د.بوترعة بلال
عضو متميز
- رقم العضوية :
- 4072
- البلد/ المدينة :
- وادي العرب
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 2087
- نقاط التميز :
- 2645
- التَـــسْجِيلْ :
- 21/10/2010
الإعجاز التشريعي في رخصة تعدد الزوجات
ومن معجزات القرآن الكريم أن أعلى حد لاختلال نسبة الإناث البالغات إلى الذكور البالغين لم تتعد أبدا نسبة (4-1) وذلك نتيجة للحروب الواسعة النطاق ( كالحربين العالميتين الأولى والثانية, وقد استمرت الأولى لأكثر من أربع سنوات متواصلة, وكان ضحاياها من القتلى أكثر من عشرين مليون نفس, ويقدر المشوهون بضعف هذا الرقم واستمرت الثانية لست سنوات متتالية وكان قتلاها أكثر من خمسة وخمسين مليونا من الأنفس, كان أغلبهم من الشباب المقاتلين والمدنيين , ويقدر المشوهون بأضعاف هذا الرقم ). وحين يأتي القرآن الكريم ليحدد أعلى نسبة لتعدد الزوجات بأربعة , يعتبر شهادة صدق على أن هذا تحديد من رب العالمين الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء , وذلك لأن اختلال نسبة الإناث إلى الذكور لم تتجاوز تاريخيا نسبة (4-1), بل دارت في حدودها.
ولعل انتشار فوضى العلاقات الجنسية في مختلف المجتمعات غير المسلمة, وما يسودها من مختلف شور استباحة الأعراض, وزنا المحارم, والشذوذ الجنسي, والعزوف عن الزواج, أو المساكنة بين الجنسين دون أدنى رباط, والخيانات الزوجية المتبادلة بين الطرفين, والمخادنات السرية والعلنية, وما يرافق ذلك من الأبناء غير الشرعيين, وارتفاع معدلات الطلاق, وكثرة العوانس, وما يرافق هؤلاء من المآسي الإنسانية والمشاكل النفسية والاجتماعية, وضياع الأخلاق, وانحطاط المعايير, وانقلاب الموازين, وانتشار الجرائم, ولعل في ذلك- وفي ما هو أبشع منه من سلوكيات بشرية تعافها الحيوانات العجماء- ما يكفي دليلا قاطعا على وجه الإعجاز التشريعي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال والتي تحض على الزواج من اليتامى دون استغلال ضعفهن في ساحة اليتم, فيطمع في أموالهن أو في جمالهن دون الوفاء بحقوقهن كاملة غير منقوصة. فإن تعرض أحد المسلمين لهذه الفتنة فالأولى به أن يتزوج من غير اليتامى بواحدة أو بأكثر من واحدة, إلى الحد الأعلى بأربع- هذا إذا دعت ظروفه الخاصة أو الظروف العامة لمجتمعه إلى ذلك على أن يكون قادرا على تحقيقه وحمل تبعاته, وأن يحقق العدل في النفقة, والمعاشرة, والمباشرة, والمعاملة بين أزواجه. فهناك حد لا يتجاوزه المسلم هو أربع زوجات, وهناك قيد هو إمكان تحقيق العدل, وإلا (... فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) من الإماء.
والتشريع الإسلامي هو صياغة ربانية خالصة, ولذلك فهو يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة ولا يعارضها, ويلبي كل ضرورياتها واحتياجاتها بكفاءة وعدل وموضوعية, مع المحافظة على كرامة الإنسان وحقوقه (ذكرا كان أو أنثى ) في كل أمر من الأمور وفي كل بيئة من البيئات, وفي كل زمان ومكان.
والزواج من الأمة المملوكة فيه رد لاعتبارها, ومحافظة على كرامتها الإنسانية, لأن الزواج هو من مؤهلات التحرير من الرق لها ولنسلها من بعدها- حتى ولو لم يعتقها لحظة الزواج- فهي منذ اليوم الذي تلد فيه لسيدها تصبح أما لولده, وبالتالي يمتنع عليه بيعها , وصارت حرة وصار ولده منها كذلك حرا منذ لحظة مولده.
كذلك عند التسري بها, فإنها إذا ولدت أصبحت أم ولده, وامتنع بيعها , وصارت حرة, وصار ولده منه كذلك حرا, وهذا ما كان يحدث عادة. فالزواج والتسري كلاهما من طرق التحرير العديدة التي شرعها الإسلام للتخلص من نظام العبيد الذي كان منتشرا في مختلف أجزاء الأرض قبل بعثة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وجاء الإسلام بتشريعاته الإنسانية لتحرير العبيد من ربقة الرق.
والضرورة التي أباحت الاسترقاق في الحرب, هي ذاتها التي أباحت التسري بالإماء أولا للمعاملة بالمثل, لأن مصير الحرائر العفيفات من المسلمات اللائي كن يقعن في أسر الكفار والمشركين كان شرا من هذا المصير! وثانيا للإيمان بأن هؤلاء الأسيرات المسترقات من الكافرات والمشركات لهن مطالب فطرية لا بد وأن تلبى ما دام نظام الرق قائما إما بالزواج أو بالتسري لأن هذه المطالب لا يمكن إغفالها في أي نظام إنساني واقعي يراعي فطرة الإنسان, وإلإ شاعت الفاحشة في المجتمع, وهذا ما يأباه الإسلام ويحرمه تحريما قاطعا.
ونظام الرق كان شائعا في مختلف المجتمعات الإنسانية قبل البعثة المحمدية الشريفة, وكان الرقيق من النساء هن السبب الأول في إشاعة حالة من الانحلال الأخلاقي, والفوضى الجنسية التي لا ضابط لها ولا رابط حين لم يكن أمامهن سبيل لإشباع حوائجهن الفطرية في دائرة التسري مع السيد أو الزواج منه ألا التفحش والابتذال الذي أفسد كثيرا من المجتمعات الإنسانية التي كان منها مجتمع الجزيرة العربية في زمن الجاهلية, وجاء الإسلام لتطهير تلك المجتمعات من أدران الزنا, والخنا, والفحش, والتسيب في السلوك, وفي تحريم مختلف العلاقات غير المشروعة بين الجنسين.
أما الاستكثار من الإماء عن طريق الشراء من النخاسين فليس من الإسلام في شئ, وإن وقع فيه بعض المسلمين في القديم, وذلك لأن دين الله الذي يعتبر الناس جميعا إخوة وأخوات ينتهي نسبهم إلى أب واحد هو آدم- عليه السلام- وإلى أم واحدةهي حواء- عليها من الله الرضوان- لا يمكن أن يسمح باستعباد الأخ لأخيه ولا أخته, ولذلك جاء بالحلول المنطقية لتصفية جريمة الاسترقاق التي كانت سائدة في مختلف بقاع الأرض . وبهذا الاستعراض يتضح وجه الإعجاز التشريعي في الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال, والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل.