أبو الفداء
عضو مساهم
- البلد/ المدينة :
- لا شيء
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 210
- نقاط التميز :
- 257
- التَـــسْجِيلْ :
- 29/09/2012
وكما قال منظّرو العلمانية أن شرائعهم ليس لها صبغة دينية، لظنهم أن الدين هو ما يتعلق بالشعائر والعقائد الغيبية، وذلك هو مدلول كلمة "المتدين" عندهم، كذلك قال هؤلاء العلماء في تهوينهم من كفر أتباع الطاغوت أنهم لم يقولوا أن شرائعهم دين أو أنها من عند الله، وأن الناس لا تعتقد بقداسة الحكام، ولذلك لا يدخلون في معنى قول الله –تعالى–: [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ] [الشورى:21].
رغم أن الله –تعالى– قرر باْن شرائع المجتمع دين مثلها مثل الشرائع الأخرى، فقال عن قانون الملك: [مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ] [يوسف: 76]، وقال عن وجوب تطبيق العقوبات الشرعية: [وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ] [النور: 2].
ويحق لنا أن نتساءل إن كان يؤمن هؤلاء بأن هذه النظم من ديمقراطية واشتراكية وغيرها أديان أم لا؟ فإن لم يؤمنوا بذلك فهم علمانيون لا يكفرون بأديان الكفار ويعتبرونها مباحات أو كفرا أصغر أو معاص لا تنفي الإسلام، وبالتالي يحلون الدخول في دينين مختلفين، واِن أمنوا بأنها أديان فإنه يجب عليهم الكفر بها وتكفير متبعها، كما يكفرون بالنصرانية ويكفِّرون أتباعها، فإن لم يستجيبوا فسواء عليهم أصلوا وحجوا بيت الله الحرام أو عبدوا الصلبان وشربوا الخمور، وسواء عليهم ألبست نساؤهم لباس المسلمات أو لباس الجاهليات.
إن ما نؤمن به كمسلمين أن هذه المذاهب ما دامت تخالف الإسلام فهي أديان جاهلية، تندرج ضمن قول الله -عز وجل-: [وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] [آل عمران: 85]، وإن تضافرت الأمة على اتباعها أو عدم الكفر بها فإنه يصح فيهم قول الله -تبارك وتعالى-: [لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ] [الكافرون: 6]، ومادام شرعهم واحدا كسائر الكفار مخالفا لشرع الله ولهم مبادئ ونظم كالديمقراطية والإشتراكية وغيرها فهم على دين واحد.
ومادام شرع الله في العلاقات العامة دينا، وقد حصروه عن هذه المجالات، وجعلوا مكانه شرائع تحتل تلك المساحة التي كان يحتلها، فهي دين لأنها حلت محله.
لقد نشر الغرب النصرانية إثر توسعه في العالم، ونشر العلمانية بصورة أوسع حتى عمت الأرض، فاتبعها الناس كما اتبعوا الإسلام نتيجة الفتوحات، وبالتالي لا تعني إلا اعتناق دين جديد.
وكذلك يظهر تفسيرهم للدين بالمعنى العلماني من مجاراتهم للغربيين في القول بأن الشيوعية –مثلا- تنكر الأديان، والأصح أن يقال أنها تنكر الإعتقادات الغيبية وما يصحبها من شعائر، لأن الدين هو أي منهج حياة، سواء اقتصر على عالم الشهادة أو الغيب أو جمع بينهما، حتى الشيوعية من منظور الإسلام وتعريفه هي دين.
فالعلمانية عندما تتكلم عن الدين تقصد ما يتضمن الشعائر والعقائد الغيبية وتسوي بينها، والإسلام من جهته يعتبر كل المذاهب أديانا ومنها العلمانية نفسها، ويسوي بينها، فالكفر ملة واحدة.
إن ما يسمونه باللادينية هو دين، كما أن اللاإنتماء إنتماء واللامذهبية مذهب، وهذا ليس تلاعبا بالألفاظ، فاللامنتمي واللامتدين واللامتمذهب قصدوا بأسمائهم تلك التخلي عن الأديان والإنتماءات والمذاهب الموجودة من قبل، وكما أنهم مستقلون ومتحررون منها فأتباعها أيضا متحررون من هذا الإنتماء الجديد، فهو اتباع لأمر ما والتزام به وإن لم يقر صاحبه بذلك، لأنه حل محل الإنتماءات الأخرى وغطى المساحة التي كانت تغطيها.
ولولا ذلك لكان خارج دائرة الجاهلية التي ينكرها الإسلام، وكل ما خالف الإسلام فهو من دين الجاهلية، فالإنسان لا يخرج عن الإسلام أو الكفر، قال الله –عز وجل-: [هُوَ الذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ] [التغابن: 2].
يقول البعض بأن الإسلام دين ودولة، ويقول آخرون: هو دين بلا دولة أو دين وأمة، وكل هذه المصطلحات باطلة إذا ما قورنت بتعريف الإسلام للدين، فحتى الذين يقولون بأن الإسلام دين ودولة انطلقوا من المفهوم العلماني للدين، وهو الذي يخص الفرد، ثم ضُمت إليه الدولة كمجال مستقل عنه.
إن الإسلام دين وكفى، ولا فرق بين أن يكون دين الدولة أو دين الشعب، ولا فرق بين ما فيه من شرائع خاصة بالفرد وأخرى خاصة بعلاقات الجماعة فيما بينها، وحتى فيما بين الجماعات، ولم يكن النبي –صلى الله عليه وسلم– ولا غيره من الأنبياء يفرقون بين هذه وتلك في تنظيمهم لمجتمعاتهم.
إن الذي يواجه العلمانية يجد نفسه وجها لوجه أمام هذه المناهج المنتسبة إلى الإسلام والسلف الصالح، لا في أمور جانبية، ولكن في الأصول التي تقوم عليها، وهذا التشابه قد لا يكون مقصودا، لكن أملته المعطيات والواقع الذي يعيشونه جميعا، ولذلك تتشابه ردودهم على دعوة الإسلام.
وكما يتكلم العلمانيون عن "الإسلام السياسي" ليظن الناس بأن الأصل في الإسلام هو العقيدة والشعائر التي هي علاقة بين العبد وربه، وأن هذا هو الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، أما التقيد بشريعة الله في نظام المجتمع فهو إسلام سياسي غير الإسلام الأول، فهو مبتدع ومحدَث في هذا العصر، ولم يعرفه المسلمون الأولون في زعمهم، وكما فرقوا بين المسلم والإسلامي الذي يعمل لتحكيم شرع الله، حتى يظهر بأن ما يطالب به نافلة أو أمرا زائدا عن المطلوب ماداموا كلهم مسلمين.
كذلك فعل المشايخ الذين هم حرّاس لنظام العلمانية قصدا أو غفلة، يقول علي حسن الحلبي في "التحذير من فتنة الغلو في التكفير" (4) ردًًّا على الذين حصروا التوحيد في الإحتكام: (وهذا عند عدد من أهل العلم مشابهة لعقائد الشيعة الشنيعة الذين جعلوا الإمامة أعظم أصول الدين)، لكن التحاكم إلى الله وحده صورة من صور التوحيد بخلاف عقيدة الإمامية التي تنسب الألوهية للأئمة.
وربطوا توحيد الإحتكام بخروج الخوارج على علي بن أبي طالب في قضية التحكيم، ليظهروا بأن الدعوة للإحتكام إلى الله وحده أمر جديد مبتدع، كسائر ما ابتدعته الفرق الضالة، وكأن عليا ومن عاشوا قبل هذه الحادثة كانوا يحتكمون إلى شرع غير الله.
لقد رأى الخوارج أن معاوية وأصحابه طائفة باغية قد حكم الله فيها، ولا داعي لأي تحكيم بعدها، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم– احتكم إلى سعد بن معاذ لما دعاه اليهود إلى تحكيمه، إذ أن اليهود كانوا طائفة باغية، وقد فوض الله حكمهم لاجتهاد المسلمين.
وقد احتج الخوارج جاهلين بقول الله: [إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ] [يوسف: 40]، رغم أن عليا احتكم إلى من يحكم بكتاب الله، بخلاف زماننا هذا الذي اتخذ الناس فيه شرائع أخرى مخالفة لكتاب الله، ومع ذلك يصر هؤلاء على وجود تشابه بين الواقعتين بالأمس واليوم.
ومع هذا لم يتخل علي ولا غيره من المسلمين عن معنى الآية الصحيح لما حرفه الخوارج، لأنه لا يصح رد الحق بسبب ما علق به من باطل، والتجني على الحق بسبب الباطل ظلم، لكن القوم اليوم اتخذوا انحراف الخوارج حجة في انحراف أكبر منه.
وأحيانا يريد بعض العلماء أن ينفي العلمانية بقوله: ليست الصلاة وحدها هي العبادة بل التسامح والرحمة والعمل والصناعة وغيرها عبادة أيضا، وهذا تقره العلمانية لأنه في صالحها، لكن أين هؤلاء من نظام المجتمع أليس عبادة؟! فالإسلام ليس أخلاقا فقط، وإنما يسير المجتمع وفق أحكامه أيضا.
وقد أفتى بعضهم بأن العلمانيين إن صلوا وتشهدوا كانوا مسلمين، وهذا لجهلهم بأن العلماني قد يوافق الإسلام في الشعائر والمعتقدات الغيبية، ويجعل غايته منها وجه الله والدار الآخرة، ولا ينكر دين الله في هذا المجال، ولكنه ينظم مجتمعه وفق شرع الطاغوت.
وقد تجد من يتمسكون بالسنة ينكرون على بعض الحكام تصوّفهم أو تشيعهم، ولا ينكرون عليهم علمانيتهم، لأنهم لا يعتبرونها كفرا بالله، ويفرقون بين الفاتيكان والأمم المتحدة، وإنما يجري التعتيم من قِبلهم على هذا الكفر.
إن هذه العقائد ثمرة لتغلب العلمانية وتمكنها في البلاد، وإن أتباعها ليسوا بعيدين عن منهج السلف الصالح فحسب، ولكنهم ليسوا مسلمين أصلا.
رغم أن الله –تعالى– قرر باْن شرائع المجتمع دين مثلها مثل الشرائع الأخرى، فقال عن قانون الملك: [مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ] [يوسف: 76]، وقال عن وجوب تطبيق العقوبات الشرعية: [وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ] [النور: 2].
ويحق لنا أن نتساءل إن كان يؤمن هؤلاء بأن هذه النظم من ديمقراطية واشتراكية وغيرها أديان أم لا؟ فإن لم يؤمنوا بذلك فهم علمانيون لا يكفرون بأديان الكفار ويعتبرونها مباحات أو كفرا أصغر أو معاص لا تنفي الإسلام، وبالتالي يحلون الدخول في دينين مختلفين، واِن أمنوا بأنها أديان فإنه يجب عليهم الكفر بها وتكفير متبعها، كما يكفرون بالنصرانية ويكفِّرون أتباعها، فإن لم يستجيبوا فسواء عليهم أصلوا وحجوا بيت الله الحرام أو عبدوا الصلبان وشربوا الخمور، وسواء عليهم ألبست نساؤهم لباس المسلمات أو لباس الجاهليات.
إن ما نؤمن به كمسلمين أن هذه المذاهب ما دامت تخالف الإسلام فهي أديان جاهلية، تندرج ضمن قول الله -عز وجل-: [وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] [آل عمران: 85]، وإن تضافرت الأمة على اتباعها أو عدم الكفر بها فإنه يصح فيهم قول الله -تبارك وتعالى-: [لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ] [الكافرون: 6]، ومادام شرعهم واحدا كسائر الكفار مخالفا لشرع الله ولهم مبادئ ونظم كالديمقراطية والإشتراكية وغيرها فهم على دين واحد.
ومادام شرع الله في العلاقات العامة دينا، وقد حصروه عن هذه المجالات، وجعلوا مكانه شرائع تحتل تلك المساحة التي كان يحتلها، فهي دين لأنها حلت محله.
لقد نشر الغرب النصرانية إثر توسعه في العالم، ونشر العلمانية بصورة أوسع حتى عمت الأرض، فاتبعها الناس كما اتبعوا الإسلام نتيجة الفتوحات، وبالتالي لا تعني إلا اعتناق دين جديد.
وكذلك يظهر تفسيرهم للدين بالمعنى العلماني من مجاراتهم للغربيين في القول بأن الشيوعية –مثلا- تنكر الأديان، والأصح أن يقال أنها تنكر الإعتقادات الغيبية وما يصحبها من شعائر، لأن الدين هو أي منهج حياة، سواء اقتصر على عالم الشهادة أو الغيب أو جمع بينهما، حتى الشيوعية من منظور الإسلام وتعريفه هي دين.
فالعلمانية عندما تتكلم عن الدين تقصد ما يتضمن الشعائر والعقائد الغيبية وتسوي بينها، والإسلام من جهته يعتبر كل المذاهب أديانا ومنها العلمانية نفسها، ويسوي بينها، فالكفر ملة واحدة.
إن ما يسمونه باللادينية هو دين، كما أن اللاإنتماء إنتماء واللامذهبية مذهب، وهذا ليس تلاعبا بالألفاظ، فاللامنتمي واللامتدين واللامتمذهب قصدوا بأسمائهم تلك التخلي عن الأديان والإنتماءات والمذاهب الموجودة من قبل، وكما أنهم مستقلون ومتحررون منها فأتباعها أيضا متحررون من هذا الإنتماء الجديد، فهو اتباع لأمر ما والتزام به وإن لم يقر صاحبه بذلك، لأنه حل محل الإنتماءات الأخرى وغطى المساحة التي كانت تغطيها.
ولولا ذلك لكان خارج دائرة الجاهلية التي ينكرها الإسلام، وكل ما خالف الإسلام فهو من دين الجاهلية، فالإنسان لا يخرج عن الإسلام أو الكفر، قال الله –عز وجل-: [هُوَ الذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ] [التغابن: 2].
يقول البعض بأن الإسلام دين ودولة، ويقول آخرون: هو دين بلا دولة أو دين وأمة، وكل هذه المصطلحات باطلة إذا ما قورنت بتعريف الإسلام للدين، فحتى الذين يقولون بأن الإسلام دين ودولة انطلقوا من المفهوم العلماني للدين، وهو الذي يخص الفرد، ثم ضُمت إليه الدولة كمجال مستقل عنه.
إن الإسلام دين وكفى، ولا فرق بين أن يكون دين الدولة أو دين الشعب، ولا فرق بين ما فيه من شرائع خاصة بالفرد وأخرى خاصة بعلاقات الجماعة فيما بينها، وحتى فيما بين الجماعات، ولم يكن النبي –صلى الله عليه وسلم– ولا غيره من الأنبياء يفرقون بين هذه وتلك في تنظيمهم لمجتمعاتهم.
إن الذي يواجه العلمانية يجد نفسه وجها لوجه أمام هذه المناهج المنتسبة إلى الإسلام والسلف الصالح، لا في أمور جانبية، ولكن في الأصول التي تقوم عليها، وهذا التشابه قد لا يكون مقصودا، لكن أملته المعطيات والواقع الذي يعيشونه جميعا، ولذلك تتشابه ردودهم على دعوة الإسلام.
وكما يتكلم العلمانيون عن "الإسلام السياسي" ليظن الناس بأن الأصل في الإسلام هو العقيدة والشعائر التي هي علاقة بين العبد وربه، وأن هذا هو الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، أما التقيد بشريعة الله في نظام المجتمع فهو إسلام سياسي غير الإسلام الأول، فهو مبتدع ومحدَث في هذا العصر، ولم يعرفه المسلمون الأولون في زعمهم، وكما فرقوا بين المسلم والإسلامي الذي يعمل لتحكيم شرع الله، حتى يظهر بأن ما يطالب به نافلة أو أمرا زائدا عن المطلوب ماداموا كلهم مسلمين.
كذلك فعل المشايخ الذين هم حرّاس لنظام العلمانية قصدا أو غفلة، يقول علي حسن الحلبي في "التحذير من فتنة الغلو في التكفير" (4) ردًًّا على الذين حصروا التوحيد في الإحتكام: (وهذا عند عدد من أهل العلم مشابهة لعقائد الشيعة الشنيعة الذين جعلوا الإمامة أعظم أصول الدين)، لكن التحاكم إلى الله وحده صورة من صور التوحيد بخلاف عقيدة الإمامية التي تنسب الألوهية للأئمة.
وربطوا توحيد الإحتكام بخروج الخوارج على علي بن أبي طالب في قضية التحكيم، ليظهروا بأن الدعوة للإحتكام إلى الله وحده أمر جديد مبتدع، كسائر ما ابتدعته الفرق الضالة، وكأن عليا ومن عاشوا قبل هذه الحادثة كانوا يحتكمون إلى شرع غير الله.
لقد رأى الخوارج أن معاوية وأصحابه طائفة باغية قد حكم الله فيها، ولا داعي لأي تحكيم بعدها، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم– احتكم إلى سعد بن معاذ لما دعاه اليهود إلى تحكيمه، إذ أن اليهود كانوا طائفة باغية، وقد فوض الله حكمهم لاجتهاد المسلمين.
وقد احتج الخوارج جاهلين بقول الله: [إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ] [يوسف: 40]، رغم أن عليا احتكم إلى من يحكم بكتاب الله، بخلاف زماننا هذا الذي اتخذ الناس فيه شرائع أخرى مخالفة لكتاب الله، ومع ذلك يصر هؤلاء على وجود تشابه بين الواقعتين بالأمس واليوم.
ومع هذا لم يتخل علي ولا غيره من المسلمين عن معنى الآية الصحيح لما حرفه الخوارج، لأنه لا يصح رد الحق بسبب ما علق به من باطل، والتجني على الحق بسبب الباطل ظلم، لكن القوم اليوم اتخذوا انحراف الخوارج حجة في انحراف أكبر منه.
وأحيانا يريد بعض العلماء أن ينفي العلمانية بقوله: ليست الصلاة وحدها هي العبادة بل التسامح والرحمة والعمل والصناعة وغيرها عبادة أيضا، وهذا تقره العلمانية لأنه في صالحها، لكن أين هؤلاء من نظام المجتمع أليس عبادة؟! فالإسلام ليس أخلاقا فقط، وإنما يسير المجتمع وفق أحكامه أيضا.
وقد أفتى بعضهم بأن العلمانيين إن صلوا وتشهدوا كانوا مسلمين، وهذا لجهلهم بأن العلماني قد يوافق الإسلام في الشعائر والمعتقدات الغيبية، ويجعل غايته منها وجه الله والدار الآخرة، ولا ينكر دين الله في هذا المجال، ولكنه ينظم مجتمعه وفق شرع الطاغوت.
وقد تجد من يتمسكون بالسنة ينكرون على بعض الحكام تصوّفهم أو تشيعهم، ولا ينكرون عليهم علمانيتهم، لأنهم لا يعتبرونها كفرا بالله، ويفرقون بين الفاتيكان والأمم المتحدة، وإنما يجري التعتيم من قِبلهم على هذا الكفر.
إن هذه العقائد ثمرة لتغلب العلمانية وتمكنها في البلاد، وإن أتباعها ليسوا بعيدين عن منهج السلف الصالح فحسب، ولكنهم ليسوا مسلمين أصلا.