الفارس الملثم
طاقم الكتاب الحصريين
- البلد/ المدينة :
- barika
- المُسَــاهَمَـاتْ :
- 3599
- نقاط التميز :
- 7496
- التَـــسْجِيلْ :
- 01/01/2013
عمـــر وكليته اليسرى [ الجزء الأول]
في طيات الزمن الغابر , ومن المنبت الأصلي الخيمة , ومن صلب الشهامة والأنفة ولد عمر
رضع ثدي أمه , ومن دفء صدرها وحضنها استمد نموه , وقد أضفت عليه طبيعة البادية مسحة الأصالة والإيثار .
ومضى الزمن سريعا ..شمس تشرق وليل يطبق ..أكمل عمر تعلمه ..حفظ كتاب الله , في
كتاتيب البادية ..ثم رحل إلى بيت خاله بالمدينة حيث المدارس والثانويات والكليات والجامعات
حيث الأنوار والأزهار ..حيث الليل نهارا ..والدينار هو السائد ...حيث الرقي والحضارة ...
وتدحرج عمر على درجات سلالمها ...اكتنز بدنه ..صفا لبه.. نبت شاربه... واستوي أفقه ..
كل هذا في بيت خاله وهو رجل طيب كريم جواد حليم أما زوجة خاله فهي امرأة أصيلة تقف النساء دونها تقديرا وإجلالا ..إذا نطقت ترى الدر يتناثر من فمها , وإذا حدثت تسارعت الأقلام مدونة حكمتها, , وإذا حكمت فصلت , وإذا استدلت فلا تستدل إلا بالكتاب والسنة المحمدية الشريفة , ولا غرو في ذلك إنها ابنة الفقيه العابد الناسك الشيخ الطاهر ....
ومن لم يعاشرها كفاه شرفا أن يذكرها إنها حقا امرأة جزلة...
في هذا الجو اللطيف أكمل عمر دراسته حتى ما بعد الجامعة ,.... برجاحة عقل وتدبر ... فقد أخذ من خاله الحصاد كله ومن زوجة خاله الوقار جله....
وذات يوم وبينما كان يروح عن نفسه عناء التدريس وهو يتأمل في بركة حديقة المنتزه ..يتأمل الأسماك وهي تتموج في حركاتها وتحركها إذ به يلمح في الجهة المقابلة كوكبة من الناس متجمهرة والصراخ مجاهرة ... لم يشعر إلا وهو وسطهم وإذا بفتاة في مقتبل العمر تفترش الأرض ..تضغط بيمناها على الجهة اليسرى من خاصرتها ....تئن أنينا يفتت الصلد من الصخر تبكي... تصرخ بأعلى صوتها ....
دقائق حضرت سيارة الإسعاف ..نقلتها ....
وقف عمر مبهوتا مسحورا لم يحرك ساكنا وكأن شللا كساه .... اقتربت منه امرأة محجبة يبدو أنها في العقد الخامس أو يزيد قليلا حسب ملامح وجهها ... يظهر عليها أنها غريبة المكان
متوسطة الحال .. تقدمت منه بأدب وخلق طيب كما بان من كلامها
*- قالت له: يا ولدي تلك ابنتي التي نقلتها سيارة الإسعاف , ونحن غرباء عن هذه المدينة .فهل لك أن تساعدني إن كان في مقدروك..؟
*- قال لها عمر: لبيك خالتي
*- قالت: خذن إلى المكان الذي أخذوها إليه ؟
*- قال عمر: بكل سرور .
وصلا المستشفى ..الزحام.. أحص عدد الحصى ولا تحصي عدد الداخلين والخارجين ..أبواق سيارات الإسعاف لا تتوقف ..ممرات كثيرة ...لوائح الاتجاهات .. ملائكة الطب بمآزرهم البيضاء ..منهم من يحمل سماعة ومنهم من يحمل حافظات ورق .. جميعهم في غدو ورواح ...بين نازل وصاعد السلالم ..وآخرون على المصعد طلوعا وهبوطا ..هرج ومرج , وكأن يوم الحشر ..أو خلية نحل,ذاك هو...
استفسر عمر من موظفة الاستقبال ...دلته على الجهة ...
كل هذا والمرأة المرافقة له لم ينقطع دمعها و هلعها .. تمسك بيد عمر .وقد آلمه ذلك لكنه وحياء لم يشأ أن يفصل يده عن يدها ..فتحمل على مضض لكي لا يحرجها وتخفيفا من فزعها ...وأخيرا وبعد مشوار أعيا المرأة المسكينة كان الموقف رهيبا .
*- عمر: دكتور فضلا نحن أولياء الفتاة المصابة...هذه والدتها
*- الدكتور: نعم حالتها صعبة معقدة , لا بد من إجراء أشعة لنعلم ما خفي بدقة, حيث يبدو أن إحدى كليتيها مصابة
*- عمر: نعم وهو كذلك ...هل يمكن لنا نقلها الآن ؟
*- الدكتور: الآن.. لا يمكن ..غدا بحول الله .الساعة العاشرة
كان الحوار يدور بين عمر والدكتور بعيدا عن المرأة . وحتى وإن كان بقربها فهي حاضرة جسدا فقط فقلبها عند ابنتها وكيف هي...؟ المسكينة التائهة الحائرة جالسة ويداها على خديها
والعبرات سواقي جارية ..
عاد عمر إليها ..خالتي ..خالتي.
*- الأم : نعم يا ولدي... أين آمنة ؟.أين آمنة أخبرن أتوسل إليك ؟...أريد رؤيتها ...آمنة حبيبتي.. ثم انتفضت وكأنها ابنة العشرين ..راحت تهرول هنا وهناك تصرخ تنادي ابنتها. تحدق في الزوار وحتى المرضى ..تنظر يمينا وشمالا ... أين أبنتي ؟.. أين آمنة ..آمنة أين أنت حبيبتي ...؟
وبالكاد ما استطاع عمر وبعض الممرضات تهدئتها .
كانت شمس ذاك اليوم تودع بياضها كل ذلك وعمر لم يرد عن رنات جواله , ولما استقر به المقام فتح الخط .
*- إيه يا عمر ...أين أنت ؟... شغلتنا عليك ....
*- لا شيء مجرد شغل زوجة خالي العزيزة ...لا تقلقي علي؟. , سأعود بعد حين إن شاء الله ومعي ضيفة
*- ضيفة..؟. مرحبا بها ومن تكون يا من هي و سبب غيابي
*- عمر وسام بالمستشفى
*- ماذا .. ما ذا قلت وسام ابنتي بالمستشفى ؟ ما بها؟
*- عمر أهدأ هي بخير ...
*- أين رقية ؟.....هي معه طبعا..؟
*- نعم وأنى لها أن تكون؟
*- أي مستشفى ..؟
*- الجامعي..
*- إذن هي هنا..؟
*- ما ذا قلت ..؟
*- لا شيئ خالتي شكرا...شكرا..
بحلق عمر.. وقف.. قعد.. شبك ما بين أصابعه .. التفت يمنة ويسرة ...أيترك المرأة وحدها ...قسم الأطفال في الجهة الأخرى ..أيأخذها معه؟.. اختلط عليه الأمر ..
ولولا ما غرسته فيه زوجة خاله لتصرف ربما تصرفا آخر...
جلس بجانب المرأة ...استغفر الله ثم قال لها: خالتي هيا معي ..؟
*- الأم: ويلك وآمنة ..أنتركها وحدها هنا ..؟
*- عمر : يا خالتي لا تخشي على آمنة إنها في آمان ..وسنعود إليها..
*- إلى أين ستأخذني يا ولدي ..؟
*- عمر: لا تبالي خالتي ..المكان قريب..
مشت معه وقبلها منفطر على ابنتها .. وصلا الإثنان أين توجد ابنته وزوجته , وكانت خطوات عمر تسبق بكثير خطوات المرأة ..
وقبل أن ترد زوجته التحية بادرته : أين كنت يا عمر طيلة اليوم ..؟مالك لا ترد ...؟
*- عمر: كيف هي حبيبتي ..وسام حبيبتي .. حرارتها مرتفعة ..هل تم فحصها جيدا؟
*- نعم وها هي الوصفة/ قالت الزوجة
*- إذن هيا بنا ....؟ قال عمر
*- أين ....؟ قالت الزوجة
*-إلى البيت..؟
*- لا يمكن حتى الغد إن شاء الله. هذا أمر الطبيب.
*- من هو الطبيب؟
*- حسب الإشارة التي يحملها اسمه الطيب .
*- الطيب...الطيب.. آه افتكرته
*- هو يعرفك جيدا , بعد ما عرف اسم العائلة.
*- نعم ..نعم أنا أيضا اعرفه ولكن نسيت.. خالتي تفضلي هنا سأعود بسرعة .قال عمر
*- ومن السيدة؟ قالت الزوجة
*- تعرفين قصتها غدا.[ قالها همسا]
وصلا عمر والمرأة إلى البيت أين كانت زوجة خاله في استقبالهما بعد ما اعلمها عمر هاتفيا
رحبت بها.. حدثتها ..أحست بها وبما تحمل من أسى .. وقضت الليلة بجانبها تؤنس وتواسي
عمر ليس بالبيت ..قد قضى ليلته البيضاء بين الجناحين بين ابنته وزوجته , وبين الإطلال على الفتاة ..
لاحظت الفتاة ذلك ...توسمت خيرا... ابتسمت.. زال ألمها أخذ عمر مقعدا بجانب سريرها
*- هيه يا آمنة كيف أنت الآن .
*- الحمد لله ..لكن كيف عرفت اسمي سيدي..؟
لايهم كيف عرفت اسمك , المهم أن تكوني بخير إن شاء الله.
أومأت بعينيها وقالت : كانت أمي معي فأين هي .؟.
*- نعم إنها تنتظرك في بيتنا في بيت أمي ..أقصد بيت خالي .
تعجبت الفتاة آمنة من قوله فسارعت قائلة : بيت خالك لم أفهم صارحن أين أمي ؟
*- لا تفزعي أختي آمنة , هي عندنا في البيت ترتاح وسترينها صباحا إن شاء الله .
*- إذن أنا قاضية الليلة هنا ؟
*- وفي الصباح سنزور أخصائي .قال عمر
*- أخصائي ولما؟
*- لأخذ أشعة ..هذا أمر الدكتور .
*- عمر أخي وما بي ؟
*- يشك في إصابة في كليتك اليسرى.
*- أعلم ذلك ومنذ مدة ولكنني لم أشأ أن اخبر أمي بذلك
*- ولما يا آمنة ؟ وأنت كما يبدو مثقفة.
*- أخي عمر أنا جامعية , لا تنس هذا ؟.
*- دعينا من هذا الآن , استسمحك مقدار نصف ساعة وسأعود إن شاء الله .
*- لا تطل الغياب فأ... [ وكأنها استدركت نفسها]
*- هيه يا رقية هل هي نائمة ؟
*- وكنت أنا أيضا مثلها قد أجهدني التعب .قالت رقية
*- لا تبالي هيا معي لخطوات سأخبرك أمرا
*- وما هو ..ثم رافقته؟.
*- السلام عليك أختي..آمنة. قال عمر
نظرت إليه زوجته رقية وقالت آمنة [ بلكنة و استغراب]
جلست رقية بقرب آمنة .. غادرهما عمر ليتفقد ابنته ..وهكذا قضى ليلته كمكوك بين هنا وهناك ..............
الأشعة بيد الدكتور يدقق ويمحص ثم يقرأ خلاصة التقرير المرافق للأشعة
*- اسمع يا عمر .أصارحك لا بد من إجراء عملية فالأمر صعب
*- عملية ما معنى هذا أهناك خطر محدق دكتور .
*- الأمر أصعب مما نتصور فحتى كليتها اليمنى مصابة لكن أقل ضرر
*- أخطر يهدد حياتها ؟
*- أجل.
لم يتماسك عمر.... الدموع في عينيه , وحتى الدكتور نفسه كاد .
*- لكن... من يا ترى يعطيها كلية أو حتى يبيعها؟..ألها أقارب أو عشيرة .أو .قال الدكتور
*- أنا أنا دكتور أعطيها كليتي أيمكن ؟ قال عمر.
*- لكن بعد التحاليل سنرى إن كان يمكن ذلك فالأمر ليس بهذه البساطة .
*- هيا أسرع قم بالتحاليل يا دكتور أرجوك .
*- لا تتسرع هكذا يا عمر ومن رأيي إن أمكن نقلها إلى الأردن إذا كانت الحالة المادية تسمح
حيث الطب هناك متطور جدا جدا .
*- ولما الأردن يا دكتور قلت لك أنا أعطيها قم بعملك أتوسل إليك فحالتها كما أخبرتي خطيرة
ولا أسمح لنفسي أن أتأخر عن عمل مثل هذا...
كان الحديث يدور بمكتب الدكتور بعيدا عن آمنة وزوجته , وبينما هما في الحديث إذا بإحدى الممرضات تهرع للدكتور . أسرع أسرع دكتور فالفتاة أغمي عليها ...
زودوها بالأكسوجين ثم بعد قليل حين استردت وعيها حقنها بمهدئ .. ولما اطمأن
أخذ الدكتور بيد عمر قائلا له هيا على بركة الله...
وشاءت الأقدار أن تكون النتيجة ملائمة جدا..... ..أعطى عمر كليته لآمنة .......
ومضى على مكوثها بالمستشفى أزيد من شهرين ...تحملت زوجة خاله كل المصاريف
وجاء اليوم الذي قرر فيه الدكتور خروجها بعد ما تحسنت صحتها , فهي في أحسن حال
على أن تعود للمراقبة من حين لآخر ..
وفي بيت خاله وعند السيدة زوجة خاله الكريمة الطيبة الأصيلة تآلفت القلوب , وعم أطراف البيت وحناياه الود والوئام ...
مضى أكثر من نصف شهر وآمنة ووالدتها في بيت خاله ..تقدمت آمنة من عمر والجميع حضور وقالت له [ بصوت شبه خفي] أنا كذبت عليك مرتين يا عمر سامحني ففي المرة القادمة إن شاء الله يا عمر أقول لك ..
*- لعلها من الأكاذيب البيضاء ...قال عمر
معانقة ..دموع... حشرجة.. احتضان.. شهيق... بل قل بكاء
إنها ساعة الرحيل وكيف الرحيل وقد ألف كل من أفراد الأسرة الآخر تحت مظلة الرجل الطيب وزوجته الودود .لكن قلت: ساعة الرحيل ..
أثناء نزولهما درجات عتبة البيت قالت والدة آمنة : على أمل ترصيص حلقات الصداقة وتمتين الروابط نودعكم يا أهل الخير والحب ....
إبراهيم تايحي