدبير المطلق في ماله فأحياناً يدبر البعير لكن البعير تعصيه، وأحياناً يدبر الإنسان ابنه فيعصيه كذلك، وكذلك هو تدبير محدود فلا يمكن أن يدبر الإنسان إلا ماله السيطرة والسلطة عليه التي جعلها الشارع له وبهذا صح أن نقول: إن الله منفرد بالتدبير كما قلنا : إنه منفرد بالخلق، والملك.



ثالثاً: الإيمان بألوهيته:

وهو أن يؤمن الإنسان بأنه سبحانه هو الإله الحق، وأنه لا يشاركه أحد في هذا الحق لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول:

]لا إله إلا الله[.

]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[(1)

]ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[(2).

لو أن أحداً آمن بوجود الله، وآمن بربوبية الله، ولكنه يعبد مع الله غيره فلا يكون مؤمناً بالله حتى يفرده سبحانه بالألوهية.

وقد يقول قائل: إن الله تعالىأثبت وصف الألوهية لغيره فقال تعالىعن إبراهيم:

]أئفكاً آلهة دون الله تريدون[(3)

وقال تعالى:

]ولا تدع مع الله إلهاً آخر[(4)

إلى غير ذلك من الآيات فكيف يصح أن تقول: إن الله متفرد بالألوهية؟

فالجواب: أن الألوهية المثبتة لغير الله ألوهية باطلة، ولهذا صح نفيها نفياً مطلقاً في مثل قول الرسل عليهم الصلاة والسلام لأقوامهم:

]اعبدوا الله مالكم من إله غيره[(5)

لأنها آلهة باطلة:

]ذلك بأن الله هو الحق وأن مايدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير[(6).



رابعاً: الإيمان بأسمائه وصفاته:



وهذا معترك الفرق المنتسبة للإسلام بالنسبة لإفراد الله تعالىبالأسماء والصفات، فقد انقسموا إلى فرق شتى أصولها ثلاثة:

الأول: الإيمان بالأسماء دون الصفات.

الثاني: الإيمان بالأسماء والصفات.

الثالث: الإيمان بالأسماء وبعض الصفات.

وهناك غلاة ينكرون حتى الأسماء، فيقولون: "إن الله - عز وجل - ليس له أسماء ولا صفات" لكننا تركناها لأنها متشعبة.

السلف الصالح الذين كانوا على ماكان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه يقرون بالأسماء والصفات اتباعاً لما جاء في كلام الله - عز وجل - قال تعالى:

]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[(1)

وهذا دليل إثبات الأسماء لله تعالى، وأما الدليل على إثبات الصفات فقوله تعالى:

]ولله المثل الأعلى[(2)

ومعنى]المثل الأعلى[ أي الوصف الأكمل، ففي الآيتين عمومان:

أحدهما: في الأسماء.

والآخر: في الصفات.

أما التفاصيل فكثيرة في القرآن والسنة.

وهناك من يثبت الأسماء دون الصفات فيقول: إن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وهذا هو المشهور في مذهب المعتزلة.

والفريق الثالث: يثبت الأسماء وبعض الصفات، فيثبت من الصفات سبعاً وينكر الباقي، والسبع هي:

1.الحياة.

2.والعلم.

3.والقدرة.

4.والسمع.

5.والبصر.

6.والإرادة.

7.الكلام.

جمعها السفاريني في عقيدته بقوله:
له الحياة والكلام والبصر سمع إرادة وعلم واقتدر
بقـدرة تعلقت بمـمكـن كـذا إرادة فعِ واستبنِ


يقولون: إن هذه الصفات دل عليها العقل فنثبتها، وما عداها فالعقل لا يدل عليها فلا نثبتها.

فيقولون: إن الموجودات دالة على إيجاد، والإيجاد يدل على القدرة، فلا يمكن إيجاد بلا قدرة وهذا دليل عقلي، ويقولون إن التخصيص يدل على إرادة أي كون هذه شمساً ، وهذا قمراً ، وهذه سماء، وهذه أرضاً كل ذلك يدل على إرادة وأن الذي خلقها أراد أن تكون على هذا الوجه، وهذا دليل عقلي أيضاً.

وإذا نظرنا في الخلق وجدناه خلقاً محكماً متقناً، والإحكام يدل على العلم، لأن الجاهل لايتقن.

فثبتت الآن ثلاث صفات: القدرة، والإرادة، والعلم.

ثم قالوا: إن هذه الثلاث لا تقوم إلا بحي ومن ثم ثبت أنه حي، فالحي إما أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً، أو أعمى أصم أخرس، والصمم، والعمى، والخرس صفات نقص، والسمع، والبصر، والكلام صفات كمال، فوجب ثبوت الكمال للحي.

فهذه أدلتهم وهي أدلة عقلية، فلذلك أثبتوا هذه الصفات السبع.

فإذا قيل له: تثبت لله رحمة؟ قال: لا أثبت له الرحمة، لأني أفسرها بما أعتقد وأقول: الرحمة إرادة الإحسان، أو هي الإحسان نفسه، فلا يفسرها بصفة.

ولكن نقول: هذا خطأ بل نحن نستدل بالعقل على ثبوت الرحمة بما نشاهد من آثارها، فالنعم التي لاتعد، والنقم التي تدفع عنا هي بسبب الرحمة، ودلالة هذه النعم على صفة الرحمة أقوىمن دلالة التخصيص على صفة الإرادة، لأن دلالة هذه النعم على الرحمة يعرفها العامي والخاص، ومع هذا فينكر هؤلاء صفة الرحمة ويثبتون صفة الإرادة.

وبذلك تعرف أن كل من حاد عن طريق السلف فهو في تناقض مطرد، لأن الباطل لا يأتلف أبداً:

]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً[(1)

وموقفنا نحن من الإيمان بأسماء الله وصفاته، أن نثبت ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الصفات، وأن ننزه هذا الإثبات عن محظورين عظيمين وهما: التمثيل، والتكييف، ودليل ذلك السمع والعقل قال تعالى:

]ليس كمثله شيء[(2).

]فلا تضربوا لله الأمثال[(3) .

]هل تعلم له سميّاً[(4) .

]فلا تجعلوا لله أنداداً[(5)

والنصوص في هذا المعنى كثيرة.

أما العقل، فإننا نقول: لا يعقل أبداً أن يكون الخالق مماثلاً للمخلوق لما بينهما من التباين العظيم ، فالخالق موجِد، والمخلوق موجَد ، والخالق أزلي أبدي الوجود ، والمخلوق جائز الوجود قابل للفناء بل هو فان قال تعالى :

]كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام[(6).



قال بعض السلف ـ رحمهم الله ـ: إذا قرأت هذه الآية:

]كل من عليها فان[(7) فلا تقف عليها فصلها بما بعدها:]ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام[(8) ليتميز الفرقان المبين بين الخالق والمخلوق، وليعرف كمال الله - عز وجل - ونقص ما سواه.



لكن لو قال لنا قائل: مما وصف الله به نفسه أن له وجهاً كما قال سبحانه:

]ويبقى وجه ربك[(1)

وأنا لا أعقل من الوجه إلا مثل وجه المخلوق فيلزم من إثبات الوجه لله التمثيل، لأن القرآن عربي، والوجه هو مايتعارف بين الناس وأكمل الوجوه وجوه البشر، فوجه الله كوجه الإنسان مثلاً فماذا نقول له؟

نقول له: إن هذا الفهم فهم خاطئ، لأن الوجه مضاف إلىالله، والمضاف بحسب المضاف إليه، فوجه الله يليق بالله، ووجه الإنسان يليق بالإنسان، ونقول له أيضاً: أنت لك وجه، والأسد له وجه، والهر له وجه، فإذا قلنا : وجه الإنسان، ووجه الأسد، ووجه الهر، فهل يلزم من ذلك التماثل؟! فلا أحد يقول: إن وجهه يماثل وجه الهر، أو الأسد أبداً.

إذاً نعرف من هذا أن الوجه بحسب ما يضاف إليه، فإثباتنا لصفات الله - عز وجل - لا يستلزم أبداً المماثلة بين الخالق والمخلوق بدليل السمع وبدليل العقل.

الثاني: التكييف: أي إن صفات الله - عز وجل - لا تكيف تقديراً بالجنان ولا نطقاً باللسان، ودليل ذلك سمعي وعقلي أيضاً.

الدليل السمعي قوله تعالى: ]ولا يحيطون به علماً[(2).

وقوله:]ولا يحيطون بشيء من علمه[(3)

على أحد التفسيرين وقوله تعالى:

]قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون[(4)

وقوله:

]ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً[(5)

فمن كيف صفة الله فقد قال على الله مالا يعلم.

أما الدليل العقلي لامتناع التكييف فإننا نقول: لا يمكن لأي إنسان أن يعرف كيفية الشيء إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه.

مثل: لو أني شاهدت مسجلاً بعينه فإني أعرف كيفيته لأنني شاهدته بعيني أو مشاهدة نظيره مثل أن يأتيني رجل ويقول: عندي سيارة واشتريتها موديل 88 مثلاً، وصفتها كذا، ولونها كذا، فإنه يمكنني معرفة هذه السيارة، مع أني لم أشاهدها، لأني أعرف نظيرها وأشاهده.

ومثال الخبر الصادق عندي مثل: أن يأتيني رجل ويقول : عندي بعير صفته كذا وكذا، وعليه الوسم الفلاني، فهذا عرفت كيفيته بالخبر الصادق.

إذا طبقنا هذه القاعدة العقلية على صفات الله ـ عز وجل ـ، فإنه لا يمكن أن نعرف صفات الله - عز وجل - بهذه الوسائل الثلاث، لأننا لم نشاهد ولم نشاهد نظيراً ولم نخبر عنه.

ولهذا قال بعض العلماء : إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف ينزل؟

فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل، فعلينا أن نؤمن بما بلغنا وأن نمسك عما لم يبلغنا. ونظير ذلك قول مالك - رحمه الله - حين سأله سائل:

]الرحمن على العرش استوى[(1)

كيف استوى؟

فأطرق الإمام مالك برأسه تعظيماً لهذا السؤال وتحملاً وتحسباً له حتى علاه الرحضاء ـ أي العرق ـ ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي تعتبر ميزاناً لجميع الصفات قال له: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

فكل من سأل عن كيفية صفة من صفات الله قلنا له: أنت مبتدع فوظيفتك أن تؤمن بما بلغك وتسكت عما لم يبلغك.







(1) سورة الزخرف، الآية: 39.


(2) سورة يس، الآية: 40.


(1) سورة الطور، الآية: 35.


(2) سورة الأنبياء، الآية: 76.


(3) سورة الأنبياء، الآيتان: 83-84.


(4) سورة الأعراف، الآية: 172.


(5) سورة النساء، الآية: 82.


(1) سورة النساء، الآية: 46.


(2) سورة البقرة، الآية: 117.


(3) سورة فاطر، الآية: 1.


(4) سورة الفاتحة: الآية: 4.


(5) سورة السجدة، الآية: 5.


(6) سورة المؤمنون، الآية 14.


(1) سورة المؤمنون، الآية: 14.


(2) سورة النور، الآية: 6.


(1) سورة الأنبياء، الآية: 25.


(2) سورة النحل، الآية: 36.


(3) سورة الصافات، الآية: 86.


(4) سورة القصص، الآية: 88.


(5) سورة الأعراف، الآية: 59.


[url=http://wadil
 
avatar

allel ali

عضو جديد
البلد/ المدينة :
djelfa-algerie
العَمَــــــــــلْ :
prof
المُسَــاهَمَـاتْ :
45
نقاط التميز :
74
التَـــسْجِيلْ :
28/10/2010
بارك الله فيك
 
سوسو*

سوسو*

عضو متميز
رقم العضوية :
8233
البلد/ المدينة :
زريبة الوادي
العَمَــــــــــلْ :
طالبة
المُسَــاهَمَـاتْ :
2099
نقاط التميز :
2568
التَـــسْجِيلْ :
24/12/2010
جزاك الله خيرا
 
lina gamra

lina gamra

طاقم المتميزين
رقم العضوية :
743
البلد/ المدينة :
أرض الله الواسعة
العَمَــــــــــلْ :
موظفة
المُسَــاهَمَـاتْ :
2857
نقاط التميز :
3865
التَـــسْجِيلْ :
13/07/2010
شكرا على الموضوع الرائع
 

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى